الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ]
الْمَسْأَلَةُ] السَّابِعَةُ [إجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ] قَالَ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ - بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ - مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: إجْمَاعُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ حُجَّةٌ، وَحَكَمَ بِذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمُعْتَضِدِ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ زَيْدٍ، وَقَبِلَ مِنْهُ الْمُعْتَضِدُ ذَلِكَ، وَرَدَّهَا إلَيْهِمْ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى الْآفَاقِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيَّ كَانَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.
فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعُدُّ هَذَا خِلَافًا عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ حَكَمْت بِرَدِّ هَذَا الْمَالِ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّبِعَهُ بِالنَّسْخِ. اهـ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ ": نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ عَنْ قَوْلِهِمْ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ حُجَّةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا.
قُلْت: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ أَيْضًا، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ أَصْحَابِنَا حِكَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.
قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ هُنَا: إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَانَتْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ: يُصَارُ إلَى قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَيُطْلَبُ دَلَالَةُ سِوَاهُمَا. انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو حَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ عَنْهُ.
وَقِيلَ: إجْمَاعُ الشَّيْخَيْنِ وَحْدَهُمَا حُجَّةٌ. لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فِي الْفَرَائِضِ انْفَرَدَ بِهَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَازِمٍ بِحَدِيثِ:«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» وَعُورِضَ بِحَدِيثِ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَقْتَضِي أَنْ يُقْتَدَى بِالْخُلَفَاءِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ لِلْمُقَلِّدِ بِالتَّخْيِيرِ، وَاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالصَّحَابَةِ، فَلَا يُعَارِضُهُ. سَلَّمْنَا الْمُعَارَضَةَ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ، وَالثَّانِيَ ضَعِيفٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ أَرَادُوا التَّرْجِيحَ لِقَوْلِهِمْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، لِفَضْلِ سَبْقِهِمْ وَتَعَدُّدِهِمْ، وَطُولِ صُحْبَتِهِمْ، وَعِنْدَنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا الْعِلْمِ.
فَائِدَةٌ [عُقُودُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَحِمَاهُمْ] إذَا عَقَدَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَقْدًا، أَوْ حَمَوْا حِمًى لَزِمَ، وَلَا يُنْتَقَضُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ فِي " الرَّوْنَقِ "، وَمِمَّنْ حَكَى الْقَوْلَ فِيهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ " فِي بَابِ الْإِحْيَاءِ، وَاسْتَقَرَّ بِهِ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِهِ "، وَقَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى قِيَاسِ التَّقْدِيمِ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَسَوَّوْا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ. اهـ. وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ " الرَّوْنَقِ ".
[الْمَسْأَلَةُ] الثَّامِنَةُ [الْعِبْرَةُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ] وِفَاقَ مَنْ سَيُوجَدُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا، حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَا اسْتَمَرَّ إجْمَاعٌ، وَلَا يُعْتَدَّ بِخِلَافِ ابْنِ عِيسَى الْوَرَّاقِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَلَا يُطْلَبُ فِي هَذِهِ وِفَاقُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ اعْتِبَارَ أَهْلِ الْعَصْرِ الْحَاضِرِينَ، فَضْلًا عَمَّنْ سَيُوجَدُ، وَإِنَّمَا الْوِفَاقُ الْمَذْكُورُ هُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمُتَرْجِمَةُ: أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ؟ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ.