الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهل خ خ: لطلب التصديق فحسب؛ نحو: هل قام زيد؟ وهل عمرو قاعد؟ ولهذا امتنع: هل زيد قام أم عمرو؟ وقبح: هل زيدا ضربت؟ لأنّ التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل دون: هل زيدا ضربته؟ خ خ، لجواز تقدير المفسّر قبل (زيدا).
ــ
[اداة الاستفهام]
(هل) لطلب التصديق:
ص: (وهل لطلب التصديق
…
إلخ).
(ش): الأداة الثانية (هل) وهى لطلب التصديق، وقول المصنف (فحسب) أى:
فقط، وهذه الكلمة ملازمة للإضافة معنى وتقطع عنها لفظا، فتبنى على الضم فى الأكثر، وقد أوضحنا ما يتميز به
طلب التصديق فى الهمزة وأمثلته وهى بعينها أمثلة الاستفهام بهل، وعبارة الطيبى فى التبيان: هل مختصة بطلب التصديق، وهى فاسدة.
والصواب أن طلب التصديق مختص بها، وذلك كقولك: هل قام زيد؟ ولا يحتاج أن نقول هنا على أحد التقادير؛ لأنه لا يصلح إلا للتصديق فيحمل عليه، وقوله: وهل عمرو قاعد؟ فيه ما سبق من البحث، وذكر المثالين؛ لأن أحدهما جملة اسمية والآخر فعلية، ثم قال:(ولهذا) أى: ولكون هل لا يطلب بها إلا التصديق (امتنع هل زيد قام أم عمرو)؟ لأن أم المتصلة إنما تستعمل عند طلب التصور وإرادة التعيين بعد العلم بالنسبة، والتصديق طلب النسبة فيلزم طلبها وكونها حاصلة، وهما متنافيان. قال السراج تبعا لصاحب المفتاح: بخلاف أم المنقطعة فيجوز أن تعادل هل فنقول: هل قام زيد أم قعد بشر؟ قال سيبويه: تقول هل تأتينى أم تحدثنى؟ قلت: (أم) لا تقع بعد (هل) إلا منقطعة؛ لأنها لا يطلب بها إلا التصديق ولا تكون (أم) معه إلا منقطعة كما سبق، ولأنه يشترط فى اتصالها أن يكون قبلها استفهام بالهمزة. قال ابن الصائغ: ولا يجوز استعمال (أم) بعد (هل) إلا أن تريد المنقطعة، كقوله:
ألا ليت شعرى هل تغيّرت الرّحى
…
رحى الحرب أم أضحت بفلج كما هيا (1)
قال سيبويه: هو على كلامين، فقول السكاكى حينئذ: امتنع أن يقال: هل عندك عمرو أم بشر؟ بخلاف: أم عندك بشر، يقضى بأن هذا التركيب ممتنع وأن (أم) هذه
(1) البيت من الطويل، وهو لمالك بن الريب فى ديوانه ص 46، والأزهية ص 127 وخزانة الأدب 11/ 294، وشرح أبيات سيبويه 2/ 113، والكتاب 3/ 178 ولسان العرب 11/ 616 (مثل)، وبلا نسبة فى اللامات ص 155.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متصلة، وقد اعترض عليه فى ذلك، ولا اعترض؛ لأنه يعنى أنا إذا لم نقدر عندك قبل العاطف تكون (أم) هذه متصلة، وهذا التركيب ممتنع عند البيانيين لما قاله، وعند النحاة لعدم تقدم الهمزة فلو ساغ هذا التركيب لكانت (أم) هذه متصلة. نعم إطلاق امتناع: هل قام زيد أم عمرو، من السكاكى والمصنف فيه نظر؛ لأنه إنما يمتنع حيث لم يقدر فعل قبل العاطف، فإن قدر جاز، وكان على كلامين كما صرح به ابن الصائغ واقتضاه كلام سيبويه، ونص عليه ابن مالك فى شرح الألفية وقال السكاكى: إنه يقبح:
أعندك زيد أم عندك عمرو بانقطاع (أم)، قلت: بل ينبغى أن يمتنع؛ لأن الظاهر من (أم) هذه أنها متصلة، فإنه على معنى: أعندك زيد أم عمرو، ولا فرق بينهما إلا أن هذا جملتان ولا أثر لذلك فى الاتصال وعدمه، بل يكون المعنى على كلامين فى الثانى منهما استفهام مع إضراب، وهذا المثال يظهر منه أنه استفهام واحد ولا إضراب، فالظاهر
أن (أم) فيه متصلة، وأنه لا يجوز قوله: وقبح هل زيدا ضربت؟ لأن التقديم على ما قرره يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل، والمستفهم عنه لا بد أن يكون غير حاصل وقت الطلب، فقولك: هل زيدا ضربت؟ لا يكون استفهاما عن التصديق؛ لأنه تحصيل الحاصل، ولا عن التصور؛ لأن (هل) لم توضع له، وقد تقدم ما عليه من الاعتراض. قال الشارح: وإنما قال: (قبح)، ولم يقل:(امتنع) وإن كان ما ادعاه جمعا بين متنافيين فهو يقتضى المنع؛ لأنه يحتمل أن يكون مفعولا بمحذوف تقديره: هل ضربت زيدا ضربته، لكن هذا التقدير بعيد؛ لأن فيه حذف عامل المفعول المذكور، وحذف مفعول الثانى؛ فلذلك كان بعيدا فكان الحمل على غيره راجحا، وقيل: إنما حكم بقبحه دون امتناعه؛ لأن الذى أدى إلى الامتناع هو التخصيص، والتخصيص ليس بلازم، بل راجح ولا سيما فى نحو: هل رجل قام، فلو كان التخصيص لازما لامتنع هذا التركيب، فلما كان المفضى إلى الامتناع راجحا كان هذا قبيحا لمخالفته الراجح. قال المصنف:(دون ضربته) أى: لا يقبح: هل زيدا ضربته؛ لأن القبح إنما جاء فى: هل زيدا ضربت لتحقق التقديم المقتضى للاختصاص المقتضى لحصول التصديق بالنسبة، وأما: هل زيدا ضربته، فيجوز أن يكون العامل فى (زيدا) متقدما عليه، التقدير:
هل ضربت زيدا ضربته، فلا يكون فيه تقديم فلا اختصاص فليس فى الجملة ما يقتضى التصديق فصح الاستفهام بهل عن التصديق. قلت: وما ذكره المصنف من
وجعل السكاكىّ قبح: هل رجل عرف؟ لذلك، ويلزمه ألا يقبح: هل زيد عرف؟ ".
ــ
صحة: هل زيدا ضربته، وعدم قبحه، ومن قبح: هل زيدا ضربت المقتضى لجوازه فى الجملة ممنوع؛ فإن أدوات الاستفهام غير الهمزة إذا وقع بعدها الفعل والاسم قدم الفعل على الاسم، ولا يجوز تقديم الاسم على الفعل إلا فى ضرورة شعر. هذا نص ابن عصفور فى المقرب، وقال سيبويه فى باب ما يختار فيه النصب من أبواب الاشتغال: ولو قلت: هل زيد ذهب؟ لم يجز، وكذلك قال غيره، وقال شيخنا أبو حيان: لو قلت: هل زيدا ضربت لم يجز إلا فى الشعر، فإذا جاء فى الكلام. هل زيدا ضربته، كان ذلك على الاشتغال. هذا مذهب سيبويه، وخالفه السكاكى، وجوز أن يليها الاسم، وإن جاء بعده الفعل. انتهى. وإنما المصنف تبع فى ذلك قول الزمخشرى فى المفصل فإنه قال:
فصل وقد يجئ الفاعل ورافعه مضمر، إلى أن قال: والمرفوع فى قولهم: هل زيد خرج فاعله فعل مضمر يفسره الظاهر، لا يقال: إذا قدر الفعل قبل الاسم فإنما وليها الفعل؛ لأنا نقول: مرادهم أن يليها الفعل لفظا، وهذا كما أن لم وقد وسوف ولن لما كان الفعل مختصا بها لم يلها إلا صريح الفعل، وكذلك لو على مذهب البصريين، وإن كان الصحيح خلافه لمصادمته لقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ (1) ثم نقول: إن جاز ذلك على رأى الكسائى وجب فيه
الاشتغال، وتقدير الفعل قبله، وحينئذ فلا تقديم فلا اختصاص فلا قبح، فحينئذ قبح هذا باطل قطعا، بل هو بين امتناع وحسن، فجوازه مع قبحه لم يقل به قائل، ثم يرد على الزمخشرى من جهة المعنى ما سيأتى، ثم اعترض المصنف على السكاكى بأنه جعل قبح: هل رجل عرف، للتقديم المفيد للاختصاص قال: ويلزمه أن لا يقبح: هل زيد عرف؛ لأنه يرى أن نحو: زيد عرف ليس فيه اختصاص. قلت: ومن أين للمصنف أن السكاكى يوافق على قبح: هل زيد عرف، إذا كان المقتضى لقبح: هل رجل عرف، عنده إنما هو التقديم المفيد للاختصاص، بل قد يكون له وقد لا يكون، وإنما يقول به غالبا إذا لم يكن للابتداء بالنكرة مسوغ سواه، وقولنا: هل رجل عرف، للابتداء بالنكرة فيه مسوغ، وهو حرف الاستفهام فليس متعينا للاختصاص، ولا راجحا فيه، فكان من
(1) سورة الإسراء: 100.
وعلّل غيره قبحهما بأنّ (هل) بمعنى قد فى الأصل.
وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها فى الاستفهام.
ــ
حقه أن يفصل فيه بين أن يقصد الاختصاص، فيقبح أو لا فلا يقبح، والزمخشرى لا فرق عنده بين زيد عرف، ورجل عرف فى إفادتهما الاختصاص، وقد جوز هذين التركيبين ولم يقبحهما، وسببه أنه يرى أن العامل سابق فلا تقديم فلا اختصاص، لكن يلزمه القول بقبحهما؛ لأن المستفهم عنه ما يلى الأداة فيلزم أن يكون هو المسند إليه هنا فيكون تصورا، وهو لا يجوز بها ولا عذر عن ذلك، إلا أن يقال: المستفهم عنه ما يليها إما لفظا أو تقديرا، والذى ولى هنا تقديرا الفعل قوله:(وعلل غيره) أى: علل غير السكاكى قبح: هل زيد عرف وهل رجل عرف (بأن هل فى الأصل بمعنى قد) كما جاء فى قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ (1) فإذا استعملت فى الاستفهام كان أصله أن يؤتى معها بالهمزة إلا أنه لما كثر وقوعها فى الاستفهام تركوا الهمزة، وكما قبح: قد زيد عرف، يقبح هل زيد عرف. هذا معنى كلام المصنف. قلت: قوله: أصل هل أن تكون بمعنى قد، إن عنى به أنها حال كونها استفهامية بمعنى قد فهو بعيد؛ لأن ذلك يخالف إطباق المعربين على تسميتها حرف استفهام، وإن عنى أن معناها الأصلى قد، ثم استعملت فى الاستفهام، فذلك ممنوع ولو صح لا يقضى بمساواتها لقد فى هذا الحكم، وقولهم: إنهم تركوا الهمزة قبلها؛ لكثرة وقوعها فى الاستفهام يعنى أنها لما كانت متعينة للاستفهام استغنى عن ذكر همزته وفيه نظر؛ لأنه ليس كل شئ كان متعينا لشئ يلتزم فيه ترك أداة ذلك الشئ، فترك الهمزة قبلها لئلا يجمع بين حرفى استفهام لا لكثرة وقوعها فى الاستفهام، والذى أوقع المصنف فى ذلك كلام الزمخشرى فى المفصل حيث قال: وعند سيبويه: أن
(هل) بمعنى (قد) إلا أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لا تقع إلا فى استفهام، وقد جاء دخولها عليها فى قوله:
سائل فوارس يربوع بسدتنا
…
أهل رأونا بسفح القاع ذى الأكم (2)
(1) سورة الإنسان: 1.
(2)
البيت من البسيط، وهو لزيد الخيل فى ديوانه ص 155، والجنى الدانى ص 344، والدرر 5/ 146 وشرح شواهد المغنى 2/ 772، وشرح المفصل/ 152، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 358، والأشباه والنظائر 2/ 427، 7/ 55، وتذكرة النحاة ص 78، وجواهر الأدب ص 281.