الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوال المسند إليه (1) أولا:
حذف المسند إليه
، وذكره.
حذف المسند إليه:
ــ
التشبيه وفيه نظر لأنك لو قلت: زيد كنهار صائم كان تشبيها بالاتفاق مع وجود هذا التغاير وأما الإلزام بأنه لا
يكون استعارة فى نحو: نهاره صائم فجوابه ما سبق؛ من جعل المجاز فى الخبر وهو صائم.
(تنبيه): اعلم أن المصنف فى باب الاستعارة بالكناية جعلها كلها مجازا عقليا، وذلك مناقض لما ذكره هنا من إثبات المجاز العقلى فى هذه الأمثلة، وإنكار أن يكون استعارة بالكناية، وتصريحه بتغايرهما، وهذا الاعتراض أقوى من جميع ما اعترض به على السكاكى.
(تنبيه): تلخص فى نحو: (أنبت الربيع البقل) إذا لم يكن من كافر ولا كذبا، وفى نحو:(زيد الجبل العظيم) أقوال:
أحدها - أن المجاز فى أنبت، وهو رأى ابن الحاجب.
الثانى - أنه فى الربيع، وهو رأى السكاكى.
الثالث - أنه فى الإسناد، وهو رأى عبد القاهر والمصنف.
الرابع - أنه تمثيل، فلا مجاز فيه فى الإسناد، ولا فى الإفراد، بل هو كلام أورد ليتصور معناه فينتقل الذهن منه إلى إنبات الله تعالى، وهو اختيار الإمام فخر الدين.
[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:
[- حذف المسند إليه]
ص: (أحوال المسند إليه أما حذفه إلى قوله: وأما ذكره).
(ش): المسند إليه قد تقدم ذكره، وإنما قدمه على المسند؛ لأن المسند إليه كالموصوف، والمسند كالصفة، والموصوف أجدر بالتقديم؛ لأنه الموضوع، والصفة هى المحمول، وأحواله أقسام: أحدها أن يكون محذوفا، والإضافة فى قوله حذفه إلى المفعول؛ لأن الحذف فعل المتكلم، وكذلك ما بعده من قوله ذكره، وغير ذلك، وقدم
(1) المسند اصطلاحا هو: المتحدث به أو المحمول أو الخبر، والخبر هو: كل ما يصلح أن يخبر به كخبر المبتدأ. والمسند إليه: هو موضوع الكلام أو المتحدث عنه. ويسمى أيضا: المحكوم عليه ويسمى العمدة والمتحدث عنه.
أما حذفه:
1 -
للاحتراز عن العبث بناء على الظاهر.
2 -
أو تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ؛ كقوله [من الخفيف]:
قال لى: كيف أنت قلت: عليل (1)
ــ
ذكر الحذف على الذكر؛ لأن الذكر هو الأصل فلا تتشوف النفس إلى ذكر الموجب له، بخلاف الحذف، وحذفه لأحد أمور بمعنى أن الاعتبار المناسب حذفه عند وجود واحد من هذه الأمور؛ فإن حذف لا لواحد منها كان حذفا على غير الوجه المناسب.
الأول: الاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، يعنى بقوله فى الظاهر أن ذكره يكون فى الظاهر عبثا لإغناء القرينة عنه، وإن كان فى الحقيقة غير عبث، كقولك لمن يستشرف الهلال:(الهلال والله) أى هذا الهلال، فلو صرحت بذكر المبتدأ لكان ذكره عبثا فى الظاهر، بمعنى أنه لا يظهر له فائدة.
واعلم أن المصنف جعل هذا فى الإيضاح جزء علة، وأضافه إلى الاختصار، وإنما اقتصر على هذا هنا؛ لأنهما يرجعان لشئ واحد، والظاهر أن الاختصار هنا هو الحذف، والاقتصار على الخبر يترتب على الحذف، فإن كان كذلك فكيف يعلل الحذف بنفسه؟ وإن كان الاختصار هو جعل معانى اللفظ الكثير فى لفظ قليل فلا يتأتى هنا؛ لأن معنى المسند إليه ليس مجعولا فى المسند، بل حذف، ودل عليه بالقرائن، وقد يجاب بأن مراده بقصد الاختصار أن يقصد المتكلم الاختصار فى الجملة، والمراد بالحذف حذف شئ خاص، وهو المسند إليه.
الثاني: أن يقصد تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ، كقولك:(قائم) فى جواب: (كيف زيد؟) وإنما قلنا: أقوى الدليلين لأنك لو قلت: (زيد قائم) أو (هو قائم) لكان الكلام مفيدا للمسند إليه بلفظه، ولو قلت: قائم لكان يدل عليه بدلالة العقل القاضية بأن السؤال كالمعاد فى الجواب، فالدليلان هما العقل واللفظ، وأقواهما العقل؛ فالعقل يدل على المسند إليه، واللفظ لو ذكر دل عليه،
(1) عجزه: سهر دائم وحزن طويل. والبيت فى دلائل الإعجاز غير منسوب 184، والمعاهد (1/ 100)، والإيضاح (1/ 56، 32).
3 -
أو اختبار تنبّه السامع عند القرينة.
4 -
أو مقدار تنبّهه.
5 -
أو إيهام صونه عن لسانك.
6 -
أو عكسه.
ــ
إلا أن الدلالة المعنوية أقوى. وقال الخطيبى: لأن اللفظ لا يفيد إلا الظن، والدلالة العقلية تفيد القطع، قلت: فيه نظر؛ لأنه لا يعنى بالعقل إلا دلالة القرائن التى لا تفيد بمجردها فى الغالب إلا الظن، وفى عبارته أيضا أن العقل دليل على
الترك، واللفظ دليل على الذكر، فهى عبارة قلقة، وصوابها العقل دليل عند الترك، واللفظ دليل عند الذكر.
قال المصنف: كقوله:
قال لى كيف أنت قلت عليل
…
سهر دائم وحزن طويل (1)
تقديره أنا عليل، وهذا يصلح أن يكون مثالا لهذا، وأن يكون مثالا للذى قبله، وأن يكون مثالا للحذف؛ لضيق المقام (2)، كما سيأتى. والمعنى الأول هو لما يلزم عليه، من عدم الفائدة فى الذكر. والمعنى الثانى فيه نقص الفائدة وضعفها، فالأول أعم من الثانى؛ لأن فى الثانى تحصيل الصيانة عن العبث، فإن سلوك أضعف الدليلين عبث، وعبارة المصنف التخييل، وينبغى أن يقول: للعدول؛ فإنه وقع حقيقة لا تخييلا. هذا على ما اقتضاه كلامهم وقد تبعناهم فيه، ولك أن تقول: ليست القرائن أقوى من اللفظ، بل مراد المصنف أن المتكلم إذا حذف فقد خيل للسامع أن المسند إليه مدلول عليه بالعقل، فلا يحتاج إلى ذكر، وعلى هذا تعين ذكر التخييل.
الثالث: أن يقصد بحذفه اختبار تنبه السامع عند القرينة أله تنبه أم لا؟ وإنما قلنا:
عند القرينة؛ لأن الفهم عند عدم القرينة لا سبيل إليه، ولا يجوز الحذف حينئذ أو يعلم أن له تنبها ولكن يريد أن يختبر مقدار تنبهه، وهل يكتفى بقرينة بعيدة، أو يحتاج إلى قرينة قريبة، أو لقرائن؟
الرابع: إيهام صونه عن لسانك لتعظيمه، أو صون لسانك عنه وتحقيره. وقول المصنف: إيهام كقوله فى السابق: تخييل، ولا يأتى فيه ذلك الجواب، ولو قال:
(1) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة فى التبيان للطيبى 1/ 146، ودلائل الإعجاز ص: 238، وقال الشيخ محمود شاكر: مشهور غير منسوب، وفى الإشارات والتنبيهات ص: 34، والمفتاح ص: 94، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 52، والإيضاح ص 38.
(2)
فى الحذف نكتة أخرى، وهى رعاية حال المتكلم؛ فالعليل يضيق صدره عن التفصيل والتطويل، ولعلّ هذا هو المراد بقولهم: إن الحذف هنا لضيق المقام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للصون لكان جيدا، وقد يجاب عنه بأن الصون ليس هو الترك، بل قصده للصيانة، وهو لم يوجد، بل وجد ما يوهمه، ومثال الأول:
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتى
…
أيادى لم تمنن وإن هى جلّت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه
…
ولا مظهر الشّكوى إذا النّعل زلّت (1)
هما لأبى الأسود الدؤلى يمدح عمرو بن سعيد بن العاصى، وكذلك قول الآخر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
…
دجى اللّيل حتّى نظم الجزع ثاقبه
نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب
…
بدا كوكب تأوى إليه كواكبه (2)
ولو عبر المصنف بقوله: لقصد التعظيم؛ لمثلنا ذلك بقوله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها (3). وفى هذا المعنى يقول يزيد:
وإيّاك واسم العامريّة إنّنى
…
أغار عليها من فم المتكلّم (4)
ومثال الثانى: قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (5)، وقوله: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ (6)، وإنما يصح التمثيل بهاتين الآيتين الكريمتين؛ لصون اللسان عن المسند إليه باعتبار لسان القارئ، لما لا يخفى، وكقوله:
(1) البيتان من الطويل، وهما لعبد الله بن الزبير فى ديوانه 142، ونسبهما فى الحماسة البصرية 1/ 135 إلى عمرو بن كميل، وهما فى ديوان إبراهيم بن العباس الصولى فى الطرائف الأدبية ص 130، وفى التبيان للطيبى 1/ 147، والمفتاح ص 94، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 52 ونسبهما لأبى الأسود الدؤلى، وفى دلائل الإعجاز ص 149، والإشارات والتنبيهات ص 303، 34، وبلا نسبة فى الإيضاح ص 38، والتلخيص ص 109.
(2)
البيتان من الطويل ينسبان لأبى الطحان القينى، وللقيط بن زرارة، انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 711، وحماسة أبى تمام 522، والتبيان للطيبى 1/ 146، والإشارات والتنبيهات ص 34، والمفتاح 94، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 52، وبلا نسبة فى الإيضاح ص 39.
(3)
سورة النور: 1.
(4)
البيت ليزيد فى شرح عقود الجمان 1/ 52.
(5)
سورة البقرة: 18.
(6)
سورة القارعة: 10 - 11.
7 -
أو تأتّى الإنكار لدى الحاجة.
8 -
أو تعيّنه.
9 -
أو ادّعاء التعيّن.
10 -
أو نحو ذلك.
ــ
سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه
…
وليس إلى داعى النّدا بسريع (1)
يقول عن ابن عم له لطمه الأصل: هو سريع فحذفه تحقيرا له، وسيأتى ذكر هذا البيت فى البديع مثالا لرد العجز على
الصدر. وفيما ذكرناه من الشواهد لهذا والذى قبله نظر؛ لجواز أن يراد إيهام التعيين، أو الاختصار، أو غير ذلك: وفى معنى صون اللسان يقول الشاعر:
ولقد علمت بأنّهم نجس
…
وإذا ذكرتهم غسلت فمى (2)
وقوله: (أو عكسه) معطوف على إيهام أى: أو إيهام صون لسانك عنه، ولا يصح عطفه على صونه؛ لأنه يكون لإيهام أحد الأمرين، وليس هو المراد.
الخامس: لتأتى الإنكار عند الحاجة؛ لأنه قد تدعو الحاجة إلى التكلم بشئ، ثم تدعو الحاجة لإنكاره مثاله: أن يذكر شخص فتقول: فاسق. ثم تخشى من غائلة ذلك فتنكره، فلو قلت: زيد فاسق؛ لقامت البينة بذلك، ولم تستطع الإنكار. لا يقال:
كيف ينفع الإنكار مع القرينة؟ لأنا نقول: القرينة ترجح أحد الطرفين ترجيحا لا يسوغ الشهادة، لا يقال: فهذا حينئذ مدعاة إلى الكذب المحرم؛ لأنا نقول: نحن نتكلم على أسباب الحذف التى لاحظتها العرب، سواء كان ذلك شرعا أم لا، ثم نقول: قد يجب الإنكار والكذب، كما إذا كان فيه مصلحة شرعية، ثم إنما يتأتى ذلك إذا لم يكن استفهام، فلو قيل لك: ما زيد؟ فتقول: فاسق. لم ينفع الإنكار بعد ذلك، ولم يصدق المنكر، حتى لو قال له: ما حال زوجتك؟ فقال: طالق. لم يصدق إذا ادعى عدم إرادتها.
السادس: التعيين فيه أى: أن ذلك المسند معين للمسند إليه منحصر فيه؛ فلا حاجة لذكره، كقولك: خالق لما يشاء أى: الله. قيل: وقول السكاكى: لما يشاء، لا حاجة لذكره، وإنه إنما ذكره اعتزالا؛ لأنهم يرون أن العبد خالق؛ ولكن لا لكل
(1) البيت من الطويل، وهو للمغيرة بن عبد الله المعروف بالأقيشر الأسدى، وهو فى لطائف التبيان ص 45، والإشارات والتنبيهات ص 34، والمفتاح 94، والخزانة 2/ 281، ودلائل الإعجاز ص 105، والإيضاح ص 39، والتلخيص ص 104.
(2)
البيت بلا نسبة فى شرح عقود الجمان 1/ 52.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما يشاء وفيما قيل نظر؛ لأن هذا المثال هو المطابق لقوله سبحانه وتعالى: يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) وقوله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ (2) فلعل السكاكى لم يقصد بقوله: لما يشاء الاحتراز؛ بل قصد التأسى بالآية الكريمة. قلت: وهذه الفائدة داخلة فى الأولى، إلا أن يقال: المقصود الإعلام بالتعين، أو إحضاره فى ذهن السامع، وهذا القسم بهذا المثال هو الجدير بأن يقال فيه: ترك المسند إليه لدلالة العقل، ويسمى الأول: دلالة
المعنى وقوله: (أو ادعاء التعيين) فهو كقوله: (يعطى بدرة) يعنى السلطان، ولو قال المصنف: ادعاء التعين إما ادعاء مطابقا، أو غير مطابق، لكان أحسن، وسيأتى عن قريب ما قد يورد على هذا.
(تنبيه): ينبغى أن يلحق هذا بما يحصل به القصر، ويذكر فى بابه.
وقوله: (أو نحو ذلك) ذكر فى الإيضاح بعد ذكره أنه يترك إذا كان ذكره عبثا، أنه يحذف إما لذلك، وإما لذلك، مع ضيق المقام، ومقتضاه أن ضيق المقام قد يقصد منضما إلى غيره، لا مستقلا. والسكاكى جعله فائدة مستقلة، قسيمة للعبث ثم كيف يحسن أن يكون ذلك علة مستقلة، وجزء علة أخرى، وهذا القسم يصلح أن يمثل له بقوله:
قال لى كيف أنت قلت عليل (3)
لأن الاستفهام قد يكون مع ضيق المقام عن طول الإجابة، وهى حالة العليل، وقد يكون مع اتساعه، كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: قالَ هِيَ عَصايَ (4) وذكر السكاكى من أسباب الحذف: كون الاستعمال واردا على تركه، أو ترك نظائره، كقولهم: رمية من غير رام وكقولك: نعم الرجل زيد، على قول من يرى أن التقدير:
هو زيد. وقيل: عكسه، وقيل: زيد مبتدأ، خبره نعم الرجل. وهذا السبب يدخل فيه جميع المواضع التى ذكر النحاة وجوب حذف المبتدأ فيها، وهى: إذا أخبر عنه بنعت مقطوع لمدح، أو ذم، أو ترحم، أو بمصدر بدل من اللفظ بفعله، نحو:
(1) سورة النور: 45.
(2)
سورة القصص: 68.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سورة طه: 18.