الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ فَبَاطِلٌ. حَكَاهُ الصَّيْرَفِيُّ. وَقَالَ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِهِ فِي عِلَّتِهِ، فَقِيلَ: إمْكَانُ الْخَطَأِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ اسْتِحَالَةُ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِلُقْيَا الْكُلِّ، وَتَوَاتُرِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي إجْمَاعِ الْخَاصَّةِ، أَمَّا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، فَلَيْسَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ. قُلْت: وَلَوْ عَكَسَ هَذَا لَمْ يَبْعُدْ.
[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ]
[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ] فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، فَاخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. فَمَنَعَهُ قَوْمٌ لِاتِّسَاعِ خُطَّةِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِشَارِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَتَهَاوُنِ الْفَطِنِ، وَتَعَذُّرِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي تَفَاصِيلَ لَا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، وَلِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ يَفْنَى الْآخَرُ. وَالصَّحِيحُ إمْكَانُهُ عَادَةً، فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الشَّبَهِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ زَائِدُونَ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَقِّ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ أَوْلَى. نَعَمْ، الْعَادَةُ مَنَعَتْ اجْتِمَاعَ الْكَافَّةِ، فَأَمَّا الْخَلْقُ الْكَثِيرُ فَلَا تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ بِوَجْهٍ مَا.
وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَصَوُّرَ وُقُوعِهِ عَادَةً، وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ. فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَوُّرِ الدَّوَاعِي الْمُسْتَحَثَّةِ، وَكَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَبَيْنَ الْمَسَائِلَ الْمَظْنُونَةِ مَعَ تَفَرُّقِ
الْعُلَمَاءِ وَانْتِفَاءِ الدَّوَاعِي فَلَا تُتَصَوَّرُ عَادَةً، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ النَّاسُ اخْتَلَفُوا إذْ لَمْ يَبْلُغْهُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ. أَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ كَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ، وَانْتَشَرُوا. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ فَيُعَارَضُ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَقُولُ: إجْمَاعُ مَنْ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ؟ حَتَّى قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمُّ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ. وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ، لَا إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، حَيْثُ كَانَ الْمُجْمِعُونَ، وَهُمْ الْعُلَمَاءُ فِي قِلَّةٍ، أَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا مَطْمَعَ لِلْعِلْمِ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقُوَّةِ حِفْظِهِ، وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ. قَالَ: وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُهُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ