الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ]
ُ [الْوِفَاقُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ] وَلَهُ شُرُوطٌ: الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ قَوْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْعَامَّةِ، وِفَاقًا وَلَا خِلَافًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18] وَقَالَ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» ، وَاحْتَجَّ الرُّويَانِيُّ بِمَا يُرْوَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ خَالَفَ الصَّحَابَةَ وَقَالَ: الْبَرَدُ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ. قَالَ: فَرَدُّوا قَوْلَهُ، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِخِلَافِهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِوُجُوبِ رَدِّ الْعَوَامّ إلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَتَحْرِيمِ الْفَتْوَى مِنْهُمْ فِي الدِّينِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأُمَّةِ إنَّمَا كَانَ حُجَّةً لِعِصْمَتِهَا مِنْ الْخَطَأِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْعِصْمَةُ مِنْ صِفَاتِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لِلْكُلِّ ثُبُوتُهَا لِلْبَعْضِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْهِنْدِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَنُوزِعُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُمْ وَلَا وِفَاقُهُمْ، وَكَادَ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُرْسَلِ: لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْعَوَامّ لَا وِفَاقًا وَلَا خِلَافًا. اهـ. وَأَقُولُ: فَعَلَى هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَعِبَارَةُ التَّقْرِيبِ: قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ صِحَّةُ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأُمَّةَ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَيْسَ لِلْخَاصَّةِ إجْمَاعٌ عَلَى شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْعَامَّةُ. قَالَ: وَالْعَامَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْخَاصَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ عِيَانًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدَّقَائِقِ وَالنَّظَرِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَدْخَلٌ فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَا بِهِمْ مُعْتَبَرٌ فِي الْخِلَافِ؟ قُلْنَا: كَذَلِكَ نَقُولُ، وَيَقُولُ أَكْثَرُ النَّاسِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ سُقُوطُ الِاعْتِبَارِ بِخِلَافِهِمْ لِإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ مِنْ أَعْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مُخَالَفَةُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ لِأَجْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَجَوَابٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَبَعْضُ الْأُمَّةِ، بَلْ مُعْظَمُهَا، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِهِمْ، وَثَبَتَ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ عَيْنًا وَتَفْصِيلًا إجْمَاعُ الْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ عَيْنًا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يَقُولُونَ: لَوْ صَارَ عَامَّةُ الْأُمَّةِ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ إلَى مُخَالَفَةِ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَخَطَئِهِمْ؟ هَلْ يَكُونُ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءَ حُجَّةً؟ قِيلَ: لَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ دُونَ قَوْلِ الْعَامَّةِ إجْمَاعًا بِجَمِيعِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّ
الْعَامَّةَ مُخْطِئُونَ فِي مُخَالَفَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُمْ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، إذْ هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ. وَجَوَابٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ، وَلَا بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، لِأَجْلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى تَخْطِئَةِ عَامَّةِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ فِي خِلَافِهِمْ عَلَى عُلَمَائِهِمْ، فَوَجَبَ سُقُوطُ الِاعْتِبَارِ بِقَوْلِ الْعَامَّةِ. هَذَا كَلَامُهُ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى إطْلَاقِ الِاسْمِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ إذَا أَجْمَعُوا هَلْ يَصْدُقُ " أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ "، وَيُحْكَمُ بِهِ قَوْلُ الْعَوَامّ فِيهِمْ تَبَعًا؟ فَالْقَاضِي يَقُولُ: لَا يَصْدُقُ اسْمُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي حُجِّيَّتِهِ، وَهُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَيْسَ خِلَافًا فِي أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ تَقْدَحُ فِي قِيَامِ الْإِجْمَاعِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " بَعْدَمَا سَبَقَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَهَلْ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ اتِّفَاقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا. فَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الَّتِي تَشْتَبِهُ عَلَى الْعَوَامّ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَوَامُّ يَدْخُلُونَ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا تَفْصِيلَ الْأَحْكَامِ، فَقَدْ عَرَفُوا عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَهَذَا مُسَاهَمَةٌ مِنْهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَوَاقِعَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مُسَاهِمِينَ فِي الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ فِي التَّفَاصِيلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ مَهُولٌ أَمْرُهُ، وَيَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّا إنْ أَدْرَجْنَا الْعَوَامَّ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ، أَطْلَقْنَا الْقَوْلَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ لَمْ نُدْرِجْهُمْ فِي حُكْمِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ بَدَرَ مِنْ بَعْضِ طَوَائِفِ الْعَوَامّ خِلَافٌ، فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ مُعْظَمُ الْأُمَّةِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ رُجُوعِ الْخِلَافِ إلَى كَوْنِهِ: هَلْ يُسَمَّى إجْمَاعًا أَمْ لَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، مَرْدُودٌ، فَفِي " الْمُعْتَمَدِ " لِأَبِي الْحُسَيْنِ مَا لَفْظُهُ: اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْعَامَّةُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ، حَتَّى لَا يَسُوغَ مُخَالَفَتُهُمْ إلَّا بِأَنْ يَتَّبِعَهُمْ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ لَمْ يَجِبْ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي مِنْ الْعُلَمَاءِ اتِّبَاعُهُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ حُجَّةٌ اتَّبَعَهُمْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِمْ أَمْ لَا. انْتَهَى.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُمْ فِي الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَنْبَغِي تَنْزِيلُ إطْلَاقِ الْمُطْلِقِينَ عَلَيْهِ. وَخَصَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْخِلَافَ بِالْخَاصِّ، وَقَالَ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُمْ فِي الْعَامِّ اتِّفَاقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " فَقَالَ: إنْ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ كَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، لَمْ يُعْتَبَرْ وِفَاقُ الْعَامَّةِ مَعَهُمْ، وَإِنْ اشْتَرَكَ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَتَحْرِيمِ بِنْتِ الْبِنْتِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُ الْعَوَامّ مَعَهُمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ.
وَقَالَ سُلَيْمٌ: إجْمَاعُ الْخَاصَّةِ هَلْ يُحْتَاجُ مَعَهُمْ فِيهِ إلَى إجْمَاعِ الْعَامَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ.
[هَلْ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ أَمْ مَعْنَوِيٌّ] إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ، وَكَلَامُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْإِجْمَاعُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَدِ الصَّلَوَاتِ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ وَقَعَ بِهِمْ الِاعْتِبَارُ، فَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ فِي ثُبُوتِهِ بِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِالْكَافَّةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ. قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَتَبَيَّنُ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنْ يُجْمِعَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالِاجْتِهَادِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ، كَالنِّكَاحِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ بِأَهْلِ الْعِلْمِ كَفَرَ الْمُخَالِفُ بِالنَّوْعَيْنِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِالْكَافَّةِ لَمْ يُجْعَلْ الْمُخَالِفُ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي كَالْمُرْتَدِّ وَإِنْ قَطَعَ بِتَخْطِئَتِهِ. اهـ. تَنْبِيهٌ [اعْتِبَارُ قَوْلِ الْمُقَلِّدِ فِي الْإِجْمَاعِ] حُكْمُ الْمُقَلِّدِ حُكْمُ الْعَامِّيِّ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُقَلِّدِ وَالْمُجْتَهِدِ، قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.