المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف المسند إليه باللام: - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌تعريف المسند إليه باللام:

‌تعريف المسند إليه باللام:

وباللام:

1 -

للإشارة إلى معهود؛ نحو: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى (1) أى: ليس الذى طلبت كالتى وهبت لها.

ــ

ولله صعلوك يساور همّه

ويمضى على الأحداث والدّهر مقدما

فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة

ولا شبعة إن نالها عدّ مغنما

إذا ما رأى يوما مكارم أعرضت

تيمّم كبراهنّ ثمّت صمّما

ترى رمحه ونبله ومجنّه

وذا شطب عضب الضّريبة مخذما

وإحناء سرج فاتر ولجامه

عتاد أخى هيجا وطرفا مسوّما

فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه

وإن عاش لم يعقد ضعيفا مذمّما (2)

وبقى من الأسباب أن لا يكون طريق إلى معرفة المسند إليه، إلا اسم الإشارة، كما فى المفتاح. وكان ينبغى للمصنف ذكره، كما ذكر نحوه فى الموصول.

تعريف المسند إليه باللام:

ص: (وباللام للإشارة إلى معهود إلخ).

(ش): التعريف بالأداة، وهى اللام على مذهب، والألف واللام على مذهب، تكون لأحد أمور:

الأول: أن يشار به إلى معهود. قال فى الإيضاح: للإشارة إلى معهود بينك وبين مخاطبك، كما إذا قال لك قائل: جاءنى رجل. فتقول: ما فعل الرجل؟ ومنه قوله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى (1) أى: وليس الذكر الذى طلبت، كالأنثى التى وهبت والإشارة لمعهود سابق، وهو قولها: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (3) وقولها: إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى (4) غير أن المعهود السابق فى الذكر؛

(1) آل عمران: 36.

(2)

الأبيات في ديوانه ص 45، شرح وتقديم أحمد رشاد، دون البيت الأخير، وهو فى شعره في موسوعة الشعر العربي لمطاوع صفدى وإبلى حاوى ص 514، والبيت استشهد به الطيبي فى التبيان بتحقيقى 1/ 159.

(3)

سورة آل عمران: 35.

(4)

سورة آل عمران: 36.

ص: 177

2 -

أو إلى نفس الحقيقة؛ كقولك: الرجل خير من المرأة.

ــ

لتعريف عهد تقديرى، إذ لم يتقدم صريحا، وإنما تقدم:(ما فى بطنى محرّرا) والمراد به الذكر؛ لأنهم لم يكونوا

ينذرون تحرير الإناث وفى الأنثى لتعريف عهد حقيقى صريح لتقدم (وضعتها أنثى) كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن قولهم: ليس الذكر الذى طلبت، يدل على أنه قد وقع طلب الذكر حقيقة، فيكون اللام فيه لتعريف عهدى حقيقى، والذى أحوج لإخراجها عن الجنسية: أنه لو كانت للجنس، لقيل: ليست الأنثى كالذكر، وليس هذا مقام قلب التشبيه، والمعهود قد يكون حاضرا لفظا، كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (1) أو حسا وهو مبصر، كقولك: القرطاس لمن سدد سهما، أو علما، كقوله تعالى: إِذْ هُما فِي الْغارِ (2) وقوله: بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ (3)، إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (4) هذا هو المعهود الشخصى، وأما الجنسى فسيأتى.

الثانى - أن يراد نفس الحقيقة، كقولك: الرجل خير من المرأة، أى: حقيقة الرجل من حيث هى هى، خير من حقيقة المرأة من حيث هى هى، وقول المعرى:

والخلّ كالماء يبدى لى ضمائره

مع الصّفاء ويخفيها مع الكدر (5)

فلا يدل هذا حينئذ على وحدة، ولا تعدد.

ثم قال المصنف: وقد تأتى لواحد باعتبار عهديته فى الذهن، كقولك: ادخل السوق، حيث لا عهد، يعنى: إن الدخول إنما يكون فى سوق معين قال: وعليه قول الشاعر، وهو عميرة بن جابر الحنفى:

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى (6)

(1) سورة المزمل: 15، 16.

(2)

سورة التوبة: 40.

(3)

سورة طه: 12.

(4)

سورة الفتح: 18.

(5)

البيت فى المفتاح ص 99، ولطائف التبيان ص 52، وسقط الزند ص 58، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 62، والخل: الصديق، و (ال) فى قوله (الخل) جنسية؛ إذ ليس الحكم هنا على خل معهود، وإنما هو على جنس الخل. وضمائره: ما يضمره من المودة وغيرها.

(6)

البيت لعميرة بن جابر الحنفى 1/ 78، وشرح التصريح 2/ 11، وهو منسوب لشمر بن عمرو الحنفى فى الأصمعيات ص 126، ولعميرة بن جابر فى حماسة البحترى ص 171، وخزانة الأدب 1/ 357، 358، 3/ 201، 4/ 207، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383، والخصائص 2/ 338، 3/ 330، وشرح شواهد الإيضاح ص 221، ولسان العرب 12/ 81 (ثمم)، 15/ 296 (عنى)، ودلائل -

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رواه البحترى فى حماسته: ولقد مررت. لا يقال: كل ما يقع فى الوجود مشخص؛ لأنا نقول: لو نظر لذلك، لما

كان العهد مفارقا الأداة، قال: وهذا فى المعنى كالنكرة، ولذلك يقدر يسبنى وصفا للئيم، لا حالا. يعنى أن اللئيم لما لم تكن الأداة فيه لمعين يعرفه المخاطب، صار شائعا بحسب الظاهر، فعومل معاملة النكرة، فصح وصفه، وإن كان معرفة بيسبنى، وإن كان نكرة. ولو عومل معاملة المعرفة، لجعل حالا، والحال فى المعنى غير مقصود؛ لأن الحال يدل على الانتقال، وليس ذلك مقصودا هنا. ومن حيث اللفظ أيضا لا يتضح؛ لكونه فى حكم النكرة على ما سبق وسيأتى الكلام على ذلك فى الكلام على الحال.

ومثله فى القرآن كثير كقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (1)، وقوله تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ (2) إلى أن قال: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً فإن قلت: لأى شئ فصل المصنف بين هذا، وما قبله من العهد بالجنس، وإن كان هذا والأول عهديين؟ قلت: لأن هذا وإن كان عهديا، فهو من حيث شياعه فى الظاهر كالجنس، فجعل بعدهما؛ لأن فيه شبها من كل منهما، ولك أن تقول: أقرب من هذا القسم شبها بالنكرات، ما اشتمل على الأداة الجنسية التى لتعريف الحقيقة، فإن شياعها فى نفس الأمر، وشياع ما نحن فيه فى الظاهر فقط، فكان أولى أن يعامل معاملة النكرات فى الوصف، وغيره. ولا شك أن الأمر كذلك؛ لكن ظاهر عبارة المصنف خلافه.

وقد يجاب: بأن مدلول الجنسية هو الحقيقة، من غير نظر لإفرادها، وهى حينئذ غير مبهمة لكن لك أن تقول حينئذ: فما الذى أفادته هذه الأداة؟

(تنبيه): نسبة ما نحن فيه من التوسط بين العهد الشخصى والجنسى المعهود الجنسى، فإن العهد قد يكون شخصيا، كقوله تعالى: فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (3)

- الإعجاز ص 206، والإشارات والتنبيهات ص 40، والمفتاح ص 99، وشرح المرشدى 1/ 62، والتبيان 1/ 161، وثمت حرف عطف لحقته تاء التأنيث، وقوله (أمرّ) مضارع بمعنى الماضى لاستحضار الصورة، ورواية الكامل" فأجوز ثم أقول لا يعنينى".

(1)

سورة يس: 37.

(2)

سورة النساء: 98.

(3)

سورة المزمل: 16.

ص: 179

3 -

وقد يأتى لواحد باعتبار عهديّته فى الذهن؛ كقولك: ادخل السوق خ خ؛ حيث لا عهد، وهذا فى المعنى كالنّكرة.

4 -

وقد يفيد الاستغراق (1)؛ نحو: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)، وهو ضربان:

- حقيقىّ؛ نحو: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (3) أى: كلّ غيب وشهادة.

- وعرفىّ؛ نحو: جمع الأمير الصّاغة، أى: صاغة بلده أو مملكته.

ــ

وقد يكون جنسيا، بمعنى إرادة جنس هو نوع لما فوقه، كقولك: الرجل، تريد به فردا من أفراد الرجال الحجازيين دون غيرهم، وهذا يقع كثيرا فى الكلام ولعل منه قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ (4) فإن المراد جنس كتب الله، ليكون صالحا للتوراة، والإنجيل، والزبور التى أوتيها من تقدم ذكره من الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم تسليما فاللام فيه عهدية جنسية، وكذا قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ (5) قال الزمخشرى: أى جنس كتب الله المنزلة، وتصير هذه الألف واللام عهدية، جنسية، استغراقية. وعلى هذا فينبغى أن يجعل:(وليس الذكر كالأنثى) من هذا القسم؛ فإن المعهود الذكر الذى قام بذهنها كيفيته المطلوبة، وذلك معهود جنسى لا شخصى، كما سبق فى: ولقد أمر على اللئيم.

الثالث: أن تكون للاستغراق، وإليه الإشارة بقوله: وقد يفيد الاستغراق، وإنما قال: وقد يفيد لأنه يريد أن اللام الجنسية قد تفيد الاستغراق ومعنى الجنسية مع ذلك لا يفارقها، ومثله بقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) فإنه عام، بدليل الاستثناء منه، وكذلك: خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (6) ثم قال: إن الاستغراق على قسمين:

أحدهما: حقيقى، نحو: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (3) فإن معناه: كل غيب، وكل شهادة، وفى جعل هذا من هذا القسم بحث، سيأتى إن شاء الله.

والثانى: عرفى، كقولنا: جمع الأمير الصاغة أى: صاغة بلده أو مملكته. والحق وهذا أنه عام أيضا؛ ولكنه مخصوص بالعقل، كقوله تعالى: خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (7) ثم

(1) أى المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة.

(2)

سورة العصر: 2.

(3)

سورة السجدة: 6.

(4)

سورة الأنعام: 89.

(5)

سورة البقرة: 177.

(6)

سورة النساء: 28.

(7)

سورة الأنعام: 102.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جعل ذلك استغراقا عرفيا، فيه نظر؛ لأنه يقتضى أن العرف اقتضى عمومه، وليس كذلك، بل العرف اقتضى تخصيصه ببعض أفراده، والظاهر أنه يريد بالاستغراق العرفى أن ذلك فى العرف يعد مستغرقا، وليس بمستغرق لجميع ما يصلح له، بل لبعض أنواعه.

(تنبيه): اعلم أن كون الألف واللام للعموم أو لا، مسألة مهمة يحتاج إليها فى علوم المعانى، وأصول الفقه، والنحو، ولم أر من المصنفين فى شئ من هذه العلوم، من حررها على التحقيق؛ وها أنا أذكر قواعد يتهذب بها المقصود، ويبنى عليها ما بعدها، وبالله التوفيق:

الأولى: والألف واللام إما أن تكون اسما موصولا، أو حرفا. فإن كانت اسما، فليس كلامنا فيه؛ لأنه حينئذ داخل فى الموصولات، فله حكمها فى العموم بجميع أحواله وهذه فائدة جليلة يستفاد منها: أن غالب ما يستدل به من لا أحصيه عددا من الأئمة، فى إثبات العموم، أو نفيه من المشتقات المعرفة بالألف واللام، مثل:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (1)، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي (2)، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ (3) ليس من محل النزاع فى شئ، إنما النزاع فى الألف واللام الحرفية بشروط ستأتى.

وليتنبه لفائدة جليلة أيضا، أهملها النحاة، أو أكثرهم، وهو أن إطلاق أن الألف واللام الداخلة على المشتقات موصولة، لا يصح؛ لأنها إنما تكون موصولة، حيث أريد بها معنى الفعل من التجدد، أما إذا أريد بها الثبوت، فلا. فخرج بذلك أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين إذا قصد بها الثبوت، وخرج بذلك: أفعل التفضيل، وخرجت الصفة المشبهة فإنها يقصد بها الثبوت، ولذلك قال ابن الحاجب، فى نحو قوله تعالى: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (4): إن الألف واللام هى المعرفة الموصولة، فلا حاجة لتقدير عامل. وبهذا يعلم أن إطلاق أهل المعانى أن الاسم يدل على الثبوت والاستقرار، ليس ماشيا على عمومه.

الثانية: ما تدخل عليه الألف واللام الحرفية، التى ليست شيئا مما سبق أقسام:

(1) سورة التوبة: 5.

(2)

سورة النور: 2.

(3)

سورة المائدة: 38.

(4)

سورة يوسف: 20.

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأول: جمع تصحيح أو ملحق به غير العدد، أو جمع تكسير للقلة، أو الكثرة، سواء كان له واحد من لفظه، أم لا. نحو:

الزيدين، والعالمين، والأرجل، والرجال وأبابيل، وكذلك الداخلة على صيغة الأعلام بعد تنكيرها، إما لقصد الشركة على رأى الزمخشرى، حيث قال: تدخل أل على العلم للشركة، كما أضاف فى قوله:

علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم

أو لغير ذلك، ومدلول كل منها الآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد، كما صرح به بدر الدين بن مالك فى أول شرح الألفية، وهو حق ودلالة الجمع على كل واحد من أفراده بالمطابقة، ويكفيك فيه إطباق الناس على قولهم: الجمع كتكرار الواحد، ويكفيك أيضا قولهم: إنه لا يجوز أن تقول: جاء رجل ورجل ورجل فى القياس قالوا: إذ لا فائدة فى هذا التكرار؛ لإغناء لفظ الجمع عنه، فلو كانت دلالة رجال على رجل بالتضمن، لكان قولنا: رجل ورجل ورجل مشتملا على أعظم فائدة، وهى الانتقال من دلالة التضمن إلى دلالة المطابقة، كما يجوز ويحسن الانتقال من الظاهر إلى النص، ولكان جائزا حسنا.

وتحقيقه أن لفظ: رجال فى الحقيقة، لفظ رجل، إنما تغيرت هيئته فصار دالا على آحاد ينصرف لكل منها وينصب كل منها انصبابا واحدا، ولا يكون دالا عليه بالتضمن؛ لأنه لم يوضع لمجموع الثلاثة، وهو يضاهى اللفظ المشترك إذا استعمل فى معانيه، فإنه يكون دالا على كل منهما بالمطابقة، ويضاهى العام فإنه دال على كل من أفراده بالمطابقة، وإن كان القرافى قد أشكل عليه دلالته، حتى قال مرة: إنه يدل بالتضمن، ثم رجع عن ذلك فقال: إنه لم يتضح له دلالته، والحق ما قلناه. ويضاهى قول القرافى:

إن دلالة الفعل على كل من حدثه وزمانه بالمطابقة. لا يقال: دلالة المطابقة، هى دلالة اللفظ على تمام مسماه، وليس رجل تمام مسمى الرجال، ولا الفرد الواحد تمام مسمى العام؛ لأنا نقول: التمام فى مقابلة النقص، فإنما نعنى بالدلالة على تمام المسمى ما يقابل الدلالة على جزئه. فتمام المسمى كلى، قد يكون له فى الخارج جزئى واحد، وقد يكون له جزئيات، كل منها تمام المسمى وهو موجود فى ضمنها، كما أن تمام مسمى الحيوان الجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة، وذلك يوجد كله فى الإنسان، وفى الفرس، وغيرهما من أنواعه. وكذلك المشترك يوجد تمام مسماه فى

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كل واحد من معانيه، ولا أعنى أن لفظ الجمع كلى بالنسبة إلى مفرداته، ولفظ المشترك كلى بالنسبة إلى معانيه؛ بل أردت مثالا يبين لك أن تمام المسمى، لا ينفى أن يكون معه غيره.

ثم إن شئت اقتصرت على ذلك وقلت: مدلوله رجل ورجل ورجل، وليس الجمع موضوعا بطريق الأصالة؛ بل الوضع للمفرد. والعرب استعملت أوزانا للجموع، سوغت بها للمستعمل أن يجمع ما شاء على وزنها، فلا يرد أن

يقال: يلزم أن يكون الجمع وضع للمفرد على انفراده، وعلى هذا نقول: الجمع هو المفرد بالمادة وغيره بالصورة، وإن شئت قلت: الجمع موضوع لكل مفرد بقيد كونه معه اثنان أو أكثر. والدلالة أيضا على كل فرد بالمطابقة؛ لأنه ليس موضوعا لمجموع الأفراد وفرق واضح بين الوضع للمجموع، وبين الوضع لكل واحد بشرط غيره.

فإن قلت: لو كانت دلالة الجمع على كل واحد بالمطابقة، لكان قولك: ما عندى رجال، كقولك: ليس عندى رجل فى نفى كل واحد، وليس كذلك؛ بل هو لنفى المجموع قلت: بل مدلول: ليس عندى رجال، ليس رجل ورجل ورجل، وأنت قلت:

ذلك لم يدل على أنه لا رجل عندك؛ لأن الجمع كتكرار الواحد بالعطف، بخلاف العدد. فلو قلت: جاءنى رجال، دل على كل واحد بالمطابقة. ولو قلت: جاءنى ثلاثة تريد الرجال، دل على كل واحد بالتضمن. ولو قلت: جاءنى رجال ثلاثة، كنت واصفا للآحاد بصفة هى للمجموع؛ لأن الآحاد فى الإثبات تستلزم المجموع، ولو قلت: جاءنى ثلاثة رجال، كان معناه: كل منهم رجل. وقد نازع الأخفش فقال فى ركب ونحوه: إنه جمع.

القسم الثانى: اسم جمع سواء كان له واحد من لفظه، أو لم يكن، مثل: ركب، وصحب، وقوم، ورهط. قال بدر الدين بن مالك: إنه موضوع لمجموع الآحاد. ما قاله حسن؛ لأن اسم الجمع وضع فى الأصل وله مدلول وهو الأفراد، فكل منها جزء مدلوله، كما أن التخت لما كان اسما لذى أجزاء، كان مدلوله مجموعها. وكما أن الثلاثة اسم مجموعها بخلاف الجمع، فإن الوضع فى الأصل للمفرد. وبهذا يعلم أن دلالة اسم الجمع على أحد أفراده بالتضمن؛ لأنه جزء المدلول.

القسم الثالث: اسم الجنس الذى يفرق بينه وبين واحده تاء التأنيث، وليس مصدرا، ولا مشتقا منه، مثل: تمر، وشجر، وغير ذلك مما لم تلتزم العرب فيه التأنيث؛

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

احترازا مما التزمته فيه، كتخم جمع تخمة. فهذا القسم ذهب الفراء إلى أنه جمع، وسماه ابن مالك اسم جمع، فإنه حين ذكر أسماء الجموع عده منها، ومثل له بتمر ونحوه، وسماه فى شرح الكافية: اسم جنس لا اسم جمع، كما فعل الجمهور. وكذلك فى أول باب أمثلة الجمع من التسهيل فى بعض النسخ. واختلف فى مدلوله على أقوال:

أحدها: وهو الذى يظهر أنه يصلح للواحد والتثنية والجمع؛ لأنه اسم للجنس، والجنس موجود مع كل من الثلاثة. وقد حكى الكسائى عن العرب إطلاقه على الواحد، وقال به الكوفيون، سواء كان الواحد مذكرا أم مؤنثا. قال الراغب فى مفرداته: النحل يطلق على الواحد والجمع، وهذا أوضح الأقوال؛ بل لا ينبغى أن يقال: صالح للواحد والجمع، بل يقال: موضوعه الحقيقة؛ ليصدق اسم التمر على بعض تمرة واحدة؛ لأن الجنس موجود فيه.

الثانى: أنه لا يطلق على أقل من ثلاثة قاله ابن جنى، وتبعه ابن مالك حيث قال، فى الكلم: إنه اسم جنس جمعى، لا يطلق على أقل من ثلاثة.

الثالث: أنه لا يطلق إلا على جمع الكثرة، ونقل ذلك عن الشلوبين وابن عصفور، وهو مقتضى كلام ابن مالك فى باب أمثلة الجمع، ولأجل ذلك أورد شراح سيبويه على قوله: باب علم ما الكلم من العربية، وقالوا: إنما هى ثلاث: اسم، وفعل، وحرف، ثم أجابوا بأن تحت كل واحد منها أنواعا، ولا يدل لمن قال: إنه لا يطلق إلا على الجمع، أن سيبويه إنما ذكر ذلك فى باب الواحد الذى يقع على الجمع؛ لأنه لم يقل: لا يقع إلا على الجمع، ولا يدل له أنهم عند إرادة الواحد، يأتون بالتاء؛ لأن التاء يؤتى بها للتنصيص على الوحدة، وإزالة احتمال التعدد؛ كما يؤتى عند إرادة جمع القلة بالألف والتاء ولا دلالة فى قوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (1) على إرادة الواحد، بل قد يراد الجنس، وعاد ضمير التثنية باعتبار لفظهما ومعناهما، وقد يراد الجمع وهو رعاية للفظهما.

الرابع: المثنى نحو: الزيدين، والرجلين، والضاربين، والركبين، وما ألحق به من نحو اثنين، فدلالته على كل واحد، كدلالة الجمع على أفراده على ما سبق.

(1) سورة الرحمن: 6.

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخامس: الاسم الدال على الحقيقة، وأفراده متميزة، وليس له مؤنث بالتاء مثل:

رجل، وأسد، وفرس. قد يقال: إنه قصد فيه الجنس مع الوحدة، ما لم يقترن بما يزيلها من تثنية، أو جمع، أو عموم، وبه جزم الغزالى فى المستصفى، والقرافى، وإليه أشار السكاكى عند الكلام على تعريف المسند، وجزم به الكاشى، وهو الظاهر، ويشهد له تثنيته وجمعه، وصحة قولك: ما عندى رجل بل رجلان، وقولهم: إن واحدا من قولك: جاء رجل واحد، تأكيد، وأنه لا يصح: عندى رجل عاقلون، أو رجل كثير، ويحتمل أن يقال: إنه لأعم من الواحد وغيره، بدليل صحة قولك: رجل خير من امرأة، لا تريد إلا الجنس. ولقول النحاة: لا التى لنفى الجنس، فى نحو: لا رجل، ويقولون: إنه لنفى الحقيقة؛ ولذلك لا يصح أن تقول: بل رجلين؛ ولأنه كلى، والكلى لا تعرض فيه لوحدة ولا تعدد؛ ولأن الزمخشرى قال فى قوله تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا (1): إنه وحده لفظا؛ لأن الغرض الدلالة على الجنس، ويحتمل: يخرج كل واحد منكم طفلا، يريد وحد طفلا؛ لأن المراد الجنس لا الوحدة. وهذا وإن لم يكن صحيحا فى نفسه؛ لأن طفلا يستعمل للجمع والمفرد لغة؛ لكنا استفدنا منه أنه يرى أن نحو: طفل ورجل، لا يختص به الواحد، وكذلك قوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (2) ويشهد له أيضا، أن الإمام صرح فى المحصول بأن

الإنسان مطلق، ليس لوحدة، ولا كثرة.

وقال الزمخشرى أيضا فى قوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ (3): الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية، والعدد المخصوص. فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما هو العدد، شفع بما يؤكده، فدل على القصد إليه. ألا ترى أنك لو قلت: إنما هو إله، ولم تؤكده بواحد، لم يحسن، وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية. اه.

وهو كالصريح فى أن نحو: رجل يحتمل الوحدة والتعدد. ولا ينافى هذا قولهم:

إن ذكر الواحد تأكيد؛ لأن لقائل أن يقول: المتحقق فيه هو الجنس، ولكن

(1) سورة الحج: 5.

(2)

سورة الفرقان: 74.

(3)

سورة النحل: 51.

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الغالب استعماله فى المفرد، فصار الذهن يتبادر إليه فيكون الواحد تأكيدا؛ لأنه أزال احتمالا مرجوحا.

وقول المصنف فيما سيأتى إن أداة العموم تدخله مجردا عن معنى الوحدة، قد يتعلق به مدعى الوحدة؛ لأن التجريد عن الشئ فرع الكون فيه، وقد يتعلق به منكرها؛ لأنه لو دل عليها لما تغير عن موضوعه بالأداة، كما سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.

السادس: الاسم الدال على الحقيقة وأفراده متميزة، وهو مؤنث؛ لإطباقهم على أن اسم الجنس ما يفرق بينه وبين واحدة التاء.

السابع: الاسم الدال على الحقيقة من حيث هى هى، ولا يتميز بعضها عن بعض، وليس لها مؤنث. ولا إشكال أنه لا دلالة فيه على وحدة ولا تعدد، مثل: الماء والعسل فى الأعيان، ومثل: الضرب والنوم فى المصادر، سواء كانت موضوعة بالتاء، مثل: الرحمة أو لا.

الثامن: ما كان كذلك إلا أن فيه التاء من أصل الوضع، مثل: ضربة واستخراجة، فهذا مدلوله الوحدة بلا إشكال.

التاسع: ما كان عددا مثل الثلاثة، فهذا نص فى مدلوله هو موضوع لمجموعها، ودلالته على أحدها بالتضمن، كما تقدم فى اسم الجمع بل أوضح، ويظهر أن الملحق بجمع السلامة من أسماء العدد كذلك، مثل عشرين إلى التسعين، فيدل على الآحاد بالتضمن، كاسم الجنس، وإن أعطيت فى الإعراب حكم جمع السلامة.

القاعدة الثالثة: دلالة العام على أفراده بالمطابقة على ما سبق، ومحل تقريره علم أصول الفقه.

الرابعة: اسم الجنس، يطلق باصطلاح النحاة على ما الفرق بينه وبين واحده تاء التأنيث، أو ياء النسب على ما سبق، ويطلق عند الأصوليين على جميع الأقسام السابقة، ما عدا الجمع والمثنى، وسبب ذلك أن النحاة ينظرون فيما يتعلق بالألفاظ والأصوليين أكثر نظرهم فى المعانى، فيطلقون الجنس على كل من الكليات السابقة، يعنون بالجنس: ما لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه جنسا كان، أم

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نوعا، أم فصلا، أم خاصة أم عرضا عاما، أم صنفا، وقد توسعوا فى ذلك. فإن حقيقة الجنس فى الاصطلاح المقول على كثيرين مختلفين بالنوع فى جواب ما هو، وما اصطلحوا عليه يقع أيضا فى كلام النحاة، ألا تراهم يقولون: الألف واللام الجنسية، يعنون جميع ذلك.

الخامسة: إذا دخلت الألف واللام المذكورة على شئ مما ذكر غير مثنى، صار عاما على الصحيح فى الجميع بما سنذكره من الشروط، لا يقال: كيف يعم نحو:

جلسة مع أنها للوحدة لما سيأتى - أما إن كانت جمعا فالأصوليون كالمنطقيين عليه، إلا شرذمة يسيرة.

وأما إن كان اسم جنس، وما أشبهه فى الدلالة على الحقيقة، فكذلك على الصحيح، وهو الذى ذكره أصحاب الشافعى - رضى الله عنه وعنهم - وعولوا عليه، واختاره ابن الحاجب والأكثرون. وقيل: ليس بعام إلا بقرينة، وهو رأى الإمام فخر الدين فى أكثر المواضع. وقيل: إن كان اسم جنس يفرق بينه وبين واحده التاء، أو كان لا يوصف بالوحدة، كالماء والذهب، فهو عام، وإن كان يتميز بالشخص، كالرجل، والدينار، فليس بعام إلا بقرينة، كقولنا: الدينار أفضل من الدرهم؛ علم العموم فيه بقرينة التسعيرة، قاله الغزالى فى المستصفى، واختاره الشيخ تقى الدين القشيرى، والمريسى، ومحل الاستدلال لذلك أصول الفقه.

وأما اسم الجمع فهو أقرب من المفرد إلى الجمع، فهو رتبة بينهما، وأما المثنى فلم أر من تعرض له إلا القرافى فإنه قال: إنه كالجمع فى العموم، ومن العجب أنه قال: لا يفهم العموم من إضافة التثنية فى شئ من الصور، سواء كان المفرد يعم، أم لا. فإذا قال: عبداى حران، فلا يتناول إلا عبدين، وكذلك لو قال: مالاى، فالفهم ينبو عن العموم فى التثنية جدا، بخلاف الجمع والمفرد. اه.

والإضافة والتعريف فى ذلك على السواء، فكلامه الأول لا يجتمع مع الثانى، وفى كل من الإطلاقين نظر والحق التفصيل، فإن ما ذكره فى عبداى حران صحيح، يجب القول بمثله، فى قوله: العبدان حران؛ لأن المفرد يعم لإرادة الحقيقة، وصلاحية المفرد لها، والجمع يعم لصلاحيته لاستيعاب الأفراد، والتثنية وإن صلحت لاستيعاب كل اثنين

فالعدول إليها مع مجاورة المفرد، والقصور عن الجمع قرينة لإرادة اثنين معهودين؛

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لكن قد توجد التثنية خالية عن القرينة الصارفة للعموم، أو مشتملة على قرينة إرادته، ولا نكاد نجد ذلك إلا فى اثنين بينهما تواصل ما، ويمكن الاستدلال له بقوله تعالى:

وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ (1) وقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا التقى المؤمنان بسيفيهما"(2) فإنه يعم كل اثنين ومؤمنين، وهذا وإن لم يكن مما نحن فيه لأنهما موصولان؛ لكن يشهدان لما نحن فيه من تثنية ما فيه الألف واللام الحرفية، وكذا قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (3) يعم كل أخوين، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" البيعان بالخيار"(4)، وكذلك:

" رجلان تحابا فى الله"(5) وهو وإن لم يكن عام اللفظ، فهو عام المعنى.

وأما نحو: لبيك، ودواليك، فقال أبو عبيدة: إنه عبر فيه بالمثنى عن الجمع، والذى اختاره الوالد فيه أنه اكتفى فيه بأول العدد، كقوله:

لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم

وعلى كل هذا قسم آخر يمكن ادعاء عمومه بالإضافة، وإن كان مثنى فى اللفظ.

السادسة - دلالة العموم على كل من هذه الأقسام كلية، بمعنى أن الحكم على كل فرد نفيا كان، أم إثباتا، وإن كان فى النفى، لا يرتفع الحكم عن كل فرد، فرد بخلاف الإثبات على ما يأتى تحقيقه فى عموم السلب وسلب العموم، بخلاف ما ذكروه من قولهم: إن الحكم فى النفى على المجموع.

السابعة - إذا أثبت العموم فى هذه الأقسام على سبيل الكلية، فكل منها يعم بحسب مدلوله. فالإرادة الداخلة على اسم الجنس، وكل ما يصلح للواحد وغيره على

(1) سورة النساء: 16.

(2)

أخرجه البخارى فى" الديات" باب قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْياها

12/ 199 (ح 6875) وفى غير موضع فى صحيحه، ومسلم فى" الفتن"(ح 2888) من حديث أبى بكرة رضى الله عنه.

(3)

سورة الحجرات: 10.

(4)

أخرجه البخارى فى" البيوع" باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (4/ 362) وفى غير موضع فى صحيحه، ومسلم فى" البيوع" ايضا (ح 1532).

(5)

أخرجه البخارى فى" الزكاة" باب: الصدقة باليمين (3/ 344)(ح 1423) وأخرجه فى مواضع أخرى من صحيحه، ومسلم فى" الزكاة" أيضا (ح 1031) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وطرفه:

" سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله

".

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السواء، كالرجل إن قلنا: إنه لا يدل على الوحدة يعم رتب الآحاد بالالتزام، فيقع الحكم فيه على حقيقة الجنس التى ليست واحدة، ولا متعددة، مع ملاحظة وجوده فى الجزئيات، ويلزم من الحكم عليها الحكم على كل فرد من جزئياتها. فإذا قلت: الماء يروى إلا الحمار، فقد حكمت على مطلق الماء الموجود فى ضمن الجزئيات، ويلزم من الحكم عليه الحكم على أفراده، وهذا لا ينافى قولنا: دلالة العموم كلية؛ لأن ذلك أعم من أن تكون كليتها باللازم، أو غيره، وكذلك الصلاة مطلوبة إلا فى وقت الكراهة، والإنسان فى خسر إلا المؤمن إن لم يجعله للوحدة، أو جعلناه لها، ولكنه تجرد منها عند إرادة العموم، وهذا فيما لا يتميز أجزاؤه، كالماء، وأوضح منه فى المميز، كالإنسان، والفرس وهو فى المصادر، أوضح منه فى غيرها.

فإن قلت: إذا كان شمول الأفراد لازما للحكم على الجنس، لزم أن تكون الإرادة الجنسية، تساوى الاستغراقية فى استيعاب الأفراد لأنها للجنس الذى لا يفارق شيئا من جزئياته. قلت: من هنا توهم كثير أن النكرة فى سياق الإثبات للعموم، ونقل ذلك عن الحنفية، ولذلك توهم ابن جنى أن أسماء الأجناس، لا تستعمل غالبا إلا مجازا؛ لعدم إمكان استيعاب أفراد الجنس غالبا، وليس كذلك؛ لأنا نقول: الجنسية جزء، وقصد المتكلم فيها إلى الجنس، ولم يلاحظ الأفراد، واستلزام الجنس للأفراد إزالة ما يدل عليه التنكير من التقييد بوحدة، أو غيرها من معانى التنكير.

وأما الاستغراقية، فالاسم بعدها فى الدلالة على الجنس، لم يمنعه مانع والحكم عليه غير مقصود لذاته؛ بل للأفراد؛ وهو يشابه الكناية فى أن الحكم فيها على شئ، والمقصود ملزومه.

إذا تحرر هذا فعموم اسم الجنس المعرف بالألف واللام، أقوى من عموم الجمع؛ لأنه ادعاء الشئ بدليله كما ذكره البيانيون فى غير موضع، وعموم الجمع ادعاء تحول الاسم للأفراد بغير دليل، ويتخلص أن عموم المفرد، أقوى عند البيانيين؛ لأن دلالة الالتزام عندهم أقوى، وعموم الجمع أقوى على ما تقتضيه قواعد الأصوليين؛ لأن دلالة المطابقة عندهم أقوى، ودلالة العام فى الجمع مطابقة؛ لكن يخدش فيه ما سيأتى عن إمام الحرمين، وسيأتى تحقيق هذا الموضع عند قول المصنف: واستغراق المفرد أشمل، والداخلة على الجمع، هل تصيره آحادا، أو تصير جزئيات العام مفردات،

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو تعم فى رتب الجموع السالمة، إن كان جمع سلامة والمكسرة إن كان جمع تكسير؟

فيه خلاف مشهور، وعليه ينبنى التخصيص.

فعلى الأول، يجوز إلى أن يبقى أقل ذلك، والداخلة على المثنى، كالداخلة على الجمع والداخلة على اسم الجمع. إن قلنا: إن أداة العموم تستغرق مراتب الجموع، ولا تصيره آحادا؛ فاسم الجمع الدال على الهيئة الاجتماعية أولى.

وإن قلنا: إن أداة العموم تقلب الجمع آحادا، فلا يلزم القول بمثله فى اسم الجمع؛ لأن الجمع على ما سبق مدلوله الآحاد، يدل على كل منهما بمادته دون صورته، فليس فيه إذا دخلته أداة العموم بغير طائل بخلاف اسم الجمع، فإن لكل واحد من جزئياته هيئة اجتماعية ذات أجزاء، وكذلك الداخلة على الأعداد مثل: العشرة فيعم جزئيات العشرات وأسماء الجموع بالمطابقة، غير أنها تدل على أجزاء كل عشرة، واسم جمع بالتضمن، وحاصله أن نحو العشرة والركب، يعم الآحاد تضمنا، ويعم الجموع والأعداد مطابقة، والجمع يعم آحاده مطابقة. فإن قلت: قد حكيتم الخلاف فى أن صيغة العموم تقلب الجمع آحادا أولا، فإذا كان مدلول الجمع آحادا، استويا. قلت: نحن وإن قلنا:

إن الجمع يدل على الآحاد بالمطابقة، فلا نجعله كالآحاد من كل وجه، فإن رجالا أفاد كل رجل دلالة غير مطابقة، بل منضم إليها اجتماعه مع غيره، سواء قلنا: إن الجمع وضع لذلك، أم إن هذا وظيفة المستعمل، بخلاف رجل ورجل ورجل، فإن كل واحد من المحكوم عليهم، لا تعرض فيه لغيره فحينئذ قولنا: إن لا رجال سلب معنى الجمع، معناه: أنه صار الحكم فيه على كل إنسان مطلقا، وقولنا: إنه باق على معنى الجمع معناه: أنه حكم فيه على كل إنسان مع غيره، ولذلك لا يجوز التخصيص إلى الواحد، وربما تترتب على ذلك فوائد أخر محلها علم أصول الفقه. وأما الدال الوحدة، كالضربة، وكالرجل إن قلنا: إنه موضوع بقيد الوحدة، وكالتمرة والبقرة، فيعم الوحدات، ولا ينافى ذلك العموم.

فإذا قلنا: الضربة تؤلم كان معناه كل ضربة واحدة تؤلم؛ وإنما ينافى العموم أن لو كان معناه: واحدة من الضربات تؤلم ليس كذلك؛ وإذا اتضح لك ذلك فيما هو صريح فى الوحدة، فانقله فيما، هو ظاهر فيها، يكون أوضح، كقولك: الرجل يشبعه رغيف، وسيأتى الكلام على هذا البحث، فإن المصنف ذكره. وإذا حققت هذا انحل

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كل ما أشكل على من لا أحصيهم عددا من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، من أنه كيف يجتمع العموم مع جمع القلة، والأول يستغرق الأفراد، والثانى لا يجاوز العشرة، لأنا بينا أنه يجتمع مع ما يتجاوز الواحد. فاجتماع العموم مع ما لا يتجاوز العشرة، أوضح فإذا قلت: أكرم الزيدين فمعناه: أكرم كل واحد مجتمع مع تسعة، أو دونها إلى اثنين، بخلاف: أكرم الرجال، فمعناه: أكرم كل واحد منهم منضم إلى عشرة فأكثر. ويجوز التخصيص فى نحو: الضربة

إلى أن يبقى واحد، وفى نحو: الزيدين إلى أن يبقى ثلاثة، وفى نحو: الرجال إلى أن يبقى أحد عشر، إن فرعنا على جواز التخصيص، إلى أن يبقى فرد من أفراد العام، وفرعنا على أن معنى الجمعية باق.

الثامنة - يشترط فى عموم الاسم الذى تدخل عليه هذه الأداة، أن تكون مادته، غير صارفة عن العموم، كالبعض، والجزء، والنصف، والثلث بالنسبة إلى الباقى. فإذا قلت:

أخذت البعض من الدراهم، وأكلت الثلث من الرغيف، لا يتخيل أحد أنه يعم الأبعاض والأثلاث، وإن كان داخلا فى إطلاقهم. وإنما لم يعم؛ لأن هذه الكلمة إنما تستعمل غالبا لإرادة عدم الاستيعاب، ولذلك احتاجوا إلى تأويل قوله: وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ (1) وقول الشاعر:

ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى

لولا الحياء ولولا الدّين عبتكما

فمن قائل: هو على سبيل التنزل، ومن قائل: هى فيه بمعنى كل، ولم نر أحدا أجاب بأن هذا اسم أضيف، فيعم جمع الأبعاض. فإن قلت: قد قال المنطقيون: إن الجزئية المسورة ببعض، لا تنافى صدق الكلية لصحة بعض الإنسان حيوان. قلت:

ونحن لا ندعى امتناع الصدق، وإنما ندعى العلية. نعم البعض، والجزء، والثلث، قد يعم كغيره من الأسماء، كقولك: الثلث أكبر من الربع، والبعض لا يطلق على الكل، وكذلك إذا أريد العموم فى أمثاله من ماهية أخرى كقوله صلى الله عليه وسلم:" الثلث كثير"(2) أى كل مال فثلثه فى الإيصاء كثير وإذا قوبل البعض بالبعض فتارة تكون قرينة يمكن معها

(1) سورة غافر: 28.

(2)

أخرجه البخارى فى" الوصايا"، باب: إن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس (5/ 427)(ح 2742) وفى" الجنائز"، ومسلم فى" الوصية"(ح 1628) فى حديث مرض سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه.

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القول بالعموم، كقولك: البعض من هؤلاء يحب البعض قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (1) أى كل واحد ولى الآخر، وتارة تكون معه قرينة تنافى العموم كقوله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ (2) إذ لا يمكن تفضيل كل منهم صلّى الله عليهم وسلم على الأخير، بل البعض الأول المفضل جميعهم إلا واحدا أو جماعة مستوين، والثانى من عداه، وقد أطلقنا فى هذه المسألة لفظ البعض والكل تبعا لكثرة الاستعمال، وإن كان الأكثرون منعوا دخول الألف واللام عليهما، ومما يلتحق بالبعض فى الاستثناء من العموم فى بعض المواد لفظ

(الآن) فإنه لا يقبل التعدد، فلا عموم فيه إذا قلنا: إن الألف واللام فيه للحضور، كما هو رأى الشيخ أبى حيان، فإن قلنا: زائدة فليست مما نحن فيه فى شئ.

التاسعة: يستثنى من الأداة المذكورة الألف واللام التى فى (التى والذى) وفروعهما، على القول الضعيف: إنها للتعريف، فإنه لا يطرقه الخلاف فى الألف واللام الداخلة على اسم الجنس، بل الموصول الذى هو (الذى والتى) مقتض للعموم، وهو فى العموم أقوى من عموم الجمع المعرف، والقائل به أكثر من القائل بعموم الجمع، ويشترط فيهما أن لا تكون عهدية، ولا قصد بها مجرد الجنس، ولا زائدة، ولا عوضا من مضاف إليه مصحوبها - إن جوزناه، ولا هى للمح الصفة، ولا للغلبة، وذكرنا هذا الأخير وإن كانت الأداة فيه عهدية على المشهور، لأن من الناس من قال: إنها غير عهدية.

العاشرة: تقرر أن الألف واللام للعموم عند عدم العهد، وليست للعموم عند قرينة العهد، لكن هل الأصل فيها العموم حتى يقوم دليل على خلافه؟ أو الأصل أنها موضوعة للعهد حتى يقوم دليل على عدم إرادته فيه نظر، وكلام الأصوليين فيه مضطرب، ومن أخذ بظواهر عبارتهم حكى فى ذلك قولين، ويظهر أثرهما فيما إذا لم تقم قرينة على إرادة عهد، وشككنا فى أن العهد مراد أو لا، هل نحمله على العموم أو لا، والظاهر الأول، فإن قلت: إذا كانت القرينة تصرف إلى العهد وتمنع من الحمل على العموم فهلا جعلتم العام بالألف واللام مصروفا إلى العهد بقرينة السبب الخاص، وقلتم:

إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ؛ قلت: تقدم السبب الخاص قرينة

(1) سورة التوبة: 71.

(2)

سورة الإسراء: 55.

ص: 192

واستغراق المفرد أشمل؛ بدليل صحة: لا رجال فى الدار خ خ: إذا كان فيها رجل أو رجلان، دون:"لا رجُلَ".

ــ

فى أنه مراد لا أن غيره ليس بمراد، فنحن نعمل بهذه القرينة فنقول: دلالة هذا العام على محل السبب قطعية، ودلالته على غيره ظنية؛ إذ ليس فى السبب ما يثبتها ولا ما ينفيها.

الحادية عشرة: ما كان دالا على الحقيقة - كما ذكرنا - ينبغى أن يعلم أن مدلوله الحقيقة لا بقيد، ولا يقال: هو موضوع للجمع أو الواحد أو التثنية.

قال الإمام فى البرهان: قال بعض من حوم على التحقيق ولم يرد مشرعه: إن المصدر صالح للمجموع وهو فى

حكم اللفظ المشترك بين مسميات، فهو يصلح لآحادها على البدل وهو زلل وذهول عن مدرك الحق؛ وذكر كلاما معناه أن المصدر موضوع للحقيقة لم يوضع لاستعماله فى الواحد أو الجمع أو التثنية على البدل ولم يلاحظ فيه شئ من الثلاثة، ونقل عن سيبويه فى قول القائل: ضربه ضربا كثيرا أن كثيرا صفة والموصوف لا يشعر بالصفة، ولو كان الموصوف يشعر بالصفة لاستغنى عنها وجرت مجرى التأكيد.

(ص): (واستغراق المفرد أشمل بدليل صحة: لا رجال فى الدار، إذا كان فيها رجل أو رجلان).

(ش): هذا الكلام هو الذى دعانا إلى تقديم تلك القواعد السابقة، وهذه العبارة من المصنف سبقه إليها السكاكى، والظاهر أنه أخذ ذلك من قول الزمخشرى عند الكلام على قوله تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ (1)، وقرأ ابن عباس:(وكتابه) يريد القرآن أو الجنس، وعنه الكتاب أكثر من الكتب.

فإن قلت: كيف يكون الواحد أكثر من الجمع؟ قلت: لأنه إذا أريد بالواحد الجنس، والجنسية قائمة فى وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع. اه.

قلت: لا شك أن قولنا: استغراق المفرد أشمل، تارة يعنى به أن المفرد دل على فرد زائد لم يدل عليه الجمع، وتارة يعنى به أن مجموع جزئيات المفرد أكثر عددا من

(1) سورة البقرة: 285.

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جموع جزئيات الجمع، وتارة يعنى به أن دلالة المفرد على الشمول أقوى من دلالة الجمع عليه.

إذا تقرر ذلك فنقول: للمفرد والجمع أحوال:

الأول: أن يكونا مثبتين، فالقول بأن استغراق المفرد فى هذه الحالة أشمل، إن عنى به أنه دل على فرد لم يدل عليه الجمع فليس بصحيح قطعا؛ لأن قولك: جاء الرجال استوعب جميع أفراد الرجل، فليس فى قولك: قام الرجل زيادة عليه، وأما ما يتخيل من أن الأعراب والعالمون والذين جموع وهى أعم من العرب والعالم والذى فغير صحيح؛ لأن الأعراب جمع للعرب بمعنى سكان البادية وعالمون والذين، إما جمع لعاقل من مفرديهما أو هما اسما جمع كذلك، وإن عنى به أن مجموع جزئيات الرجل أكثر عددا من مجموع جزئيات الجمع، انبنى ذلك على الخلاف السابق: فى أن الألف واللام هل يسلب الجمع معناه ويصير أفراده آحادا، أو لا؟

إن قلنا: نعم فليس فى: قام الرجال، زيادة أفراد عن قام الرجل قطعا، وإن قلنا:

إن معنى الجمع باق، فأفراد الجمع لا شك أنها أقل من أفراد المفرد، سواء قلنا: دلالة الجمع على الآحاد بالمطابقة أم

بالتضمن، وهذا واضح فى الأفراد المتناهية، لأن قولك:

رأيت العبيد الذين لزيد وهم تسعة فيه أفراد العام ثلاثة، وقولك: رأيت العبد الذى لزيد أفراده تسعة، ويظهر أثر ذلك فيما لو قال: أعط الرجل درهما درهما فعلى هذا يعطى كل واحد درهما، بخلاف: أعط الرجال درهما درهما، فإنه يعطى كل ثلاثة درهما وفى غير المتناهى الظاهر أن الأمر كذلك، لأن الجموع أقل عددا من أفرادها بضرورة العقل وقد يتوقف فى ذلك ويقال: الأكثر والأقل أمر إضافى يتوقف على العدد، وما لا يتناهى لا عدد له فكيف تتعلق به الأكثرية والأقلية وهما إضافيان، وإن عنى به أن دلالة المفرد على الشمول أقوى من دلالة الجمع عليه، فصحيح ولا يستنكر أن يقال: المفرد أشمل بمعنى أن شموله أقوى، لأن الزيادة التى يدل عليها أفعل التفضيل أعم من أن تكون فى الكمية أو فى المعنى، ويشهد له التحقيق والنقل، أما التحقيق فما قدمناه فى القاعدة السابقة، وأما النقل فقال الإمام فى البرهان: هنا أمر ينبغى أن يتفطن له الناظر وهو أن لفظ التمر أحرى باستيعاب الجنس من التمور، فإن التمر يسترسل على الجنس لا بصيغة لفظه والتمور يرده إلى تخييل الوحدان ثم الاستغراق بعده بصيغة

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجمع اه. يريد كما ذكره شراح كلامه أن المطلق يطلق لفظ التمر بإزاء المعنى الشامل للآحاد، والتمور يلتفت فيه إلى الوحدان فلا يحكم فيه على الحقيقة، بل على أفرادها وهذا عين ما ذكرناه فيما سبق على بحث فيه قدمناه، وقال الزمخشرى: فى قوله تعالى: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (1) وحد العظم، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن هذا الجنس قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها اه. يريد أنه قصد الحكم على حقيقة العظم؛ فإن الحكم عليها يستلزم الحكم على أفرادها كما ذكرنا، ولو جمع لقصد الحكم على الإفراد أولا، والأول أبلغ وإليه يشير بقوله: لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، يريد أن الجمع لا يدل على الجنسية، إنما يدل على أفرادها فحيث قصد الحكم على الأفراد جمع إشارة إلى اختلاف أنواعها، أو غير ذلك وإليه أشار الزمخشرى فى قوله فى العالمين أنه جمع ليشمل كل جنس مما سمى به أى لتكون الأجناس التى تحته مقصودة، ولم يقصد به الجنس بل قصدت الأفراد، ويحتمل أن يريد الزمخشرى أن الألف واللام فى العظم جنسية لم يقصد بها الاستغراق بالكلية، فلا تكون مما نحن فيه، إذا تقرر ذلك فقول ابن عباس رضى الله عنه فى الكتاب أكثر من الكتب لم يثبت عنه، ولو ثبت أمكن تأويله على المعنى الثالث، ويكون معنى كونه أكثر أن دلالته على الاستغراق أقوى كما سبق، ولا يمتنع أن يقال: مال زيد أكثر من مال عمرو إذا كان مال زيد أجل وأبرك وإن استويا فى الكمية، وإن امتنع ذلك حقيقة لم يمتنع مجازا.

الحالة الثانية: أن يكون المفرد والجمع منفيين نكرتين مثل: ما جاءنى رجل وما جاءنى رجال، فاستغراق المفرد فى مثله أشمل على كل من المعانى الثلاثة السابقة، أما على أن المراد أنه يدل على ما لم يدل عليه الجمع، فلأن ما جاءنى رجل ينفى الواحد، وما جاءنى رجال لا ينفى مجئ الواحد ولا الاثنين لأن مدلوله سواء كان مجموع الرجال أو رجل ورجل ورجل هو سلب العموم لا عموم السلب كما سيأتى تقريره فى موضعه، وإن أريد بكونه أشمل أن أفراد ما جاء رجل أكثر من أفراد ما جاء

(1) سورة مريم: 4.

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رجال؛ فعلى ما سبق فى حال الإثبات وإن أريد بكونه أشمل قوة دلالة المفرد على الاستغراق، فكذلك لأن المقتضى لذلك فى الإثبات هو الأفراد وكذلك هو فى النفى.

الثالثة: أن يكونا منفيين معرفتين بالألف واللام، فالمفرد أيضا أكثر استغراقا باعتبار قوة الدلالة، وباعتبار كثرة أفراده على ما سبق فيه من البحث، وأما دلالته على أكثر مما دل عليه الجمع، فينبنى ذلك على أن أداة العموم أتجعل أفراد الجمع آحادا أو لا؟ فإن قلنا: إن معنى الجمع باق معها فالمفرد ينفى ما لم ينفه الجمع من الواحد الاثنين، وإن قلنا: إنها سلبية وصار الجنس استويا، ويتفرع عليه لو حلف لا يتزوج النساء أو لا يشترى العبيد، فمن قال: ينفى معنى الجمع يقول: لا يحنث إلا بثلاثة وهو مذهبنا كما صرح به الرافعى فى الطلاق محافظة على الجمع، ولم ينظروا إلى كونه جمع كثرة حتى لا يحنث بأحد عشر ولمانع أن يمنع الفرق بين لا أكلم الرجل ولا أكلم الرجال إذا كانت الأداة فيهما استغراقية، ويقول: لا يحنث فى واحد منهما إلا بتكليم الجمع، فإنهما يقتضيان سلب العموم، لا عموم السلب، ويشهد له نص الإمام الشافعى رضى الله عنه على أنه لو حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث إلا بجميعه، ولو حلف لا يقرأ قرآنا حنث ببعضه بناء على أن القرآن اسم يقع على كله وبعضه، فقد جعل القرآن بالألف واللام فى النفى للمجموع فلم يحنثه إلا بقراءة الجميع وإن كان مفردا ويشهد لذلك قول أصحابنا: لو حلف لا يشرب ماء البحر لم يحنث إلا بكله، ولا يرد عليه قول أصحابنا: لو حلف لا يتزوج النساء حنث بثلاث ولو حلف لا يشرب الماء حنث ببعضه لأن العرف صرف هذه الألف واللام عن الاستغراق إلى الجنسية، ولم يصرف لا أشرب ماء البحر، فإن الإضافة أدل على العموم من الألف واللام كما صرح به الإمام فخر الدين فى تفسيره فلم يقو العرف لمعارضتها.

وبعد أن انتهت هذه القاعدة على التحقيق، فلنرجع لعبارة المصنف، فقوله:

(استغراق المفرد أشمل) الظاهر أنه يريد أنه يدل على ما لا يدل عليه الجمع بدليل ما ذكره من الدليل وليس إطلاقه بصحيح كما سبق وقوله: بدليل صحة لا رجال إذا كان فيها رجلان إنما يدل على أن استغراق النكرة المفردة فى النفى أبلغ من استغراق الجمع المنكر فيه، وكلامنا إنما هو فى الألف واللام.

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): الألف واللام عند السكاكى على ما تعرفه من تأمل كلامه، إنما هى لتعريف العهد الذهنى خاصة، وأما الجنسية والاستغراقية والعهدية عهدا خارجيا فكلها داخلة تحت العهد الذهنى والذى ألجأه لذلك، أنه أورد سؤالا حاصله أن قولهم: الألف واللام لتعريف الحقيقة لا يجوز أن يراد به نفس الحقيقة؛ إذ لو كان كذلك لكانت أسماء الأجناس من غير دخول الأداة عليه معارف لدلالتها على نفس الحقيقة، ووضعها لذلك بالإجماع لا يقال: ليست دالة على نفس الحقيقة قبل اللام؛ بل دالة على الوحدة لأن ذلك إن صح فى نحو: رجل وفرس لا يصح فى المصادر كأكل وضرب، فإنه ليس موضوعا للواحد من جنسه لكنها ليست معارف إجماعا ولو كانت معارف لكانت اللام تأكيدا، ولا يجوز أن يراد بكونها للتعريف أن المراد بها الفرد المعين وهو العهد الخارجى، أو غير المعين وهو العهد الذهنى إذ لو كان كذلك لم يبق فرق بين الجنسية والعهدية، لأن الجنسية هى التى يحضر معناها فى الذهن، ولا يجوز أن يكون المراد الاستغراق لأن حقيقة الاستغراق غير تعريف الحقيقة، ولأنه يلزم التناقض لدلالة الاستغراق على التعدد والاسم على الوحدة، وذكر السؤال الذى سيأتى وأورد عليه قطب الدين منع الملازمة ومنع دليلها، وهو قوله: إن تعريف العهد ليس شيئا غير القصد إلى الحاضر فى الذهن؛ فإن فرقا ظاهرا بين، القصد إلى شخص من أفراد الحقيقة حاضر فى الذهن، والقصد إلى الحقيقة من حيث هى هى واعترض عليه بأن الحقيقة إذا أخذت حاضرة فى الذهن تكون فردا من أفراد الحقيقة المطلقة، والمراد بتعريف العهد ليس فردا حاصلا فى الذهن؛ بل أعم من ذلك، وفى الاعتراض نظر والخطب يسير لأن ذلك يرجع إلى اصطلاحين لا مشاحة فيهما، قال المصنف فى الإيضاح: فالحاصل أن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد، وهو تعريف الجنس والحقيقة ونحوه علم الجنس كأسامة، وإما فرد معين وهو العهد الخارجى ونحوه العلم الخاص كزيد، وإما فرد غير معين وهو العهد الذهنى ونحوه النكرة كرجل، وإما كل الأفراد وهو الاستغراق ونحوه لفظ كل مضافا إلى النكرة كقولنا: كل رجل وقد شكك السكاكى على تعريف الحقيقة والاستغراق بما خرج الجواب عنه مما ذكرنا اه. قال الكاشى: ولم يخرج الجواب عن شك السكاكى مما ذكره، ولا أدرى كيف خرج منه جواب شكه؟ (قلت): لأنه فرق بين العهد الذهنى والجنسى كما فعل قطب الدين، فكيف يظهر له جواب قطب الدين ولم يظهر له جواب الإيضاح والأول داخل فى الثانى؟

ص: 197

ولا تنافى بين الاستغراق وإفراد الاسم؛ لأنّ الحرف إنما يدخل عليه مجرّدا عن معنى الوحدة،، ولأنه بمعنى كلّ فرد لا مجموع الأفراد؛ ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع.

ــ

ص: (ولا تنافى بين الاستغراق وإفراد الاسم، لأن الحرف إنما يدخل عليه مجردا عن معنى الوحدة).

(ش): هذا جواب عن سؤال مقدر أورده السكاكى، وهو أن إفراد الاسم ينافى أن تكون الأداة الداخلة عليه للاستغراق، لأن الإفراد يدل على الوحدة، والاستغراق على التعدد، فأجاب بأن الحرف إنما يدخل عليه أى عند إرادة الاستغراق مجردا عن الوحدة والتعدد.

ص: (ولأنه بمعنى كل فرد، لا كل الأفراد ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع).

(ش): هذا جواب ثان وهو أن الإفراد والتعميم ليس بينهما تناف لأن معنى الإفراد باق، وأداة العموم تتبعت أشخاص ذلك المفرد واستوعبتها؛ لأن مدلولها كل رجل، لا كل الأفراد، ولا مجموعها، لأن دلالة العموم كلية لا كل، ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع، فلا يصح أن تقول: الرجل العاقلون، وفيما قاله نظر فقد سمع من كلامهم:

أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض، وجوزه ابن مالك وغيره، ولا يشهد له قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ (1) ولا دلالة فيه، لأن الطفل يستعمل بأصل الوضع للجمع كما سبق؛ بل لو كانت الألف واللام فيه وقلنا: بأحد الاحتمالين السابقين، وهو أن اسم الجنس إذا كان نكرة وأريد به المطلق لا يدل على الوحدة، فيمكن أن يقال: بجواز رعاية معناه فيجمع باعتبار ما تحت تلك الحقيقة من الأفراد، وهذا المعنى أظهر فى قولهم: أهلك الناس الدينار الحمر مما قاله ابن مالك من كون الأداة فيه للاستغراق، وقد بسطت القول على ذلك فى مسألة الحقائق الشرعية فى شرح المختصر، وعلم أن الجواب الثانى فى كلام المصنف أولى من الأول؛ لأن الأول يقتضى أن الأداة دخلت على الحقيقة فاستغرقتها وهى حقيقة واحدة لا تعدد فيها، والعموم شأنه الأفراد المتعددة، والجواب الأول يقتضى أن مدلول العام الحقيقة، والثانى يقتضى أن مدلوله الأفراد وهو الحق، ويجوز أن يكون قوله:

(1) سورة النور: 31.

ص: 198