الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي جِهَةِ وُقُوعِ الْيَقِينِ عَنْهُ، فَقَوْمٌ رَأَوْهُ بِالذَّاتِ، وَقَوْمٌ رَأَوْهُ بِالْعَرَضِ وَقَوْمٌ مُكْتَسَبًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا فِي الْفُرُوعِ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ، فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُنْضَبِطًا بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ، فَفِي الْبَحْرِ " قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ: فِيهِ طَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا كَالْمَرْئِيِّ، وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلَانِ.
[الثَّالِثَةُ الْعِلْمَ الْمُتَوَاتِرُ ضَرُورِيٌّ لَا نَظَرِيٌّ وَلَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى كَسْبٍ]
الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ ضَرُورِيٌّ لَا نَظَرِيٌّ، وَلَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى كَسْبٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " عَنْ الْكُلِّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدَانِ فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ سُلَيْمٌ: إنَّهُ قَوْلُ الْكَافَّةِ، إلَّا الْبَلْخِيّ. وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ، وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ ": إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مُتَكَلِّمِينَا، وَنَقَلَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي هَاشِمٍ. وَذَهَبَ الْكَعْبِيُّ إلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مُفْتَقِرٌ إلَى تَقَدُّمِ اسْتِدْلَالٍ، وَيُثْمِرُ عِلْمًا نَظَرِيًّا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ كَمَا رَأَيْته فِي كِتَابِهِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الدَّقَّاقِ. وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَاَلَّذِي فِي الْمُسْتَصْفَى " أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى حُصُولِهِ إلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِ وَاسِطَةٍ
مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ، وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، كَقَوْلِنَا: الْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مُحْدَثًا، وَالْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُصُولِ مُقَدِّمَتَيْنِ فِي النَّفْسِ: عَدَمُ اجْتِمَاعِ هَذَا الْجَمْعِ عَلَى الْكَذِبِ، وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ يَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ قَدْ كَثُرَ الطَّاعِنُ عَلَى قَوْلِ الْكَعْبِيِّ إنَّهُ نَظَرِيٌّ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَنْزِيلُ مَذْهَبِهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ عَلَى النَّظَرِ فِي ثُبُوتِ أَمَارَاتٍ جَامِعَةٍ وَانْتِفَائِهَا، فَلَمْ يَعْنِ الرَّجُلُ نَظَرًا عَقْلِيًّا، وَفِكْرًا سَبْرِيًّا عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَنَتَائِجَ، فَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا الْحَقَّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَإِذَا تَبَيَّنَ تَوَارُدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَنْزِيلُ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ عَلَيْهِ، لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ. وَقَالَ إلْكِيَا: مَا ذَكَرَهُ الْكَعْبِيُّ يَرْجِعُ إلَى سَبَبِ الْعِلْمِ، يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ لَمْ يَحْصُلْ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي هَذَا، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْخَبَرَ إذَا حَصَلَ بِشَرَائِطِهِ هَلْ يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَعْبِيَّ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يُخَالَفَ فِي هَذَا، فَإِنَّا نَرَى الْعِلْمَ يَحْصُلُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَإِلَّا فَالْكَعْبِيُّ لَا يُنْكِرُ الْمَحْسُوسَ وَيَقُولُ: لَمْ أَعْلَمْ الْبِلَادَ الْغَائِبَةَ إلَّا بِالنَّظَرِ، وَمَا كَانَ ضَرُورِيًّا يُعْلَمُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْبِطُ النَّظَرَ.
قَالَ: وَقَاضِينَا أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: أَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ ضَرُورَةٌ، وَأَعْلَمُ بِالنَّظَرِ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، فَجَعْلُ الْعِلْمِ بِهِ بِالنَّظَرِ يُدْرَكُ، وَالْمَعْلُومُ الثَّانِي وَهُوَ صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ مُدْرَكًا بِالنَّظَرِ وَوَجْهُ النَّظَرِ تَيْسِيرُ مَدَارِكِ الْبَحْثِ الَّذِي يَظُنُّ الْمُخَالِفُ أَنَّهُ يَتَطَرَّقُ مِنْهُ إلَى الْعِلْمِ، وَإِذَنْ بَطَلَ تَعَيُّنُ كَوْنِهِ مُدْرَكًا بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْعِلْمِ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، فَبَطَلَ مَا رَآهُ الْقَاضِي، وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْكَعْبِيَّ إنَّمَا ادَّعَى النَّظَرَ فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ، لَا فِي الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِينَ. اهـ.