الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولها (1) طرفان:
أعلى: وهو حدّ الإعجاز وما يقرب منه.
وأسفل: وهو ما إذا غيّر الكلام عنه إلى ما دونه، التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات.
وبينهما مراتب كثيرة، وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا.
وفى المتكلم: ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ.
ــ
عبد اللطيف البغدادى، حيث قال فى قوانين البلاغة: البلاغة شئ يبتدئ من المعنى، وينتهى إلى اللفظ، والفصاحة شئ يبتدئ من اللفظ، وينتهى إلى المعنى؛ فإن فيها جمعا بين ما افترق من كلام الناس، وهى الحق إن شاء الله تعالى. فإن قلت: إذا كانت الفصاحة أو البلاغة راجعة إلى اللفظ، فكلام الله تعالى ليس بلفظ، وهو محتو على أعظمها. قلت: المراد اللفظ الدال على ذلك الكلام القديم النفسانى.
طرفا بلاغة الكلام:
ص: (ولها طرفان: أعلى وهو حد الإعجاز، وما يقرب منه).
(ش): ظاهره أن حد الإعجاز لا يتفاوت، وليس كذلك، بل هو لا نهاية له. وما وقع فى كلام بعض شراح المفتاح مما يوهم خلاف ذلك، لا عبرة به، ثم يرد عليه أن ما يقرب من حد الإعجاز ليس أعلى؛ لنقصانه عن حد الإعجاز.
قوله: (وأسفل وهو ما لو غير عنه إلى ما دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات) يعنى البهائم.
قوله: (وتتبعها وجوه أخر تورث الكلام حسنا) قد يقال على أحد القولين السابقين: أن هذه الوجوه من البلاغة، فلا حاجة لذكرها. فإن قلت: هذا يقتضى أن كل كلام بليغ؛ لأنه ليس شئ من الكلام ملتحقا بأصوات البهائم. قلت: إنما يريدها ما لو غير لما دونه التحق بأصوات البهائم مع كونه كلاما، والتحاقه بها ليس فى كونه غير مفيد، بل فى عرائه عن الحسن.
ملكة المتكلم:
ص: (وفى المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ).
ش): عليه من الإيراد ما على حد فصاحة المتكلم.
(1) أى بلاغة الكلام.
فعلم: أنّ كلّ بليغ فصيح، ولا عكس.
وأنّ البلاغة مرجعها:
1 -
إلى الاحتراز عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد.
2 -
وإلى تمييز الفصيح من غيره:
والثانى (1): منه ما يبيّن فى علم متن اللغة، أو التصريف، أو النحو،
ــ
قوله: (فعلم أن كل بليغ فصيح ولا عكس) يعنى سواء كان كلاما أم متكلما؛ لأن البلاغة لا بد فيها من فصاحة الكلام والكلمات، قال الخطيبى: معناه أن البلاغة أخص من الفصاحة؛ لأن الفصاحة مأخوذة فى حد البلاغة كالفصل، فكانت كالحيوان للإنسان. قلت: إذا تأملت ما سبق علمت أن ليس بينهما عموم وخصوص، وليست كالفصل، بل البلاغة كل ذو أجزاء مترتبة، والفصاحة جزء.
قوله: (وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد) هو واضح مما سبق؛ لأنه إذا كانت البلاغة المطابقة فالذى يحترز عنه الخطأ.
وقوله: (فى تأدية المعنى المراد) جوز فيه أن يكون المعنى الخطأ الواقع فى تأدية المعنى، وأن يكون حالا عنه - أى عن الخطأ حال وقوعه فى تأدية المعنى. قلت: لا يصحان؛ لأن الخطأ الآن ليس فى تأدية المعنى، بل فى عدمها،
والذى يظهر أنه متعلق بالاحتراز.
ص: (وإلى تمييز الفصيح من غيره
…
إلخ).
(ش): هو واضح لا يقال: ينبغى أن يقول: وإلى الاحتراز عن غير الفصيح؛ لأن السامع ليس عنده غير التمييز، والمتكلم لا يسعه ترك (2) غير الفصيح فهو يفعل ما يقتضيه المقام والحال.
قوله: (والثانى منه ما يبين فى علم متن اللغة أو التصريف أو النحو) الثانى مبتدأ ومنه ما يبين جملة خبرية، ويجوز أن يكون (منه) خبرا عن الثانى، وما يبين فاعله، كقوله سبحانه: أولئك لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا (3) وقوله: متن اللغة أى العلم الذى يعلم به معانى المفردات يحترز بقوله (متن) عن النحو والتصريف، فإنهما من اللغة، وليس موضعهما متنها، والمراد (بالثانى) هو تمييز الفصيح من غيره.
(1) أى تمييز الفصيح من غيره.
(2)
ترك غير الفصيح كذا فى النسخة ولعل لفظة" غير" من زيادة الناسخ أو أسقط لفظ" إلا" قبل" ترك".
(3)
سورة سبأ: 37.
أو يدرك بالحسّ، وهو ما عدا التعقيد المعنوىّ.
وما يحترز به عن الأوّل (1): علم المعانى.
وما يحترز به عن التعقيد المعنوىّ: علم البيان.
وما يعرف به وجوه التحسين: علم البديع.
وكثير (2) يسمّى الجميع: علم البيان.
وبعضهم يسمّى الأول: علم المعانى، والأخيرين: علم البيان، والثلاثة: علم البديع.
ــ
قوله: (أو يدرك بالحس، وهو ما عدا التعقيد المعنوى) أى من تنافر الحروف والتئامها (3) وضعف التأليف وقوته لا يقال: ضعف التأليف إنما يعلم من النحو؛ لأنا نقول: المعنى يتعقد بعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، إلا أنه يرد عليه حينئذ أن ذلك من النحو، وأنه ليس بحسى لفظى؛ لأن المدعى أن ضرب غلامه زيدا تعقيد لفظى؛ لا معنوى ففيه نظر.
وقوله: (وما يحترز به عن الأول) أى عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد علم المعانى، (وما يحترز به عن التعقيد المعنوى علم البيان، وما يعرف به وجوه التحسين علم البديع) مناسبة هذه الاصطلاحات واضحة إلا أن فى إطلاق
لفظ البديع على غير الله تعالى نظرا؛ لأن الراغب قال فى كتاب الذريعة إلى محاسن الشريعة: إن لفظ الإبداع لا يستعمل لغير الله تعالى لا حقيقة ولا مجازا، وقد يخدش فيه قوله تعالى: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها (4)(ومنهم من يسمى الجميع: علم البيان) لما فى كل من معناه اللغوى، وهو الظهور، (ومنهم من يسمى الأخيرين علم البيان) وهذا يقع كثيرا فى كلام الزمخشرى فى الكشاف. (والثلاثة علم البديع) وعلى ذلك قول الزمخشرى عند قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (5) أنه من الصنعة البديعية.
(1) أى عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد.
(2)
أى كثير من الناس.
(3)
قوله: وضعف التأليف
…
إلخ هذه العبارة لا تخلو من خلل فتأمل وحرر. كتبه مصححه.
(4)
سورة الحديد: 27.
(5)
سورة البقرة: 16.