الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقديم بعض معمولاته على بعض لأنّ أصله التقديم، ولا مقتضى للعدول عنه؛ كالفاعل فى نحو: ضرب زيد عمرا خ خ، والمفعول الأوّل فى نحو: أعطيت زيدا درهما خ خ.
أو لأنّ ذكره أهمّ؛ كقولك: قتل الخارجىّ فلان خ خ. أو لأنّ فى التأخير إخلالا ببيان المعنى؛ نحو: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ (1) فإنه لو أخّر: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ عن قوله: يَكْتُمُ إِيمانَهُ - لتوهّم أنه من صلة (يكتم)؛ فلا يفهم أنه منهم.
أو بالتناسب؛ كرعاية الفاصلة؛ نحو: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (2).
ــ
تقديم بعض معمولات الفعل عليه:
ص: (وتقديم بعض معمولاته على بعض
…
إلخ).
(ش): تقديم بعض المعمولات على بعض يكون لأحد أمور:
إما لأن ذلك التقديم هو الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه كالفاعل فإن أصله التقديم على سائر معمولات الفعل؛ لكونه عمدة وكذلك المفعول الأول فى باب أعطيت زيدا درهما؛ لأنه فى الأصل الفاعل المعنوى، وإما أن يعدل عن الأصل فيقدم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض وقوع الفعل بالمفعول، لا صدوره من الفاعل كقولك: قتل الخارجى فلان، فإن الغرض متوجه لقتل الخارجى لا غير وإزاحة شره لا لقاتله من هو، وإما لأن فى تأخيره خيفة أن يلتبس المعنى بغيره كقوله سبحانه وتعالى: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ فإنه لو قيل: يكتم إيمانه
من آل فرعون لتوهم أن من آل فرعون من صلة يكتم فيختل المقصود.
قلت: فيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن الوصف بالجملة أصله التأخير عن الوصف بالجار والمجرور، فهذا ماش على الأصل فلا حاجة لتعليله وما كان بالوضع والذات لا يعلل بالغير، ثم لا يسمى ذلك تقديما، فإن التقديم يكون لشئ نقل عن محله إلى ما قبله، كذا صرح به الزمخشرى وهو القياس.
الثانى: أن هذا التوهم إنما كان يصح أن لو كان يكتم يتعدى بمن، وليس كذلك فإنه يتعدى بنفسه، فهذا الوهم ليس له مجال، وما يقع فى كلام الناس من تعدية يكتم بمن الظاهر أنه ليس له أصل، وإما أن يقدم وإن كان أصله التأخير رعاية لتناسب فواصل الآى نحو: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى.
(1) سورة غافر: 28.
(2)
سورة طه: 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال السكاكى: الحالة المقتضية لتقديم ما يتصل بالفعل بعضه على بعض كون العناية بما تقدم أتم، وذلك نوعان:
أحدهما: أن يكون أصل الكلام فى ذلك التقديم، ولا يكون مقتض للعدول عنه، وذكر من ذلك أمثلة كالمفعول الأول من باب علمت، وباب أعطيت وكسوت؛ فإنه من الأول فى حكم المبتدأ ومن الأخيرين فى حكم الفاعل ولا يكون، وكتقديم المبتدأ المعرف، والفاعل على المفعول والحال والتمييز، وكتقديم المفعول الذى وصل إليه الفعل بلا واسطة على المتعدى بالحرف.
الثانى: أن تكون العناية بتقديمه لالتفات الخاطر إليه، وان كان مؤخرا فى الأصل، وجعل منه: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (1) على القول بأن لله مفعول ثان، ومثل قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى (2) قدم فيه المجرور لاشتمال ما قبله على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل، فكانت مظنة أن السامع يصير مفكرا أكانت القرية كلها كذلك أم قطر دان أم قاص؟ بخلاف ما فى سورة القصص، ومثل قوله تعالى فى سورة النمل: لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا (3) لأن ما قبلها: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا (4) فالجهة المنظور إليها كون أنفسهم وآبائهم ترابا، وهو الموعود به، فلذلك قدم، وفى سورة المؤمنين: لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا (5) لأن قبلها: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً (6) فالجهة المنظور إليها كونهم ترابا وعظاما، وجعل من ذلك كون التقديم يمنع اختلال المعنى، كقوله تعالى فى سورة المؤمنين وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا (7) بتقديم المجرور على الوصف؛ لأنه لو أخر لأخر عن الصلة وما عطف
عليها فقيل من قومه بعد: وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فلا يدرى حينئذ أنهم من قومه أو لا، بخلاف قوله تعالى: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ (8) جاء على الأصل لعدم المانع، وجعل منه أيضا مراعاة الفاصلة كقوله تعالى:
(1) سورة الأنعام: 100.
(2)
سورة يس: 20.
(3)
سورة النمل: 68.
(4)
سورة النمل: 67.
(5)
سورة المؤمنون: 83.
(6)
سورة المؤمنون: 82.
(7)
سورة المؤمنون: 33.
(8)
سورة المؤمنون: 24.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (1) وفى الآخرى: رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (2) قال المصنف:
وفيه نظر من وجوه:
الأول: أنه جعل تقديم لله على شركاء للعناية والاهتمام، وليس كذلك؛ لأن الآية مسوقة للإنكار التوبيخى، فيمتنع أن يكون بعده وجعلوا لله، منكرا من غير اعتبار تعلقه بشركاء؛ إذ لا ينكر أن يكون مجرد الجعل متعلقا به، فيتعين أن يكون إنكار تعلقه به باعتبار تعلقه بشركاء وعكسه فلا فرق، وعلم من هذا أن كل متعد لمفعولين لم يكن الاعتبار بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر إذا قدم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه بالعناية قلت: الصواب مع السكاكى، وكون كل واحد من المفعولين متعلقا بالآخر، والخطاب توبيخى لا يمنع أن يكون الاعتناء بأحدهما أشد، ولا شك أن مجرد جعل الشركاء مع قطع النظر عن كونهم لله تعالى، لا يقبل التوبيخ، ومجرد جعل أمر ما لله يبتدر الذهن منه إلى الإحجام عنه لعظم المقام، فلا شك أن العناية قد تشتد بأحدهما فيقدم، وهو لم يعلل بمطلق العناية، بل بعناية خاصة. وليعلم أن هذا الكلام يخالف قوله فى حد المسند: وفائدة التقديم، أى: تقديم لله على شركاء استعظام أن يتخذ له شريك ملكا كان أم جنيا أم غيرهما، وذلك لأن هذه الفائدة لا تحصل إلا بالتقديم فتنشأ من ذلك عناية ذكر اسم الله تعالى أولا، وإن تساويا فى العناية الناشئة من الإنكار التوبيخى، ثم قال: وثانيها: أنه جعل التقديم للاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى، أى: فى قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا (3)،
والتقديم لرعاية الفاصلة، أى: فى قوله تعالى: رب هارُونَ وَمُوسى (4) من القسم الثانى، وليسا منه، يريد بقوله: وليسا منه أن (من قومه) إذا قدم على الذين كفروا كان حالا من الملأ، والذين كفروا صفة لقومه، لا الملأ حتى يكون حق من قومه التأخر عنه بناء على أن حق الحال التأخير عن التوابع والمصنف فهم من كلام السكاكى أن القسم الثانى هو أن يتقدم ما حقه التأخير فلا جرم أنه لا يكون من قومه من القسم الثانى، وكذا تقديم هارون على موسى؛ لأن أحدهما معطوف على الآخر
(1) سورة طه: 70.
(2)
سورة الأعراف: 122.
(3)
سورة المؤمنون: 33.
(4)
سورة طه: 70.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالواو، وليس من حق أحدهما التأخير عن الآخر، ولا شك أن ما فهمه المصنف عن السكاكى هو ظاهر عبارته، وأجيب بأن القسم الأول وهو أن يكون المقدم ما عرف له فى اللغة تقدم بالأصالة، كالمبتدأ المعرف إذا لم يعرض ما يقتضى العدول عنه، فيكون التقديم لمجرد الأصالة، والقسم الثانى أن يكون للعناية ببيان ما تقدم إما لكونه نصب عينك أو لغير ذلك، سواء كان حق ما تقدم لغير التأخير أم لا، وإذا تقرر هذا فالتقديمان المذكوران داخلان فى القسم الثانى، لأن رعاية الفاصلة والاحتراز عن الإخلال أورثا كون المتقدم نصب عينك، ولا يمتنع اجتماع الأسباب فى مثل ما نحن فيه على مسبب واحد، وفيما قاله نظر؛ لأن كلا منهما سبب للعناية، ثم قال: إن تعلق (من قومه) بالدنيا على تقدير تأخره غير معقول المعنى إلا على وجه بعيد، وردّ عليه بمنع ذلك، لأن الدنيا ليست اسما، بل صفة، والألف واللام فيها موصولة، التقدير: التى دنت من قومه، ولا شك أن فيه تعسفا.
وبقى من أسباب تقديم بعض المعمولات على بعض إفادة الاختصاص، كما تقدم عن ابن الاثير فى نحو:(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ)(1)، وجاء راكبا زيد، لكنه مخالف لكلام الجمهور، والله تعالى أعلم.
(1) سورة الغاشية: 25.