الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِدْقًا، وَقَدْ يُوصَفُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِنَظَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلِاعْتِقَادِ، كَقَوْلِ الْكَافِرِ: أَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَعْرِيفُهُمْ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَنَى بِالْخَبَرِ الصِّدْقَ مَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَبِالْكَذِبِ مَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا كَيْفَمَا كَانَ، فَالْعِلْمُ بِاسْتِحَالَةِ حُصُولِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا ضَرُورِيٌّ. وَإِنْ عَنَى بِهِمَا مَا يَكُونُ مُطَابِقًا وَغَيْرَ مُطَابِقٍ، لَكِنْ مَعَ الْعِلْمِ بِهِمَا، فَإِمْكَانُ حُصُولِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا مَعْلُومٌ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا لِمُطَابَقَتِهِ وَعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ. قُلْتُ: يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ، وَهِيَ عِبَارَةُ التَّنْبِيهِ "، أَوْ لَسْتُ مُنْكِرًا لَهُ، وَهِيَ عِبَارَةُ " الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ " فَهُوَ إقْرَارٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَسَاطَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ. فَإِنْ قُلْنَا: بَيْنَهُمَا وَسَاطَةٌ، وَهِيَ السُّكُوتُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
[الْمَوْطِنُ الرَّابِعُ فِي مَدْلُولِ الْخَبَرِ]
ِ مَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لَا بِثُبُوتِهَا، فَإِذَا قِيلَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، فَلَيْسَ مَدْلُولُهُ نَفْسَ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنَّكَ حَكَمْتَ بِقِيَامِ زَيْدٍ، وَأَخْبَرْتَ عَنْهُ، ثُمَّ إنْ طَابَقَ ذَلِكَ الْوَاقِعَ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ لَا الْخَارِجِيَّةِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إبْهَامٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قِيلَ: الْعَالَمُ حَادِثٌ، فَمَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، لَا نَفْسُ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، إذْ لَوْ كَانَ مَدْلُولُهُ نَفْسَ ثُبُوتِ الْحُدُوثِ لِلْعَالَمِ، لَكَانَ حَيْثُمَا وَجَدْنَا قَوْلَنَا: الْعَالَمُ مُحْدَثٌ، كَانَ الْعَالَمُ مُحْدَثًا لَا مَحَالَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ خَبَرًا، وَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ هُوَ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ، لَا نَفْسِ النِّسْبَةِ. انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ " وَالتَّحْصِيلِ " عَلَى قَوْلِهِ:" وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ خَبَرًا "، وَقَالُوا: صَوَابُهُ الْعَكْسُ، أَيْ لَا يَكُونُ الْخَبَرُ كَذِبًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَحَقُّقَ الْكَذِبِ لَا بِصِيغَتِهِ الْخَبَرِيَّةِ، وَالْوَاقِعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، انْتِفَاءُ الْكَذِبِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ:؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ إذَا تَعَذَّرَ لَا يَتَّصِفُ الْخَبَرُ أَبَدًا إلَّا بِالصِّدْقِ فَلَا يَكُونُ كَذِبًا، وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَذَّرٌ مُطْلَقًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِنَا: لَا يَكُونُ الْكَذِبُ خَبَرًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ خَبَرٍ، وَالتَّعَذُّرُ فِي نَفْسِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُوجَدُ مَعَ الْخَبَرِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: الصَّوَابُ عِبَارَةُ الْإِمَامِ، وَالِانْتِقَادَاتُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، أَمَّا تَقْرِيرُ عِبَارَتِهِ، فَلِأَنَّ مَدْلُولَ النِّسْبَةِ لَوْ كَانَ ثُبُوتِيًّا، لَكَانَ الْكَذِبُ غَيْرَ خَبَرٍ، لَكِنَّ اللَّازِمَ مُنْتَفٍ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ صِدْقٌ وَكَذِبٌ، فَالْمَلْزُومُ مُنْتَفٍ، وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ ثُبُوتَ النِّسْبَةِ وَوُقُوعَهَا فِي الْخَارِجِ قَدْ يَكُونُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ كَذِبًا، وَهُوَ وَاضِحٌ.