الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَابِعُهَا: أَنْ لَا يُنْقَلَ خَبَرٌ عَلَى خِلَافِ قَضَائِهِمْ، وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا الْقِيَاسَ مَعَ كَوْنِهِ حُجَّةً شَرْعِيَّةً إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يُوَافَقُونَ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، كَالْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الْأَطْرَافِ. خَامِسُهَا: أَنْ يُصَادِفَ قَضَاؤُهُمْ عَلَى خِلَافِ خَبَرٍ مَنْقُولٍ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ، لَا عَنْ خِلَافِ قِيَاسِ، حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خَبَرٍ لِأَجْلِ مُخَالِفِ الْقِيَاسِ، فَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَنْقُولِ، وَيُتَّبَعُ الدَّلِيلُ. اهـ.
[الرَّدُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ] وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَكِنْ نَبَّهَ الْإِبْيَارِيُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ حَسَنَةٍ، وَهِيَ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ، فَلَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، حَتَّى يُفَسَّقَ الْمُخَالِفُ، وَيُنْقَضَ قَضَاؤُهُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: هُوَ حُجَّةٌ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَيْهِ مُسْتَنِدٌ إلَى مَأْخَذٍ مِنْ مَآخِذِ الشَّرِيعَةِ، كَالْمُسْتَنِدِ إلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ.
[رُدُودُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَعْوَى إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ]
[رُدُودُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَعْوَى: إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ] وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْصُوفَةً بِالْإِشْكَالِ، وَقَدْ دَارَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي عُمَرَ [بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ] مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. وَصَنَّفَ الصَّيْرَفِيُّ فِيهَا وَطَوَّلَ فِي كِتَابِهِ " الْأَعْلَامِ " الْحِجَاجَ فِيهَا مَعَ الْخَصْمِ، وَقَالَ: قَدْ تَصَفَّحْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَى كَذَا، فَوَجَدْنَا أَهْلَ بَلَدِهِ فِي عَصْرِهِ يُخَالِفُونَهُ، كَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ قَبْلِهِ، فَإِنَّهُ مُخَالِفُهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى مَا وَصَفَهُ لَمَا جَازَ لَهُ
خِلَافُهُمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِالْعَمَلِ كَعِلْمِهِمْ لَوْ كَانَ مُسْتَفِيضًا.
قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ الْأَكْثَرِ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلٍ: ادَّعَى مَالِكٌ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَبِيعَةُ: وَقَالَ قَوْمٌ: - وَهُمْ الْأَقَلُّ - مَا ادَّعَى مَالِكٌ أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْبَلَدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا أَعْرِفُهُ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، ثُمَّ إنَّا رَأَيْنَا مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَمَلِ إنَّمَا عَلِمْنَا عَنْهُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ، كَرِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَابْنِ بُكَيْر، وَالسُّبْكِيِّ، وَابْنِ مُصْعَبٍ، وَابْنِ أَبِي إدْرِيسَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْعِلْمُ.
وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ الْمُوَطَّإِ هَذِهِ الْحِكَايَةَ، وَلَمْ نُشَاهِدْ الْعَمَلَ الَّذِي حَكَاهُ، وَوَجَدْنَا النَّاسَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ فِي " الْبَصَائِرِ ": سَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ الِاعْتِمَادُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا رَآهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ تَكُنْ دُونَ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَقَامَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِهَا كَمَا أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا مَعَ قِيَامِ النَّبِيِّ عليه السلام بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَسُكَّانُهَا الْغَايَةُ فِي حَمْلِ الشَّرِيعَةِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، جَازَ أَنْ يَعْدِلَ خَصْمُهُ عَنْ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا بِحُجَّةٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ كَمُلَتْ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِينَ تَحَقَّقُوا النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، وَحَفِظُوا عَنْهُ، وَابْتُلُوا بِالْحَوَادِثِ، فَاسْتَفْتَوْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَحْكَامِ فَاسْتَقْضَوْهُ، وَتَخَوَّفُوا الْعَوَاقِبَ فَاسْتَظْهَرُوا بِهِ، ثُمَّ إنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ صَارَ إلَى اللَّهِ كَانُوا بَيْنَ مُقِيمٍ بِالْمَدِينَةِ، وَمُقِيمٍ بِمَكَّةَ، وَنَازِلٍ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرٍ عَنْهُمَا إلَى الْأَمْصَارِ الْبَعِيدَةِ، وَاسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الشَّائِعَةِ، وَالْقِيَاسِ الْمُنْتَزِعِ، وَالرَّأْيِ الْحَسَنِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ، فَلَمْ