المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تذنيب أصل الحال المنتقلة: أن تكون بغير واو؛ لأنها فى - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌ ‌تذنيب أصل الحال المنتقلة: أن تكون بغير واو؛ لأنها فى

‌تذنيب

أصل الحال المنتقلة: أن تكون بغير واو؛ لأنها فى المعنى حكم على صاحبها كالخبر،

ــ

صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف وهو والمصدقات، ولا يصح عطفه على صلة أل فى المصدقات لاختلاف الضمائر؛ لأن ضمير المصدقات مؤنث فليخرج ذلك على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، كأنه قيل: والذين أقرضوا.

(قلت): وأجاب الوالد عن هذا السؤال، بأن هذا إنما يلزم فى العطف على اللفظ، وهذا عطف على المعنى وهو أن ينتزع من اسم الفاعل فعل يقدر ملفوظا به ويعطف عليه، وهنا اسم الفاعل وهو مصدق شئ واحد، وإنما تعدد بحسب جمعى المذكر والمؤنث وعلامتا الجمع زائدتان على حقيقة اسم الفاعل المنتزع منه الفعل، فتنتزع منهما فعلا واحدا تنسبه إلى ضمير المذكرين والمؤنثين معا وإنما يقوى الإشكال إذا تعدد معنى اسم الفاعل ولفظه مثل: إن الضاربين والقاتلين، وأيضا فقد ذكر النحاة أنه قد ترد الصلة بعد موصولين وأكثر مشتركا فيها كقول الشاعر:

صل الّذى والّتى منّا بآصرة

وإن نأت عن مدى مرماهما الرّحم

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (1) قال الزمخشرى: إن مخرج معطوف على فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ مبينة لمعنى فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى، وقال الإمام فخر الدين: إن الاعتناء بشأن إخراج الحى من الميت لما كان أشد أتى بالفعل المضارع ليدل على استمرار التجدد، كما فى قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (2) فإنه أقوى فى إفادة الاستمرار والتجدد من إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (3).

ص:

(تذنيب).

ص: (أصل الحال المنتقلة أن تكون بغير واو إلى آخره).

(1) سورة الأنعام: 95.

(2)

سورة البقرة: 15.

(3)

سورة البقرة: 14.

ص: 547

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(ش): لما كانت الحال الواقعة جملة تارة تدخلها الواو، وتارة لا تدخل، صار لها فى الصورة حالتا فصل ووصل، فناسب ذكره ذلك تبعا لباب الفصل والوصل، وجعل كالذنب لما قبله، فلذلك سمى ذكره تذنيبا وهذا الباب كله تفريع على أن هذه الواو أصلها العطف، قال شيخنا أبو حيان: ليست واو الحال عاطفة، ولا أصلها العطف، خلافا لمن زعم من المتأخرين بأنها عاطفة مستدلا بأن" أو" لا يصح دخولها عليها فى نحو قوله تعالى: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (1)

فلو كانت خلاف العاطفة لم يمتنع ذلك.

(قلت): أما كونها ليست عاطفة فلا شك فيه، وأما كونها ليس أصلها العطف ففيه نظر، ولعل الشيخ يريد بالذى زعم أنها عاطفة الزمخشرى فإنه ذكر فى قوله تعالى:

بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ إن الواو حذفت من أَوْ هُمْ قائِلُونَ استثقالا لاجتماع حرفى عطف؛ لأن واو الحال هى واو العطف، استعيرت للتوكيد، ورد الشيخ أبو حيان عليه بأنها لو كانت واو العطف للزم أن لا تقع إلا بعد ما يصلح حالا، وليس كذلك، بل تقع حيث لا يكون ما قبلها حالا، نحو: جاء زيد والشمس طالعة، فجاء لا يمكن أن يكون حالا، وفى هذا الرد نظر؛ لأمرين: أحدهما: أن الزمخشرى لم يقل: إنها عاطفة؛ بل مراده أن أصلها العطف، واستعيرت للربط كما أن أصل الفاء العطف واستعيرت لربط الشرط بالجواب، وبرهان إرادته ذلك أنه قال فى تفسير قوله تعالى: وَأَصابَهُ الْكِبَرُ (2) هذه الواو واو الحال وليست واو العطف، وقوله: استثقالا لاجتماع حرفى عطف، أى:

فى الصورة.

وسيأتى عن عبد القاهر استثقال اجتماع واو الحال مع حرف غير عاطف وهو كأنما، فما صورته وأصله العطف أولى.

الثانى: أن قوله: إنها تجئ فيما لا يمكن فيه أن يكون ما قبلها حالا مثل: جاء زيد والشمس طالعة، إن أراد أن الجملة السابقة غير حالية فصحيح؛ ولكن هى ملازمة لذلك فلا يصح قوله: إنها تجئ فيما لا يمكن فإنها لا تقع الا كذلك، وإن أراد أنه لو عكست وقلت: طلعت الشمس وجاء زيد لم يصح، فليس كذلك، وإن أراد أنها تقع حيث لا يكون قبلها حال فيقول القائل: إنها عاطفة نقول: لا؛ لأنها عاطفة على الحال

(1) سورة الأعراف: 4.

(2)

سورة البقرة: 266.

ص: 548

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قبلها؛ بل على الجملة العاملة فى الحال فمعنى" جاء زيد والشمس طالعة": جاء زيد ووقع طلوع الشمس معه، فإذا قلت: جاء زيد قائما والشمس طالعة، وجعلت الواو للحال كان العطف على الفعل، لا على الحال، لا يقال: كيف يعطف المعمول على عامله، لأنا نقول: إنما أردنا العطف المعنوى لا الصناعى.

هذا كله لو قال الزمخشرى: إنها عاطفة، والفرض أنه لا يريد ذلك، إنما يريد أن أصلها العطف كما صرح به السكاكى فى المفتاح، وللكلام على هذه الآية الكريمة بقية تأتى حيث نتكلم على الجملة الاسمية - إن شاء الله

تعالى - فإن قلت: لو كانت هذه الواو العاطفة لما عطفت الاسمية على الفعلية فى الكلام الفصيح.

(قلت): إنما يمتنع فى الفصيح عطف الاسمية على الفعلية إذا كانت عاطفة حقيقة، أما إذا كان أصلها العطف فلا.

وقد قدم المصنف على ما ذكره مقدمة، وهى أن الحال تنقسم إلى: منتقلة ومؤكدة، فالمؤكدة: لا تدخلها الواو أبدا، وسببه أنها فى معنى ما قبلها، والواو تؤذن بالمغايرة، والمنتقلة سواء كانت مفردا أو جملة أصلها أن تكون بغير واو؛ واستدل عليه بأمرين:

أحدهما: أنها فى المعنى حكم على صاحبها كما أن الخبر حكم عليه، والمحكوم به لا يعطف على المحكوم عليه، كما لا يعطف الخبر على المبتدأ، وقد يخدش فى قولنا: إن الخبر لا تدخله الواو أن الأخفش فى طائفة جوز دخول الواو فى خبر كان وأخواتها إذا كان جملة، وقال ابن مالك: إن ذلك جائز فى خبر ليس إذا كان جملة موجبة بإلا، وكذلك فى خبر كان بعد نفى، وأنشدوا:

ليس شئ إلّا وفيه إذا ما

قابلته عين البصير اعتبار (1)

وقوله:

ما كان من بشر إلّا وميتته

محتومة لكن الآجال تختلف (2)

وقوله:

فظلّوا ومنهم سابق دمعه له

وآخر يبقى دمعة العين بالمهل (3)

(1) البيت من الخفيف وهو بلا نسبة فى الدرر 2/ 67 وهمع الهوامع 1/ 116.

(2)

البيت من البسيط وهو بلا نسبة فى الدرر 2/ 68، وهمع الهوامع 1/ 116.

(3)

البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 141، وبلا نسبة فى الدرر 2/ 66، وهمع الهوامع 1/ 116.

ص: 549

ووصف له كالنعت، لكن خولف هذا إذا كانت جملة، فإنها من حيث هى جملة مستقلّة بالإفادة؛ فتحتاج إلى ما يربطها بصاحبها،

ــ

وقوله:

دخلت على معاوية بن حرب

وكنت وقد يئست من الدّخول

وقد يجاب عن ذلك كله إما بمنعه وحمل ما ورد منه على الضرورة، أو حذف الخبر. وإما بأن دخولها فى هذه المواطن حملا لها على الحالية، كما صرح به الأخفش، وإنما قال فى المعنى؛ لأن الحال ليست حكما فى اللفظ؛ لأن الحكم فى اللفظ إنما يكون بالمسند كالخبر من قولك: زيد قائم، والفعل من نحو: جاء زيد، غير أن الحال حكم فى

المعنى؛ لأن قولك: جاء زيد راكبا، فيه حكم بالركوب على زيد، لكن لا بالأصالة، بل استفادة هذا الحكم؛ لكونه جعل قيدا للفعل العامل فإنك إذا قلت: جاء زيد راكبا، حكمت بالركوب تبعا، وإذا قلت: زيد راكب، حكمت بالركوب استقلالا، وتحقيق ذلك أنك: إذا قلت: جاء زيد راكبا، تضمن هذا الكلام ثلاثة أشياء: مجئ زيد، وركوبه، واقتران ركوبه بمجيئه.

فالأول: مستفاد بالنص من قولك: جاء زيد، والحال قيدت ذلك المجئ بقيد، وأثبتت أن المجئ الذى أخبرت به مجئ مقيد لا مطلق؛ لأن المفهوم من قولك: ضربت زيدا، حكم بوقوع ضرب، وبأنه على زيد فكأنك قلت: المجئ المقارن للركوب حصل من زيد، والإخبار بالمقيد يدل على وقوع القيد التزاما لا يتوهم كونه تضمنا؛ لأن القيد جزء المخبر به، فإن القيد ليس جزء المخبر به، بل المخبر به شئ مقيد لا شيئان، أحدهما:

مطلق، والآخر: مقيد، فليس مدلولا عليه بالتضمن ولا بالمطابقة، بل من حيث إنه يلزم من وقوع المقيد وقوع القيد فكان الحكم بالمجئ من الراكب حكما بالركوب التزاما، فليتأمل.

والدليل الثانى: أشار إليه بقوله: (ووصف له كالنعت)، أى: الحال فى الحقيقة وصف لصاحبها فكما أن النعت لا يدخله الواو، كذلك الحال لا يدخلها الواو لأن قولك: جاء زيد راكبا، معناه: جاء زيد الراكب، فلو عطفت الراكب على زيد، لم يصح، فكذلك عطف الحال على صاحبها، الأصل أنه لا يجوز، قيل: إنما يأتى ذلك على رأى الجمهور، وأما الزمخشرى والمصنف - كما سيأتى - فيقولان: يجوز دخول الواو بين الصفة والموصوف.

ص: 550

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(قلت): ولا شك أنه عنده على خلاف الأصل. (فإن قلت): فما الفرق بين هذا الدليل والذى قبله وما الفرق فى المعنى بين الوصف والحال؟ (قلت): الحال والوصف مشتركان فى أن المسند فيهما مقيد، فإنك إذا قلت: جاء زيد العالم، كنت مخبرا بمجئ مقيد بكونه صادرا من عالم، كما أن جاء زيد عالما إخبار بمجئ مقيد بكونه من عالم، ويشتركان فى اقتران الصفة بالموصوف والحال تصاحبها، فإن قولك: جاء زيد العالم، معناه: العالم وقت المجئ، وهذا معنى قولهم: اسم الفاعل حقيقة فى الحال، ليس المراد منه حال النطق، بل حال تعلق النسبة فتأمله؛ فقد غلط فيه بعض الأكابر، غير أن دلالة الحال على المقارنة أقوى من دلالة الصفة، ألا ترى أن الحال لا تقع ماضية فلا تقول: جاء زيد اليوم راكبا أمس، واسم الفاعل يطلق على الماضى مجازا مشهورا أو حقيقة، على الخلاف المشهور، ووقوع الحال مقدرة مرادا بها الاستقبال مجازا، ثم يفترقان أيضا بأن الحال محكوم بها بمعنى أن المتكلم قصد الإخبار بالمجئ وبالركوب، بخلاف" جاء زيد الراكب"، فإن المتكلم إنما قصد الإخبار بالمجئ.

وبعد أن كتبت هذا رأيت بخط والدى رحمه الله ما نصه: إذا قلت: جاء زيد راكبا، فقد أخبرت بمجيئه وبأنه كان

راكبا فهما خبران يحتمل أن يصدقا أو يكذبا أو يصدق أحدهما ويكذب الآخر، والخبر عن الحال تابع للخبر عن الذات، وهو مقيد للخبر لا للمخبر عنه وبيان لصفة الخبر لا لصفة المخبر عنه، وأما الصفة فهى مقيدة للمخبر عنه لا للخبر، وذلك أن زيدا إذا قلت:" الراكب" قيدته قبل أن تخبر عنه، فإذا أخبرت عنه بالمجئ فالإخبار حصل عن ذلك المقيد فهو خبر واحد لا خبران فليس فيه إلا صدق أو كذب، فالحال تابع للخبر والحكم تابع للصفة فافهم ذلك، انتهى.

وهو موافق لما قلته غير أن فيه فرقا بين الحال وصفة المسند إليه، لا بين الحال وصفة المسند فى قولك: جاء زيد الضارب الراكب، وقولك: زيد الضارب راكبا، والفرق أن صفة المسند ليس حكما بالركوب؛ بل ذكره عرفنا أن الضارب المذكور إنما أريد به المتصف بالركوب، وسبيله سبيل قولك: زيد الضارب مقتصرا عليه مريدا به الراكب من الضاربين، وأن الأداة عهدية واستفادة هذا القيد من كون المقيد يستحيل وجوده دون قيده، ويستحيل وجود الموصوف دون الصفة بخلاف الحال فإنك قصدت فيها إفادة وقوعها. (فإن قلت): يلزمكم عدم صحة تكذيب النصارى

ص: 551

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى قولهم: كنا نعبد المسيح ابن الله وإنهم ليقال لهم: كذبتم. (قلت): إما أن يراد كذبتم فى عبادتكم لمسيح موصوف بهذه الصفة أو يكون فهم عنهم أن قولهم: ابن الله بدل أو هو مجاز فلا يلزم أن يكون فى قول الكافرين: المعبود ابن الله، حكمان:

(فإن قلت): قد قدمتم أن الخبر الموصوف يدل على وقوع الصفة بالالتزام، وقد جعلتم الحال يدل على وقوع القيد بالالتزام فاستويا، فكيف فرقتم بينهما؟ (قلت):

المخبر به إذا وصف هو النسبة غير مقيدة بنسبة أخرى ولم يقصد المتكلم الإخبار بالقيد غير أنه ساقه التقييد إليه والمخبر به مع الحال ليس مطلق النسبة، بل هى متصفة بقيدها، وفرق واضح بين أن يقصد المتكلم الإخبار بشئ ويتفق أن ذلك الشئ مقيد فلا يكون ذلك القيد مخبرا به لا التزاما ولا غيره، وبين أن يقصد الإخبار به متصفا بالقيد، ففى الحال وقع الإخبار بالقيد التزاما، وفى الصفة حصل القيد التزاما، ولم يحصل الإخبار به التزاما ولا غيره. (فإن قلت): إذا كان الحال حكما يلزمه أن يكون أحد ركنى الإسناد والفرض أنها ليست كذلك. (قلت): هى حكم تبعى لا استقلالى؛ فلذلك لم لكن ركنا فى الإسناد لفظا، وإن كانت ركنا معنى، وإذا تأملت ما ذكرناه انبسط لك عذر من قال: الحال فيها نسبة تقييدية، وعذر من قال: إن فيها نسبة إسنادية، فكلاهما صحيح، فصحة الأول: باعتبار أنها قيدت نسبة العامل فى صاحبها ولم تنشئ نسبة جديدة، بل زادت قيدا فى النسبة الحاصلة. وصحة

الثانى: باعتبار أنها أسندت القيد، ومن لاحظ الثانى منع أن يكون قوله تعالى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (1) جملة حالية لأنه يلزم أن تكون العداوة مأمورا بها، ومن لاحظ الأول قال: هذه نسبة تقييدية فلا يلزم ذلك، والقولان مذكوران فى الآية الكريمة وها أنا أذكر قاعدة تلخص ما سبق وتقيده وأرجو أن تكون على التحقيق، الأمر بشئ مقيد بشئ فيه أمران:

أحدهما: أصل الفعل الذى توجه الأمر به وهو مأمور به مطابقة بلا إشكال.

والثانى: القيد الذى دلت عليه الحال وهو ثلاثة أقسام:

الأول: أن يكون بعض أنواع الفعل المأمور به مثل: حج مفردا أو حج متمتعا أو حج قارنا، فالإفراد والتمتع والقرآن أنواع للحج فالحال مأمور بها والمأمور به ماهية مركبة

(1) سورة البقرة: 36.

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مأمور بكل من جزأيها، وقد صرح بالحج فدل عليه مطابقة والظاهر أن صفة الإفراد مثلا مدلول عليها أيضا بالمطابقة لتصريحه بها، ويحتمل أن يقال: الدلالة عليها تضمن، وهو بعيد.

القسم الثانى: أن لا يكون بعض أنواع الفعل المأمور به، ولكنه من فعل الشخص المأمور، مثل: ادخل مكة محرما، فهو أيضا أمر بثلاثة أشياء: الدخول، والإحرام، والجمع بينهما، ويشهد لذلك قول الفقهاء: لو نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكفا لزمه الصوم والاعتكاف والجمع بينهما، ولا يعكر عليه قولهم: لو نذر الاعتكاف مصليا أو عكسه لم يلزمه الجمع لأن الجمع وإن نذره الشخص واقتضاه اللفظ لغة فإن الشارع ألغاه؛ لأن أحدهما ليس قربة فى الآخر، بخلاف الصوم والاعتكاف، وهل نقول: الحال فى هذا القسم مقصودة أو هى من ضرورة تحصيل المأمور به على تلك الصفة؟ فيه احتمالان، ويشهد للأول قول الفقهاء: لو نذر أن يعتكف صائما فاعتكف فى رمضان لا يجزيه.

القسم الثالث: أن لا يكون من نوع الفعل ولا من فعل الشخص المأمور، مثل: اضرب الزيدين جالسين فى الدار، فالمأمور به الضرب فقط، ولكنه لا يجزئ إلا إذا كان على تلك الحال، فإذا لم يكن للمأمور قدرة على تحصيل تلك الحال لا يكون مأمورا حتى توجد، وكذلك إذا قلت: اضربهما مجردين، ولم يكن لك قدرة على تجريدهما، فإن كان لك قدرة على تجريدهما وجب، لا لكون التجريد مأمورا به لفظا؛ بل لأنه لا يتم الواجب إلا به، فقد انقسمت الحال كما ترى إلى ما هو مأمور به مطابقة أو تضمنا أو التزاما أو ليس مأمورا به بالكلية، فقوله عز وجل: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ

عَدُوٌّ *

علمنا من خصوص المادة أن الله تعالى لا يأمر بالعداوة فإنها تستلزم وقوع الكفر من الكافر ليأمر المسلم بعداوته أو أمر الكافر بعداوة المسلم على إسلامه وهما ممتنعان، والحمل على أن المراد أن المسلمين فقط أعداء الكفار فقط فى غاية البعد، فإن هذا التركيب إنما يستعمل غالبا فيما استوت أبعاضه فيه، مثل:

بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ * ولا يستعمل ذكر بعضين متقابلين فى كلام على هذا الوجه، وهما مختلفان إلا بقرينة مثل: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ (1) فلهذا نقول: إن

(1) سورة الإسراء: 55.

ص: 553

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذه الجملة غير مأمور بمعناها، بل هى إما خبر مستأنف أو حال مقدرة، والحال المقدرة لا يجب فيها ذلك، بل معناها إذا كانت حالا من فعل مأمور به أنه مأمور بذلك الفعل صائرا عاقبته إلى تلك الحال فترجع إلى معنى الخبر، لكن بينهما فرق فإن الخبر يقتضى الإخبار بأنهم الآن وقت الخطاب على صفة العداوة والحال لا يقتضى ذلك، بل يقتضى أن مصيرهم أن يكونوا متعادين إما وقت الهبوط إن كانت مقارنة أو بعده إن كانت مقدرة، ثم العداوة لا يمكن أن تكون مأمورا بها؛ لأنها ليست من فعل الشخص ولا يمكنه تحصيلها إلا بتعاطى أسبابها على بعد، فالمراد أن الله تعالى خلق أو يخلق فيهم عداوة بعضهم لبعض، إما ذلك الوقت وهو وقت خطابهم أو وقت هبوطهم أو بعده، فعلى الأول: خبر محض، وعلى الثانى: حال مقارنة، وعلى الثالث: حال مقدرة. (فإن قلت): إذا اختلف معنى الحال ومعنى الصفة فكيف قال المصنف: إنها بمعنى الصفة، وإذا كانت الحال محكوما بها والصفة غير محكوم بها فالوجه الأول ينافى الثانى؟

(قلت): يريد أنها كالصفة فى المعنى الذى اشتركت الصفة والحال فيه، وهو أنهما حكم بأمر مقيد، وذكر فى الإيضاح وجها ثالثا وهو أن إعراب الحال ليس إعرابا تبعيا، وما ليس إعرابه تبعيا لا تدخله الواو، وهذه الواو وإن كانت تسمى واو الحال فأصلها العطف، وقد أورد على قوله: إن كل ما ليس إعرابه تبعيا لا تدخله الواو: أن الجملتين اللتين بينهما توسط الانقطاع والاتصال ليس إعرابهما تبعيا، ومع ذلك تعطف إحداهما على الأخرى، وأن التوابع غير العطف إعرابها تبعى ولا تدخلها الواو. (قلت):

الجملتان إن فرض أن لا محل لهما من الإعراب فلا يقال: إعرابهما غير تبعى؛ لأنهما لا إعراب لهما وإن فرض أن لهما محلا، مثل: زيد يقوم ويقعد، فإعراب الثانية تبعى؛ لأن الأولى هى الخبر والسؤال الثانى إنما أورده على العكس لا على الطرد ثم لا يرد، فإنه إنما يريد تبعية عطف النسق. (قوله: لكن خولف) أى: خولف هذا الأصل فدخلت

الواو إذا كانت الحال جملة، فإنها إذا نظر إليها من حيث كونها جملة تكون مستقلة بنفسها متجردة لإفادة معناها فاحتيج إلى الواو؛ لتربطها بصاحبها، ولقائل أن يقول:

إنما يعدل عن الأصل لضرورة ولا ضرورة؛ لأنه يمكن ارتباطها بصاحبها بالضمير.

ص: 554

وكلّ من الضمير والواو صالح للربط، والأصل هو الضمير؛ بدليل المفردة، والخبر، والنعت.

فالجملة: إن خلت عن ضمير صاحبها، وجب الواو، وكلّ جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال: يصحّ أن تقع حالا عنه بالواو،

ــ

(قوله: وكل من الضمير والواو صالح للربط)، أى: لربطها بصاحبها، ولقائل أن يقول: ليس فى الواو والضمير معا فضلا عن أحدهما ما يعين الجملة للحالية؛ فإنك إذا قلت: جاء زيد وقد ضرب عمرا احتمل أن تكون حالا وأن تكون معطوفة.

(قوله: والأصل) أى: الأصل الربط بالضمير بدليل أنه موجود دون الواو فى الحال المفردة، وفى الخبر والنعت، نحو: جاء زيد قائما، جاء زيد القائم، وزيد قائم.

ص: (فالجملة إن خلت إلخ).

(ش): أخذ فى تقسيم حال الجملة الحالية، فقال: هى على قسمين إما خالية من ضمير صاحبها أو لا.

القسم الأول: الخالية، فيجب الواو؛ لأنه تقرر أنه لا بد من رابط وأن الربط منحصر فى الضمير والواو، فإذا فقد الضمير تعينت الواو ويرد على المصنف أن الجملة الحالية قد تخلو من الواو والضمير، كقولهم: مررت بالبر قفيز بدرهم، وقد يجاب بأن الضمير لا بد منه إما منطوقا به أو محذوفا، وهو هنا محذوف التقدير: قفيز منه بدرهم، ثم قال:

(وكل جملة خالية عن ضمير) يعود على شئ، وكان ذلك الشئ (يجوز أن ينتصب الحال عنه يصح أن تقع حالا عنه) إذا كانت مع الواو فقوله: بالواو، أى: بشرط الواو، فإن لم توجد الواو لم يصح أن تقع حالا، ومثال ذلك: قام زيد والشمس طالعة، أو وما يقوم عمرو أو وقد خرج عمرو أو وما خرج عمرو، هذا رأى الجمهور خلافا لابن جنى، فإنه يقدر فى ذلك ضميرا، التقدير: والشمس طالعة وقت مجيئه، ومعنى: جاء زيد والشمس طالعة، جاء موافقا طلوع الشمس، ويرد على المصنف الجمل التى لا يصح أن تقع حالا كالإنشائية والمفتتحة بدليل استقبال فإنها لا تقع حالا ويصدق عليها أنها خالية من ضمير شئ يصح أن يقع عنه حال، بل ولو اشتملت على ضميره أيضا.

ص: 555

إلا المصدّرة بالمضارع المثبت؛ نحو: جاء زيد خ خ، ويتكلّم عمرو خ خ؛ لما سيأتى (1).

وإلّا (2) فإن كانت فعلية، والفعل مضارع مثبت: امتنع دخولها؛

ــ

(قوله: إلا المصدرة بالمضارع المثبت، نحو: جاء زيد ويتكلم عمرو) فإنه لا يجوز الإتيان بالواو (لما سيأتى) من أنه يجب فى مثلها الاقتصار على الضمير، ولا يجوز الإتيان بالواو، وسنتكلم فيه إن شاء الله تعالى.

ويرد على المصنف المضارع المنفى بلا أو ما، نحو: جاء زيد ولا يضحك عمرو، أو وما يضحك عمرو، أو الماضى اللفظ التالى إلا نحو: ما جاء زيد إلا وضحك عمرو، أو مع أو ولا ضمير، مثل: اضرب زيدا وذهبت هند أو مكثت؛ فكل هذه الصور لا تغنى فيها الواو عن الضمير.

(قوله: وإلا) أى: وإن لم تكن خالية عن ضمير صاحبها بأن كانت مشتملة عليه، فذلك على أقسام: تارة تمتنع، وتارة يجب الإتيان بالواو، وتارة يترجح الإتيان بها، وتارة يترجح تركها وتارة يستوى الأمران.

ونخلص مما ذكره المصنف: أن الحال إما أن تدل على الحصول والمقارنة أو لا إن دلت عليهما وجب ترك الواو، وذلك هو المضارع المثبت، وإن لم تدل على واحد منهما جاز الأمران على السواء، وذلك المنفى، سواء أكان بلم أو لما أو كان ماضى اللفظ، وإن دل على أحدهما فإن دلت على الحصول فقد جاز الأمران على السواء، وذلك الماضى المثبت، وإن دلت على المقارنة فقط فإن كان مضارعا منفيا بلا فالأمران على السواء، وإن كان جملة اسمية، فإن كان المبتدأ ضمير ذى الحال وجبت، وإلا فإن كان خبر المبتدأ ظرفا مقدما ترجح الترك، وإلا ترجح الذكر، هذا ملخص ما ذكره المصنف عن نفسه، وعن عبد القاهر كالمرتضى له كما تشير إليه عبارة الإيضاح.

وأما السكاكى فملخص ما ذكره فى المفتاح أنه إن كانت الجملة جملة اسمية فإن كان خبرها ظرفا فالأمران على السواء، وإن كان خبرها اسما فالوجه الواو، وإن كانت فعلية فإن كان مضارعا مثبتا امتنعت الواو، وإن كان ماضيا وهو لفظ ليس رجح الذكر، وإن كان مضارعا منفيا أو ماضيا مثبتا أو منفيا فالأرجح الترك.

(1) من أن ربط مثلها يجب أن يكون بالواو فقط.

(2)

عطف على قوله إن خلت أى وإن لم تخل الجملة الحالية عن ضمير صاحبها.

ص: 556

نحو: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (1)؛ لأنّ الأصل المفردة، وهى تدل على حصول صفة غير ثابتة مقارنة لما جعلت قيدا له، وهو كذلك؛ أما الحصول: فلكونه فعلا مثبتا، وأما المقارنة: فلكونه مضارعا.

ــ

وأما النحاة فلهم تفصيل يوافق بعض ما سبق دون بعض، وهم مختلفون فى كثير من الصور، كما ستراه.

القسم الأول: أن يمتنع الإتيان بالواو، وها أنا أذكر كلام المصنف ثم أذكر ما يرد عليه. قال: وهى إذا كانت فعلية بمضارع مثبت امتنعت الواو نحو قوله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وقوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (2)، وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (3) وعلله المصنف: بأن أصل المفردة أن تدل على حصول صفة غير ثابتة، مقارن ذلك الحصول لما جعلت قيدا له وهو العامل فيها، أما دلالتها على الحصول فلأنها إثبات والإثبات حصول بخلاف النفى، وأما دلالتها على أنها غير ثابتة، فلكونها هيئة للفعل الذى هو عامل فيها، وهيئة الشئ كالصفة له، وإذا كان ناصب الحال فعلا أو فى معناه، والفعل يدل على التجدد لزم أن تكون صفة ذلك الفعل دالة على التجدد لاستحالة تجدد الموصوف دون الصفة، وما فى معنى الفعل مما ينصب الحال كالفعل فى الدلالة على التجدد، وأيضا فهى منتقلة والانتقال تجدد، وأما أنها تدل على المقارنة فواضح ونعنى به: الحال الحقيقية، أما المقدرة فلا تلزم فيها المقارنة، مثل: رأيت زيدا فى يده صقر صائدا به غدا إلا أن يقال: لا بد من المقارنة إلا أنها فى المقدرة حاصلة مجازا، وإذا ثبت هذا فى الحال المفردة فالفعل المضارع المثبت كذلك؛ لأن المضارع المثبت يدل على حصول صفة غير ثابتة، لأن الفعل يدل على التجدد، بل هنا أقرب؛ لأن دلالة الحال هنا على التجدد بنفسها، ودلالة الحال المفردة باعتبار اتصالها بالفعل العامل الدال على التجدد، ويدل أيضا على المقارنة؛ لكونه مضارعا وهو يصلح للحال، فإذا ثبت أن المضارع المثبت كالحال المفردة - وجب خلوه من الواو، كما وجب خلو الحال - المفردة من الواو، قال فى الإيضاح: ولذلك أى: ولكون الواو لا تدخل على المضارع المثبت إذا كان حالا امتنع، نحو: جاء زيد ويتكلم عمرو، يعنى: لأن الواو لا يصح دخولها فى مثله.

(1) سورة المدثر: 6.

(2)

سورة الأنعام: 110.

(3)

سورة الليل: 16 - 18.

ص: 557

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(قلت): أما قوله لأن الواو لا يصح دخولها فى مثله ففيه نظر؛ لأن الموجب لامتناعه خلوه من الضمير مع عدم صلاحية الواو للربط فى مثله، فعدم صلاحية الواو للربط فى مثله جزء علة الامتناع لا علة كاملة، وقد ذكره هو على الصواب قبل ذلك بأسطر، وجوابه أن الواقع فى هذا المثال عدم الضمير فاستغنى عن ذكره، وأما قوله: إن الواو لا تدخل على المضارع المثبت إذا كان للحال فهو كذلك عندهم؛ وأما قوله: إن العلة فى امتناع الواو أنه شابه الحال المفردة فى التجدد والمقارنة فقد يقال عليه: إن التجدد والمقارنة إذا كانا لازمين للحال المفردة؛ لكونها حالا فهما

لازمان لكل جملة هى حال؛ لأن الحال المفردة لا يلزمها ذلك؛ لكونها مفردة، بل إفرادها من حيث الوضع يقتضى خلاف ذلك؛ لأن المفرد اسم والاسم يدل على الثبوت وإنما لزمها ذلك لكونها حالا، وهذا وصف لا يفارق الجملة الحالية أبدا، أما المقارنة فلأن كل حال يستحيل أن لا تكون مقارنة، ففى قولك: جاء زيد وضرب عمرا، إن لم تقدر قد كان معناه جاء ضاربا فهى للمقارنة، وإن قدرت قد، أو قلت: جاء وقد ضرب عمرا، فإن جعلت معناه أنه وقع ضرب عمرو فى زمن سابق على زمن المجئ فالتحقيق أن معنى الكلام: جاء موصوفا بأنه قد ضرب عمرا وهذه الصفة ثبتت له حال مجيئه وإن انقضى الضرب وإذا كنا نقدر فى: جاء والشمس طالعة، جاء موافقا طلوع الشمس، فلنقدر هنا موصوفا، لأنه أقرب إلى اللفظ من قولنا: موافقا طلوع الشمس، ثم يمكن أن تجعل هذه الحال على هذا تحقيقية باعتبار وقوع الفعل فى زمن سابق، ويمكن أن تجعل تقديرية، كقولك: صائدا به غدا، بجامع ما بينهما من وقوع الحدث فى غير وقت حدث العامل.

وأما الجملة الاسمية فالمقارنة فيها قد اعترفوا بها، والحصول إذا كان موجودا فى الحال المفردة كيف لا يكون موجودا فى الجملة الاسمية، وكون المضارع للحال إن أريد لوقوعه حالا فكل حال كذلك، وإن أريد لكونه مضارعا فقط، فذلك إن سلم بالوضع لا لكونه ألحق بالحال المفردة، كما سأبينه فى موضعه - إن شاء الله تعالى - ثم كون المضارع للحال فقط محل منع، فإن قلت: إنه للحال إذا وقع حالا، قلنا:

فالماضى أيضا للحال إذا وقع حالا، فمعنى: جاء زيد وقد ضرب عمرا، جاء موصوفا بأنه ضرب عمرا، فإن قلت: هلا جاز: جاء زيد سيضرب، أى: موصوفا بأنه سيضرب

ص: 558

وأما ما جاء من نحو: قمت وأصكّ وجهه خ خ، وقوله [من المتقارب]:

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

ــ

كما جاز جاء، موصوفا بكونه ضرب، قلنا: لأن الموصوف بالماضى وصف بأمر قد ثبت واستقر فهو قوى؛ ولذلك ذهب قوم إلى أن إطلاق اسم الفاعل باعتبار الماضى حقيقة وباعتبار المستقبل ضعيف؛ ولذلك اتفقوا على أنه مجاز، وأورد عليه الشارح الخطيبى: الجملة الاسمية مثل: جاء زيد والشمس طالعة، فإنها إذا وقعت حالا خرجت عن الثبوت وصارت للتجدد، والذى قاله صحيح إلا أنه قاصر، والصواب أن يورد عليه كل حال وتمثيله بقوله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (1) برفع الراء صحيح وما ذكره هو الظاهر، وجوز الزمخشرى فيه. أن يكون أصله أن، فحذفت، فيظل عملها كما روى قوله:

ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغى (2)

ورد عليه بأن ذلك لا يجوز إلا ضرورة، وقد يمنع فقد قيل: به فى قوله تعالى:

وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ (3) وقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ (4) وفى قولهم: تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه ثم شرع المصنف فى تأويل ما لعله يتوهم أنه من ذلك، فقال: وأما ما جاء من نحو: قمت وأصك وجهه، ويروى عينه، وقول الشاعر وهو عبد الله بن همام السلولى:

فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (5)

(1) سورة المدثر: 6.

(2)

شطر بيت لطرفة بن العبد وتمامه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى.

والبيت فى المقاصد النحوية 4/ 402، والمقتضب 2/ 85، وشرح شذور الذهب 98.

(3)

سورة الروم: 24.

(4)

سورة الزمر: 64.

(5)

البيت من المتقارب، وهو لعبد الله بن همام السلولى فى إصلاح المنطق ص 231، وص 249، وخزانة الأدب 9/ 36، والدرر 4/ 15، والشعر والشعراء 2/ 655، ولسان العرب 13/ 188، (رهن)، ومعاهد التنصيص 1/ 285، والمقاصد النحوية 3/ 190، ولهمام بن مرة فى تاج العروس (رهن)، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص 164، ورصف المبانى ص 420، وشرح الأشمونى 1/ 256، وشرح ابن عقيل ص 340، والمقرب 1/ 155، وهمع الهوامع 1/ 246.

ص: 559

فقيل: على حذف المبتدأ، أى: وأنا أصكّ، وأنا أرهنهم.

وقيل: الأوّل شاذّ والثانى ضرورة.

وقال عبد القاهر: هى فيهما للعطف، والأصل: وصككت خ خ، ورهنت خ خ؛ عدل عن لفظ الماضى إلى المضارع؛ حكاية للحال.

ــ

واعلم أن هذه الرواية خلاف المشهور، والذى أنشده الجوهرى: وأرهنتهم مالكا، ونقل عن ثعلب أنه قال: الرواة كلهم على أرهنهم، على أنه يجوز رهنته وأرهنته إلا الأصمعى فإنه رواه: وأرهنهم واستحسنه ثعلب ذاهبا إلى أنه لا يقال: أرهنته، وإنما يقال: رهنته، وأنشده ابن سيده أيضا وأرهنهم فعلى الأول، قيل: على حذف المبتدأ التقدير: وأنا أصك وأنا أرهنهم فتكون الجملة اسمية.

وقيل: الأول: وهو أصك شاذ، والثانى: وهو أرهنهم ضرورة؛ لأن الضرورة تكون فى النظم لا فى النثر، وقال

عبد القاهر الجرجانى: ليست الجملة فى واحد منهما حالا؛ بل الواو للعطف أصله: قمت وصككت ونجوت ورهنت، وعدل إلى صيغة المضارع لحكاية الحال، وهذا جواب عن كونه وقع عطف المضارع على الماضى، وجعل ذلك كقوله:

ولقد أمر على اللئيم يسبنى

فمضيت ثمت قلت لا يعنينى (1)

فإنه أتى فيه بالفعل الماضى بصيغة المضارع لقصد حكاية الحال الماضية إلا أن المضارع هنا معطوف عليه وهناك معطوف ويدل لذلك استعمال الفاء التى لا ترتبط بها الحال مكان الواو فى مثله، كقول عبد الله بن عتيك:" فأهويت نحو الصوت

(1) البيت لعميرة بن جابر الحنفى فى الدرر 1/ 87، وشرح التصريح 2/ 11، وهو منسوب لشمر بن عمرو الحنفى فى الأصمعيات ص 126، ولعميرة بن جابر فى حماسة البحترى ص 171، وخزانة الأدب 1/ 357، 358، 3/ 201، 4/ 207، 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383، والخصائص 2/ 338، 3/ 330، وشرح شواهد الإيضاح ص 221، ولسان العرب 12/ 81 (ثم)، 15/ 296، (منى)، ودلائل الإعجاز ص 206، والإشارات والتنبيهات ص 40، والمفتاح ص 991، وشرح المرشدى 1/ 62، والتبيان 1/ 161 و" ثمت" حرف عطف لحقها" تاء" التأنيث، وقوله:" أمر" مضارع بمعنى الماضى لاستحضار الصورة، ورواية الكامل" فأجوز ثم أقول لا يعنينى"، والشاهد فى لام" اللئيم"؛ لأن المراد منه واحد غير معين.

ص: 560

وإن كان منفيّا: فالأمران؛

ــ

فأضربه (1) " وقد منع الخطيبى الشارح شذوذ قمت وأصك عينه مستدلا بقوله تعالى: يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (2) وهو فاسد؛ لأن قَدْ تَعْلَمُونَ المراد به المضى وعبر بالمضارع لاستصحاب الحال كما ذكره المفسرون وأيضا فالمضارع هنا مقرون بقد وقد نصوا على وجوب الواو حينئذ؛ لأن المضارع حينئذ ليس حالا محلّ اسم الفاعل؛ لأن قد تنافى ذلك، واستدل غيره على جواز ذلك بقوله تعالى: قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ (3) وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (4) وقول الشاعر:

علّقتها عرضا وأقتل قومها

زعما وربّ البيت ليس بمزعم (5)

وأجيب عن الجميع بتقدير مبتدأ محذوف أو أريد بالمضارع الماضى كما سبق.

ص: (وإن كان منفيا).

(ش): القسم الثانى: ما يجوز فيه إثبات الواو وتركها على السواء من غير ترجيح، وهى الجملة الحالية المصدرة

بمضارع منفى؛ لأن المانع من دخول الواو كما سبق مجموع كون الفعل المضارع دالا على الحصول والمقارنة، فأحد هذين الأمرين وهو المقارنة؛ لكونه مضارعا للحال المفردة موجودة فى المضارع المنفى، والأمر الآخر وهو الحصول ليس بموجود لكونه منفيا والنفى إعدام فلا حصول فلما زال جزء العلة وهو الحصول زال الامتناع فصار الإتيان بالواو جائزا لعدم علة المنع وتركها جائزا اكتفاء بربط الضمير.

(1) هذا من كلام عبد الله بن عتيك - رضى الله عنه - فى حديث قتله عبد الله بن أبى الحقيق اليهودى، أخرجه البخارى فى" المغازى"، باب: قتل أبى رافع عبد الله بن أبى الحقيق

(7/ 396، 395)، (ح 4039)، وفيه يقول عبد الله:" فقلت: أبا رافع. قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنيت شيئا

" الحديث.

(2)

سورة الصف: 5.

(3)

سورة البقرة: 91.

(4)

سورة الحج: 25.

(5)

البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص 191، وجمهرة اللغة ص 816، وخزانة الأدب 6/ 131، وشرح التصريح 1/ 392، ولسان العرب 12/ 267 (زعم)، والمقاصد النحوية 3/ 188، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 356 وشرح الأشمونى 1/ 256، ومجالس ثعلب 1/ 241.

ص: 561

كقراءة ابن ذكوان: فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ (1) بالتخفيف،

ــ

(قلت): إذا تأملت ما تقدم من الأمثلة اتجه لك المنع هنا ثم لو سلمنا ما تقدم تنزلا فنقول: قولك: إن الفعل المنفى ليس فيه دلالة على الحصول؛ لكونه منفيا مسلم ولكن المضارع المنفى ليس فيه حكم بانتفاء الحدث عن الحال، فإذا قلت: زيد لا يقوم فقد حكمت بانتفاء قيامه فى الحال فإذا قلت: جاء زيد لا يضرب عمرا فمعناه جاء زيد غير ضارب لعمرو وهو قد قرر أن الحال المفردة على الإطلاق تدل على الحصول والمقارنة، فقولك: جاء زيد غير ضارب، إن لم يكن دالا على الحصول فسدت قاعدته ووجب تخصيص قوله: إن الحال المفردة دالة على الحصول، وإن كان" جاء زيد غير ضارب" دالا على الحصول فليكن جاء زيد لا يضرب عمرا كذلك، ثم إن الحصول إذا لم يكن فى الفعل المنفى يلزم منه أن لا يكون الحصول فى الحال المفردة إذا كان عاملها منفيا، نحو: ما جاء زيد ضاربا؛ لأن صفة غير الحاصل غير حاصلة والتحقيق ما ذكرناه، ووجهه أن معناه:

يرجع إلى الكف عن الفعل كما تقول: المطلوب بالنهى فعل وهو الكف، فقولك: جاء زيد غير قائم، معناه: كافا عن

القيام، وكذلك: جاء زيد لا يقوم، ولو مشينا على إطلاقه لامتنع: جاء زيد فاقدا لكذا أو عادما له، ولا يمنع ذلك أحد.

وقولهم: العدم لا يتجدد، عنه أجوبة:

الأول: أن يجعل الحال مصروفا إلى الكف، كما سبق.

الثانى: أنه قد يقال: إن العدم فى كل وقت غير العدم فى الذى قبله.

الثالث: أن عدم الموجود يتجدد قطعا، كقولك: صار زيد لا يتكلم بعد أن كان متكلما، فقد أخبرت هنا بتجدد العدم حقيقة، والذى ذكره جمهور النحاة أن المضارع المنفى بلا هو كالمضارع المثبت، فلا تدخله الواو وإنما المصنف تبع المفصل، وقد استشهد المصنف لثبوت الواو بقوله تعالى: فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ بالتخفيف فإنها قراءة ابن ذكوان، وهى إحدى قراءتيه. وقيل: هو خبر فى معنى النهى، ولذلك استدل غيره بقوله تعالى:

وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (2) وقد تأولوا ذلك كله على ما تأولوا عليه الأبيات من تقدير مبتدأ فلا دلالة فيه حينئذ، وأنشد المصنف فى الإيضاح:

(1) سورة يونس: 89.

(2)

سورة البقرة: 119.

ص: 562

ونحو: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (1)؛ لدلالته على المقارنة؛ لكونه مضارعا، دون الحصول؛ لكونه منفيّا.

وكذا إن كان ماضيا لفظا أو معنى؛ كقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ (2) وقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (3)،

ــ

بغانى مصعب وبنو أبيه

فأين أحيد عنهم لا أحيد

أقادوا من دمى وتوعّدونى

وكنت وما ينهنهنى الوعيد (4)

ومحل الشاهد البيت الثانى لا الأول، فإن" لا أحيد" ليس جملة حالية، وكذلك أنشد:

أكسبته الورق والبيض أبا

ولقد كان ولا يدعى لأب (5)

وأنشده ابن الزملكانى وغيره: أكسبته الزرق، والبيض أبا. أراد: الرماح، والسيوف، ويحتمل أن يكون حذف المبتدأ، واستدل المصنف على تركها بقوله تعالى:

وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وهو غنى عن الاستدلال؛ لكثرته، وللإجماع عليه، وألحق السكاكى المضارع المنفى بما بالمنفى بلا وهو أولى لدلالتها على الحال.

(سؤال) كيف يجتمع قول سيبويه إن الفعل المضارع إذا نفى بلا يختص به المستقبل وقوله: إن المضارع المنفى بلا يقع حالا، وقوله وقول غيره: إن الجملة المفتتحة بدليل استقبال لا تقع حالا.

ص: (وكذا إن كان ماضيا إلى آخره).

(ش): يعنى إذا كان الماضى لفظا أو معنى جاز الأمران من غير ترجيح فإثبات الواو كقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ. وتركها كقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ وهما مثالان للماضى لفظا ومعنى: أما حصرت فواضح، وأما بلغنى فلأنها حال من اسم يكون، وهو مستقبل المعنى فهو ماض بالنسبة

(1) سورة المائدة: 84.

(2)

سورة آل عمران: 40.

(3)

سورة النساء: 90.

(4)

البيتان من الوافر، وهما لمالك بن رقية فى شرح التصريح 1/ 392، والمقاصد النحوية 3/ 192، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 257.

(5)

البيت من الرمل، وهو لمسكين الدارمى فى ديوانه ص 22، وسمط اللآلى ص 352، وشرح التصريح 1/ 392، والمقاصد النحوية 3/ 193، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى 1/ 257.

ص: 563

وقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (1)، وقوله: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (2)، وقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ (3):

أما المثبت: فلدلالته على الحصول؛ لكونه فعلا مثبتا، دون المقارنة؛ لكونه ماضيا؛ ولهذا شرط أن يكون مع (قد) ظاهرة أو مقدّرة.

ــ

إلى وقت كون الولد على أحد الاحتمالين الآتيين، والأول معه قد دون الثانى، ثم استشهد للماضى معنى لا لفظا بالمضارع المجزوم بلم كقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ فقد ثبتت الواو، وقوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ فقد استعمل بغير واو وفيه نظر؛ لاحتمال أن تكون الجملة خبرية وقطعت لقصد الاستئناف أو بدلا والمجزوم بلما كقوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وقد تضمن كلامه أن المضارع المنفى بلا أو لم أو لما، والماضى كل منهما يجوز فيه دخول الواو وتركها على السواء، فأما المنفى بلا فقد تقدم، وأما الماضى فقد أطلقه المصنف، ولكنه لا يريد الإطلاق بل يريد الماضى

المثبت كما سيأتى فى تعليله، وقد ادعى المصنف أنه يجوز فيه ترك الواو وذكرها، وعلل ذلك بأنه دال على الحصول دون المقارنة، فهو كالمضارع المنفى فى أنه اشتمل على أحد الأمرين الموجودين فى المضارع المثبت، وهو الحصول دون المقارنة، كما أن المضارع المنفى اشتمل على أحد الأمرين، وهو المقارنة دون الحصول فقد تساوى الماضى والمضارع المنفى فى أن كلا منهما وجد فيه جزء المقتضى لامتناع الواو، فلم يترتب حكم امتناع الواو، أما دلالة الماضى على الحصول فلأنه فعل مثبت، وأما عدم دلالته على المقارنة فلأنه ماض.

(قلت): قد تقدم ما يرد عليه والفعل الماضى الواقع حالا دال على مقارنته أو مقارنة الوصف به لزمن عامله، فإذا قلت: جاء زيد أمس وقد ضرب عمرا كان معناه أن الضرب أو الوصف مقترن بزمن المجئ، وكذلك سيجئ زيد وقد ضرب عمرا (قوله: ولهذا شرط أن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة) قال فى الإيضاح: حتى تقربه إلى الحال فيصح وقوعه حالا.

(1) سورة مريم: 20.

(2)

سورة آل عمران: 174.

(3)

سورة البقرة: 214.

ص: 564

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(قلت): ليت شعرى كيف يكون تقريب الفعل من الحال يصحح وقوعه حالا والفرض أن المصنف لا يجعل مضمون الفعل الماضى واقعا مع الحال؟ فإذا لم يكن واقعا فماذا يجدى قربه؟ وكأنه لاحظ أنه لما قرب من وقت العامل فى الحال صار كأنه واقع وهذا لا يجدى شيئا؛ لأن العقل قاض بأن الحال لا بد من مقارنتها فالصواب ما قدمناه من أن قولنا: جاء زيد وقد ضرب عمرا، أن معناه اقتران الضرب بالمجئ أو اقتران الوصف السابق بالضرب، ثم يلزم أن تكون هذه حالا مقدرة وليس كذلك، وما ذكرناه من احتمال جاء زيد وقد ضرب لأن يكون الضرب موجودا مع المجئ أو سابقا عليه، والمقارن هو الوصف قريب من احتمالين ذكرهما الوالد رحمه الله فى قولك: كان زيد قد قام، هل معناه كان أمس قد قام أمس، أو كان أمس قد قام قبله، واختار الأول، والله أعلم.

وما ذكره المصنف من اشتراط قد ظاهرة أو مقدرة هو أحد قولين. ونقل شيخنا أبو حيان عن الجمهور، وعن الكوفيين، والأخفش أن قد لا تقدر بل قد يخلو اللفظ منها لفظا وتقديرا كقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (1) وقوله تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا (2) وقال: إنه الصحيح ثم يستثنى مما ذكره قولهم: لأضربن زيدا ذهب أو مكث فلا تدخل عليه الواو ولا قد، ويستثنى من قوله: إن قد تدخل ما إذا كان الماضى أداة نفى وهو" ليس" فلا تدخل عليه

قد، ولا يستوى فيه الأمران بل يترجح ذكر الواو، وهى كما سبق واردة على قوله: إن الفعل دال على الحصول لأنها لا تدل على حدث إلا أن يقال: هى دالة على حصول خبرها، هذا حكم المثبت الماضى لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا، وأما الماضى لفظا لا معنى فقد دخل فى كلامه، ولا تكاد تجد له مثالا، والظاهر أنه فاسد؛ لأنه إذا كان ماضيا لفظا فقط كان للاستقبال فلا يصح؛ لأن الحال لا يصح أن يراد بها الاستقبال إلا فى المقدرة أو للحال فى الإنشاء، والإنشاء لا يقع حالا، وإن سلمنا صحة ذلك امتنعت الواو فيه كقولهم: لأضربنه ذهب أو مكث. فإنهم قالوا: معناه ذاهبا أو ماكثا، فكأنهم أرادوا وهو ذاهب أو ماكث.

(1) سورة النساء: 90.

(2)

سورة يوسف: 65.

ص: 565

وأما المنفىّ: فلدلالته على المقارنة دون الحصول:

أما الأول: فلأنّ (لمّا): للاستغراق، وغيرها (1): لانتفاء متقدّم مع أن الأصل استمراره، فيحصل به (2) الدلالة عليها (3) عند الإطلاق؛ بخلاف المثبت: فإنّ وضع الفعل على إفادة التجدد، وتحقيقه: أنّ استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب، بخلاف استمرار الوجود.

وأما الثانى (4): فلكونه منفيّا.

ــ

على أنا لا نسلم أنهم أرادوا ذلك، بل أرادوا موصوفا بذهاب سابق أو بمكث سابق، ولا يصح حمله على الماضى فى الجملة الشرطية نحو: جاء زيد إن أكرمته أكرمنى؛ لأنا إن جوزناه وجبت الواو، وأيضا فالذى يجعل حالا فى المعنى هو الارتباط لا مضمون الماضى لفظا.

(قوله وأما المنفى) دخل فيه الماضى لفظا ومعنى وهو منفى، مثل: جاء زيد ما ضرب عمرا، ودخل فيه الماضى معنى فقط، وهو الذى مثل له بنحو وَلَمْ يَمْسَسْنِي * ويرد عليه أيضا الماضى لفظا فقط وحاصل ما ذكره أن ما قرره من كون المنفى ليس فيه حصول، والماضى ليس فيه حال يقتضى وجوب الواو فى الماضى المنفى لانتفاء المعنيين؛ لأنه لم يشابه الحال المفردة فى واحد من معنييها بخلاف المثبت فإنه يشابهها فى الحصول فاستحق عدم الواو، ولم يشابهها فى الدلالة على المقارنة فاستحق الواو بخلاف المضارع المنفى فإنه شابهها فى المقارنة، ولم يشابهها فى الدلالة على الحصول؛ فجاز الأمران فيه أما الماضى المنفى فقد بعد كل البعد عن الحال المفردة، فينبغى أن تجب الواو لكنه لم يجب فيه ذلك، بل كان مثله، أما المنفى بلما فلأنها لاستغراق الأزمنة؛ لأنها تدل على

اتصال نفيها بالحال، وأما المنفى بغيرها كقولك: جاء زيد ولم يضرب عمرا، وقولك: وما ضرب عمرا؛ فلأنه وإن دل على الانتفاء فى زمن متقدم فالأصل استمرار ذلك الانتفاء فصار كالدال على الانتفاء المتصل مثل" لما" فحصلت فى كل من الثلاثة الدلالة على المقارنة فصار كالمضارع المنفى. قال: (وأما الثانى) أى: وأما أنه لا يدل على الحصول (فلكونه منفيا) كما تقدم تقريره فى المضارع المنفى.

(1) أى: غير (لما) مثل (لم وما).

(2)

أى: بالنفى المستمر.

(3)

أى: على المقارنة.

(4)

أى: عدم دلالته على الحصول.

ص: 566

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(قلت) ما ذكره فى الماضى معنى نحو: لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (1) هو الصحيح خلافا لابن خروف فإنه أوجب الواو على حذف المبتدأ والمنفى بلما كذلك كما قاله يجوز بالواو وغيرها، ومجيئه بالواو هو الكثير، وأما بغير واو فقال ابن مالك فى باب الحال: إنه لم نجد له مثالا. وقد أنشد هو فى أول شرحه للتسهيل:

فقالت له العينان سمعا وطاعة

وحدّرتا كالدّرّ لما يثقب (2)

وأما كون" لما" تدل على الاستمرار فإنما كان لأن النكرة فى سياق النفى للعموم، وذلك موجود فى جميع أدوات النفى، غير أن" لما" تدل على اتصال النفى بالحال فنفيها بالنسبة إلى الحال أظهر من نفيها بالنسبة إلى ما قبله بخلاف" لم" فإن دلالتها على جميع الأزمنة على السواء، فقولهم: إن" لم" تدل على نفى الفعل فى زمن ما، والأصل عدم استمراره ليس بجيد، بل تدل على النفى فى جميع الأزمنة، ثم لو سلمناه فقولهم: إن" لما" يشترط اتصال نفيها لا يقتضى الاستغراق، بل يقتضى تقييد مطلق النفى بما قبل الحال وذلك لا يقتضى الاستغراق، والحق أن أدوات الشرط كلها موضوعة للاستغراق غير أن" لما" دلالتها على نفى ما اتصل بالحال أقوى من دلالتها على غيره، وقد قال ابن الحاجب فى مقدمته للنحو: إن" لم يقم" لا يدل على الاستمرار بخلاف" لما" وما ذكره ممنوع ومخالف لما ذكره هو فى أصول الفقه، فإن قلت نحو قوله تعالى:

عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (3) لم يعم الأزمنة. قلت: عام مراد به الخصوص، ثم بعد تسليم ذلك مقصوده غير حاصل فإن الماضى المنفى يدل على اتصال النفى بالحال، ولا تلزم المقارنة فإن الاتصال يستدعى استمرار ذلك إلى وقت العامل، وأما المقارنة فتستدعى أن يكون معه وليس فى الفعل ما يدل عليه إلا بضميمة أن الأصل الاستمرار

فحينئذ استوت" لما" و" لم".

(قوله: والتحقيق) أى: تحقيق الفرق بين الماضى المثبت، والماضى المنفى - أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب؛ لأن استمرار العدم عدم، والعدم لا يفتقر إلى سبب

(1) سورة آل عمران: 174.

(2)

البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (قول)، وتاج العروس (قول).

(3)

سورة العلق: 5.

ص: 567

وإن كانت اسمية: فالمشهور جواز تركها؛

ــ

فإذا حصل فالأصل استمراره بخلاف استمرار الوجود، فإنه يفتقر إلى سبب لأن أصله وهو الوجود يحتاج إلى سبب، وأورد عليه أنه إن أراد أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب أصلا فذلك باطل؛ لأن عدم الممكن يفتقر إلى انتفاء علة الوجود؛ إذ لو تحققت لتحقق الوجود فاستمرار العدم يفتقر إلى استمرار انتفاء علة الوجود. (قلت): عدم المانع لا يكون مقتضيا، فعلة الوجود مانع من العدم فكيف يقال: انتفاء علة الوجود سبب للعدم؟! قال: وإن أراد أنه لا يفتقر إلى سبب جديد غير سبب العدم فذلك باطل فيما يكون عدمه على سبيل التجدد.

(قلت): هذا صحيح وقد تقدم ويمكن أن يجاب عنه بأن عدم الشئ بعد وجوده لا يتوقف على سبب بل الوجود يزول بزوال المقتضى له، وهو الإيجاد، فيحصل العدم لا لحصول سببه، بل لزوال مقتضى الوجود. قال: وأما الثانى: وهو عدم دلالته على الحصول فلكونه منفيا كما تقدم فى المضارع المنفى.

ص: (وإن كانت اسمية إلى آخره).

(ش): إذا كانت الحال جملة اسمية، قال: فالمشهور جواز تركها، يشير إلى أنه يجوز الأمران وهو المشهور وهما فصيحان، وذهب الفراء إلى أن ترك الواو نادر وتبعه ابن الحاجب، والزمخشرى، وقال: إن تركها خبيث. وقال الشيخ أبو حيان: إنه رجع عنه، ومستند الشيخ فى ذلك أنه جوز فى قوله تعالى: وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ (1) أن تكون جملة حالية وأيضا قال فى سورة الأعراف: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (2) فى موضع الحال أى متعادين إلا أن هذه الآية قد لا تنقض قاعدته؛ لأنها كقولهم كلمته فوه إلى فىّ. وقد قال ابن الحاجب: معناه مشافها، والوجه أنه لما كثر استعمالها حتى علم منه معنى المشافهة من غير نظر إلى التفصيل، حتى يفهم ذلك من لا يحضر بباله مفرداتها صارت كالمفرد. قال الطيبى: قلت: وهو يؤدى إلى أنه إن صح أن تنتزع من طرفى الجملة هيئة تدل على مفرد جاز، وإلا فلا

مثل: جاءنى زيد هو فارس، ثم نقول: كل جملة حالية لا بد أن ينحل منها مفرد، لكنه قد يقرب وقد يبعد. وأما قوله تعالى:

أَوْ هُمْ قائِلُونَ (3) فسيأتى - إن شاء الله تعالى، وذهب الأخفش إلى أنه إن كان خبر

(1) سورة الزمر: 60.

(2)

سورة البقرة: 36.

(3)

سورة الأعراف: 4.

ص: 568

لعكس ما مرّ فى الماضى المثبت؛ نحو: كلّمته فوه إلى فىّ.

ــ

المبتدأ اسما مشتقا وقد تقدم وجب تركها كقولك: جاء زيد حسن وجهه، فلا يجوز، وحسن وجهه، وإن تأخر اكتفى بالضمير نحو: جاء زيد وجهه حسن، وتجوز الواو، وقد تمتنع الواو فى الاسمية إذا عطفت على حال نحو: فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (1).

(قلت): قال الزمخشرى هنا: إن ترك الواو خبيث، وإنما حسن هنا حتى لا يجتمع حرفا عطف يعنى أن واو الحال أصلها العطف كما سبق تقريره، وإنما تركت هنا حتى لا يجتمع حرفا عطف، وما ذكره إنما أحوجه إليه إنكاره ترك الواو، وليس بصحيح. قال بعضهم: وفى العلة التى قالها نظر؛ فإنه لا يقبح الجمع بين حرفى عطف مختلفى المعنى، ولا يقبح أن تقول: سبح الله وأنت راكع أو وأنت ساجد، ثم علل المصنف جواز دخول الواو وتركها بقوله:(لعكس ما مر فى الماضى المثبت) يعنى أنها عكس كعكس الماضى المنفى فإن الجملة الاسمية تدل على المقارنة لأنها ليست ماضية، ولا تدل على الحصول لأن الدال على الحصول أى التجدد إنما هو الفعل المثبت، وهذه منفية، وليست فعلا وهذا يلجئ إلى أن المقارنه المستفادة من المضارع إذا كان حالا من كونه لا لكونه مضارعا وهو خلاف ما مر، ثم هو منتقض بالاسمية إذا كان خبرها فعلا نحو: جاء زيد وأبوه يقوم، فإنها دالة على الحصول والمقارنة فيلزم أن تمتنع الواو، والمصنف قد مثل بجملة اسمية خبرها فعل وهى قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2) ويرد عليه أيضا نحو: بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (3) فإنه يجب فيه ترك الواو مع العلة المذكورة، وسيأتى وينتقض بنحو: جاء زيد وهو ما ضرب عمرا؛ فإنه لا يدل على حصول ولا مقارنة على ما زعم المصنف.

(تنبيه): لك فى نحو قوله تعالى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ (4) أن تجعل الواو فى" ولكم" عاطفة، ويكونان حالا واحدة، وأن تجعلها واو الحال ويكونان حالين مستقلين، كقولك: جاء زيد راكبا لابسا.

(1) سورة الأعراف: 4.

(2)

سورة البقرة: 42.

(3)

سورة الأعراف: 4.

(4)

سورة البقرة: 36.

ص: 569

وأنّ دخولها أولى؛ لعدم دلالتها على عدم الثبوت، مع ظهور الاستئناف فيها، فحسن زيادة رابط؛ نحو: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1).

وقال عبد القاهر: إن كان المبتدأ ضمير ذى الحال، وجبت، نحو: جاءنى زيد، وهو يسرع أو وهو مسرع خ خ، وإن جعل نحو: على كتفه سيف حالا كثر فيها تركها؛

ــ

(قوله: وأن دخولها أولى) أى: والمشهور أن دخولها أولى من تركها (قوله: لعدم دلالتها على عدم الثبوت) تعليل لجواز الواو، أى لكونها ليست فعلا؛ لأن الدال على عدم الثبوت هو الفعل، وقوله: مع ظهور الاستئناف فيها تعليل لكون دخولها أولى، فإنه لما قرر أنها دالة على المقارنة دون الحصول، وقدم أن الفعل المضارع المنفى كذلك لزمه أن يكون الأمران على السواء، كما هما فى الفعل المضارع، ففرق بينهما بأن هذه الجملة الاسمية الاستئناف فيها ظاهر لاستقلالها بالفائدة، وعلل هذا بأن الجملة الأولى فعلية أو فى حكمها، وهذه اسمية فلا تناسبها؛ فلذلك كان ذكر الواو فيها أولى؛ لأنها لما استقلت حسن زيادة ربطها بالواو والضمير معا.

(قلت): قد يعارض هذا بأن نوع دلالة المضارع على المقارنة باللفظ إذا قلنا بما فرع عليه من كونه موضوعا للحال فهو يدل على المقارنة تضمنا بخلاف دلالة الجملة الاسمية على الحال، ومثال ذكرها قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ومثال تركها قوله: كلمته فوه إلى فىّ، ومنه قول بلال - رضى الله عنه:

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة

بمكة حولى إذخر وجليل (2)

كذا أنشده الجوهرى ولكن فى البخارى بواد وحولى، ثم ذكر عن الجرجانى تفصيلا فقال: وقال عبد القاهر: إن كان المبتدأ ضمير ذى الحال أى: صاحب الحال وجبت الواو، سواء أكان الخبر اسما أو فعلا نحو: جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع؛ لأن الفائدة كانت حاصلة بقوله: يسرع من غير ذكر الضمير فالإتيان به يشعر بقصد الاستئناف المنافى

(1) سورة البقرة: 22.

(2)

البيت من الطويل، وهو لبلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم فى لسان العرب، (فخخ)، (جلل)، (شيم)، (حنن)، وجمهرة اللغة ص 102، وتاج العروس (فخخ)، (جلل)، (شيم)، وبلا نسبة فى لسان العرب (جنن)، وكتاب العين 6/ 18، ومقاييس اللغة 1/ 419، ومجمل اللغة 1/ 395، وديوان الأدب 1/ 274، وتاج العروس (حنن).

ص: 570

نحو [من الطويل]:

خرجت مع البازى علىّ سواد

ــ

للاتصال فلا يصلح الضمير حينئذ أن يستقل بإفادة الربط فتجب الواو، ثم نقل عنه أيضا تفصيلا آخر وهو أنك إذا قلت: جاء زيد على كتفه سيف، على أن يكون: على كتفه سيف حالا، كثر فيه ترك الواو. يعنى إذا كان الخبر ظرفا مقدما، كقول بشار:

خرجت مع البازى على سواد (1)

إذا أنكرتنى بلدة أو نكرتها

يعنى إذا أنكرنى أهل بلدة، خرجت مع الصبح على بقية من الليل، والبازى الصبح كذا قالوه، وقد يقال: كيف يجتمع أن يكون خرج مع الصبح عليه بقية من الليل؟

والليل ينقضى بطلوع الصبح، إلا عند من يقول: الليل إلى الشمس، وكذا قوله:

فى رأس غمدان دارا منك محلالا (2)

واشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا

وغمدان: قصر باليمن على وزن غفران، هو مبنى على أربعة أوجه: أحمر، وأخضر، وأبيض، وأصفر. وداخله قصر على سبعة سقوف، بين كل سقفين أربعون ذراعا، ويرى ظله، إذا طلعت عليه الشمس من ثلاثة أميال. والمحلال: بمعنى المنزل صيغة مبالغة.

واعلم أن الزمخشرى وعبد القاهر لما رأيا حذف الواو كثيرا، فى نحو: جاء زيد على كتفه سيف، أخرجاه عن كونه جملة اسمية حالية. أما الزمخشرى؛ فلأنه يرى وجوب الواو فى مثله، وأن تركه قبيح.

وأما الجرجانى؛ فلأنه يرى أنهما سيان، أو الذكر أكثر. فلو كانت اسمية، لاستوى فى نحوه ترك الواو واستعمالها؛ فلذلك جعلا التقدير: مستقرا على كتفه سيف.

وسيف: فاعلا به، وعمل لاعتماده على ما قبله. واختار أن يكون الظرف هنا فى تقدير اسم الفاعل، وإن كان فى غيره، يقدره بالفعل كما أفهمه من قوله فى الإيضاح

(1) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 136، والبيت من قصيدة قالها خالد بن جبلة الباهلى، مطلعها:

أخالد لم أخبط إليك بنعمة

سوى أننى عاف وأنت جواد

ديوانه 3/ 49، والدلائل ص 157، والتبيان ص 120.

(2)

البيت من البسيط، وهو لأمية بن أبى الصلت الثقفى، وقيل: بل هو للنابغة الجعدى وهذا خطأ، انظر الأغانى (17/ 301، 302)، ويروى:" مرتفقا" بدلا من" مرتفعا".

ص: 571

ويحسن الترك: تارة لدخول حرف على المبتدأ؛ كقوله [من الطويل]:

فقلت: عسى أن تبصرينى كأنما

بنىّ حوالىّ الأسود الحوارد

ــ

هنا خاصة. وإنما اختار تقديره هنا باسم الفاعل؛ لأن فيه رجوع الحال إلى أصلها من الإفراد؛ فلذلك كثر مجيئها بغير واو.

(قلت): وإذا علمت ذلك، علمت أن ما أوهمه كلام المصنف من أن الجرجانى يفصل فى الجملة الاسمية غير صحيح؛ لأن هذا القسم عنده ليس بجملة، فليس قسمان من الجملة الاسمية. وجوز الجرجانى أن يكون فى تقدير فعل ماض مع قد أى: استقر على كتفه سيف لأنه جاء بالواو قليلا، كذا قال المصنف (قلت): الفعل الماضى بقد لا يقل فيه وجود الواو فكيف يجعل قلة مجئ الواو ملحقة بالفعل الماضى المثبت فكأن المصنف قصد التعليل بورودها بالواو وغفل عن قيد القلة، ثم يرد عليه أيضا أن هذا ليس تقسيما للجملة الاسمية بل يجعلها فعلية لا اسمية ومنع عبد القاهر تقديرها بفعل مضارع لأنه لا يستعمل الواو فى المضارع المثبت أن لو صرح به فالمقدر كذلك. (قلت):

ونحن إذا قلنا: زيد فى الدار، إنما نقدره ماضيا لا مضارعا: ما لم يدل على المضارع دليل من ضرب مستقبل، أو غيره. فلا حاجة إلى تعليل منع هذا. وقد ذهب كثيرون إلى أن الجملة فى نحو ما نحن فيه اسمية حالية.

ص: (ويحسن الترك تارة إلى آخره).

(ش): هذا من جملة المنقول عن عبد القاهر، يريد أن الجملة الاسمية وإن حسن فيها إتيان الواو، فقد يحسن تركها لعارض يعرض.

فمن ذلك: أن يدخل حرف غير الواو على المبتدأ، كقوله:

فقلت: عسى أن تبصرينى كأنما

بنى حوالىّ الأسود الحوارد (1)

فدخول" كأنما" على" بنى" وهو مبتدأ، أوجب لها استحسان ترك الواو؛ لكيلا يتوارد على الجملة حرفان.

(1) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 346، وفيه:" اللوابد" مكان" الحوارد"، ومجمل اللغة 2/ 56، وأساس البلاغة (حرد)، والحيوان 3/ 97، ومعاهد التنصيص 1/ 304، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص 501، ومقاييس اللغة 2/ 52، ورواية صدره:

لعلك يوما أن ترينى كأنما

ص: 572

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد جعل منه قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (1) ولعله ترك الاستشهاد به، لأنها قد لا تكون حالية بل مستأنفة، وبنى هو المبتدأ أصله: بنوى، مثل: أو مخرجى هم، والأسود الخبر، وحوالى: ظرف مكان فى موضع نصب على الحال، والعامل فيها ما دل عليه معنى كأن كما فى قوله:

كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى (2)

وجوز فيه أن يكون صفة لأسود، ويقدر العامل فيه اسم فاعل، أى الأسود المستقرين حوالى، أو حالا من الأسود، أى: الأسود مستقرين فى جوانبى، أو حالا فقط إن قدرت العامل فعلا أى: الأسود يستقرون حوالى. والحوارد: من حرد أى غضب حردا وحردا بتسكين الراء وتحريكها فهو حارد وحردان، ولعله جمع لجماعة حاردة، كما تقدم فى عواذل، كذا قيل، ولا حاجة إلى التأويل، فإنه جمع جائز مثل: صواهل ونجوم طوالع، كما سبق.

وقد وردت الواو فى المصدرة بكأن، كقولهم: جاء وكأنه أسد. قال بعضهم: هذا بناء على أن كأن مركبة من كاف التشبيه وأن؛ لأنه حينئذ كالجار والمجرور، وقد عرف أن الترك فيه أكثر، وإن لم يقل به فلعل السبب ما تقدم من اجتماع حرفين.

واعلم أن إطلاقه أن الجملة الاسمية يحسن فيها ترك الواو، يدخل فيها غير كأن من الحروف مثل: أن، كقوله:

ما أعطيانى، ولا سألتهما

إلّا وأنّى لحاجزى كرمى (3)

فقد استعملت بالواو وبغير واو، كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ (4) ولا التبرئة، كقوله تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (5).

(1) سورة البقرة: 101.

(2)

البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص 38، وفى الإشارات ص 182، وفى دلائل الإعجاز ص 95.

(3)

البيت من المنسرح، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص 273، وتخليص الشواهد ص 244، والكتاب 3/ 145، والمقاصد النحوية 2/ 308، وبلا نسبة فى الدرر 4/ 13، وشرح الأشمونى 1/ 138، وشرح ابن عقيل ص 180، وشرح عمدة الحافظ ص 277، والمقتضب 2/ 346، وهمع الهوامع

1/ 246.

(4)

سورة الفرقان: 20.

(5)

سورة الرعد: 41.

ص: 573

وأخرى (1) لوقوع الجملة الاسمية بعقب مفرد؛ كقوله (2)[من السريع]:

والله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم

ــ

ص: (وأخرى لوقوع الجملة إلى آخره).

(ش): يستحسن ترك الواو إذا وقعت عقب مفرد، يريد عقب حال مفردة، فيلطف موقعها بخلاف ما إذا أفردت، وذلك كقول ابن الرومى:

فالله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم (3)

وقد جوز فى برداك أن يكون حالا متداخلة لا مترادفة، فلا يأتى ما ذكره عبد القاهر. وقوله: وقعت عقب مفرد، يدخل فيه ما لو عطفت على حال مفرد، نحو فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فإنها عقب مفرد ولا اعتداد بالعاطف، وليس ترك الواو حينئذ حسنا. وقد قال الشيخ أبو حيان: إن الواو فيه واجبة إلا أن يقال:

الواو فاصلة فليس عقبه. وفيه نظر فإن المعتبر إنما هو اعتمادها على المفرد، فتستغنى به عن الواو؛ لعدم الاستقلال. وهذا المعنى موجود وإن فصل العاطف بينهما.

(تنبيه): قال المصنف فى الإيضاح: هذا كله إذا لم يكن صاحب الحال نكرة مقدمة عليها، بأن يكون معرفة، أو نكرة وأخر فإن كان نكرة مقدمة نحو: جاءنى رجل وعلى كتفه سيف، وجبت الواو، لئلا يشتبه الحال بالنعت.

(قلت): هذا لا يصح بناء على رأى الزمخشرى الذى تبعه المصنف فيه من أن الصفة تعطف على الموصوف، وقد تقدم الكلام عليه، وأنه غير صحيح.

(تنبيه): بقى من الأقسام: الجملة الشرطية نحو: جاء زيد، وإن يسأل يعط. والواو فيها لازمة خلافا لابن جنى؛ وهى ماشية على قاعدة المصنف، فإنه ليس فيها حصول ولا مقارنة؛ فلذلك لزمت الواو؛ لبعدها عن المفردة بزوال كل من خاصيتها. وقد جزم الشيخ أبو حيان فى الارتشاف: بأن الجملة الشرطية تقع حالا. وقال الزمخشرى فى قوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ (5) الجملة الشرطية حال. وقال المرزوقى: قد يكون فى الحال معنى الشرط كما يكون فى الشرط معنى الحال، نحو: لأقتلنه كائنا من كان انتهى.

(1) أى ويحسن الترك تارة أخرى.

(2)

البيت لابن الرومى.

(3)

البيت لابن الرومى على بن العباس بن جريح الشاعر العباسى.

(4)

سورة الأعراف: 4.

(5)

سورة الأعراف: 176.

ص: 574