الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعْتِبَارِهِ لَا يَجْعَلُ لِذَلِكَ أَثَرًا، وَالْقَائِلُ بِهِ اثْنَانِ: قَائِلٌ إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ، بَلْ يُعْتَبَرُ عَدَمُ خِلَافِهِ. وَقَائِلٌ يَعْتَبِرُهُمَا. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ خِلَافَ الْأَقَلِّ يَنْدَفِعُ بِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ، فَلِهَذَا ذُكِرَتْ. الثَّانِي: لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالتَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابَةِ، بَلْ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمٍ، فَنَشَأَ قَوْمٌ مُجْتَهِدُونَ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ، فَخَالَفُوهُمْ، وَقُلْنَا: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ الْإِجْمَاعُ؟ عَلَى مَذْهَبَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعْتَبَرُ الِانْقِرَاضُ فَلَا.
[إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ [إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ] إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهَكَذَا إجْمَاعُ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ خِلَافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ حَيْثُ قَالَ: إجْمَاعُ اللَّازِمِ يَخْتَصُّ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَأَمَّا إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ الْبُسْتِيِّ مِنَّا فِي صَحِيحِهِ، وَقِيلَ: إنَّ أَحْمَدَ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فَقَالَ:
الْإِجْمَاعُ أَنْ يُتَّبَعَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ، لَكِنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ. فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَجْرَى لَهُ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالثَّانِي، وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى آحَادِ التَّابِعِينَ، لَا إجْمَاعِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى شَيْءٍ سَلَّمْنَاهُ، وَإِذَا أَجْمَعَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِدَاوُدَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ مِنْ التَّابِعِينَ، فَقَدْ رَأَى أَنَسًا رضي الله عنه. وَقِيلَ: أَدْرَكَ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ، وَلَنَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَصْلٍ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكُلِّ، وَبِالشَّهَادَةِ بِالْعِصْمَةِ، وَهُوَ عَامٌّ، فَتَخْصِيصُهُ تَحَكُّمٌ، وَهُوَ كَالْقَائِلِ لَا حُجَّةَ إلَّا فِي قِيَاسِ الصَّحَابَةِ بِدَلِيلِ {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] ، وَخَصَّ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ " النَّقْلَ عَنْ دَاوُد بِمَا إذَا أَجْمَعُوا عَنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ قَالَ: فَأَمَّا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَدْ سَبَقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: ذَهَبَ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَالصَّحَابَةُ هُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا التَّوْقِيفَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يَقُولُونَ فِي إجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ. أَيَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَأٍ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ