الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقُلْنَا: لِذَاتِهِ لِيَخْرُجَ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ، كَمَا يُقَدِّرُ النَّحْوِيُّ فِي النِّدَاءِ وَالتَّعَجُّبِ، وَالْمُرَادُ مَا يَحْتَمِلُهُ بِصِيغَتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ لِكَوْنِ مُخْبِرِهِ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، وَأَتَى بِصِيغَةٍ " أَوْ " لِيَحْتَرِزَ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ الْمَشْهُورِ: وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ اللَّهِ وَخَبَرَ رَسُولِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَهَذَا إنَّمَا يَرِدُ إذَا ذُكِرَ بِالْوَاوِ، وَأَمَّا إذَا قِيلَ بِاحْتِمَالِهِ أَحَدَهُمَا فَلَا يَرِدُ وَقَدْ فَسَّرْنَا الِاحْتِمَالَ بِالْقَبُولِ الَّذِي يُقَابِلُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَنْتَفِي ذَلِكَ الْوُجُوبُ بِأَنَّ كُلَّمَا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ " أَوْ " فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرْدِيدَ فِي أَقْسَامِ الْمَحْدُودِ لَا الْحَدِّ، وَالِاعْتِرَاضُ بِلُزُومِ اجْتِمَاعِهِمَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعْبِيرِ اتِّحَادُ الْمَحْمُولِ وَالْمَوْضُوعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إلَّا فِي الْجُزْئِيِّ، وَالْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ الْكُلِّيُّ.
[حَدُّ الْخَبَرِ]
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التَّقْرِيبِ ": فَإِنْ قِيلَ: مَا حَدُّ الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: مَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ، وَذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَنَّهُ مَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَمَا قُلْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَا يَصِحُّ دُخُولُ الْكَذِبِ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ دُخُولُ الصِّدْقِ فِيهِ، وَرَدَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَجِيءَ بِالْوَاوِ الْجَامِعَةِ يُشْعِرُ بِقَبُولِ الضِّدَّيْنِ، وَالْمَحَلُّ لَا يَقْبَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا، لَا هُمَا مَعًا، فَالْمُقْتَضِي الْمَجِيءُ " بِأَوْ " وَغَلَّطَهُ الْقَرَافِيُّ، وَقَالَ: بَلْ الْمَحَلُّ يَقْبَلُ الضِّدَّيْنِ مَعًا، كَمَا يَقْبَلُ النَّقِيضَيْنِ مَعًا، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ بِعَدَمِ هَذَا وُقُوعُ الْآخَرِ الْمَقْبُولِ، لَا قَبُولُهُ، وَالْمُحَالُ اجْتِمَاعُ الْمَقْبُولَيْنِ لَا إجْمَاعُ الْقَبُولَيْنِ، وَهَذَا وَاجِبٌ، وَالْأَوَّلُ: مُسْتَحِيلٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ.
وَلِهَذَا يُقَالُ: الْمُمْكِنُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَهُمَا
مُتَنَاقِضَانِ، وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوُجُودَ كَانَ مُسْتَحِيلًا، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَدَمَ كَانَ وَاجِبًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَإِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَانِ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ الْتِبَاسَ الْمَقْبُولَيْنِ بِالْقَبُولَيْنِ قُلْت: لَمْ يَنْفِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا الْمَقْبُولَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْحَدَّ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَقْبُولَيْنِ، وَقِيلَ: مَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ يَرْجِعَانِ إلَى نِسْبَتَيْنِ وَإِضَافَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُمَا الْمُطَابَقَةُ فِي الصِّدْقِ، وَعَدَمُهَا فِي الْكَذِبِ، وَالْمُطَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ نِسْبَتَانِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولِهِ، وَأَمَّا التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ فَيَرْجِعَانِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمَا، فَقَدْ يُوجَدُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ مَعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْأَخْبَارِ لِلْوَاقِعِ وَبِدُونِهِمَا إنْ كَانَ كَذِبًا، فَقَدْ يَصْدُقُ وَلَيْسَ بِصَادِقٍ، وَيَكْذِبُ وَلَيْسَ بِكَاذِبٍ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا الْحَدُّ سَلِمَ مِمَّا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي كُلِّ خَبَرٍ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى السَّكَّاكِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ صَاحِبَ هَذَا الْحَدِّ مَا زَادَ عَلَى أَنْ وَسَّعَ الدَّائِرَةَ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِهِ، فَلَوْ عُرِفَ بِهِمَا لَزِمَ الدَّوْرُ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ نَوْعِيَّتِهِمَا، بَلْ هُمَا صِفَتَانِ عَارِضَتَانِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لِلْإِنْسَانِ.