الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الطرق تختلف من وجوه؛ فدلالة الرابع بالفحوى، والباقية بالوضع.
والأصل فى الأول: النّصّ على المثبت والمنفى - كما مرّ - فلا يترك إلا كراهة الإطناب؛ كما إذا قيل: زيد يعلم النحو،
والتصريف، والعروض أو: زيد يعلم النحو، وعمرو وبكر فتقول فيهما: زيد يعلم النحو لا غير أو نحوه.
وفى الثلاثة الباقية: النّصّ على المثبت فقط.
ــ
اختلاف طرق القصر:
ص: (وهذه الطرق تختلف
…
إلخ).
(ش): يعنى أن هذه الطرق وإن اشتركت فى إفادة القصر، فإنها تختلف من وجوه، منها: أن دلالة الرابع وهو التقديم بالفحوى، ودلالة ما قبله بالوضع، ونعنى بالفحوى المفهوم، وهو مخالف لاصطلاح الأصوليين؛ فإن الفحوى عندهم مفهوم الموافقة، لا مفهوم المخالفة، وما نحن فيه مفهوم مخالفة، وليعلم أن القصر يتضمن قضيتين إثباتا ونفيا، فالتحقيق أن القصر لا يسمى منطوقا ولا مفهوما، بل تارة يكون كله منطوقا، مثل: زيد قائم لا قاعد، وتارة يكون بعضه منطوقا وبعضه مفهوما، فإن كان بإنما فهو إثبات للمذكور بالمنطوق ونفى لغيره بالمفهوم، نحو: إنما زيد قائم، فإثبات القيام لزيد منطوق، ونفيه عن غيره مفهوم، وإن كان بإلا والاستثناء تام فحكم المستثنى منه ثابت بالمنطوق وحكم المستثنى بالمفهوم، سواء كان نفيا، نحو: ما قام أحد إلا زيد، أم إثباتا، نحو: قام الناس إلا زيدا، وإن كان الاستثناء مفرغا، نحو: ما قام إلا زيد، فيظهر أن المستثنى منه ثابت بالمنطوق، وسيأتى فى كلام المصنف أن النص فيه على المثبت فقط ولا نعنى ما نحن فيه، بل نعنى عدم العطف عليه، أى: لا تقول: ما قام إلا زيد لا عمرو، ولكن تقدم فى كلام الوالد أنه بالمفهوم فى المفرغ، وإن كان بالتقديم، نحو: تميمى أنا، فالحكم للمذكور منطوق، ونفيه عن غيره بالمفهوم، وإذا تأملت ما قلنا علمت أن قول المصنف غير ماش على التحقيق.
ص: (والأصل فى الأول
…
إلخ).
(ش): هذا وجه ثان وهو أن الأصل فى الصيغة الأولى، وهى العطف ذكر الطرفين فإنها مصرحة بالمثبت والمنفى كقولك: زيد قائم لا قاعد، وما هو قائم بل قاعد أو لا غير، كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن لفظ" لا غير" لا يستعمل مقطوعا عن الإضافة، ولا يترك ذلك إلا لمعنى يقتضى كراهة الإطناب، وأما بقية الصيغ فالأصل فيها النص على المثبت فقط، هكذا قال المصنف، ولا نعنى أن النفى غير مستفاد نصا، بل بمعنى أنه لا يذكر بعده التصريح بالنفى، وقد يترك
والنفى لا يجامع الثانى؛ لأنّ شرط المنفى ب لا خ خ: ألّا يكون منفيّا قبلها بغيرها. ويجامع الأخيرين، فيقال: إنما أنا
تميمى لا قيسىّ خ خ؛ و: هو يأتينى لا عمرو خ خ؛ لأنّ النفى فيهما غير مصرّح به؛ كما يقال: (امتنع زيد عن المجئ لا عمرو).
السكاكى: شرط مجامعته للثالث: ألّا يكون الوصف مختصّا بالموصوف؛ نحو:
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ (1) ".
ــ
النص على المنفى فى الأول رغبة فى الإيجاز. وقوله: (والنفى لا يجامع الثانى) أى:
النفى: بل لا يجامع النفى والاستثناء؛ (لأن شرط المنفى بلا أن يكون منفيا قبلها بغيرها) وفيه نظران:
أحدهما: أن هذا إذا عطف على المستثنى منه: أما إذا عطف على المستثنى بإلا، فما المانع وهو مثبت؟ ويشهد لذلك بطلان عمل لا إذا وقع خبرها بعد إلا وامتناع دخول الباء، ويكون حكم المنفى بلا مستفادا مرتين إحداهما بالخصوص، والأخرى بالعموم.
الثانى: أن قوله بغيرها قيد ليس صحيحا؛ فإن شرط المنفى بلا أن لا يكون منفيا قبلها، سواء أكان نفيه بها أم بغيرها، نحو قولك: لا رجل فى الدار لا زيد، وهو ممتنع وقد يجاب بأن مقصوده لا العاطفة، وهذا المثال المنفى فيه ليس منفيا قبلها بلا العاطفة، بل بلا التى لنفى الجنس، لا يقال: يجوز: لا رجل فى الدار لا زيد ولا عمرو، فهذا منفى بلا، وقد نفى قبله بلا فاحترز عنه؛ لأن لا زيد ولا عمرو بدل مفصل من لا رجل وهو على نية تكرار العامل، فهو جملة أخرى والكلام فى لا التى هى حرف تعطف المفرد، وإذا تقرر أن النص على المنفى أصل فى الوجه الأول، فهو لا يجوز أن يجامع الثانى، فلا تقول: ما أنا إلا قائم لا قاعد، وقد تقدم فى كلام الوالد رحمه الله التعرض لهذه المسألة وتجويزها، وأما الأخيران، وهما إنما والتقديم، فيجوز فيهما التصريح وعدمه، فتقول: إنما أنا تميمى لا قيسى؛ لأن النفى فيهما غير مصرح به، بل مستفاد بالمفهوم، فجاز العطف على تميمى، وإن كان معناه: ما أنا إلا تميمى؛ لأن النفى غير المصرح به لا يمتنع أن يعطف عليه بلا، كما تقول: امتنع زيد عن المجئ لا عمرو، وإن كان معناه النفى، ولو صرحت بالنفى لما صح بلا، وشرط السكاكى لجواز مجامعة لا للثالث، أى: القصر بإنما أن لا يكون الموصوف مختصا بالوصف كقوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ فإن كل أحد يعلم أن الذى لا يسمع لا يستجيب، فلا يصح أن يقال: لا غير. قلت: فيه نظران:
(1) سورة الأنعام: 36.
عبد القاهر: لا تحسن فى المختصّ؛ كما تحسن فى غيره خ خ؛ وهذا أقرب.
وأصل الثانى: أن يكون ما استعمل له مما يجهله المخاطب وينكره، بخلاف الثالث؛ كقولك لصاحبك - وقد رأيت شبحا من بعيد -: ما هو إلا زيد إذا اعتقده غيره مصرّا.
وقد ينزّل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب؛ فيستعمل له الثانى إفرادا؛ نحو: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (1) أى: مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرّى من الهلاك، نزّل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه،
ــ
أحدهما: أنه إذا لم يكن الموصوف مختصا بالوصف، لا يجوز الحصر بإنما؛ لأنه خلاف الواقع فإن كان مجازا فلا مانع من تأكيده بالعطف، وكأنه يريد اختصاصه عقلا.
الثانى: أنه إذا صح قصره بإنما، فما المانع من صحة العطف؟ والشيخ عبد القاهر جعل ذلك شرطا فى حسن العطف، لا فى جوازه واستقر به المصنف، ولا شك فى قربه بالنسبة إلى عدم اشتراط ذلك.
ص: (وأصل الثانى أن يكون ما استعمل
…
إلخ).
(ش): هذا وجه آخر وهو أن الحصر بالاستثناء أصله أن يكون المخاطب يجهل ما استعمل له، وهو إثبات الحكم المذكور إن كان قصر إفراد، أو نفيه إن كان قصر قلب، كما تقول لصاحبك: إذا رأيت شبحا على بعد: ما هو إلا زيد، ومثاله فى القرآن: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ (2) هذا هو الأصل، وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب، فيستعمل له القصر بما وإلا إفرادا نحو: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ فإنه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبى إلا أنه نزل استعظامهم له على الموت تنزيل من يجهل رسالته؛ لأن كل رسول لا بد من موته، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته، وهذا هو الصواب، وبه يظهر أن هذا قصر قلب، لا قصر إفراد؛ فإن اعتقاد الرسالة وعدم الموت لا يجتمعان، وإنكارهم الموت ينفى أن يجتمع معه الإقرار بالرسالة، حتى يكون قصر إفراد، وبهذا يعلم أن ما قلناه خير من قول غيرنا: إنهم نزلوا لاستعظامهم موته منزلة من ينكر موته، ويثبت له صفتى الرسالة وعدم الموت؛ فيكون قصر إفراد؛ لأن ما ذكرناه لا يؤدى إلى أنهم نزلوا منزلة من يعقد أمرين متنافيين، ومثل المصنف لتنزيل
(1) سورة آل عمران: 144.
(2)
سورة آل عمران: 62.
أو قلبا؛ نحو: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا (1) فالمخاطبون - وهم الرسل، عليهم الصلاة والسّلام - لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا، ولا منكرين لذلك؛ لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين؛ لاعتقاد القائلين أنّ الرسول لا يكون بشرا، مع
إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة. وقولهم: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (2): من باب مجاراة الخصم؛ ليعثر؛ حيث يراد تبكيته لا لتسليم انتفاء الرسالة، وكقولك: إنّما هو أخوك لمن يعلم ذلك، ويقرّ به، وأنت تريد أن ترققه عليه.
وقد ينزّل المجهول منزلة المعلوم؛ لادعاء ظهوره؛ فيستعمل له الثالث؛ نحو: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (3)؛
ــ
المعلوم منزلة المجهول فى قصر القلب بقوله تعالى: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا (4) فإنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون بشرا، فنزلوا علم الرسل بأن المرسل إليهم يعلمون أنهم بشر منزلة من لا يعلم؛ فلذلك خاطبوهم بقولهم: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ثم ذكر المصنف جواب سؤال مقدر وهو أن الرسل قد علموا أن المرسل إليهم يعلمون أنهم بشر فكيف خاطبوهم بالاستثناء فى قولهم: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وهو إنما يخاطب به من يجهل ذلك الحكم؟ فأجاب بأنه من مجاراة الخصم؛ إذ شأن من يدعى عليه خصمه الخلاف فى أمر لا يخالف فيه أن يعيد كلام خصمه على صفته ليعثر الخصم حيث يراد تبكيته، أى: إفحامه وإسكاته، وليس ذلك لتسليم انتفاء الرسالة. وقوله: وكقولك معطوف على قوله: كقولك لصاحبك، وقد رأيت شبحا، وهو مثال لقوله قبل ذلك بخلاف الثالث، فالمثال الأول تمثيل للأول، والثانى للثانى لفا ونشرا فالثالث وهو الحصر بإنما عكس الحصر بإلا؛ فإن الحصر بإنما أصله أن يكون لمن يعلم ذلك الحكم، أى: المثبت، كقولك لمن يعلم أن زيدا أخوه: إنما هو أخوك، ترقيقا له. وقد ينزل المجهول منزل المعلوم فيستعمل له الثالث وهو الحصر بإنما نحو: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ فإن الصحابة لم يكونوا يعلمون أن الكفار يصلحون فكان من حقهم أن يقولوا: ما نحن إلا مصلحون، ولكنهم ادعوا بلسان الحال أن صلاحهم أمر ظاهر لا يستطيع أحد إنكاره؛ فلذلك أتوا بصيغة (إنما) التى الأصل فيها ذلك؛ ولذلك جاء
(1) سورة إبراهيم: 10.
(2)
سورة إبراهيم: 11.
(3)
سورة البقرة: 11.
(4)
سورة يس: 15.
لذلك جاء: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ (1)؛ للردّ عليهم مؤكّدا بما ترى.
ومزيّة (إنّما) على العطف: أنه يعقل منها الحكمان معا، وأحسن مواقعها التعريض؛ نحو: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (2)؛ فإنه تعريض بأن الكفّار - من فرط جهلهم - كالبهائم، فطمع النظر منهم كطمعه منها.
ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر - على ما مر - يقع ما بين الفعل والفاعل نحو:
ما قام إلا زيد وغيرهما، ففى الاستثناء يؤخّر المقصور عليه مع أداة الاستثناء،
ــ
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ مؤكدا بحرف الاستفتاح وبإن وبجعل الجملة اسمية، وضمير الفصل - إن كان هم فصلا - وتعريف المسند، ثم ذكر المصنف أن لإنما فى القصر مزية على العطف؛ لأنه يعلم منها الحكمان المثبت والمنفى معا، بخلاف العطف؛ فإنهما يعلمان على الترتيب. قال الخطيبى: وبخلاف ما وإلا فى نحو: ما زيد إلا قائم قلت:
فيه نظر؛ لأن الاستثناء المفرغ يعلم فيه النفى والإثبات دفعة واحدة، وهذه المزية لإنما لا يشاركها فيها التقديم، وأكثر ما تستعمل إنما فى موضع يكون الغرض بها فيه التعريض بأمر، وهو مقتضى الكلام بعد ما نحو: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ فإنه تعريض بذم الكفار، وأنهم فى حكم البهائم الذين لا يتذكرون.
ص: (ثم القصر كما يقع
…
إلخ).
(ش): القصر أمر يقع بين المسند والمسند إليه، سواء أكانا مبتدأ وخبرا، أم فعلا وفاعلا، ويقع بين غيرهما كالمفعول الثانى مع الأول والحال والظرف وغير ذلك. ويرد عليه أن القصر لا يقع بين الفعل والمصدر المؤكد بالإجماع، فلا. نقول: ما ضربت إلا ضربا، وأما قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (3) فتقديره: ظنا ضعيفا، وكذلك لا يقع القصر بين النعت والمنعوت، كما سبق فمن أمثلة القصر: ما ضرب زيد إلا عمرا قصر قلب كان أم قصر إفراد. قال تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ (4) قال المصنف: وهذا مثال لقصر القلب، لا قصر الإفراد؛ فإنه ليس المراد لم أزد على ما أمرتنى به، بل المراد أننى قلت ما أمرتنى به.
قلت: هذا من المصنف يقتضى أن قصر القلب ليس فيه نفى لغير المذكور، وليس كذلك، والذى قاله من أن المراد أننى قلت ما أمرتنى به صحيح، ولا ينافى ذلك أن
(1) سورة البقرة: 12.
(2)
سورة الرعد: 19.
(3)
سورة الجاثية: 32.
(4)
سورة المائدة: 117.
وقل تقديمهما بحالهما؛ نحو: ما ضرب إلّا عمرا زيد (1)، وما ضرب إلا زيد عمرا (2)؛ لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها.
ــ
يكون نفى الزيادة عليه فهذه هى حقيقة القصر، نعم هو قصر قلب لغير ما ذكره، وهو أنه واقع فى مقابلة قول النصارى عنه أنه قال: اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ (3) فإن نسبتهم ذلك إليه لا تجتمع مع نسبتهم إليه الاعتراف بالوحدانية، ثم مما تختلف فيه أدوات القصر أن المقصور عليه يؤخر مع كلمة الاستثناء عن المقصور، والسر فى ذلك أن القصر أثر عن الحرف، الذى هو إلا، ويمتنع ظهور أثر الحرف قبل وجوده، وذلك سواء كان بين مبتدأ وخبر، أم فعل وفاعل، أم غيرهما، فتقول: ما ضرب إلا زيد، فزيد مقصور عليه، والضرب مقصور. وتقول فى قصر الفاعل على المفعول: ما ضربت إلا زيدا، وفى قصر المفعول على الفاعل: ما ضرب عمرا إلا زيد. وتقول فى قصر المفعول الأول على الثانى: ما ظننت قائما إلا زيدا، وما كسوت جبة إلا زيدا، وفى قصر ذى الحال على الحال: ما جاء زيد إلا راكبا، وفى عكسه: ما جاء راكبا إلا زيد.
هذا هو الأصل، وقد يقع خلافه، وإليه أشار المصنف بقوله:(وقل تقديمهما بحالهما) احترازا عن تأخير حرف الاستثناء، والمستثنى على المستثنى منه، كقولك: ما ضرب إلا عمرا زيد، وما ضرب عمرا إلا زيد. والمراد: ما ضرب زيد إلا عمرا احترازا من قولنا: ما ضرب عمرا إلا زيد، لغير هذا المعنى؛ فإنه ليس قليلا، وإنما كان هذا النوع قليلا؛ (لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها) كالضرب الصادر من زيد فى: ما ضرب زيد إلا عمرا والواقع على عمرو فى: ما ضرب عمرا إلا زيد، ومن هذا القليل ما أنشد سيبويه:
النّاس إلب علينا فيك ليس منّا
…
إلّا السّيوف وأطراف القنا ورد
وأنشد صاحب المغرب:
فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا
(1) أى: فى قصر الفاعل على المفعول، وفى بعض النسخ:" ما ضرب عمرا زيد"، وهو خطأ.
(2)
فى قصر المفعول على الفاعل. وفى بعض النسخ: (وما ضرب زيد عمرا).
(3)
سورة المائدة: 116.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(تنبيه): مقتضى عبارة المصنف والشارحين أن القصر يدور بين الفاعل وبين المفعول الأول والثانى، ونحوه، وفيه نظر فقد يقال: بل هو أبدا فى الجملة الفعلية دائر بين الفعل والمقصور عليه، فيكون بين الفعل والفاعل، وبين الفعل والمفعول، وعلى هذا ويشهد له عبارة المصنف فى الإيضاح حيث قال: لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها، والمعنى يشهد لذلك فإن المقصور المصدر المستفاد من الفعل لا الفاعل.
(تنبيه): قال المصنف فى الإيضاح: وقيل إذا أخر المقصور عليه والمقصور عن إلا، وقدم المرفوع كقولنا: ما ضرب إلا عمرو زيدا، فهو كلامان، التقدير ما ضرب أحد إلا عمرو، وزيدا المذكور منصوب بفعل محذوف، كأنك قلت: ما ضرب إلا عمرو، أى: ما وقع ضرب إلا منه، ثم قيل: من ضرب؟ فقلت: زيدا، أى: ضرب زيدا، كما سبق فى قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
قال المصنف: وفيه نظر لاقتضائه الحصر فى الفاعل والمفعول معا قلت: فيه نظر؛ لأنه إنما يقتضى حصر الفاعلية فقط، لا حصر المفعولية، ولو اقتضى حصر المفعولية لحملنا ذلك على أنه بعامل مقدر لا بالأول فلا معية ثم نقول: ما ذكره المصنف ينبنى على أنه هل يجوز أن يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان أو لا؟ وقد تكلم الوالد رحمه الله على ذلك فى كتاب الحلم والأناة فى تفسير: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وها أنا أذكر شيئا منه قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ (1) المختار أن يؤذن لكم حال، والباء مقدرة، وغير ناظرين حال ثان، وجوز الشيخ أبو حيان أن الباء للسببية، ولم يقدر الزمخشرى حرفا، بل قال:(أن يؤذن) فى معنى الظرف، أى: وقت أن يؤذن، وأورد عليه أبو حيان أن المصدر لا يكون فى معنى الظرف، وإنما ذلك فى المصدر الصريح، نحو: أجيئك صياح الديك، ويمتنع من جهة المعنى أن يكون (غير ناظرين) حالا من يؤذن، وإن صح من جهة الصناعة. قال الزمخشرى: وقع الاستثناء على الوقت والحالة معا، كأنه قيل:
لا تدخلوا إلا وقت الإذن، ولا تدخلوا إلا غير ناظرين، فورد عليه أنه يكون استثناء ظرف وحال بأداة واحدة، والظاهر أنه قال: ذلك تفسير معنى قوله: وقع الاستثناء على
(1) سورة الأحزاب: 53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوقت والحال معا، أى: لأن الاستثناء المفرغ يعمل ما قبله فيما بعده، فالمستثنى فى الحقيقة هو المصدر المتعلق بالظرف والحال، كأنه قيل له: لا تدخلوا إلا دخولا موصوفا بكذا، ولست أريد تقدير مصدر عامل، فإن العمل للفعل المفرغ، وإنما أردت شرح المعنى، ومثل هذا الإعراب مختاره فى مثل قوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ (1) ولو قدرنا اختلفوا بغيا لفات الحصر فيمكن حمل كلامه على هذا، وأورد عليه أبو حيان أنه لا يصح أن يكون حالا من لا تدخلوا؛ إذ لا يقع عند الجمهور بعد إلا إلا المستثنى أو صفته، وهو إيراد عجيب؛ لأن الزمخشرى لم يرد: لا تدخلوا غير ناظرين، حتى يكون الحال قد أخر بعد إلا، وإنما أراد أنه حال من لا
تدخلوا؛ لأنه مفرغ، فإن قلت: قولهم: لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان، هل هو متفق عليه؟ قلت: قال أبو حيان: من النحويين من أجازه، فأجازوا ما أخذ أحد إلا زيد درهما، قال: وضعفه الأخفش والفارسى، واختلفا فى إصلاحها فتصحيحها عند الأخفش أن يقدم المرفوع، فنقول: ما أخذ أحد زيد إلا درهما. قال: وهو موافق لما ذهب إليه ابن السراج وابن مالك من أن حرف الاستثناء إنما يستثنى به واحد، وتصحيحها عند الفارسى أن تزيد منصوبا قبل إلا، فتقول: ما أخذ أحد شيئا إلا زيد درهما. قال أبو حيان: لم يزد تخريجه لهذا البدل فيهما، كما ذهب إليه ابن السراج، أو على أن يجعل أحدهما بدلا والآخر معمول عامل مضمر، كما اختاره ابن مالك والظاهر من قول ابن مالك، خلافا لقوم أنه يعود إلى قوله: لا بدلا فلم ينقل خلافا فى صحة التركيب، والخلاف كما ذكرته موجود فى صحة التركيب، منهم من قال: تركيب صحيح لا يحتاج إلى تخريج. انتهى. وحاصله أن غير الفارسى والأخفش يجوز هذا التركيب، وهم بين قائل: هما بدلان كابن السراج، وقائل: أحدهما بدل كابن مالك، فليس فيهم من يقول: هما مستثنيان بأداة واحدة، ولا نقل ذلك أبو حيان عن أحد، وقوله أولا: إن من النحويين من أجازه محمول على التركيب لا على معنى الاستثناء، ولم يتلخص لنا من كلام أحد النحاة ما يقتضى حصرين، وقال ابن الحاجب فى شرح المنظومة فى تقديم الفاعل: قولك: ما ضرب زيد إلا عمرا،
(1) سورة البقرة: 213.
ووجه (1) الجميع: أن النفى فى الاستثناء المفرّغ يتوجّه إلى مقدّر، وهو مستثنى منه عامّ مناسب للمستثنى فى جنسه وصفته، فإذا أوجب منه المقدّر شيء ب (إلا)، جاء القصر،
ــ
يجب تقديم الفاعل؛ لأن الغرض مضروبية زيد فى عمرو خاصة، أى: مضروب لزيد سوى عمرو، فلو قدر له مضروب آخر لم يستقم، فلو قدم المفعول على الفاعل انعكس المعنى، ولا يستقيم أن يقال: ما ضرب إلا عمرا زيد؛ لأنه لو جوز تعدد المستثنى المفرغ، كقولك: ما ضرب إلا زيدا عمرو، أى: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا كان الحصر فيهما، والغرض الحصر فى أحدهما، فيرجع الكلام لمعنى آخر غير مقصود، وإن لم يجوز كانت المسألة ممتنعة لبقائها بلا فاعل ولا نائبه؛ لأن التقدير حينئذ ضرب زيد، وفى الثانية يكون عمرو منصوبا بفعل مقدر؛ فيصير جملتين، ولا يكون فيهما تقديم فاعل على مفعول، وقال ابن الحاجب فى أمالى الكافية: إذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمرا، فلا يمكن أن يكون قبلهما عاملان؛ لأنه إثبات أمر خارج عن القياس من غير ثبت، ويلزم جوازه فيما فوق الاثنين، وهو ظاهر البطلان، فلذلك حكموا أن الاستثناء المفرغ إنما يكون لواحد، ويجوز: ما ضرب إلا زيد عمرا، على أن يكون عمرا منصوبا بضرب محذوفا. انتهى، قال
الوالد رحمه الله:
وقد تأملت ما وقع فى كلام ابن الحاجب من قوله: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وقوله: إن الحصر فيهما معا، والسابق إلى الفهم أنه لا ضارب إلا زيد، ولا مضروب إلا عمرو، فلم أجده كذلك، وإنما معناه: لا ضارب إلا زيد لأحد إلا عمرا فانتفت ضاربية غير زيد لغير عمرو، وانتفت مضروبية عمرو من غير زيد، وقد يكون زيد ضرب عمرا وغيره، وقد يكون عمرو ضربه زيد وغيره، وإنما المعنى نفى الضاربية مطلقا عن غير زيد، ونفى المضروبية مطلقا عن غير عمرو، وإذا قلنا: وقع ضرب إلا من زيد على عمرو، والفرق بين نفى المصدر ونفى الفعل أن الفعل مسند إلى فاعل، فلا ينتفى عن المفعول إلا ذلك القيد، والمصدر ليس كذلك، بل هو مطلق فينتفى مطلقا إلا الصورة المستثناة منه بقيودها، والذى يظهر أنه لا يجوز استثناء شيئين بأداة، بلا خلاف كما لا يكون للفعل فاعلان.
ص: (ووجه الجميع
…
إلخ).
(ش): هذا الكلام لا يناسب هذا الفصل؛ فإن هذا الفصل يتعلق بما بعد أداة القصر وجاءت هذه القطعة فاصلة، قال: وجه الجميع، أى: الحصر فى جميع صور
(1) أى السبب فى إفادة النفى والاستثناء فيما بين المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك.