المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبواب علم المعانى: - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌أبواب علم المعانى:

وينحصر فى ثمانية أبواب:

1 -

أحوال الإسناد الخبرىّ. 2 - أحوال المسند إليه.

3 -

أحوال المسند. 4 - أحوال متعلّقات الفعل.

5 -

القصر. 6 - الإنشاء.

7 -

الفصل والوصل. 8 - الإيجاز والإطناب والمساواة.

لأنّ الكلام إمّا خبر، وإما إنشاء، لأنه:

إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه: فخبر، وإلا: فإنشاء.

والخبر: لا بدّ له من مسند إليه، ومسند، وإسناد.

ــ

وأما بالعلة الغائية والفاعلية والصورية فكيف يمكن؟ إلا إذا فرض أن ذلك الفاعل وتلك الغاية وتلك الصورة خاصة، لازمة، غير موجودة بغير المحدود؛ فيكون ذلك تعريفا رسميا واعلم أن الترمذى قال: إن علم العرب إنما خرج بقوله: (ليحترز بها

إلخ)، لأن علمهم بطبعهم، وكل ما يكون كذلك لا يكون لغرض؛ لأن الأغراض إنما تكون فى الأفعال الاختيارية؛ لا فى الأفعال التى بسبب الطبيعة. وفيه نظر؛ لأن الأفعال التى لا لغرض هى أفعال الطبيعة المذكورة فى علم الحكمة، وهى مبدأ الأفعال الذاتية للأجساد، من غير شعور؛ كالقوة للحجر. والمراد بالطبيعة هنا: هى الفطرة التى جبلت العرب عليها؛ من التمكن من الكلام، من غير احتياج إلى تفكر وتدقيق نظر وتعلم.

‌أبواب علم المعانى:

ص: (وينحصر

إلخ).

(ش): عبارة الإيضاح (وينحصر المقصود منه) وهما متقاربتان فى المعنى، وهذا العلم ينحصر فى ثمانية أبواب. قالوا: ودليل الحصر أن الكلام إما خبر أو إنشاء، لما سيأتى، والخبر لا بد له من إسناد، ومسند، ومسند إليه؛ فهذه ثلاثة أبواب. والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا مثل:(ضرب)، أو ما فى معناه؛ كاسم الفاعل، كقولك:

(أضارب زيد) وهذا الباب الرابع.

ثم كل من التعلق والإسناد إما بقصر أو بغير قصر؛ وهذا الخامس. والإنشاء هو الباب السادس. ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فالثانية إما معطوفة على الأولى، أو غير معطوفة، وهما الفصل والوصل فهذا الباب السابع. ثم لفظ الكلام البليغ إما زائد على

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصل المراد لفائدة أو لا ويدخل قوله (أو لا) قسمان: الناقص والمساوى، وهذا الثامن.

فانحصر فى ثمانية أبواب على ما سبق، وقوله (ينحصر) عائد إلى العلم، وانحصاره فى ذلك لا يصح الاستدلال

عليه بغير الاستقراء، وإنما ذكرت التقسيم السابق جريا على عادتهم، ثم يحتمل أن يكون من حصر الكل فى أجزائه بأن يكون علم (1) البيان عبارة عن مجموع هذه الأبواب، واحتمل أن يكون من حصر الكلى فى جزئياته بأن يكون من علم بابا منها صدق عليه أنه علم المعانى؛ والظاهر الأول. بقى هناك إشكال؛ وهو أن حصر الكل فى أجزائه لا يمكن؛ لأن الحصر جعل الشئ فى محل محيط به؛ فالمحيط حاصر، والمحاط محصور مظروف، وشأن الكل مع أجزائه على العكس؛ لأن الكل محيط بالأجزاء من حيث المعنى، فالأجزاء منحصرة فى الكل، فكيف يجعل الكل محصورا فيها؟ وهذا بخلاف التقسيم؛ فإن الكل يقسم إلى أجزائه كما يقسم الكلى إلى جزئياته، وقد قررنا هذا البحث فى أول شرح المختصر. وقد أورد على الحصر أنه يخرج عنه الاعتبارات الراجعة إلى الخبر نفسه، من حيث هو هو؛ فإن المجموع المركب مغاير لكل من الإسناد والمسند والمسند إليه، وأجيب بأن الاعتبارات الراجعة إليه هى الراجعة إلى الإسناد؛ لأنه جزء خبر يستدعى جميع الأجزاء، وفيه نظر؛ لجواز أن يختص المجموع بحال لا تكون لشئ من أجزائه. ثم لو اعتبرنا ذلك لكان ذكر أحوال الإسناد مغنيا عن ذكر أحوال طرفيه، ثم من أحوال الخبر استعماله بمعنى الإنشاء، وليس ذلك شيئا من الأبواب الثلاثة وقوله: (أحوال الإسناد

إلخ) لا يصح أن يقرأ بالجر بدلا مما قبله، ولا بالرفع على القطع بتقدير هى؛ لأن هذه المذكورات ليست الأبواب؛ لأن أحوال الإسناد - مثلا - ليست بابا كما أن قولنا: الطهارة والصلاة والزكاة معان فى أنفسها، ليست باب الطهارة والصلاة والزكاة، فلا يصح أن يقال: الباب أحوال الإسناد، فتعين حينئذ أن يقال: أن يقدر مضاف محذوف، أو يقدر له ما يناسبه، والأحسن أن يقدر: تراجمها، إلا أن يقال: إن أبواب العلم قطع متفرقة منه، فيكون أحوال الإسناد مثلا بابا. وقدم المسند إليه على المسند تقديما للموضوع على المحمول.

وقوله: (والإسناد الخبرى) يحترز عن الإنشائى، فإنه مذكور فى باب الإنشاء؛ لأنه إنما

(1) قوله: البيان، هكذا فى الأصل، والمناسب: المعانى كما هو ظاهر. كتبه مصححه.

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تكلم هاهنا فى الإسناد الدائر بين المبتدأ والخبر، مثل (أنت طالق). (قلت) هما نسبتان فليتأمل، إحداهما دائرة بين المبتدأ والخبر، والأخرى نسبة معنوية مدلول عليها بقوله - مثلا -:(طالق)، وحمل طالق على أنت غير مدلول طالق؛ فإن قلت: فقد ذكر فى أحوال الإسناد الخبرى الإنشاء؛ كقوله تعالى حكاية عن فرعون يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً (1) وكذلك السكاكى، قلت: على سبيل الاستطراد وليس مقصودا له.

قوله: (وأحوال المسند إليه) إنما لم يقيد المسند إليه، ولا المسند بكونه خبريا؛ لأن أحوال كل منهما فى الإنشاء

كأحوالهما فى الخبر غالبا، بخلاف الإسناد نفسه، فإن أحواله إذا كان خبريا تغلب فيها المخالفة لأحواله إذا كان إنشائيا.

ثم ليعلم أن المراد بأحوال المسند إليه وأحوال المسند أحوالهما من حيث كونهما مسندا إليه ومسندا وإلا فكل ما سيأتى من علم البيان - من استعارة وكناية وغيرهما - من أحوال المسند إليه والمسند ولكنها ليست من أحواله، من حيث كونهما كذلك، وإنما كرر لفظ الأحوال فى الثلاثة؛ لأنه لو قال: والمسند إليه فإما أن يكون من غير تقدير (أحوال) مضافة محذوفة، أو لا؛ فإن كان من غير تقديرها لزم أن يكون الباب فى نفس المسند إليه لا فى أحواله، وذلك وظيفة النحوى، ثم لو أراد ذلك لقال الإسناد ولم يقل أحوال الإسناد، وإن كان مع تقدير المضاف المحذوف أوهم العطف على الإسناد، ولا يصح؛ لأنه يلزم أن تكون أحوال الإسناد والمسند إليه واحدة.

وقوله: القصر هو وما بعده معطوف على أحوال فى رفعه أو جره ولا يصح عطفه بالجر على إسناد، ولا على متعلقات، ولا على الفعل؛ لأن المصنف عند ذكره يقول:

القصر ويقول: الإنشاء ولا يقول: أحوال القصر، كما سيفعل فى أحوال الإسناد. ويدل عليه أيضا ذكره الأحوال فى الثلاثة دون ما بعدها، ولو أراد هذا لكررها فى الجميع، أو تركها فى غير الأول، وأيضا القصر نفسه حال من أحوال اللفظ، فلم يحتج أن يقول حال القصر وكذلك ما بعده.

وقوله: (وأحوال متعلقات الفعل) هى بكسر اللام؛ لأن المفعول متعلق بالفعل لا متعلقه، وهذا من جهة اللفظ والتركيب، أما من جهة التعلق فالفعل متعلق بمفعوله،

(1) سورة غافر: 36.

ص: 102

والمسند: قد يكون له متعلّقات إذا كان فعلا أو فى معناه.

وكلّ من الإسناد والتعلّق: إما بقصر أو بغير قصر.

وكلّ جملة قرنت بأخرى: إمّا معطوفة عليها أو غير معطوفة.

والكلام البليغ: إمّا زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد

ــ

والمفعول متعلقه، لا أعنى من حيث المعلولية؛ بل من حيث الذات، فمن هذه الحيثية يصح أن يقرأ (متعلقات) بالفتح، ويعنى الفعل وما فى معناه، كما ذكره بعد، وفى الإيضاح إذا كان فعلا أو متصلا به أو ما فى معناه فقوله:(أو ما فى معناه) يريد كاسم الفاعل، كما سبق، وقوله:(أو متصلا بالفعل) لا أدرى ما يريد به؛ إلا أن يريد عمل المصدر،

وسماه متصلا بالفعل؛ لأنه أشد تعلقا به؛ لأنه جزؤه، فلينظر، إلا أن الزمخشرى فى المفصل سمى اسم الفاعل مثلا بالفعل، فعلى هذا يحتمل أن يراد بما هو فى معنى الفعل المصدر العامل لمشاركة الفعل له فى معناه، الذى هو الحدث، ويكون اسم الفاعل متصلا لكونه فرع الفعل، بخلاف المصدر، فإنه أصله. لكن الصحيح أن كلا من الفعل واسم الفاعل مشتق من المصدر.

قوله: (والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا أو فى معناه) ظاهره أن الفعل لا يلزم أن يكون له متعلقات، وليس كذلك؛ فإن لكل فعل وما أشبهه متعلقات من المفعول به إن كان متعديا، ومن مفعوله المطلق وظرفه؛ إلا أنها تارة تذكر، وتارة تحذف، كما ينبئ عنه قوله فى الكلام على متعلقات الفعل، أما حذف المفعول به، وأما ذكره فالفعل المتعدى له مفعول به يتعلق به حذف أم ذكر، وكل فعل فله مصدر، وظرف زمان، ومكان، يذكر تارة، ويترك أخرى، وإن كنا نسمى ترك المفعول به حذفا، ولا نسمى ترك المصدر والظرف - مثلا - حذفا، على بحث سنذكره فى باب الإيجاز - إن شاء الله تعالى - ثم قول المصنف (أحوال متعلقات الفعل) يقتضى أن لكل فعل متعلقات؛ فإن قلت: إنما دل كلامه على أن المسند قد يكون له متعلقات، وقد لا يكون، فالحالة التى يكون له فيها متعلقات هى إذا كان فعلا، أو فى معناه، والحالة التى لا يكون له فيها متعلقات إذا كان اسما نحو:(زيد أخوك)! قلت: لا يصح ذلك؛ لأنك إن جعلت (إذا) شرطية فتقديره: إذا كان فعلا فقد يكون له متعلقات؛ لأن الجواب طبق مفسره السابق، ولا يصح أن يراد المتعلقات المذكورة، وقد لا يكون للفعل متعلقات مذكورة؛ لأنه إنما يتكلم على المتعلقات مطلقا؛ لأنه

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سيقول: أما حذفه وأما ذكره، وإن جعلتها ظرفية ولفظ يكون عاملا فيها - فمعناه قد يكون له فى هذا الوقت متعلقات، وقد لا يكون، فصار كقولك (قد يقدم زيد غدا) فلا يصح ذلك إلا بتقدير عامل فى (إذا) التقدير ذلك إذا كان فعلا، أو فى معناه. وقوله:

(والكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد) دخل فى غير الزائد الناقص والمساوى، والمراد: أو غير زائد لفائدة؛ وإنما قدم الخبر لأنه أكثر بحثا؛ ولأن كثيرا من الإنشاء فرع عن الخبر، كالجملة التى يدخل عليها ليت، ولعل، والاستفهام، فذكر المصنف الإسناد والمسند إليه والمسند ثم المتعلقات ثم القصر الذى يعم الإسناد والتعلق ثم ذكر الإنشاء وكان ينبغى تأخير القصر عنه؛ لأن القصر يدخل فى الإنشاء كما يدخل فى الخبر.

ثم ذكر الفصل والوصل؛ لأن اعتبار العطف بعد تكميل أجزاء الجملة، ثم ذكر الإيجاز، والإطناب، والمساواة؛ لأنها تشمل جميع ما سبق، وذكر المصنف حصر الكلام فى الخبر والإنشاء، وهو كذلك؛ إلا أن منهم من يخص الإنشاء

بما لا طلب فيه، ويقسمه إلى: خبر، وطلب، وإنشاء، ومنهم من يجعله ثلاثة أقسام:(خبر) و (إنشاء) وهو ما دل على الطلب دلالة أولية، (وتنبيه)، ويدخل فيه الاستفهام، والتمنى، والترجى، والقسم، والنداء، وهو اصطلاح الإمام فخر الدين.

(قلت): ومنهم من يجعل الكلام خبرا وطلبا، وهو ابن مالك فى الكافية، ومنهم من يربع الأقسام فيقول: خبر واستخبار وطلب وإنشاء. واستدل المصنف على الحصر بأن الكلام إما يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أو لا يكون له خارج، فالأول والثانى: الخبر، والثالث: الإنشاء وقد يقال: يرد على ظاهر عبارتهم الإخبار عن المستقبلات نحو (سيقوم زيد)؛ فإنه عند النطق به ليس له خارج يطابقه، أو لا يطابقه، فلا يمكن وصفه بذلك، ولا بصدق، ولا بكذب، وعند وجود المخبر به ليس الخبر موجودا حتى نصفه بصدق، ولا شك أن الإخبار عن المستقبلات يوصف بالصدق والكذب، قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (1) فلهذا ينبغى أن يقال: إن كان محكوما فيه بنسبة خارجية فهو الخبر، كما فعل ابن الحاجب،

(1) سورة الأنعام: 28.

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا فرق فى ورود ذلك عليهم، بين أن يكون المخبر به محقق الوقوع، مثل (ستطلع الشمس غدا)، أو لا، فليؤول كلامهم على أن مورد التقسيم ما له خارج بالقوة، أو الفعل، وقيل: الكلام لا يخلو: إما أن يمكن أن يحصل للمخاطب من غير أن يستفاد من المتكلم، مثل (زيد منطلق)؛ فإنه يمكن علمه بالمشاهدة، أو لا يمكن أن يحصل إلا بالاستفادة من المتكلم نحو (اضرب أو لا تضرب فالأول الخبر، والثانى الإنشاء، وهو فاسد؛ لأن الكلام ليس هو الذى يقال فيه: يمكن حصوله، أو لا؛ بل النسبة التى تضمنها الكلام هى المنقسمة لذلك. وأيضا يرد عليه نحو (أردت القيام) فإنها لا تعلم إلا من المتكلم فإن قلت يرد على عبارة المصنف أيضا؛ فإنه ليس له خارج، قلت: المعنى بالخارج ما كان خارجا عن كلام النفس، كما ذكره ابن الحاجب وغيره، ويمكن الجواب بأن المراد الإمكان العقلى، ونحو أردت القيام يمكن عقلا أن يطلع عليه من غير استفادته من المتكلم، ويمكن عادة بالقرائن، وخلق العلم الضرورى، وغير ذلك؛ بخلاف (اضرب زيدا). والظاهر أن مرادهم إما أن يحصل فى الوجود بالكلام، أو بغيره، فالأول الإنشاء، والثانى الخبر، وقد خرج من تقسيم المصنف حد الإنشاء، والخبر على رأيه فالإنشاء ما لم يكن لنسبته خارج تطابقه، والخبر ما لنسبته خارج تطابقه، أو لا تطابقه. وقد اختلف الناس فى حد الخبر؛ فقيل: لا يحد لعسره، وقيل: لأنه ضرورى؛ لأن قولنا: (زيد موجود) - مثلا - ضرورى؛ وإذا كان الأخص ضروريا فالأعم كذلك؛ لأن

الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة، وأجيب بأن الحصول غير التصور، ولنا فى هذين الوجهين مباحث ذكرناها فى شرح المختصر، وذهب الأكثرون إلى أنه يحد؛ فقال القاضى أبو بكر، والمعتزلة: الخبر الكلام الذى يدخله الصدق والكذب، فأورد عليه أن يستلزم اجتماعهما فى كل خبر، وخبر الله تعالى لا يكون إلا صادقا، وأن كل خبر لا يجتمع عليه الصدق والكذب، وأجاب عنه القاضى بأنه صح دخوله لغة، وأورد عليه أنه دور؛ لأن الصدق هو الموافق للخبر، والكذب نقيضه، فتعريفه به دور، وقيل:

الذى يدخله التصديق أو التكذيب، فورد عليه سؤال الدور، واستعمال أو فى الحدود.

وجواب الثانى أن الترديد فى أقسام الحدود لا فى الحد، وقال السكاكى: إن صاحب هذا الحد ما زاد على أن وسع الدائرة، قلت: بل زاد، لأنه سلم عن السؤال الأول، وقال أبو الحسين البصرى: كلام يفيد بنفسه نسبة،

ص: 105

تنبيه صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها.

وقيل: مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطأ، وعدمها (1)؛ بدليل قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (2):

ــ

وقال: بنفسه ليخرج نحو قائم؛ فإن الكلمة عنده كلام، وهى تفيد نسبة مع الموضوع، وأورد عليه نحو قم فإنه يدخل فى الحد؛ لأن القيام منسوب؛ والطلب منسوب، وقيل: الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور، نفيا أو إثباتا، بعد أن قال هذا القائل: إن الكلام المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة، فورد عليه نحو قولنا (غلام زيد) فإنه كلام عنده، وهو يقتضى إضافة أمر إلى أمر، وهذا القريب من حد أبى الحسين. وقيل: القول المقتضى بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفى أو الإثبات، وأورد عليه السكاكى نحو قولنا ما لا يعلم بوجه من الوجوه لا يثبت، ولا ينفى، فإنه يلزم أن لا يكون خبرا، قلت: وجوابه أن غير المعلوم بوجه من الوجوه معلوم ببعض الوجوه، وهو ما وقع به جعله محكوما عليه فى هذه القضية، وأورد عليه أيضا ما ورد على الأول، فيلزم أن يكون خبرا وليس كذلك.

ص: (تنبيه صدق الخبر إلى آخره).

(ش): اعترض الخطيبى عليه بأن التنبيه فى الاصطلاح: ما اشتمل على حكم يكفى فى إثباته تجريد المسند والمسند إليه من اللواحق، أو النظر فيما سبقه من الكلام، وهنا لم يسبقه شئ يكون النظر فيه كافيا فى إثبات الأحكام التى ذكرها، وليس جميع ما ذكر يكفى فى إثباته تجريد المسندين فيحتمل أن يشير بالتنبيه إلى معناه اللغوى (قلت) وقوله: إن التنبيه فى الاصطلاح ذلك إن أراد به اصطلاح أهل المعانى فممنوع، وإن أراد غيرهم فلا علينا إذا لم نسلكه، ثم الذى اصطلح على ذلك - كما قال الإمام فخر الدين - هو ابن سينا فى الإشارات، ولعل الخطيبى إنما أخذ

هذا من كلامه.

وقوله: صدق الخبر مطابقته للواقع؛ أى فى الخارج، وكذبه عدمها؛ أى عدم مطابقته للواقع فى الخارج، فعلم بذلك أن الخبر ينحصر فى الصادق والكاذب، ولا واسطة بينهما، وهذا مذهب الجمهور، وفى المسألة أقوال:

(1) أى وكذب الخبر: عدمها.

(2)

المنافقون: 1.

ص: 106

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدها: أنه لا واسطة بينهما أيضا، ولكن صدق الخبر مطابقته للخارج، مع اعتقاد المخبر ذلك، فإن لم تكن فكاذب، فدخل فى الكذب ما كان غير مطابق، والمتكلم يعتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق، وهو يعتقد المطابقة أو غير مطابق وهو لا يعتقد شيئا، أو مطابقا وهو يعتقد عدم المطابقة، أو مطابقا وهو لا يعتقد لشك، أو غيره، وهذا القول هو الذى أراد ابن الحاجب بقوله. وقيل: إن كان معتقدا فصدق، وإلا فكذب، على ما فهم الشراح كلهم، وإن كان ظاهر عبارته فيه لا يقتضى اشتراط المطابقة.

الثانى: أن الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر، ولو كان خطأ، أى ولو كان غير مطابق لما فى الخارج، وكذبه عدمها ولو صوابا، وهذه العبارة ظاهرة فى أنه لا واسطة بينهما أيضا؛ لأنه يدخل فى قوله: عدمها الخبر الذى لا اعتقاد معه، أو معه اعتقاد العدم. وكلام المصنف فى الإيضاح أظهر فى عدم الواسطة على هذا القول، وعلى هذا الخبر الشاك كذب، ولم أر من صرح بهذا القول غير المصنف، وهو ظاهر عبارة ابن الحاجب؛ غير أن الشراح حملوه على غيرها كما سبق.

الثالث: - وهو الذى نسبه المصنف للجاحظ - وقوله: الجاحظ أى قال الجاحظ: إن صدق الخبر مطابقته؛ أى للخارج، مع اعتقاد مطابقته وعدمها، أى: وكذبه عدم مطابقته، مع اعتقاد المخبر عدم مطابقته، وعبارة المصنف لا تعطى ذلك، بل تخالفه؛ لأنه قال: وعدمها معه، وظاهره أنه عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، وليس هذا المراد؛ بل المراد مع اعتقاد ذلك، وهو عدم المطابقة.

قال: وغيرهما ليس صدقا ولا كذبا، فدخل فيه ما إذا كان مطابقا وهو غير معتقد لشئ أو مطابقا وهو يعتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق وهو يعتقد المطابقة، أو غير مطابق ولا يعتقد شيئا، فالأربعة لا صدق ولا كذب.

الرابع: أن الصدق المطابقة للخارج والاعتقاد معا، فإن فقدا لم يكن صدقا فقط؛ بل قد لا يكون صدقا، وقد يوصف بالصدق والكذب بنظرين مختلفين، إذا كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد، مثل قول الكفار: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (1) قاله الراغب.

(1) سورة المنافقون: 1.

ص: 107

وردّ: بأن المعنى: لكاذبون فى الشهادة، أو فى تسميتها، أو فى المشهود به فى زعمهم.

ــ

الخامس: وهو الذى قدمه المصنف - وهو الصحيح وعليه الجمهور - أن الصدق المطابقة للخارج، سواء كان معتقدا أم لا، والكذب عدمها، وقد علم من هذه الأقوال أن قولنا: الخبر إما صدق أو كذب منفصلة حقيقة على قول، ومانعة الخلو فقط على قول، ومانعة الجمع فقط على قول، وقد أهمل المصنف دليل المختار لكثرة أدلته؛ فمنها الإجماع على أن من قال: محمد ليس بنبى كاذب، ومن قال: الإسلام حق صادق، وبقول النبى لأبى سفيان:" كذب سعد"(1) حين قال سعد لأبى سفيان:

اليوم تستحل الكعبة، وقول ابن عباس:" كذب نوف"(2) حين قال نوف البكالى:

ليس صاحب الخضر موسى بنى إسرائيل.

(قلت): وفيه رد على من جعل الصدق تابعا للاعتقاد فقط أولهما، وبقول بينهما واسطة، ولا رد فيه على من جعله تابعا لهما معا، ويدل له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم:" من كذب علىّ متعمدا"(3) لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمد وغيره، وقد استنبطت من القرآن الكريم دليلا أصرح من الجميع، وهو قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (4) وقد ذكر المصنف شبهة القائل بأن العبرة بالاعتقاد فقط، ولا نظر إلى المطابقة الخارجية، وهو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (5) فلو كانت العبرة بالمطابقة لكانوا صادقين؛ لأنهم يشهدون أنه رسول الله.

قال: ورد بثلاثة أمور:

أحدها: أن المعنى: لكاذبون فى الشهادة؛ لأنها تتضمن التصديق بالقلب، فهى إخبار عن اعتقادهم، وهو غير موجود، فهو تكذيب لقولهم: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (6) بالنسبة إلى ما تضمنه الاعتقاد القلبى، وعلم من تصديرهم بالجملة الاسمية، ومن تصديرها بلفظ الشهادة، ومن التأكيد بإن واللام.

(1) أخرجه البخارى فى" المغازى"، (7/ 597 - 598)، (ح 4280).

(2)

أخرجه البخارى فى" التفسير"، (8/ 263 - 264)، (ح 4726)، ومسلم (ح 2380).

(3)

أخرجه البخارى فى" أحاديث الأنبياء"، (6/ 572)، (ح 3461).

(4)

سورة النحل: 39.

(5)

،

(6)

سورة المنافقون: 1.

ص: 108

الجاحظ (1) مطابقته مع الاعتقاد، وعدمها معه (2)، وغيرهما (3) ليس بصدق ولا كذب؛ بدليل: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (4)؛ لأن المراد بالثانى غير الكذب؛ لأنه قسيمه، وغير الصدق؛ لأنهم لم يعتقدوه خ خ:

وردّ: بأنّ المعنى: أم لم يفتر؟! خ خ؛ فعبّر عنه ب الجنّة خ خ؛ لأنّ المجنون لا افتراء له.

ــ

الثانى: أنه عائد إلى تسمية ذلك شهادة؛ لأن الإخبار إذا خلا عن المواطأة لم يكن ذلك حقيقة، وهذا الجواب مخالف للأول فى الصورة لا فى المعنى؛ لأنه يرجع إلى التكذيب فى ادعاء مواطأة القلب اللسان المدلول عليها بنشهد، والأول يرجع إلى مواطأة القلب اللسان المدلول عليها بالجملة الاسمية وإن واللام. فإن قلت: إذا كان ذلك بالنسبة إلى التسمية فقد تجوزوا بقولهم نشهد، والمجاز ليس بكذب! قلت:

إنما يكون مجازا حيث قصد إطلاق الشهادة على القول، وهم لم يطلقوا ذلك؛ إنما أرادوا حقيقة الشهادة على سبيل الكذب.

الثالث: أن الكذب بالنسبة إلى زعمهم - أى هذا الخبر - وإن كان صادقا لكنه عندهم كاذب، ويخدش فى هذا أمران: أحدهما: أن فيه تجوزا لا يخفى. والثانى: أن المنافقين كانوا يعلمون نبوة النبى إنما ينكرونها بألسنتهم، وهذا وارد على الأوجه الثلاثة.

وإذا علم أن هذه الشبهة تصلح أن تكون من هذا القول، كما فعل المصنف، وأن تكون من القائل أن الصدق راجع إلى الاعتقاد والمطابقة معا، ولا واسطة بينهما، كما فعل ابن الحاجب، على ما نسبه إليه الشراح؛ وإن كان ظاهر عبارته وعبارة المصنف واحدا، ولا أدرى من أين للشارحين حمله على ما حملوه عليه.

وقوله: (فى زعمهم) أى اعتقادهم الفاسد، والزعم فى الغالب قول قام الدليل على بطلانه، أو لم يقم الدليل عليه، وسيأتى تحقيق معناه فى باب الفصل والوصل.

وذكر المصنف شبهة الجاحظ وهى قوله تعالى: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ فإنهم حصروا دعوى النبى الرسالة فى الافتراء والإخبار حال الجنون، بمعنى

(1) أى: قال الجاحظ.

(2)

أى مع اعتقاد أنه غير مطابق.

(3)

أى غير هذين القسمين.

(4)

سورة سبأ: 8.

ص: 109

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنه لا يخلو الحال عن أحدهما، وليس الإخبار حال الجنون كذبا؛ لأنه جعل قسيمه، ولا صدقا؛ لأنهم لا يعتقدونه، فثبت الواسطة، قلت: وهذا لا يدل لهذا القول فقط، بل يدل لأن المطابقة ليست هى معيار الصدق، ووراء هذا أمران: إما اشتراط الأمرين وثبوت الواسطة كما ذكر، أو اشتراط الاعتقاد فقط فى كل من الطرفين، ليكون خبر غير المعتقد واسطة؛ لكن هذا القول لم يثبت عن أحد؛ إنما هو احتمال ذكره الخطيبى فى كلام المصنف.

وأجاب المصنف بأن المعنى: أفترى أم لم يفتر، وعبر عن الثانى بالجنة؛ لأن المجنون لا افتراء له، وحاصله أن الافتراء ليس مطلق الكذب؛ بل الكذب عن عمد، ويكون خبر المجنون كذبا لا عمد فيه، أو لا يكون صدقا ولا كذبا، لا باعتبار أن ثم واسطة، بل باعتبار أن ما ينطق به ليس مقصودا، فليس بكلام. وهذان جوابان ذكرهما ابن الحاجب فى المختصر، ولك فيهما طريقان: أحدهما: أن يكون الجنون أريد به لازمه مجازا، والثانى: أن يكون أريد معناه كناية، فهذه أربعة أجوبة. واستدل للجاحظ أيضا بقول عائشة - رضى الله عنها -:" ما كذب ولكنه وهم"(1) وأجاب بتأويل ما كذب عمدا، وهو مجاز تخصيص.

واعلم أن قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (2) قد يرد على الجاحظ؛ فإنه تعالى سمى قولهم كذبا، مع أنه لم تحصل عدم المطابقة، بل عدم الاعتقاد؛ لكن لا يرد عليه على الجواب السابق؛ لأنهم أخبروا أنهم معتقدون لذلك، وإخبارهم غير مطابق، ولا هم معتقدون.

(تنبيه) قد يطلق الكذب على عدم المطابقة والصدق فى المطابقة فى غير الخبر، كقوله صلى الله عليه وسلم:" وكذب بطن أخيك"(3)، وقول الأنصار:" إما لصدق عند اللقاء"، وقوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ (4)، وقال تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ (5)،

(1) أخرجه بنحوه مسلم فى" صلاة المسافرين"، (2/ 484) ط. الشعب.

(2)

سورة المنافقون: 1.

(3)

أخرجه البخارى فى" الطب"، (10/ 178)، (ح 5716)، ومسلم (ح 2217).

(4)

سورة الفتح: 27.

(5)

سورة القمر: 55.

ص: 110