الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ الْفَسَقَةُ هَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ]
ِ؟] فِي اعْتِبَارِ الْوَرَعِ فِي أَهْلِ الْإِجْمَاعِ خِلَافٌ، فَالْفَسَقَةُ بِالْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ إذَا بَلَغُوا فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ الْمُجْتَهِدِينَ، هَلْ يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُمْ أَوْ خِلَافُهُمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ، وَيَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِمْ، وَقَالَ الرَّازِيَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ شِرْذِمَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّ خِلَافَهُ مُعْتَدٌّ بِهِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ "؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُزِيلُ اسْمَ الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ قَوْلُ مَنْ عَدَاهُمْ قَوْلَ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ لَا كُلِّهِمْ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَإِلَيْهِ مَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، فَانْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ فِي حَقِّهِ مُشْكِلٌ، وَلَا يُمْكِنُ تَجْزِئَةُ الْإِجْمَاعِ، حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ إلْكِيَا، وَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ.
وَاخْتَلَفَ الْمَانِعُونَ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَوْثُقُ بِهِ لِفِسْقِهِ، فَرُبَّمَا أَخْبَرَ بِالْوِفَاقِ وَهُوَ مُخَالِفٌ أَوْ بِالْخِلَافِ وَهُوَ مُوَافِقٌ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ سَقَطَ أَثَرُهُ، وَشَبَّهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِسُقُوطِ أَثَرِ قَوْلِ الْخَضِرِ عليه السلام عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَيٌّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَدَالَةَ رُكْنٌ فِي الِاجْتِهَادِ، فَإِذَا فَاتَتْ الْعَدَالَةُ فَاتَتْ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ". وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَا إذَا أَدَّى الْفَاسِقَ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ، هَلْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ مَنْ عَلِمَ صِدْقَهُ فِي فَتْوَاهُ بِقَرَائِنَ؟ . وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْفَاسِقَ يَدْخُلُ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ وَجْهٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ سُئِلَ عَنْ دَلِيلِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِسْقُهُ عَلَى اعْتِقَادِ شَرْعٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ مَأْخَذِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهِ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ كَانَ مُدَرِّسًا مَشْهُورًا أَوْ خَامِلًا مَسْتُورًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَمِينًا أَوْ فَاسِقًا مُتَهَتِّكًا، يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْمَسْتُورُ كَالْمَشْهُورِ. قَالَ: وَالْأَحْسَنُ هُوَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا الْفِسْقُ بِتَأْوِيلٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ اعْتِبَارِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي اعْتِقَادِ بِدْعَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى التَّكْفِيرِ، فَإِنْ أَدَّتْهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا وِفَاقِهِ. وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمُبْتَدِعِ.