الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (لو): للشرط فى الماضى،
ــ
ص: (ولو للشرط فى الماضى
…
إلخ).
[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]
(ش): للنحاة فى (لو) الشرطية عبارات:
الأولى: عبارة سيبويه أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. ومدلول هذه العبارة عند التحقيق أن (لو) لما لم يقع فى الماضى، ولكنه كان فى الماضى متوقعا لوقوع غيره.
وإنما ذكر سيبويه هذه العبارة لأن أدوات الشرط لكل منها مدلول، فمنها (إذا) و (إن) مثلا، للمستقبل و (لو) و (لما) للماضى، وهما متنافيان؛ فلو للامتناع، ولما للوجوب، فإذا قلت: لو قام زيد قام عمرو، دلت على الربط بينهما فى الماضى وهما ممتنعان، وإذا قلت: لما قام زيد قام عمرو، دلت على الربط بينهما فى الماضى، وهما واجبان، فلما حرف لما وقع لوقوع غيره وإن وإذا حرفان لما يقع لوقوع غيره شكا فى الأولى وظنا فى الثانية. و (لو) بخلافهما لما لم يقع فى الماضى، ولكنه كان متوقعا لوقوع غيره، والسين يدل على التوقع، وأتى سيبويه بكان احترازا عن (إن)، وأتى بالفعل المستقبل احترازا من (لما)، وأتى بالسين لأنه لو أتى بالمضارع مجردا عن السين احتمل أن يكون واقعا فى الماضى، وليس مصحوب (لو) كذلك، فأتى بالسين الدالة على كونه لم يكن حينئذ لضرورة استقباله وتوقعه، فهى مصرحة بأنه لم يكن وقع، ولا هو واقع ذلك الوقت؛ لأنه لو وقع، فيما مضى لصدق عليه أنه كان قد وقع لا أنه كان سيقع؛ لأن ظاهر قوله: كان سيقع، أنه لم يزل فى الزمن الماضى كذلك، وإنما هو متوقع لوقوع غيره، فحسن دخولها فى هذا الموضع كما حسن فى قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (1) وتأمل ذلك تجده لم يأت إلا فى مواضع نفى المستحيل، أو المنزل منزلة المستحيل. فهذا تحرير عبارة سيبويه؛ وأما تحرير معناها فالذى يبتدر إلى الذهن أن معنى كلامه أن (لو) تدل بالمطابقة على أن وقوع الثانى كان يحصل على تقدير وقوع الأول، وتدل بالالتزام على امتناع وقوع الثانى لامتناع وقوع الأول؛ لأنه إذا كان وقوع الثانى لازما لوقوع الأول فعدم اللازم يدل على عدم الملزوم.
(1) سورة الأنفال: 33.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثانية: وبها عبر الأكثرون أنها حرف امتناع لامتناع، واختلفوا فى المراد بها على قولين:
أحدهما - وهو الذى لم يذكر الجمهور غيره أنه امتنع الثانى لامتناع الأول فلا يكون فيها تعرض للوقوع على تقدير الوقوع إلا بالمفهوم الثانى أنها تدل على امتناع الأول لامتناع الثانى، وسنوضح فساده. واعلم أن الذى يبتدر إلى الذهن من هذه العبارة أمور: أحدها - أنها تدل على امتناعين، وفيه نظر؛ لأن مدلولها أن (لو) تدل على امتناع الثانى، وعلة ذلك امتناع الأول، فامتناع الأول يعلم باللازم؛ لأنه لو لم يمتنع لما امتنع الثانى؛ لأنه يلزم من عدم اللازم عدم اللزوم، لا أن امتناعه جزء من مدلولها، بل علة له، وعلى القول الثانى - مدلولها امتناع الأول لأجل الثانى وفرق واضح بين قولنا: مدلول هذه الكلمة كذا وكذا، وبين قولنا: مدلولها كذا لأجل كذا.
الثانى - أن ما دخلت عليه اللام فى قولهم: لامتناع، هو العلة الفاعلية، وكان يحتمل أن يقال: هى العلة الغائية كقولك: أسلمت لأدخل الجنة، ويكون معناه: حرف امتنع فيه الأول ليمتنع الثانى، فامتناع الثانى علة غائية، وهو مترتب على امتناع الأول، وحاصله أنها اقتضت امتناع فعل الشرط، وأن امتناعه يستلزم امتناع الجواب، وهذا وإن كان بعيدا فسيأتى ما يقربه. وهذا المعنى هو الذى فسر به الشيخ أبو حيان فى أول كلامه، وقد تحصلنا من هاتين العبارتين على ثلاثة أقوال.
الثالث - أن دلالة (لو) على الامتناعين بالمنطوق، وهذا هو الذى يظهر؛ لكن الذى يقتضيه كلام بدر الدين بن مالك فى تكملة شرح التسهيل أنه بالمفهوم، وفيما قاله نظر.
العبارة الثالثة - وبها عبر ابن مالك: حرف يقتضى امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه؛ يريد بهذه العبارة كما صرح به فى شرح الكافية أنه يقتضى امتناع فعل الشرط واستلزامه ثبوته لثبوت الجواب، فالضمير فى قوله:(واستلزامه) يعود على المضاف إليه، وهو قوله: ما يليه، لا على المضاف وهو امتناع، وصرح ابن مالك بأنه ليس فيها عنده تعرض لوقوع الجواب أو عدمه، إلا أن الأكثر عدمه، وهى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عبارة متوسطة بين عبارة سيبويه والأكثرين؛ لأن عبارة سيبويه تقتضى أن موضوعها ثبوت لثبوت، وعبارة غيره امتناع لامتناع. وعبارته تقتضى امتناعا للشرط، وثبوتا للجواب، بتقدير ثبوت الشرط. والثبوتان المذكوران فى عبارة سيبويه فرضيان، والامتناعان المذكوران فى عبارة الجمهور حقيقيان. والثبوت المذكور فى عبارة ابن مالك فرضى، والامتناع المذكور فيها حقيقى.
الرابعة - أنها إن كان بعدها موجبان؛ فهى حرف امتناع لامتناع، أو منفيان؛ فحرف وجود لوجود، أو الأول منفى والثانى مثبت، أو بالعكس: فحرف امتناع لوجود، أو بالعكس.
وهذا القائل توهم أن قولنا: (لو لم يقم زيد لم يقم عمرو) حرف يقتضى وجود الأمرين؛ فليس امتناعا. وهو وهم؛
لأن المراد امتناع ما يليها من نفى أو إثبات.
الخامسة - أنها حرف يقتضى ربط الجواب بالشرط، لا يدل على امتناع ولا غيره، وإليه ذهب الشلوبين، وهذا أخذ بمنطوق عبارة سيبويه وأعرض عن مفهومها.
(تنبيه): أورد كثير من العلماء على قولهم: إن (لو) حرف امتناع لامتناع مواضع يسيرة قد يظن أن جواب لو فيها غير ممتنع، وأشكلت هذه المواضع على الشلوبين (1) من النحاة وعلى الخسروشاهى (2) من الأصوليين؛ حتى ادعيا أن (لو) لمجرد الربط، وعلى ابن عصفور حتى ادعى أنها فيها بمعنى إن، وادعى جماعة أن الجواب الممتنع محذوف، وأجاب القرافى بأن لو كما تأتى للربط تأتى لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال محقق أو متوهم وقع فيه قطع الربط فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك، كما لو قال القائل: لو لم يكن هذا زوجا لم يرث؛ فتنزل لو لم يكن زوجا لم يحرم الإرث،
(1) الشلوبين: عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدى، أبو على الشلوبينى أو الشلوبين نسبة إلى حصن الشلوبين بجنوب الأندلس، وهو من كبار علماء النحو واللغة (562 - 645 هـ) الأعلام 5/ 62.
(2)
الخسروشاهى: عبد الحميد بن عيسى بن عمّويه أبو محمد شمس الدين، من علماء الكلام، نسبته إلى خسرو شاه (من قرى تبريز)، تقدم فى علم الفقه والأصول والعقليات، (580 - 652 هـ) الأعلام 3/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أى لكونه ابن عم، وادعى أن هذا الجواب خير من ادعاء أن (لو) بمعنى (إن) لسلامته من ادعاء النقل، ومن حذف الجواب. وليس كما قال: فإن كون (لو) تستعمل لقطع الربط لم يقله أحد، ولم يدل عليه دليل، وهو ادعاء قاعدة كلية مخالفة للأصل، بخلاف ادعاء أنها بمعنى إن، وأن الجواب محذوف؛ فإن الأول قال به جماعة، والثانى كثير.
وها أنا أذكر هذه المواضع وما يظهر من جوابها وأذكر - إن شاء الله تعالى - معها مواضع كثيرة لم يتنبهوا لها.
فمنها: صحة قولك لما ليس بإنسان: لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا؛ لأنه يقتضى امتناع الحيوانية لامتناع الإنسانية، وليس كذلك؛ لأن عدم الأخص لا يلزم منه عدم الأعم. وهذا أورد على منطوق العبارة الثانية، ولا يرد على عبارة سيبويه إلا من جهة مفهومها. وجوابه: أن الحيوانية توجد بأحد أمور، منها: الإنسانية، وأن الإنسانية سبب، ولا يلزم من عدمه عدم المسبب لوجود سبب آخر، والسبب وإن لزم من عدمه عدم المسبب فإنما ذلك لذاته، فإذا كان للمسبب سبب آخر فإن المسبب حينئذ يوجد بذلك السبب الآخر، وكذلك الحيوانية إذا عدمت الإنسانية قامت بنوع آخر.
ومنها: قوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (1) إن قلنا بالعبارة الثانية لزم أن يكون النفاد موجودا، وهذا لا يرد على عبارة سيبويه منطوقا؛ وإنما يرد عليها من جهة مفهومها.
وأجيب عنه بأن مفهوم الشرط مفهوم مخالفة، ومفهوم المخالفة إذا عارضه مفهوم الموافقة قدم مفهوم الموافقة، وهنا مفهوم الموافقة يقتضى عدم النفاد؛ لأن كلمات الله إذا لم تنفد مع سبعة أبحر، فأولى أن لا تنفد مع عدمها، كما تقول:(إن أساء إلىّ زيد أحسنت إليه)، ذكر هذا الجواب جماعة. وأما الجواب عن عبارة الجمهور فلم أر فيه ما يثلج فى الخاطر، وقد خطر لى عنه جواب أرجو أن يكون هو الصواب، وأن ينحل به غالب ما لعله يورد، وأقدم عليه مقدمات. إحداها: أن النفاد ليس عبارة عن مطلق الفناء، وإن أطلق ذلك كثير، بل عبارة عن فناء آخر جزء من الشئ، فإذا قلت:(نفد مال زيد) فمعناه أنه خرج شيئا فشيئا إلى أن فرغ، هذا هو الذى يبتدر منه إلى الذهن،
(1) سورة لقمان: 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويشهد له النقل، قال القاضى عياض فى المشارق: نفد: أى: فرغ وفنى، قال تعالى:
لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي (1)، ومثله الحديث:" حتى نفد ما عنده"(2).
ونقل ابن الأثير عن أبى حاتم فى حديث القيامة:" ينفدهم البصر"(3) أنه بالمهملة، وأن معناه يبلغ أولهم وآخرهم ويستوعبهم. اه. ويقال: استنفد وسعه: أى: استفرغه، وقال الصاغانى: الانتفاد: الاستيفاء. وفى المحكم عن الزجاج: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (4) معناه: ما انقطعت، والمنافد الذى يحاج صاحبه حتى تنقطع حجته فتنفد، وكذلك قال الأزهرى، وقال تعالى: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (5) أى فراغ.
الثانية: إذا كان جواب (لو) قضيتين إحداهما منفية، والأخرى مثبتة؛ فإنها تدل على امتناع مجموع النفى والإثبات، فإذا قلت:(لو جاء زيد لأكرمته وما صحبته)، دل على أنه بتقدير ثبوت المجئ يثبت مجموع الأمرين، ودل على امتناع المجئ وأن امتناعه أوجب امتناع المجموع من ثبوت الإكرام ونفى الصحبة، فلا يدل ذلك على أن الإكرام لم يقع والصحبة قد وقعت، بل صدق امتناع وقوع الإكرام ونفى الصحبة، يحصل بذلك ويحصل بأن لا يقع واحد منهما، ويحصل بأن يقعا معا، وهذه قضية قطعية؛ لأن الإثبات الكلى إنما يناقضه السلب الجزئى، وحاصله أن (لو) تقتضى امتناع مجموع ما دخلت عليه، ومجموع جوابها، لا امتناع كل فرد من أفراد كل منهما. ألا ترى إلى قوله تعالى:
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (6)، وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (7)، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى (8) فإن الممتنع فى كل ذلك هو المجموع لا كل فرد.
(1) سورة الكهف: 109.
(2)
من كلام أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عند ما أتى أناس من الأنصار فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفد ما عنده
…
أخرجه البخارى فى" الزكاة"، باب: الاستغفار عن المسألة، (3/ 392)، (ح 1469)، ومسلم فى" الزكاة"، (ح 1053).
(3)
الحديث أخرجه البخارى فى" أحاديث الأنبياء" باب: يزفون: النّسلان فى المشى (6/ 455)، (ح 3361)، ومسلم فى" الإيمان"(ح 193)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال:" أتى النبى صلى الله عليه وسلم يوما بلحم، فقال: إن الله يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة فى صعيد واحد، فيسمعهم الداعى وينفذهم البصر
…
" الحديث.
(4)
سورة لقمان: 27.
(5)
سورة ص: 54.
(6)
سورة السجدة: 13.
(7)
سورة النحل: 9.
(8)
سورة الأنعام: 35.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثالثة: مفهوم الصفة حجة كما هو مقرر فى موضعه، والقول بالمفهوم فى (لو) على الخصوص كالمتفق عليه؛ أعنى مفهوم الشرط ومفهوم الصفة قريب منه، فإذا قلت:
(لم يعجبنى قيام زيد) اقتضى أن له قياما غير معجب، وإن كانت هذه سالبة محصلة لا تستدعى حصول موضوعها كما تقرر فى المنطق، لكن ذلك بمعنى أن حصول الموضوع فيها غير محقق، أما الدلالة عليه بالمفهوم فلا إشكال فيه، فإذا قلت:(لو قام زيد لما أعجبنى قيامه) فقولك: لما أعجبنى قيامه يدل لفظا على أن له قياما، وأنه غير معجب بتقدير الشرط، أما إنه غير معجب فلأنه منطوق اللفظ وأما أن له قياما فلأنك جعلت عدم إعجاب قيامه مرتبا على قيامه، فصار ثبوت الموضوع وهو القيام قيدا فيه، فليس كقولك:(ما أعجبنى قيام زيد) حتى لا يكون بالوضع تفيد وقوع القيام، بل هو كقولك:(ما أعجبنى القيام الذى وقع من زيد) فالجواب حينئذ سالبة تستدعى حصول موضوعها فى تحقق صدقها بالفعل، وكذلك:(إن قام زيد لم يعجبنى قيامه) و (لو) تدل على امتناع الجواب
وامتناع (ما أعجبنى قيام زيد) مرتب على امتناع القيام الذى هو شرط (لو)، فيصير المعنى لما امتنع قيامه امتنع نفى إعجاب قيامه، ونفى إعجاب قيامه لا يصدق حتى يكون له قيام كما سبق، فصار نفى إعجاب القيام يستدعى القيام لأنه شرطه ودلت (لو) على امتناع القيام، وعلى أن امتناعه شرط لامتناع (ما أعجبنى قيامه)، و (ما أعجبنى قيامه) دال على وقوع القيام، وعدم إعجابه، فامتناعه يصدق بأن لا يقع قيام بالكلية فيمتنع حينئذ أن يقال:(لم يعجبنى القيام) لما يدل عليه مفهومه من وقوع القيام بأن يقع قيام معجب، لكنه قد دل الشرط وهو (لو قام) على أن الواقع من هذين هو امتناع القيام، فتعين أن يكون المراد بما دل عليه الجواب من امتناع (ما أعجبنى قيامه) هو امتناع القيام الذى دل عليه مفهوم قولك:(ما أعجبنى قيامه)، لا أنه وقع قيام معجب؛ إذ لا يمكن وقوع قيام مترتب على امتناع القيام، وحينئذ ينحل الكلام إلى قولنا: امتنع وقوع القيام، وكونه غير معجب، وذلك صادق بأن لا يقع قيام بالكلية. إذا تقرر ذلك: فالنفاد عبارة عن استيفاء العد بعد الشروع فيه، وكلمات الله - سبحانه - وهى علمه وحكمته لم يحصل الشروع فى عدها واستمداد العباد لذلك، وحينئذ فعدم النفاد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المستلزم للعد لم يقع، وذلك صادق بأن تكون كلمات الله سبحانه وتعالى ما شرع فى عدها، فامتنع عند امتناع كون (ما فى الأرض من شجرة أقلاما) أن يقال: ما نفدت لا لأنها نفدت بل لأنها ما استمد العباد لاستيفائها ولا وجهوا لذلك قصدا. وحاصله أن جواب (لو) مجموع أمرين إثبات، وهو العد، وعدم، وهو أنها لم تنفد، وامتناع الأول يقتضى امتناع مجموع القضية، ولو لم يكن لفظ النفاد يدل على الفراغ بعد الشروع فالجواب صحيح بأن نقول: المعنى لو كان الأمر كذلك لاستوفى العباد ولم يحصل النفاد، لكنه لم يقع ذلك؛ لأنهم ما استمدوا البحار لعدم وجودها. وهذا جواب لا غبار عليه، ولا مزيد على حسنه، وإذا ثبت ذلك فانقله إلى كل موضع كان فيه جواب الشرط معه قيد، مثل:(لو أساء إلىّ زيد لما قابلته) أو (لما أكرمته إكراما كثيرا) وغير ذلك، فإنه ينحل به كثير من الإشكالات.
ومنها: قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (1) فلو امتنع الجواب لكان التقدير: لكنهم آمنوا وإن لم يشأ الله، وهو محال، وجوابه ما تقدم أى ما كانوا ليؤمنوا بهذه الأمور إلا أن يشاء الله، فامتناع أنهم لا يؤمنون بهذه الأمور إلا أن يشاء الله صادق بعدم وجدان هذه الأمور، والأمر كذلك إذ المراد لامتنع إيمانهم بهذا التقدير.
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ (2) فإن انتفاء الإجابة ليس ممتنعا، وهذه الآية الكريمة لا ترد؛ لأن الظاهر أن (لو) فيها بمعنى (إن)؛ لأن التقدير: ولو سمعوا الدعاء المذكور،
والدعاء المذكور مستقبل؛ لأنه دخلت عليه (إن) الاستقبالية، ولو سلمنا أنها امتناعية، فامتناع ما استجابوا يكون إما بالاستجابة أو تقدم الدعاء والمقصود الثانى.
ومنها: قوله تعالى: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (3) فإن امتناع الجواب يستلزم أنهم مؤمنون، وجوابه ما سبق إيمانهم بكتاب ينزل على بعض الأعجمين صادق بعدم إنزاله.
(1) سورة الأنعام: 111.
(2)
سورة فاطر: 14.
(3)
سورة الشعراء: 198، 199.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: قوله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا (1) فإن امتناع الجواب بأن يكونوا زادوهم غير الخبال! وجوابه بأن امتناع كونهم ما زادوهم بالخروج إلا الخبال صادق بعدم الخروج، ويخص هذه الآية الكريمة جواب آخر وهو أنه يصدق الامتناع أن لا يزيدوهم شيئا لا خبالا ولا غيره، والأمر كذلك؛ لأن ما زادوكم إلا خبالا يقتضى إثبات زيادة الخبال بتقدير الخروج، وهو ممتنع عند عدم الخروج.
ومنها: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ (2) وجوابه ما سبق؛ لأن امتناع صدق عدم القبول يحصل بأن لا يكون لهم ذلك، ونظيرها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (3) ويحتمل أن تكون (لو) فيهما بمعنى (إن) وهو واضح فى الثانية؛ لأجل (فلن يقبل).
ومنها: قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ (4) إن لم تكن فيه (لو) بمعنى إن فالتقدير: لو كانوا آباءهم لم تجدهم يوادونهم موادة الأولاد للوالدين، فامتناع ذلك بأن لا يكونوا آباءهم.
غير أن المعنى فى الآية على أنها بمعنى (إن)؛ لقرينة قوله: لا تجد خ خ، ولأن الذين يحادون منهم من هو أب للمؤمنين، كالخطاب وعبد الله بن أبى بن سلول والوليد.
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (5) إلا أن الظاهر أن (لو) هنا بمعنى (إن)؛ لأنه فى حيز (وإن تدع)، وهو مستقبل بإن، ولو جعلتها امتناعية كان التقدير: ولو كان ذا قربى ودعت لم يحمل ذو القربى حملا ينشأ عن قدرته إذ ذاك عن الحمل عن غيره.
ونظير الآية الكريمة قوله سبحانه: فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (6)، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (7).
(1) سورة التوبة: 47.
(2)
سورة المائدة: 36.
(3)
سورة آل عمران: 91.
(4)
سورة المجادلة: 22.
(5)
سورة فاطر: 18.
(6)
سورة المائدة: 106.
(7)
سورة الأنعام: 152.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ (1) وجوابه ما سبق، فإن المعنى لما امتثل الأمر إلا قليل، وامتناع ذلك يصدق بأن لا أمر، وأيضا يصدق ذلك بأن المخاطبين لم يقتل أحد منهم نفسه، فيصدق الامتناع لما دل عليه الاستثناء من قتل القليل نفسه إذا كتب عليه القتل.
ومنها: قوله تعالى: وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (2) وجوابها كما قبلها.
ومنها: قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ (3) والظاهر أنها بمعنى (إن)؛ لأن التقدير: لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا، وكونهم لم يؤمنوا لم يمتنع، وجوابه كالذى قبله؛ لأن امتناع لا يؤمنون بكل آية يصدق بأن لا تأتى جميع الآيات، إلا أن الظاهر أنا نقدر الجواب لا يؤمنون كالمنطوق به قبله، وحينئذ فالظاهر أنها بمعنى (إن) وقريب مما نحن فيه قوله تعالى: أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (4) وقوله عز وجل: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً (5) وأما نحو: وَلَوْ حَرَصْتَ (6)، وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (7)، وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ (8)، وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (9)، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (10)، وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (11)، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (12)، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (13) فقد صرحوا أن (لو) فى ذلك كله بمعنى (إن).
ومنها: قوله:" لو لم تكن ربيبتى فى حجرى ما حلت لى"(14) معناه أن انتفاء الحل الواقع لكونها غير ربيبته ممتنع لما يفهمه من أن حلها يحصل بغير ذلك.
(1) سورة النساء: 66.
(2)
سورة الأحزاب: 20.
(3)
سورة يونس: 96، 97.
(4)
سورة الزمر: 43.
(5)
سورة المائدة: 104.
(6)
سورة يوسف: 103.
(7)
سورة المائدة: 100.
(8)
سورة البقرة: 221.
(9)
سورة يوسف: 17.
(10)
سورة الأنفال: 8.
(11)
سورة التوبة: 32.
(12)
سورة الصف: 9.
(13)
سورة النساء: 9.
(14)
الحديث أخرجه البخارى فى" النكاح"، باب: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ
…
(9/ 62)، (ح 5106)، من حديث أم حبيبة رضى الله عنها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم:" لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذنك فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"(1) المعنى: لكنت فاعلا فعلا صورته ما فيه جناح ولا جناح.
ومنها: حديث أبى برزة الأسلمى:" لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"(2) والواقع أنهم ما سبوه ولا ضربوه، ويقع نظير هذا فى الكلام كثيرا، تقول:
(لو أتيت فلانا لما أساء إلىّ) ويجوز الجواب بأن يكون دفعا لما لعله يتوهم، وأن هذا الفعل لما صدر من جماعة كأنه صدر من غيرهم لاستوائهم فى الإنسانية.
ومنها قوله فى الحج:" لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"(3) وعدم الاستطاعة ثابت، ويمكن الجواب بأنه جعلت استطاعتهم المتوهمة كأنها واقعة، أو بأن التقدير لما استطعتم ذلك بقيد وجوبه، وذلك ينتفى بعدم الوجوب كما سبق فى النفاد.
ومنها: قول أبى بكر - رضى الله عنه - " لو طلعت ما وجدتنا غافلين" وجوابه بما سبق أن المراد لو طلعت لوجدتنا
غير غافلين، وامتناع ذلك بأنها لما لم تطلع لم تجدهم بالكلية.
ومنها: قول عمر - رضى الله عنه - على ما نقله عنه ابن مالك وغيره:" نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"(4)، وقد نسب الخطيبى هذا الكلام إلى النبى، ولم أر
(1) أخرجه البخارى فى" الديات"، باب: من اطلع فى بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له، (12/ 253)، (ح 6902)، من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه -.
(2)
الحديث أخرجه مسلم فى" فضائل الصحابة"، باب: فضائل أهل عمان، (ح 2544)، من حديث أبى برزة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى حى من أحياء العرب فسبوه وضربوه، فجاء النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم:" لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".
(3)
أخرجه مسلم فى" الحج"، باب:" فرض الحج مرة فى العمر"، (ح 1337)، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(4)
أورده العجلونى فى" كشف الخفاء"، (2/ 323)، وقال:" اشتهر فى كلام الأصوليين وأصحاب المعانى وأهل العربية من حديث عمر وبعضهم يرفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وذكر البهاء السبكى أنه لم يظفر به بعد البحث، وكذا كثير من أهل اللغة، لكن نقل فى المقاصد عن الحافظ ابن حجر أنه ظفر به فى" مشكل الحديث" لابن قتيبة من غير إسناد. وقال فى اللآلئ: منهم من يجعله من كلام عمر وقد كثر السؤال عنه، ولم أقف له على أصل، وسئل بعض شيوخنا الحفاظ عنه فلم يعرفه
…
وقال الجلال السيوطى فى" شرح نظم التلخيص":" كثر سؤال الناس عن حديث صهيب، ونسبه بعضهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ونسبه ابن مالك فى شرح الكافية وغيره إلى عمر". اه بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا الكلام فى شئ من كتب الحديث لا مرفوعا، ولا موقوفا، لا عن النبى ولا عن عمر، مع شدة الفحص عنه، ووجه السؤال أن صهيبا لم يعص الله تعالى، فيلزم أن لا يكون جواب (لو) ممتنعا، وجوابه بما تقدم فى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (1): من أن مفهوم الموافقة عارض مفهوم المخالفة، وبأن المنفى يكون معصية لا تنشأ عن خوف المعنى، لو لم يخف الله لما عصاه معصية ناشئة عن عدم الخوف؛ فامتنع ما دل عليه مفهوم هذا الكلام من إثبات المعصية الناشئة لا عن عدم الخوف كما سبق.
ومنها: قول على - كرم الله وجهه -: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) وجوابه ما سبق، أى: لرأيت ما لم أره، ولم أزدد يقينا، وامتناع ذلك لعدم رؤية ما خلف الغطاء.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم:" لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا"(2) فيلزم أن يكونوا خرجوا؛ لأنهم ما دخلوا، وجوابه بما سبق؛ لأنه امتنع مجموع الدخول وعدم الخروج لعدم الدخول. وهذه المواضع كلها وقع الجواب
فيها منفيا وما بعدها وقع الجواب فيها مثبتا.
ومنها: قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (3) واردة على العبارات، أما على عبارة سيبويه فلأنها تقتضى أنه لو حصل الإسماع لحصل التولى، فيلزم أن لا يكون التولى حاصلا الآن، والغرض أنه حاصل.
وأما على العبارة المشهورة فلأنها تقتضى امتناع التولى وهو حاصل؛ لأن صدرها يقتضى أنه لم يعلم فيهم خيرا وآخرها يقتضى عدم التولى المستلزم؛ لأنه علم فيهم خيرا، ولأنه يصير التقدير: لو علم فيهم خيرا لتولوا، وليس المراد؛ فإن علم الخير فيهم مناسب لإقبالهم لا لتوليهم، ولا يصلح الجواب السابق بأنهم إذ تولوا بتقدير
(1) سورة لقمان: 27.
(2)
الحديث أخرجه البخارى فى" المغازى"، باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمى
…
(7/ 655)، (ح 4340) وفى غير موضع، ومسلم فى" الإمارة"، باب: وجوب طاعة الأمراء فى غير معصية وتحريمها فى المعصية، (ح 1840). من حديث على.
(3)
سورة الأنفال: 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السماع فدونه أولى؛ لأن المراد الإسماع النافع، بدليل أنه منفى لقوله تعالى:
لَأَسْمَعَهُمْ والإسماع النافع لا يقع معه التولى، واختلف فى الجواب عنها فقال الإمام فخر الدين - وهو ظاهر عبارة الزمخشرى -: المعنى لو علم فيهم خيرا لأسمعهم الحجج إسماع تفهيم وتعليم، ولو أسمعهم بعد أن علم أن لا خير فيهم لم ينتفعوا، وقيل:
لأسمعهم إسماعا يحصل به الهدى، ولو أسمعهم لا على أن يخلق لهم الهدى إسماعا مجردا لتولوا، وهى قريبة من الأولى، وفيهما نظر؛ لأن مطلق التولى قد حصل، وهو خلاف ما دلت عليه (لو) من الامتناع، وحاصله أن تكون (لو) جعلت مجازا لمجرد التلازم من غير دلالة على الامتناع.
قلت: وأقرب ما فيه وأشار إليه الزمخشرى أن يجعل التولى هو الارتداد بعد الإسلام، وهو غير حاصل حال الإخبار؛ فإن الحاصل عند الإخبار هو الكفر الأصلى.
المعنى: لو علم فيهم خيرا لأسمعهم إسماعا يفيد حصول الإيمان، ولو أسمعهم ذلك لما استمروا عليه؛ فإن قلت: يلزم أن لا يكون فيهم خير، قلت: لا يلزم؛ لأن خيرا نكرة، فهم بتقدير أن يكون فيهم خير ما يحمل على الإسلام لا يستمرون عليه لعدم الخير الكثير الذى يستمر أثره إلى الموت، وقد يقال: إن الاسلام الذى لا يستمر إلى الموت
ليس بخير لأن الله يحبطه، والوجه تخريج هذا الجواب على الخلاف بين الشيخ أبى الحسن الأشعرى وغيره فى أن من عاش كافرا ومات مسلما أو بالعكس هل هو لم يزل على الحالة التى ختم له بها أولا؟ والأول مذهب الأشعرى.
ومنها قوله تعالى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (1) وجوابه واضح لأنهم لم يقولوا عن هذا الكتاب الذى لم ينزل ذلك إنما قالوه عن القرآن.
ومنها قوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ (2) يلزم أن يكون الإمساك ممتنعا؛ وجوابه بما سبق، أى لأمسكتم مع أنكم مالكون ما لا يتطرق إليه النفاد، فالإمساك مع هذه الحالة ليس واقعا، فجواب (لو) كلى، فامتناعه صادق بالجزئى؛ لأن نقيض الإثبات الكلى سلب جزئى. إلا أن هذا الجواب فيما كان
(1) سورة الأنعام: 7.
(2)
سورة الإسراء: 100.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جوابه مثبتا أوضح؛ لأن دلالته على الأمرين بالوضع، ودلالة الجواب المنفى على الكلى إنما هو بالمنطوق فى بعض وبالمفهوم فى بعض.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (1) وقوله تعالى: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (2)، والصدق خير، فعلوه، أم لم يفعلوه وجوابه: أن المعنى لو وقع منهم فعل هو خير، وامتناع ذلك بأن لا يقع منهم فعل، ونظيره قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (3) ونظيره قوله تعالى: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ (4) إن لم يكن الجواب محذوفا.
ومنها قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ (5) التقدير: ولو لم تمسسه نار لكان يضئ، ولا يصح الجواب بأنه إذا مسه لا يكاد يضئ بل يضئ كقوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (6) لأن الواو فى (ولو لم تمسسه) يقتضى أنه كان يضئ مسته نار أم لم تمسه، ولعله مجاز وكناية عن شدة الصفاء. نعم يبقى السؤال عن كونه يكاد يضئ إذا مسته النار، وما يفهمه كاد من أنه لم يضئ مع مس النار له، أما عند من قال: إن إثباتها نفى؛ فواضح، وأما على القول الصحيح؛ فلأنه لا يقال:(كاد زيد يفعل إذا فعل)، ولا يصح الجواب بما أجيب به فى قوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (7) من أنهم ذبحوا بعد أن لم يقاربوا؛ لأنهم كانوا بعيدين من ذلك؛ لأنه لا يخبر بأن من فعل الشئ قارب أن يفعله ثم فعله، بخلاف كونه قارب أن لا يفعل ثم فعل؛ فإنه مستغرب. والذى يظهر فى الجواب أن المراد مقاربة الزيت للإضاءة فى الحالين، والإضاءة من الزيت غير واقعة فى شئ من الحالين؛ إنما الواقع
مقاربتها، لأن النار هى المضيئة.
ومنها قوله:" لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه"(8) فإن ذلك خير، علم أم لم يعلم، وجوابه:
(1) سورة النساء: 66.
(2)
سورة محمد: 21.
(3)
سورة الحجرات: 5.
(4)
سورة البقرة: 103.
(5)
سورة النور: 35.
(6)
،
(7)
سورة البقرة: 71.
(8)
أخرجه البخارى فى" الصلاة"، باب: إثم المار بين يدى المصلى"، (1/ 696)، (ح 510)، وكذا مسلم فى" الصلاة"، (ح 507)، من حديث أبى جهيم، وليس فى الحديث لفظة" من الإثم".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إما بأن المراد لعلم أن الأمر كذلك، وإما لأنه إذا لم يعلم لا إثم عليه، فليس وقوعه حينئذ خيرا له.
ومنها قوله:" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"(1) فيلزم أن يمتنع القليل من ضحكهم، وجوابه: أن ضحكهم بقيد القلة ممتنع؛ لأن ضحكهم كان كثيرا.
ومنها: قوله:" لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدى إلى ذراع لقبلت"(2) فإنه يلزم أنه لم يجب، ولم يقبل هدية لكنه دعى، وأجاب، وأهدى إليه، وقبل، وليس المراد بالذراع حقيقته، بل هو للتمثيل، وهذا السؤال إنما يحتاج إلى جوابه لو كان قال ذلك بعد ما أهدى إليه ودعى ومن أين لنا ذلك؟
ومنها: قوله:" لو كان الإيمان معلقا عند الثريا لناله رجال من هؤلاء"(3) أى: من فارس. وقد وقع ذلك وجوابه أن المعنى لنالوه من عند الثريا، وقد امتنع ذلك؛ لأن من ناله منهم لم ينله بهذا القيد، ولا يصح الجواب بأن النكرة فى سياق الشرط للعموم، فيكون من سلب العموم؛ لأن هذه نكرة فى سياق الجواب لا الشرط؛ ولأن تحقيق العموم فى النكرة فى الشرط؛ وهل هو عموم الاستغراق أو عموم الصلاحية؟ فيه بحث يطول ذكره.
ومنها: قوله:" لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا"(4) يلزم أن الإنسان لم يبتغ واديا ثالثا من المال، وجوابه: أن الممتنع ابتغاء واد بعد تحصيل اثنين، والأمر كذلك، فإن هذا لم يقع، فلا يصدق أنه يبتغى الثالث حتى
يحصل الواديان.
(1) أخرجه البخارى فى" التفسير"، باب: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، (8/ 130)(ح 4621)، وفى مواضع أخر من صحيحه، ومسلم فى" الفضائل"، (ح 2359)، من حديث أنس.
(2)
أخرجه البخارى فى" النكاح"، باب: من أجاب إلى كراع، (9/ 154)، (ح 5178)، وفى" الهبة" من حديث أبى هريرة.
(3)
أخرجه البخارى فى" التفسير"، باب قوله: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (8/ 510)، (ح 4897)، ومسلم فى" فضائل الصحابة"، باب: فضل فارس، (ح 2546)، من حديث أبى هريرة.
(4)
أخرجه البخارى فى" الرقاق"، باب: ما يتقى من فتنة المال، (11/ 257)، (ح 6436) ومسلم فى" الزكاة"، (ح 1048).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: قوله:" لو كان لى مثل أحد ذهبا لسرنى أن لا يمر على ثلاث ليال وعندى منه شئ إلا شئ أرصده لدين"(1) والواقع أنه كان يسره أن لا يمر عليه ثلاث ليال وعنده ذهب، وجوابه: أن معنى أن لا يكون عندى منه أن يفرغ، فمعناه لو كان لى لسرنى أن أصرفه، وامتناع ذلك بأن لا يكون له وجود حتى يصرف.
ومنها: قوله:" لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم"(2) فيلزم أن يمتنع ذلك، والواقع أن ناسا ادعوا ذلك، وجوابه أن المعنى لفسدت أحوال الناس، وضاعت غالب دمائهم وأموالهم، المدلول عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:(لادعى ناس) ولا يصح الجواب بأن النكرة فى سياق الشرط للعموم، لما سبق. قلت: قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب: إن (لو) تدل على امتناع الأول لامتناع الثانى، بعكس ما ذكره النحاة، قال:
وهذا أولى؛ لأن الأول سبب للثانى، وانتفاء السبب، لا يدل على انتفاء المسبب، لجواز أن يخلفه سبب آخر، وانتفاء المسبب يدل على انتفاء كل سبب، فصح أن يقال: امتنع الأول لامتناع الثانى، ألا ترى إلى قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (3) كيف سيق للدلالة على انتفاء العدد بانتفاء الفساد، لا أن امتناع الفساد لامتناع التعدد؟
لأنه خلاف المفهوم؛ ولأن نفى الآلهة غير الله لا يلزم منه نفى فساد هذا العالم! ورد عليه الخطيبى بأنا لا نسلم أن انتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب، إذا لم يكن للمسبب سبب سواه، وما نحن فيه كذلك؛ لأن (لو) فى كلام العرب إنما تستعمل فى الشرط الذى لم يبق للمسبب سواه، فإذا حصل حصل، وإذا انتفى انتفى، وذلك علم بالاستقراء والنقل، فانتفاء السبب بعد (لو) يدل على انتفاء المسبب وأيضا لا نسلم أن انتفاء المسبب يدل على انتفاء السبب، وإنما يلزم ذلك أن لو كان النقص قادحا وليس كذلك مطلقا (قلت): الكلامان ضعيفان؛ أما كلام ابن
(1) بهذا اللفظ أخرجه البخارى فى" التمنى"، باب: تمنى الخير، (13/ 231)، (ح 7228)، من حديث أبى هريرة، وقد أخرجاه معا بنحوه من حديث أبى ذر.
(2)
أخرجه بهذا اللفظ مسلم فى" الأقضية"، باب: اليمين على المدعى عليه، وتمامه:" ولكن اليمين على المدعى عليه"، وهو عند الشيخين بلفظ:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه".
(3)
سورة الأنبياء: 22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحاجب فلعله مخالف لإجماع الناس تصريحا وتلويحا، والجواب عما ذكره أن الشروط اللغوية وإن كانت أسبابا، والسبب يقتضى المسبب لذاته، فيلزم من عدم السبب عدم المسبب غير أن ذلك قد يتخلف لفوات شرط، أو وجود مانع، وعدم سبب آخر شرط فى انتفاء المسبب لانتفاء سببه، لكن السبب الآخر موجود - كما سيأتى - ويرد عليه أنه لو دلت على امتناع الأول لامتناع الثانى لا تقلب المسبب سببا وعكسه؛ لأن الثانى جواب الشرط قطعا، وهو المسبب، والشرط السبب، فلو امتنع الأول لامتناع الثانى لكان امتناع المسبب علة فى امتناع السبب، وهو باطل، واللازم وإن لزم من عدمه عدم الملزوم لكنا لا نقول: عدمه علة فى عدم الملزوم؛ بل عدمه معرف أن الملزوم ليس موجودا. وقوله:" لأن الأول سبب للثانى" إن عنى لفظا فمسلم، وإن عنى معنى فإنما يتأتى على عبارة سيبويه أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، أما على عبارة غيره فعدم الأول سبب لعدم الثانى. وقوله: وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب؛ لجواز أن يخلفه سبب آخر ممنوع، بل السبب بوضعه يقتضى ذلك، إلا لمانع من وجود سبب آخر، أو غيره. وقوله:
انتفاء المسبب يدل على انتفاء كل سبب مسلم، لكن لا يصح أن نقول: انتفاء المسبب سبب لانتفاء كل سبب، بل هو كاشف عن عدم السبب، ثم يقال له: لا نسلم ذلك بعين ما سبق؛ لأن انتفاء المسبب إذا كان سببا فى انتفاء كل سبب لا يلزم من عدم المسبب عدم كل سبب؛ إذ لا يلزم من وجود السبب وجود المسبب بعين ما ذكره، وأما قوله: ولأن نفى الآلهة غير الله لا يلزم منه نفى الفساد. فجوابه: أن لنفى الفساد أسبابا أخر. منها: عدم إراة الله فسادها، وكما وقع التعليق على هذا الشرط وقع على غيره فى قوله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ (1) ثم ما قاله من كون عدم السبب لا يقتضى عدم المسبب إنما يكون لو كان معنى قولهم: حرف امتناع لامتناع، أن امتناع الثانى لامتناع الأول إنما كان لكون الثانى مسببا عنه، وليس فى كلامهم ما يقتضى ذلك، بل هم يفسرون موضوعها لغة، وجاز أن تكون العرب وضعتها لتدل على أن الثانى امتنع وأن ذلك نشأ إما بجعل المتكلم أو غيره عن امتناع الأول من غير نظر إلى
(1) سورة المؤمنون: 71.
مع القطع بانتفاء الشرط؛
ــ
المناسبة المعنوية قبل التعليق، والحق أن يقال: موضوع (لو) امتناع الثانى لأجل امتناع الأول، ويلزم من ذلك العلم بامتناع الأول لأجل العلم بامتناع الثانى، فامتناع الأول علة فى امتناع الثانى، والعلم بامتناع الثانى مستلزم للعلم بامتناع الأول، فدلالة امتناع الثانى على امتناع الأول وضعية، ودلالة العلم بامتناع الأول على العلم بامتناع الثانى عقلية، ومن الفرق بين علة الامتناع وعلة العلم به وقع الالتباس.
واعلم أن بدر الدين بن مالك وقع فى كلامه فى تكملة شرح تسهيل والده، على سبيل الاستطراد ما يقتضى موافقة ابن الحاجب؛ حيث قال فى الكلام على استعمال (لو) بمعنى (إن):" إنه امتنع الأول لامتناع الثانى، لكنه سبق، فلم يدل عليه أنه قبيل ذلك قرر المسألة صريحا على ما ذكره الجمهور.
وبعد أن اتضح الكلام على معنى (لو) فلنرجع لعبارة المصنف، فقوله:
(لو) للشرط فى الماضى) أى: فى الزمن الماضى، وقوله: مع القطع بانتفاء الشرط، يعنى: إذا كان المطلوب من استعمال (لو) تحصيل القطع بأن فعل الشرط لم يكن علم أنه لا بد أن يكون ماضيا معنى؛ لأن القطع غالبا لا يكون إلا فى الماضى، وينبغى أن يقول: أو الظن، وما المانع من إخبار الإنسان بانتفاء ما غلب على ظنه انتفاؤه؟
وقوله: (بانتفاء الشرط) لم يتعرض لانتفاء المشروط، فظاهره أنه وافق ابن مالك على أنها تقتضى امتناع الشرط، ولا تقتضى بوضعها انتفاء الجواب، لكنه قال فى الإيضاح:
يلزم امتناع المعلق لامتناع المعلق به، وكأنه يريد أن دلالتها على امتناع فعل الشرط بالوضع، وعلى امتناع المشروط باللازم، وظاهر هذا أن (لو) تدل على امتناع فعل الشرط فقط، وأما امتناع المشروط لعدم الشرط فهو عقلى، وهذا هو عين القول: بأنها حرف امتناع لامتناع، على ما يظهر بالتأمل، وعلى ما حررناه فيما سبق من معنى هذه العبارة. ويبقى الجمع بينها وبين عبارته فى التلخيص أن يكون المراد القطع بانتفاء الشرط لا بالوضع، لكن يلزم عليه أن يكون هذا الحد ليس فيه بيان لمدلول (لو) وضعا، بل إنما يكون فيه بيان لما يلزم مدلولها الوضعى؛ لأن معنى قولهم: حرف امتناع لامتناع - امتناع الثانى لامتناع الأول، وامتناع الثانى على عبارة المصنف عقلى، وامتناع الأول هو المدلول.
فيلزم عدم الثبوت
ــ
وقوله: (فيلزم عدم الثبوت) أى: فى كل من الجملتين؛ لأن الثابت يمتنع أن يكون منفيا حالة
الثبوت، والمراد بعدم الثبوت عدم ثبوت ما دخلت عليه نفيا كان أم إثباتا؛ فإن (لو) تقلب الإثبات نفيا، وبالعكس، فإذا قلت:(لم يقم) دل على ثبوت عدم القيام، وذلك بثبوت القيام. هذا مضمون كلامهم.
وقوله: (يلزم عدم الثبوت) يعنى بالنسبة إلى الزمن الماضى؛ إذ لا يمتنع أن تقول:
(لو قام زيد أمس لقام عمرو)، وإن كانا قائمين الآن. ومراده أن ذلك يلزم أن لا يخرج عنه إلا لنكتة - كما سيأتى - ومقصود المصنف بامتناع الثبوت أنه يمتنع أن تكون واحدة من جملتيها اسمية، بل يجب أن تكون فعلية. فإذا وقع اسم بعد (لو) كان على إضمار فعل يفسره ما بعده، كقوله:" لو ذات سوار لطمتنى"، وقوله:
أخلاى لو غير الحمام أصابكم
…
عتبت ولكن ما على الدّهر معتب (1)
وهل ذلك كثير أو نادر؟ اختلف فيه؛ فقيل: يجوز كثيرا وجعل منه: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (2) وقيل: قليلا، والآية محمولة على تقدير: كان الأصل لو كنتم، فعلى كل تقدير لا يليها إلا فعل، وهذا الذى قلناه هو إذا كان خبر الاسم فعلا، فإن جاء بعدها جملة من اسمين جوزه الكوفيون واختاره ابن مالك وجعلوا منه: لو بغير الماء حلقى شرق خ خ، ومنعه غيرهم.
واعلم أنه يستثنى من ذلك أن (لو) تليها (أن) كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا (3) فإن مذهب سيبويه أن التقدير: ولو صبرهم، على أنه مبتدأ، فقد وليها الاسم. ومذهب المبرد أن الجملة فى محل رفع بفعل مضمر يفسره ما بعده. وكلاهما خروج عن القاعدة السابقة، وذلك شائع سواء كان خبر أن فعلا أم اسما، فالاسم كقوله سبحانه وتعالى:
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (4) وقوله تعالى: وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ (5).
(1) البيت من الطويل، وهو للقطمش الضبى فى شرح التصريح 2/ 259، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص:
893، 1036، ولسان العرب 1/ 577 (عتب)، والمقاصد النحوية 4/ 465، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 4/ 229، وتذكرة النحاة ص: 40، والجنى الدانى ص: 279، وشرح الأشمونى 3/ 601.
(2)
سورة الإسراء: 100.
(3)
سورة الحجرات: 5.
(4)
سورة لقمان: 27.
(5)
سورة الأحزاب: 20.
والمضى فى جملتيها؛ فدخولها على المضارع فى نحو: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ (1)، لقصد استمرار الفعل
فيما مضى وقتا فوقتا؛ كما فى قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (2)
ــ
قوله: (والمضى فى جملتيها) لا خلاف أن جملتى (لو) ماضيان معنى، ومن قال:
إنه يجوز أن يكونا مستقبلين معنى؛ فإنه يجعلها بمعنى إن فليست امتناعية، وأما المضى فى اللفظ فهو الغالب ليطابق اللفظ المعنى، وقد يأتى مضارعا يراد به المضى كقول كعب:
لقد أقوم مقاما لو يقوم به
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل (3)
وجعل المصنف ذلك إما لإرادة أن ذلك الأمر استمر وقوعه فيما مضى وقتا بعد وقت، هذه عبارته، أى: استمر وقوع عدم الفعل المعلق عليه فيما مضى وقتا بعد وقت؛ ولذلك قال بعضهم: معنى قوله تعالى: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ أن عدم طاعة رسول الله لهم مستمر فى الأزمنة الماضية؛ فإن الفعل المضارع يدل على ذلك كما فى قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وقوله تعالى: وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (4). قال الخطيبى: والفعل وإن دل على التجدد وقتا بعد وقت أيضا، لكن المضارع يدل على الاستمرار دون الماضى؛ فإنه ينقطع عند الاستقبال بخلاف المستقبل، فإن زمنه لا يتناهى.
(قلت): الفعل الماضى يدل على التجدد، بمعنى أنه حصل بعد أن لم يكن وأما إنه يدل على التجدد وقتا بعد وقت ثم ينقطع بخلاف المضارع؛ فإنه يدل على التكرر والاستمرار فلا؛ بل الدال على التكرر هو المضارع فقط، كما سبق، والماضى لا يدل على تكرر منقطع ولا مستمر.
بقى هنا سؤال وهو: أن الفعل المضارع إذا كان مدلوله الاستمرار والتكرار لزم أن تكون (لو) تدل على امتناع الاستمرار مع الفعل المضارع، لا على امتناع أصل الفعل. والأمر بخلافه، وقد تقدم عند قول المصنف، وأما كونه اسما ما يمكن أن يجاب به، وقد يجاب بأن الدال على الاستمرار هو المضارع المراد به المستقبل، أما المراد به الماضى فلا، ولا يمتنع مع هذا أن يعبر بالمضارع وإن لم يفد حينئذ الاستمرار؛ رعاية لما تدل عليه صورته من الاستمرار، وينبغى أيضا أن تقيد دلالة المضارع على الاستمرار بما لم يرد به الحال.
(1) سورة الحجرات: 7.
(2)
سورة البقرة: 15.
(3)
البيت من البسيط، وهو لكعب بن زهير فى ديوانه ص: 66، ومغنى اللبيب 1/ 264.
(4)
سورة البقرة: 79.
وفى نحو: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ (1)؛ لتنزيله منزلة الماضى؛ لصدوره عمن لا خلاف فى إخباره؛ كما فى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (2)،
ــ
قوله فى نحو: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} يعنى: إنما أتى هنا بالمضارع لتنزيله منزلة الماضى لكونه ممن لا خلف فى خبره. مقصود المصنف وإن كانت العبارة قلقة: أن المعنى لو رأيت فى الماضى، وإنما أخبر عنه ماضيا وإن كان مستقبلا؛ لأن من خبره لا يخلف يجعل المخبر به كالذى وقع، فلذلك أتى برأيت، ثم عبر بترى رعاية للأصل، فالعلة المذكورة فى كلام المصنف لا تصلح أن تكون للتعبير بالمضارع، بل هى علة لجعل الرؤية المستقبلة ماضية.
(قلت): يجوز أن (لو) فى هذه الآية ونحوها بمعنى الشرط المستقبل إن ثبت أن استعمالها بمعنى (إن)، وإنما لم أقل بمعنى (إن)؛ لأن (إن) للمشكوك فيه، والرؤية المستقبلة فى هذه الآية محققة، وإنما لم أقل بمعنى (إذا) جريا على عبارتهم فى قولهم:
تستعمل (لو) بمعنى (إن)، ولأن (إذا) تدل على ظرفية لا تدل عليها (إن)، ولولا ذلك لقلت: بمعنى (إذا) فإن رؤيته لهم محققة. ولا شك أن قولهم: (لو) تأتى بمعنى (إن) لا يعنون به إلا أنها تكون للشرط فى المستقبل، سواء كان مشكوكا فيه أم محققا؛ لا يقال:
لو كانت بمعنى (إن) لما حذف الجواب؛ لأن الفعل المضارع بعد الشرط لا يحذف جوابه على مذهب البصريين؛ لأنا نقول ذلك فى الشرط الجازم، مثل:(أكرمك إن تقم) لأنهم عللوا ذلك بأن ظهور تأثير الجزم فى أداة الشرط، وعدم ظهوره فى الجواب فيه جمع بين القوة والضعف، وهما متنافيان، فعلمنا بذلك أنه لا يمتنع حذف جواب شرط فعله مضارع إذا لم يكن جازما، سواء كان الشرط فى الماضى، مثل:(ولو ترى)، أم فى المستقبل مثل (إذا). قوله كما فى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا يشير إلى أن رب لا يليها إلا الماضى، سواء كانت (ما) معها كافة أم نكرة موصوفة، فقوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ استعمل فيه الفعل المضارع رعاية للأصل، وأريد به المضى؛ لأنه لما كان محققا صار كأنه قد وقع؛ وهذا بناء على أن الفعل يقدر بما لا يكون إلا ماضى المعنى. وفى المسألة خلاف مشهور.
(1) سورة الأنعام: 27.
(2)
سورة الحجر: 2.
أو لاستحضار الصورة؛ كما فى قوله تعالى: فَتُثِيرُ سَحاباً (1) استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالّة على القدرة الباهرة.
ــ
وقوله: (أو لاستحضار) معطوف على قوله: (لتنزيله)، أى: قد يؤتى بالفعل المضارع ماضى المعنى، وإن لم يكن بعد (لو) لقصد استحضار الصورة؛ لأن الاستحضار من شأنه أن يكون للحال، الذى من شأنه أن يعبر عنه بالمضارع؛ فإثارة الريح السحاب الذى قد أرسل، وإن كانت ماضية إنما عبر عنها بالمضارع فى قوله تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ (2) لإفادة ذلك، والمقصود استحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة.
(قلت): ويمكن أن يجعل ذلك لإفادة الاستمرار، فإن قلت: لو أريد الاستمرار لأتى بالفعل المضارع فى الجميع؛ قلت: وكذلك إذا أريد الاستحضار؛ إلا أن يقال: أتى بالفعل الماضى أولا؛ لأنه لو أتى بالمضارع لم يبق ما يدل على أن المراد الإخبار عن الماضى. وأما قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً (3) الآية فلعله قصد بها المستقبل؛ ليحصل من مجموع الآيتين الإخبار عن حالتى المضى والاستقبال.
(فائدة): ذكر الوالد رحمه الله فى تفسيره فصلا يتعلق بما نحن فيه فقال عند الكلام على قوله تعالى: ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ (4) ما نصه: فإن قلت: هل من فرق بين دخول لو الامتناعية على الماضى ودخولها على المضارع؟ قلت: قد تتبعت مواقعها فوجدتها إذا دخلت على مضارع كان ممكنا متوقعا، أو كالمتوقع، ويكون المقصود إثبات الجواب، مثال المتوقع هذه الآية، فإن مشيئة الله الانتقام منهم متوقعة، إلا إن عنى زمن الخطاب، والمقصود إثبات الانتقام على ذلك التقدير لا نفى المشيئة، وكذلك قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (5)، وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا (6)، أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ (7)، لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ (8)، وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا (9)، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ (10)، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ
(1) سورة الروم: 48.
(2)
سورة فاطر: 9.
(3)
سورة الروم: 48.
(4)
سورة محمد: 4.
(5)
سورة البقرة: 165، وهى بالياء.
(6)
سورة الأنعام: 27.
(7)
سورة الرعد: 31.
(8)
سورة الأعراف: 100.
(9)
سورة يس: 66.
(10)
سورة يس: 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَلائِكَةً (1)، لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ (2)، لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ (3)، لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (4)، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً (5)، لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً (6)، كذلك إذا جاء بعدها أن واسمها، كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ (7)، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا (8)، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا (9)، وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا (10)، وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ (11) ومثال ما هو كالمتوقع:
لو يسمعون كما سمعت كلامها
…
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد، فهذا صوره بصورة المتوقع، وإن لم يكن متوقعا. والذى قبله محتمل. والمقصود فى هذه المواضع كلها إثبات الثانى على تقدير الأول، والأول ممكن، وإن لم يكن واقعا. وحيث دخلت على الماضى تارة يكون المقصود امتناعه، كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ (12)، وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (13) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (14)، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ (15)، لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (16)، لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (17)، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً (18)، لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ (19)، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا (20)، لَوِ اسْتَطَعْنا (21)، وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ (22) المقصود فى هذا كله الحكم بانتفاء الأول ممكنا كان أم ممتنعا، وتارة يكون المقصود إثبات الثانى، كقوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا (23)، لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ (24)، وَلَوْ رُدُّوا
(1) سورة الزخرف: 60.
(2)
سورة الإسراء: 100.
(3)
سورة محمد: 30.
(4)
سورة الأنبياء: 39.
(5)
سورة الواقعة: 65.
(6)
سورة الواقعة: 70.
(7)
سورة لقمان: 27.
(8)
سورة النساء: 66.
(9)
سورة النساء: 64.
(10)
سورة الزمر: 47.
(11)
سورة الرعد: 31.
(12)
سورة الأنبياء: 22.
(13)
سورة الفرقان: 51.
(14)
سورة السجدة: 13.
(15)
سورة الأنعام: 112.
(16)
سورة الزمر: 4.
(17)
سورة الأحقاف: 11.
(18)
سورة الأنفال: 23.
(19)
سورة آل عمران: 154.
(20)
سورة آل عمران: 159.
(21)
سورة التوبة: 42.
(22)
سورة المؤمنون: 71.
(23)
سورة التوبة: 47.
(24)
سورة آل عمران: 154.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَعادُوا (1) المقصود فى هذه المواضع إثبات الثانى على تقدير الأول، مع العلم بأن الأول غير واقع، ومتى كان الفعل ماضيا يراد به حقيقته من المضى فى الزمان إما حقيقة، كقوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ وإما فرضا كقوله: وَلَوْ رُدُّوا - الأحسن فى هذا أنه لا يراد به الزمان الماضى، بل الملازمة بين الرد متى كان، والعود، مثل قوله:
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت
…
علىّ ودونى جندل وصفائح (2)
النحاة يعدونه قليلا؛ لكونه مستقبلا، وحسنه ما أشرنا إليه من الغرض الذى يجعله كالواقع. ومتى كان الفعل الذى دخلت عليه مضارعا؛ فظاهر كلام النحاة أنها تقلبه ماضيا، وما ذكرناه من مواقعه يفهم منه أنه باق على حقيقته. فالوجه أن يقال: إنه قصد بصيغة المضارع التنبيه على أن ذلك وإن كان ماضيا فهو دائم غير منقطع، بخلاف ما إذا أتى بلفظ الماضى؛ فإنه يحتمل الانقطاع وعدمه؛ وبذلك يحصل المحافظة على قلبه ماضيا، ولا يعرض عن لفظه بالكلية. اه كلام الوالد - رحمه الله تعالى - (تنبيه):
قال فى المفتاح: مثل: ربما فى أحد قولى أصحابنا البصريين، قال بعض المحشين على كلامه: يريد أن (ما) كافة
والقول الآخر أن (ما) ليست كافة، بل نكرة موصوفة بيود، والعائد محذوف، أبدل منه: لو كانوا مسلمين. قلت: الظاهر أن من شرط مضى الفعل بعد ربما يقول به، سواء كانت (ما) نكرة موصوفة، أم كافة، والظاهر أنه يشير بالقولين إلى الخلاف فى أن الفعل بعدها يشترط أن يكون ماضيا أو لا.
(تنبيه): أتعرض فيه - إن شاء الله تعالى - لأكثر أدوات الشرط اللفظية والمعنوية وما يتعلق بها من علم المعانى.
فمنها: (إذ ما) وهى حرف فى مذهب سيبويه، خلافا للمبرد فى أحد قوليه، وابن السراج والفارسى، فى زعمهم أن (إذ ما) اسم ظرف زمان، وهى كإذا فى
(1) سورة الأنعام: 28.
(2)
البيت من الطويل، وهو لتوبة بن الحمير فى الأغانى (1/ 229)، وأمالى المرتضى 1/ 450، والحماسة البصرية 2/ 108، والدرر اللوامع 5/ 96، وسمط اللآلئ ص: 12 وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص:
1311، وشرح شواهد المغنى ص: 644، والشعر والشعراء 1/ 453، ومغنى اللبيب 1/ 261، والمقاصد النحوية 4/ 453، ولرؤبة فى همع الهوامع 2/ 64، وليس فى ديوانه، وهو بلا نسبة فى الجنى الدانى ص: 286، وشرح الأشمونى 3/ 600، وشرح ابن عقيل ص:593.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدلالة على المستقبل. قال السكاكي: سلبت الدلالة على معناها الأصلى، وهو المضى، بإدخال (ما) للدلالة على الاستقبال. قلت: يريد أن (ما) الكافة عن الإضافة أورثتها إبهاما فقوى شبهها (بإن) فى الاستقبال.
ومنها: (متى)، وهى لتعميم الأوقات فى الاستقبال، أى: تدل على وقت من الأوقات المبهمة فى الاستقبال، بحسب الوضع، و (متى ما) أعم منها؛ لأنها للدلالة على كل وقت من الأوقات المستقبلة، كذا قال الخطيبى، وما قاله غير موافق لكلام الأصوليين، ولا للفقهاء. أما الأصوليون: فإنهم جعلوا أسماء الشرط كلها عامة، من غير فرق بين (متى) و (متى ما) وغيرهما، وأما الفقهاء: فالصحيح عندنا أن (متى) لا تقتضى التكرار، وكذا الصحيح فى (متى ما) ونقله أبو البقاء عن ابن جنى، ولا يشترط فى (متى) توافق زمن الفعلين، بل يصح (متى زرتنى اليوم زرتك غدا) ولا يصح ذلك فى (إذا) ثم قوله: إن (متى ما) أعم من (متى) مخالف لبقية كلامه؛ فإنه جعل عموم (متى) باعتبار الصلاحية، وعموم (متى ما) باعتبار الاستغراق؛ وحينئذ ليس بينهما اشتراك يصلح للعموم الاستغراقى.
ومنها: (أيان) لتعميم الأوقات كمتى.
ومنها: (أين) لتعميم الأمكنة والإحياز، والحيز عند المتكلمين أعم من المكان؛ فإنه محل الجوهر الفرد وغيره، والمكان محل الجسم فقط، و (أينما) أعم منها، وكالتفصيل السابق بين (متى) و (متى ما)، و (أين) و (أينما) فصل
السكاكى والخطيبى بين (إذا) و (إذا ما) فقالا: إن معنى (أجيئك إذا طلعت الشمس): المجئ فى طلوعها فى غير ذلك اليوم، و (أجيئك إذا ما طلعت الشمس) معناها: المجئ عند طلوعها فى أى يوم كان.
ومنها: (حيثما) وهى نظير (أينما).
ومنها: (من) لتعميم أولى العلم مطلقا، والصحيح أنها تعم المؤنث، وقد حققنا هذه المسألة فى شرح مختصر ابن الحاجب، وسيأتى بقية الكلام على (من) فى باب الاستفهام.
ومنها: (ما) لتعميم الأشياء كقوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (1) وقولنا: لتعميم الأشياء؛ جرى على عبارتهم، والأولى أن يقال: للتعميم، ولا
(1) سورة سبأ: 39.