الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنِي فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ، وَلَا يَقُولُ: سَمِعْت وَلَا حَدَّثَنِي، وَقَدْ جَمَعَ الْهِنْدِيُّ بَيْنَ هَذَا وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ كَوْنَهُ كَتَبَ إلَيْهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى التَّسْلِيطِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيُّ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ، مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُ. وَبِالْمَنْعِ جَزَمَ الْآمِدِيُّ أَيْضًا. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَكْمَهِ، فَأَمَّا الْأَكْمَهُ مِثْلُ قَتَادَةَ، فَالْمَنْعُ فِيهِ أَقْوَى.
[الْمُنَاوَلَةُ]
[الْمُنَاوَلَةُ] الرَّابِعَةُ: مُنَاوَلَةُ الصَّحِيفَةِ وَالْإِقْرَارُ بِمَا فِيهَا دُونَ قِرَاءَتِهَا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وَقَالَ: لَا تَقْرَؤُهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ
إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَهَا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: أَنْ يَقْرُنَهَا بِالْإِجَازَةِ، بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعًا مُقَابِلًا بِهِ، وَيَقُولَ: هَذَا سَمَاعِي فَارْوِهِ عَنِّي. وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَجِيءَ الطَّالِبُ إلَى الشَّيْخِ بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ، فَيَتَأَمَّلَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْمُتَيَقِّظُ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ: وَقَفْت عَلَى مَا فِيهِ، وَهُوَ حَدِيثِي عَنْ فُلَانٍ أَوْ ثَبَتَ عَلَيَّ مَا نَاوَلْتَنِيهِ وَهُوَ مَسْمُوعِي عَنْ فُلَانٍ فَارْوِهِ عَنِّي. وَهَذَا يُسَمَّى عَرْضَ الْمُنَاوَلَةِ، كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ تُسَمَّى عَرْضَ الْقِرَاءَةِ، وَلَهُ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الْإِلْمَاعِ ".
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِهِ، فَكَتَبَ لَهُ مَالِكٌ بِيَدِهِ أَحَادِيثَ وَأَعْطَاهَا لَهُ، فَقِيلَ لِابْنِ وَهْبٍ: أَقَرَأَهَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى مَالِكٍ؟ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ ذَلِكَ. يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا كَتَبَهُ مَالِكٌ بِيَدِهِ وَنَاوَلَهُ إيَّاهَا يُغْنِي عَنْ قِرَاءَتِهِ إيَّاهَا عَلَى مَالِكٍ. قُلْت: لَكِنَّ الصَّيْرَفِيَّ حَكَى الْخِلَافَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ كِتَابًا، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ جَمِيعَ مَا فِيهِ، وَحَدَّثَنِي بِجَمِيعِهِ فُلَانٌ، فَاحْمِلْ عَنِّي جَمِيعَ مَا فِيهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا قَالَ، وَلَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا، وَلَا أَخْبَرَنَا فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الرَّجُلَ كَرَجُلٍ اعْتَرَفَ بِمَا فِي صَكٍّ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِ، لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ، فَأَجَازَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ، حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْرَأَهُ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي: لَا يَقْبَلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَرَأَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَشْهَدَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَخْتُومًا حَتَّى يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا، وَالْحَدِيثُ أَخَفُّ مِنْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، إذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ حَدِيثُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فِي الصِّكَاكِ. انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَيْهَقِيّ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ، فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ السَّلَفِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَحَتَّى يَفْتَحَهُ وَيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْخَاتَمَ قَدْ يُصْنَعُ عَلَى الْخَاتَمِ، وَحَكَى فِي تَبْدِيلِ الْكِتَابِ حِكَايَةً، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي ذَلِكَ جَوَابٌ عَنْ احْتِجَاج مَنْ احْتَجَّ بِقِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ التَّبْدِيلَ فِيهَا كَانَ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ، وَهُوَ بَعْدَهُ عِنْدَ تَغَيُّرِ النَّاسِ مُتَوَهَّمٌ. انْتَهَى.
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَلْتَمْتَنِعْ. نَعَمْ، اخْتَلَفُوا فِي شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَلْ هِيَ حَالَّةٌ مَحَلَّ السَّمَاعِ؟ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُنْحَطَّةٌ عَنْهُ، وَحَكَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَصَاحِبَيْهِ: الْمُزَنِيّ، وَالْبُوَيْطِيُّ، وَعَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مُوَازِيَةٌ لِلسَّمَاعِ، وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِجَازَةُ وَالْمُنَاوَلَةُ عِنْدِي كَالسَّمَاعِ الصَّحِيحِ. وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي. الثَّانِي: أَنَّهَا هَلْ تُفِيدُ تَأْكِيدًا عَلَى الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ؟ فَالْمُحَدِّثُونَ عَلَى إفَادَتِهَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُصُولِيُّونَ، وَرَأَوْا أَنَّهَا لَا تُفِيدُ تَأْكِيدًا، صَرَّحَ
بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالْغَزَالِيُّ. قَالُوا: الْمُنَاوَلَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا، وَلَا فِيهَا مَزِيدُ تَأْكِيدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ تَكَلُّفٍ أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: نَاوَلَنِي فُلَانٌ كَذَا وَأَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي مُنَاوَلَةً بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ. فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِنُطْقِ الشَّيْخِ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَذِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، كَمَا فِيمَا إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ، هُوَ سَاكِتٌ، بَلْ أَوْلَى.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ الْإِجَازَةِ بِأَنْ يَقُولَ: خُذْ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ نَاوَلَهُ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَقُولُ: ارْوِهِ عَنِّي، فَلَا تَجُوزُ لَهُ الرِّوَايَةُ بِالِاتِّفَاقِ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُنَاوِلَهُ الْكِتَابَ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا سَمَاعِي مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يَقُولُ: ارْوِهِ عَنِّي. فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ: لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهَا. قُلْت: وَجَوَّزَ ابْنُ الصَّبَّاغِ الرِّوَايَةَ بِهَا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ صَرِيحٌ فِيهِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّطُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ، ثُمَّ تَشَكَّكَ فِيهِ، وَمَعَهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الرِّوَايَةُ، فَلَا يُرْوَى عَنْهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ الْكِتَابَ، فَلَوْ قَالَ: حَدِّثْ عَنِّي، أَوْ ارْوِ عَنِّي مَا فِي الْكِتَابِ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّنِي قَدْ سَمِعْته، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرِّوَايَةِ السَّمَاعُ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ فِيهِ.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ إذَا عَلِمَ أَنَّ النُّسْخَةَ