الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ [دُخُولُ الْمُجْتَهِدِ الْمُبْتَدِعِ فِي الْإِجْمَاعِ] الْمُجْتَهِدُ الْمُبْتَدِعُ إذَا كَفَّرْنَاهُ بِبِدْعَتِهِ، غَيْرُ دَاخِلٌ فِي الْإِجْمَاعِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْأُمَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ كُفْرَ نَفْسِهِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِإِجْمَاعِنَا عَلَى كُفْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعُنَا وَحْدَهُ عَلَى كُفْرِهِ لَوْ ثَبَتَ كُفْرُهُ، فَإِثْبَاتُ كُفْرِهِ بِإِجْمَاعِنَا وَحْدَهُ دَوْرٌ، وَأَمَّا إذَا وَافَقَنَا هُوَ عَلَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كُفْرٌ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ كُفْرُهُ، لَا لِأَنَّ قَوْلَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، وَلَا لِإِجْمَاعِنَا وَحْدَهُ لِمَا سَبَقَ، بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كُفْرًا إذْ ذَاكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ عَلَى الْخَطَأِ، وَأَدِلَّةُ الْإِجْمَاعِ تَنْفِيهِ.
[الْمَذَاهِبُ فِي خِلَافِ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الْكَافِرِ]
[الْمَذَاهِبُ فِي خِلَافِ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الْكَافِرِ] وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ مَا لَا يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ، بَلْ التَّبْدِيعَ وَالتَّضْلِيلَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ. أَحَدُهَا: اعْتِبَارُ قَوْلِهِ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَإِخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ
مَقْبُولٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْكَذِبِ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِنَصِّهِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْهَوَى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْخَوَارِجِ، وَالرَّافِضَةِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْفِقْهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَلَامِ، هَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ فِي مَنْثُورَاتِهِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. اهـ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: هَلْ يَقْدَحُ خِلَافُ الْخَوَارِجِ فِي الْإِجْمَاعِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمْ الْأَهْوَاءُ كَمَنْ قَالَ بِالْقَدَرِ مِنْ حَمَلَةِ الْآثَارِ، وَمَنْ رَأَى الْإِرْجَاءَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ آرَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ. فَإِذَا قِيلَ: قَالَتْ الْخَطَّابِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ كَذَا، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى هَؤُلَاءِ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ. قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْخَوَارِجِ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ يَنْقُلُونَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ سَلَفَنَا الَّذِينَ أَخَذْنَا عَنْهُمْ أَصْلَ الدِّينِ. انْتَهَى.
وَمِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَاسْتَقْرَأَهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: لَا يَشْهَدُ رَجُلٌ عِنْدِي لَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِعَدْلٍ، وَكَيْفَ أُجَوِّزُ حُكْمَهُ قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي الْجَهْمِيَّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ مَنْ عَدَاهُ إلَى مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: أَرَى حِكَايَتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْ بَقَائِهِمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا؛ لِوُقُوعِ مَسْأَلَتَيْنِ فِي بَابَيْ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، تَنْفِي ذَلِكَ.
إحْدَاهُمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ الِاتِّفَاقِ. وَثَانِيهِمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مَنْ عُرِفَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا اسْتَحَالَ بَقَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى إطْلَاقِهِمَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ، يَعْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: فَيَنْعَقِدُ، يَعْنِي عَلَى غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ النِّزَاعُ لَفْظًا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ.
وَالرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيُعْتَدُّ بِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ "، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاهِيرِ سَلَفِهِمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى الْعَقِيدَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَثُرَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِينَ خُصُوصًا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولُوا عَنْ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ: خِلَافًا لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّنَاقُضِ مِنْ حَيْثُ ذِكْرُهُ. وَقَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُمْ التَّشْنِيعُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ. فَرْعَانِ. أَحَدُهُمَا: إذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ. فَلَوْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا حَالَ تَكْفِيرِهِ، ثُمَّ تَابَ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ الْآنَ؟ فَلْيُبْنَ عَلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ. وَسَنَذْكُرُهُ. الثَّانِي: أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ الْمُبْتَدِعَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِدْعَتِهِ، أَوْ عَلِمَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تُوجِبُ الْكُفْرَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ، هَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا أَمْ لَا؟ وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِدْعَتَهُ فَمَعْذُورٌ، إنْ كَانَ مُخْطِئًا فِيهِ حَيْثُ تَكُونُ مُوجِبَةً لِلتَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، وَإِنْ عَلِمَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ اقْتِضَاءَهَا التَّكْفِيرَ، فَغَيْرُ مَعْذُورٍ، بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ مُرَاجَعَةُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ، وَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الِاعْتِقَادِ هَلْ يُكَفِّرُ أَمْ لَا؟