الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْعِصْمَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ]
ِ] وَأَمَّا الصَّغَائِرُ: الَّتِي لَا تُزْرِي بِالْمَنَاصِبِ، وَلَا تَقْدَحُ فِي فَاعِلِهَا، فَفِي جَوَازِهَا خِلَافٌ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ مَبْنِيٌّ أَوَّلًا عَلَى ثُبُوتِ الصَّغِيرَةِ فِي نَفْسِهَا، فَمَنْ نَفَاهَا كَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ الْآمِرِ، فَلَا تَجُوزُ عِنْدَهُ عَلَيْهِمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَافَقَ الْأُسْتَاذَ عَلَى مَنْعِ تَصَوُّرِ الصَّغَائِرِ فِي الذُّنُوبِ وَخَالَفَهُ هُنَا، وَالصَّحِيحُ تَصَوُّرُهَا.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ، هَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ؟ وَإِذَا جَازَتْ، فَهَلْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلْكِيَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ عَقْلًا. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا السَّمَاعُ فَأَبَاهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ، وَتُتَدَارَكُ بِالتَّوْبَةِ. اهـ. وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ عَدَمَ الْوُقُوعِ. قَالَ: وَأَوَّلُوا تِلْكَ الْآيَاتِ، وَحَمَلُوهَا عَلَى مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَعَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ قَاطِعٌ فِي ذَلِكَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَالظَّوَاهِرُ مُشْعِرَةٌ بِالْوُقُوعِ. وَنَسَبَ الْإِبْيَارِيُّ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ الْوُقُوعَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَالُوا: لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تَجْوِيزَ الصَّغَائِرِ وَوُقُوعَهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَمِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: إنَّهُ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ، إمَّا فِي الْحَالِ عَلَى رَأْيِ
جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، أَوْ قَبْلَ وَفَاتِهِمْ عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ.
وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ جَمِيعًا، وَعَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَابْنُ فُورَكٍ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ". وَنَقَلَهُ فِي " الْوَجِيزِ " عَنْ اتِّفَاقِ الْمُحَقِّقِينَ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي " زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ مِنْ تَعْلِيقِهِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ حُمِلَ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَلَى مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ، أَوْ فَعَلُوهُ بِتَأْوِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ الشِّهْرِسْتَانِيّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ، وَالْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرِ فَقَالَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:{وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ} [البقرة: 128] : الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْجَمِيعِ، وَأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ:«إنِّي لَأَتُوبُ فِي الْيَوْمِ وَأَسْتَغْفِرُ سَبْعِينَ مَرَّةً» ، إنَّمَا هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ إلَى أَرْفَعَ مِنْهَا لِمَزِيدِ عُلُومِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَهُوَ يَتُوبُ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الْأُولَى إلَى الْأُخْرَى، وَالتَّوْبَةُ هُنَا لُغَوِيَّةٌ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْعِصْمَةَ مِنْهَا عَمْدًا، وَجَوَّزَهَا سَهْوًا،