المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - الاستفهام: - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌2 - الاستفهام:

ومنها: الاستفهام؛ وألفاظه الموضوعة له: (الهمزة) و (هل) و (ما) و (من) و (أىّ) و (كم) و (كيف) و (أين) و (أنّى) و (متى) و (أيّان):

ــ

جواب الترجى، لأنا نقول: هذا تمن لا ترج، واستشهاد بعض النحاة على نصب جواب الترجى لا ينافى هذا؛ لأن النحوى ينظر فى الترجى والتمنى إلى اللفظ، والبيانى ينظر إلى المعنى وقول المصنف:(لبعد المرجو عن الحصول) قد يقال: كيف يجتمع ذكر الترجى مع البعد؟ وجوابه أنه لما ذكر الترجى المصطلح عليه أنه للقرب، بل ذكر المرجو المشتق من الرجاء، ولا شك أن الرجاء لغة لأعم من القريب والبعيد، وقول المصنف: ليتولد، وقوله:

لتضمينهما معنى التمنى، يشعر بأن معنى التمنى يجتمع مع الاستفهام فى هل وألا وهلا، ومع الامتناع فى لولا وأنهما يسلبان معنى الاستفهام والامتناع، ويخلفه التمنى، وفيه نظر بالنسبة إلى هل ولو، وسيأتى عن التنوخى تحقيقه فى بقاء الترجى مع الاستفهام فى لعل وأما الاستفهام فى هلا وألا، والامتناع فى لولا ولو ما فلا شك فى عدمه إلا أن يريد بقاء التحضيض والتنديم. ثم قول المصنف: ليتولد منه فى الماضى التنديم، وفى المضارع التحضيض، صواب العبارة أن يقول: وفى المستقبل؛ لأن المضارع إذا وقع بعد هذه الحروف احتمل المضى والاستقبال كما ذكره ابن مالك وغيره، والتحضيض لا تعلق له بالمضارعة التى هى صفة لفظ الفعل، بل بالاستقبال الذى هو أحد مدلوليه أو مدلوله.

(تنبيه): قد يتضمن التمنى معنى الخبر، قال الزمخشرى فى قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا (1): يجوز أن يكون ولا نكذب معطوفا على نرد أو حالا، قال: ولا يدفعه قوله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (2)؛ لأنه تمن قد تضمن معنى العدة فتعلق به التكذيب، وهذا ما قدمنا الوعد به عند الكلام على حد الإنشاء والخبر، وقول الزمخشرى: إن التكذيب تتعلق به العدة، مخالف لما ذكره ابن قتيبة.

‌2 - الاستفهام:

ص: (ومنها الاستفهام

إلخ).

(ش): الاستفهام أحد أنواع الطلب استفعال، فهو طلب الفهم، وقد يخرج عن ذلك لتقرير أو غيره، وله ألفاظ ذكرها المصنف، وهى الهمزة وهل وما ومن وأى وكم

(1) سورة الأنعام: 26.

(2)

سورة الأنعام: 27.

ص: 423

ف الهمزة خ خ: لطلب التصديق؛ كقولك: أقام زيد؟ خ خ، وأ زيد قائم؟ خ خ، أو التصوّر، كقولك: أدبس فى الإناء أم عسل؟ خ خ، أفى الخابية دبسك أم فى الزّقّ؟ خ خ؛ ولهذا (1) لم يقبح: أزيد قام؟ وأعمرا عرفت؟ والمسئول عنه بها: هو ما يليها؛ كالفعل فى: أضربت زيدا؟ والفاعل فى: أأنت ضربت زيدا؟ والمفعول فى: أزيدا ضربت؟

ــ

وكيف وأين وأنى ومتى وأيان بفتح الهمزة وبالكسر قليل، وهى لغة سليم، وبفى على المصنف أم فإنها استفهامية متصلة كانت أم منقطعة، وسيأتى بسط الكلام على ذلك عند قول المصنف، والباقية لطلب التصور وكذلك يقع الاستفهام بمهما وكأى، وكذلك يستفهم بلعل عند الكوفيين. وقال التنوخى: إنها يبقى معها حينئذ معنى الترجى قال ابن مالك فى المصباح: إن ألفاظ الاستفهام غير الهمزة نائبة عنها إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاستفهام قد يكون لطلب التصور فقط، وقد يكون لطلب التصديق فقط، وقد يكون لطلب أيهما كان، وقدم المصنف ما يطلب به أيهما كان لمزيد الفائدة فيه لتحصيله الاستفهام عن أيهما شئت، بخلاف ما لو قدم ما يخص أحدهما، فإنه حينئذ لا تحصل الفائدة لمزيد القسم الآخر، وأيضا فالهمزة أم الباب فهى الجديرة بالتقديم، إذا علم ذلك فها أنا أذكر - إن شاء الله تعالى - ضوابط يتميز بها حقيقة الاستفهام عن التصديق، وحقيقة الاستفهام عن التصور ما بين لفظى ومعنوى.

فمن ذلك: الاستفهام عن التصديق: حقه أن يؤتى بعده بأم المنقطعة دون المتصلة، والاستفهام عن التصور ما صلح أن يؤتى بعده بأم المتصلة دون المنقطعة، وبعد أن كتبت هذا الضابط بفكرى رأيت ابن مالك صرح به فى

المصباح بلفظه ولله الحمد، ومن ذلك الاستفهام عن التصديق، يكون عن نسبة تردد الذهن بين ثبوتها وانتفائها، والاستفهام عن التصور يكون عند التردد فى تعيين أحد شيئين، فبالاستفهام يعلم أنه أحاط بأحدهما، لا بعينه مسندين أم مسندا إليهما أم من تعلقات الإسناد، وهذا الضابط هو أيضا ضابط الفرق بين أم المتصلة والمنفصلة، ومن الفرق بينهما أن المتصلة لا يكون قبلها إلا استفهام إما لفظا ومعنى، نحو: أزيد أم عمرو قائم، أو لفظا لا معنى، نحو: سواء على أقمت أم قعدت، فإن الاستفهام لفظى لا معنوى، والمنقطعة قد لا يأتى قبلها الاستفهام لا لفظا ولا معنى، وإذا تأملته مع ما بعده علمت أن (أم) قد

(1) أى لمجئ الهمزة لطلب التصور.

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يكون معها ما يصرفها لانقطاع ولا اتصال، حتى يعرض ذلك على المعنى ولنوضح ذلك بالأمثلة، فإذا قلت: أقام زيد أم قعد، احتمل أن يكون المعنى أى الأمرين كان منه، ويكون استفهاما واحدا لطلب التصور، وأم فيه متصلة وبذلك صرح الشيخ أبو حيان، ومثله قوله تعالى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالمين (1) إلا أن الهمزة فيه للتقرير، وكذلك: أزيد قائم أم هو قاعد، ومنه:

ولست أبالى بعد فقدى مالكا

أموتى ناء أم هو الآن واقع (2)

وكذلك لو كانت الجملتان لشخصين، وبذلك صرح الشيخ أبو حيان، وأنشد بدر الدين بن مالك رحمه الله:

فقلت أهى سرت أم عادنى حلم

واحتمل أن تكون استفهمت فى هذه المثل عن الأول، ثم أردت إضرابا عنه، واستفهاما ثانيا فتكون أم منقطعة، ويكون ذلك استفهاما عن التصديق تاليا للاستفهام بالهمزة، وعن التصديق أيضا، وقد يأتى فى بعض المثل قرينة ترجح أو تعين الاتصال، كقولك: أرضيت أم غضبت، أو الانقطاع كقولك: أقمت أم طلعت الشمس؛ ولذلك اجتمع العقل والنقل على أن أم منقطعة فى قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها (3) ولو قلت: ألهم الإكرام أم لهم الإهانة، لكانت متصلة قطعا فقد اتفقا فى التركيب اللفظى، واختلفا فى المعنى قطعا. ومن الأمثلة المحتملة أيضا قولك: أعندك زيد أم عندك عمرو، والظاهر فيه الاتصال، واضبط هذا المثال فسيحتاج إليه فيما بعد، وإذا قلت: أقام أم لم يقم، فكذلك غير أنه يبعد أن تكون أم فيه منقطعة؛ لأنه يلزم أن يكون فيه إضراب عن الأول إلى الاستفهام عن الثانى، وذلك

(1) سورة ص: 75.

(2)

البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة فى ديوانه ص 105، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر 7/ 51، وأوضح المسالك 3/ 368، وجواهر الأدب ص 187، والدرر 6/ 97، وشرح الأشمونى 2/ 421، وشرح التصريح 2/ 142، وشرح شواهد المغنى 1/ 134، ومغنى اللبيب 1/ 41، والمقاصد النحوية 4/ 136، وهمع الهوامع 2/ 132.

(3)

سورة الأعراف: 195.

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنما يكون فى سنن لا يستلزم الاستفهام عن أحدهما الاستفهام عن الآخر، ولا شك أن قولك: أقام يفهم ما يفهمه قولك: أم لم يقم من التردد فى القيام، ويشهد لما قلناه قول الزمخشرى فى قوله تعالى أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ (1) أن أم فيه متصلة، وأن المعنى: أفلا تبصرون أم أبصرتم. وقد نقل ابن عطية وغيره هذا التقدير عن سيبويه، فإن توهم متوهم أنه لا يصح قولنا: أقام أم لم يقم، لعدم فائدة ذكر أم، فهذه الآية الكريمة بتفسير سيبويه والزمخشرى قاطعة لتوهمه، ثم له من الفائدة تعيينه لطلب التصديق، وقد يقال: كيف تكون أم فيه متصلة، وقد قلتم: إن أقام زيد معناه: أم لم يقم، وأنه استفهام تصديق؟ فإذا صرح بهذا المعنى فقيل: أم لم يقم، كيف ينقلب استفهام تصور كما سبق؟ وإذا قلت: زيد أم عمرو قائم فلا يخفى أنها متصلة، وأنه استفهام تصور عن المسند إليه، وإذا قلت: أقائم أم قاعد زيد فاستفهام عن المسند للتصور، وهى متصلة، وإذا قلت: أزيدا أم عمرا ضربت، فمتصلة وهو استفهام عن تصور المفعول، هذا كله إذا ذكرت أم، فإن لم تذكر فقلت: أقام زيد احتمل أن تكون لطلب التصديق، وأن تكون لطلب تصور المسند، وأن تكون لطلب تصور المسند إليه؛ لأن ذلك قد يصدر من متردد فى وقوع قيام زيد، ومن جازم بوقوع قيام، ويشك فى المسند إليه، ومن جازم بوقوع فعل من زيد، ويشك أنه القيام أو لا، فالمعنى على الأول: أقام أو لا، وعلى الثانى:

أقام زيد أم عمرو، وعلى الثالث: أقام زيد أم قعد، وكذلك أزيد قائم، غير أن الظاهر أن الاستفهام عن التصديق؛ لأن النسب هى الجديرة بالاستفهام؛ ولذلك كان إيلاء الفعل لهمزة الاستفهام وتأخير الاسم أولى من العكس، إذا تقرر ذلك فلنلحقه بفائدة وهى الاستفهام عن التصديق، هل يكون المطلوب به الثبوت أو الانتفاء؟ قال ابن مالك فى المصباح: الاستفهام طلب ما فى الخارج أن يحصل فى الذهن من تصور أو تصديق موجب، قيل: أو منفى، فحكى قولين فى أن استفهام التصديق يستفهم به عن النفى أو لا، وكأنه أشار بقوله: قيل إلى ما ذكرناه عن المفتاح، ولعله فهم أن الاستفهام عن التصديق تارة يطلب به الثبوت، وتارة يطلب به الانتفاء، والذى يظهر والله أعلم أن هذا

ليس مراده، فإن الاستفهام لا يطلب به الثبوت ولا الانتفاء، وإنما يطلب به

(1) سورة الزخرف: 51، 52.

ص: 426

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الواقع منهما فى الوجود وهو أحدهما لا بعينه، فقول السكاكى: أو الانتفاء، ليس معناه أو طلب تعيين الانتفاء، بل المراد طلب تعيين أحدهما، وإنما بدر الدين فهمه على غير وجهه، وكيف يتخيل أن يطلب بالاستفهام إحدى النسبتين بعينهما، فحينئذ القولان اللذان ذكرهما بدر الدين فاسدان؟ فإن قلت: لعل صاحب المصباح أراد الإثبات والنفى اللفظيين. قلت: ذلك بعيد من كلامه، وإن أراد ذلك فممنوع، فإنه يصح لك أن تقول: ألم يقم زيد، ولعل الذى أوقعه فيه أن غالب ما ورد من ذلك ليس على بابه، بل التوبيخ أو التقرير مثل: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (1)، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (2)، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ (3)، وقول الشاعر:

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد (4)

وقوله:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح (5)

ولكن يرد عليه قوله تعالى: أَفَلا تُبْصِرُونَ (6) فقد تقدم أن تقديره عند سيبويه، أم أبصرتم وأنها متصلة، وإذا كانت متصلة كان الاستفهام على بابه، ويرد عليه إجماعهم على أقام زيد أم لم يقم، فإن لم يقم مستفهم عنه، سواء كانت متصلة أم منقطعة، وقد صرح الجزولى وغيره بوقوع الاستفهام المحض عن النفى، وإنما خالف فى ذلك أبو على الشلوبين فمنعه، ورد عليه ابن مالك فى باب لا بقوله:

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد

إذا ألاقى الّذى لاقاه أمثالى (7)

(1) سورة الزمر: 36.

(2)

سورة الكهف: 75.

(3)

سورة الرعد: 44.

(4)

البيت من الوافر، وهو لقيس بن زهير فى الأغانى 17/ 201.

(5)

البيت من الوافر، وهو لجرير فى ديوانه ص 85، 89، والجنى الدانى ص 32، وشرح شواهد المغنى 1/ 42، ولسان العرب 7/ 101 (نقص)، ومغنى اللبيب 1/ 17، وبلا نسبة فى الخصائص 2/ 463، 3/ 269، ورصف المبانى ص 46، وشرح المفصل 8/ 123، والمقتضب 3/ 292.

(6)

سورة الزخرف: 51.

(7)

البيت من البسيط: لقيس بن الملوح فى ديوانه ص: 178، وجواهر الأدب ص 245، وخزان الأدب (4/ 70)، وتاج العروس (ألا).

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقى هنا سؤال، وهو أنه قد يقال: الاستفهام لا يكون إلا لطلب التصديق؛ لأنه إذا قصد تعيين المسند إليه، فأنت تطلب العلم بوقوع النسبة الخاصة من المسند إليه الخاص، فإذا قلت: زيد أم عمرو قائم كنت طالبا لتصديقين معا قيام زيد وقيام عمرو، وقد يجاب بأن طلب النسبتين الخاصتين وقع هنا التزاما، وليس هو عين المستفهم عنه، بل لازم له، وقد ظهر بهذا أن طلب التصديق لا بد منه بكل حال إما استقلالا أو تبعا، وقد يعكس هذا فيقال: كل استفهام فهو طلب تصور لأنك إذا قلت: أقام زيد، فالمعنى: أقام أم لم يقم، فمعناه: أى المحتملين وقع قيامه أم عدم قيامه؟ و (أى) إنما يسأل بها عن التصور فأنت تعلم أحد الأمرين لا محالة؛ لأن النقيضين لا يرتفعان وأنت تريد تعيين الواقع منهما فصار كقولك: أقائم أم قاعد زيد فى أنه لتصور المسند، وما من استفهام إلا يمكن أن يقال معه: أى، وقد تقرر أنها إنما يسأل بها عن التصور، وجوابه أنا لا نسلم أن أيا يصلح فى قولك: أقام زيد أم لم يقم إذا قلنا: إنه استفهام تصديق، وكيف يكون ذلك وهما استفهامان وليس كل استفهام يصلح أن يقال فيه: أى من جهة المعنى؟ وإن صلح من جهة اللفظ ألا ترى أنك لو قلت فى قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ (1): إنه يصح أن يعبر عنه بأن يقال: أى الأمرين لهم الأرجل أم الأيدى، لكنت مخالفا لضرورة العقل، وإن صح لفظا وبعد أن انكشف الغطاء عن ذلك فلنعد لشرح كلام المصنف، فالهمزة يطلب بها أيهما كان من تصديق أو تصور، ومثل المصنف استفهام التصديق بقولك: أقام زيد، وأزيد قائم وليس على إطلاقه، بل ذلك حيث كان المراد أم لم يقم، وأردت الانقطاع، فإن كان المراد أم عمرو أو أم قعد فلا كما سبق، فإن قيل: عذره فى ذلك أن هذه الصيغة عند الإطلاق ظاهرة فيما ذكره، قلنا: ظاهرة فى أن المعنى: أم لم يقم، لكن ليست ظاهرة فى أن أم منقطعة، وأما تمثيله بزيد قائم، فلا يصح على شئ من التقادير: أما على أن يكون المعنى أم عمرو أو أم قاعد، فواضح، وأما على أن المعنى: أم لم يقم فهو لا يصح على رأى المصنف؛ فإنه يرى أن الذى يلى الهمزة هو المستفهم عنه، فتعين أن يكون هو المسند إليه، لا الجملة، وإن كنا نوافق المصنف على ما قاله، بل نصحح هذا المثال لما سيأتى،

(1) سورة الأعراف: 195.

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما الاستفهام عن التصور فإما عن تصور المسند إليه، ومثله المصنف بقولك: أدبس فى الإناء أم عسل، وهو

مثال صحيح وإما عن تصور المسند، ومثله المصنف بقولك: أفى الخابية دبسك أم فى الزق، وفيه تساهل؛ فإن فى الخابية ليس مسندا، بل المسند الاستقرار الذى هو عامل فى هذين الجارين والمجرورين، ويمكن تأويل كلامه على أنه لم يرد بالمسند الظرف، بل الاستقرار الذى يتعلق به الظرف، وإما عن تصور شئ من تعلقات المسند، ولم يذكره المصنف، وكلام الخطيبى يوهم نفيه، وليس كما قال وذلك قولك: أزيدا أم عمرا ضربت، ويصح التمثيل له بما مثل به المصنف للاستفهام عن المسند، وهو أفى الخابية دبسك أم فى الزق. قوله:(ولكونها) أى: الهمزة (لا تختص بتصور ولا تصديق) مقلوب صوابه أن يقال: لا يختص بها تصور ولا تصديق، وإن كان الواقع أن الهمزة لا تختص بالتصور ولا بالتصديق؛ لأن كلا منهما يوجد فى استفهام بغيرها، وكل من التصور والتصديق لا يختص بالهمزة؛ لأنها استعملت فى الآخر، ولكن المصنف يريد أن الهمزة تستعمل فيهما، والتعبير عن ذلك أن يقول: لكون الهمزة لا يختص بها تصور ولا تصديق، بل تخرج عن كل منهما للآخر لم يقبح كذا وكذا، ثم على المصنف اعتراض، وهو أن عدم قبح ما سيذكره ليس ناشئا عن استعمال الهمزة فى التصور والتصديق، كما ذكره، بل هو ناشئ عن استعمالها فى التصور فينبغى أن يقول:

ولكونها لا يختص بها تصديق لم يقبح: أزيدا ضربت، وأزيد قائم، والذى ذكره الشارح أن لذلك حالتين إن أريد التصور لم يقبح، وإن أريد التصديق قبح لما سيأتى من قبح نظيره فى هل قلت المراد أنك إذا قلت: أزيدا ضربت كان محتملا لأن تريد أضربت أم لم تضرب فيكون طلب تصديق فيقبح، وأن يكون المراد عمرا فيكون طلب تصور فلا يقبح، وهذا الذى ذكره فاسد؛ لأن المصنف والشارح المذكور قالا: إن المستفهم عنه هو ما يلى الهمزة فتعين أن يكون المستفهم عنه هو (زيدا) فيكون تصورا؛ ولذلك جزم المصنف بعدم قبحه؛ لأنه لا يحتمل عنده غير التصور، نعم يمكن أن يقال:(زيدا) هو المستفهم عنه، فتارة يستفهم عنه أهو الذى وقع له التخصيص بالضرب، أو لا وذلك طلب تصور، وتارة يستفهم عن ثبوت تخصيصه بالضرب؛ لأن تقدير: أزيدا ضربت: أما ضربت أحدا إلا زيدا، وأنت لو صرحت بذلك لكنت طالبا للتصديق والمستفهم عنه هو زيد باعتبار تخصيصه فلم يخرج

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيدا أن يكون مستفهما عنه، أى: عن اختصاصه كأنك قلت: أشاركه أحد أم لا؟ وإنما قلنا ذلك محافظة على أن يكون المستفهم عنه ما يلى الهمزة على رأى المصنف. بقى النظر فيما هو موضوع اللفظ، والذى يظهر إن قلنا بالاختصاص أن موضوع اللفظ طلب التصديق، وأن التقدير: أما ضربت أحدا غير زيد، لكن المصنف قال: إن ذلك لا يصح، وكأنه لاحظ أن المعنى طلب التصور، وهو واضح عند تقدير عدم الاختصاص، أما على تقدير الاختصاص ففيه عسر؛ لأن مدلول زيدا عرفت ما عرفت إلا زيدا، فإذا دخلت الهمزة صار معناه: ما عرفت إلا زيدا،

وذلك استفهام تصديق وما ذكره المصنف يؤدى إلى أن يكون التقدير: أزيدا الذى ما ضربت إلا هو، وفى تنزيل اللفظ عليه عسر، نعم يشكل على أنه إذا كان لطلب التصديق فى الموجب لقبحه. قولكم: لأن التخصيص يستدعى حصول التصديق؛ قلنا: مسلم؛ ولكن التخصيص يستدعى التصديق بإسناد أصل الفعل لا حصول التصديق بالاختصاص، فقولك: أزيدا ضربت، يستدعى حصول التصديق بأن ثم مضروبا، وليس هو المستفهم عنه، بل المستفهم عنه اختصاصه بالمضروبية، ولم يحصل به تصديق، ويمكن أن ينازع فى أصل حصول التصديق؛ لأن قولك: أزيدا ضربت إذا جعلناه للاختصاص وحللناه لنفى وإثبات صار كقولنا: أما ضربت إلا زيدا، وأنت لو قلت: ما ضربت أحدا غير زيد لما دل على ضرب زيد إلا بالمفهوم الذى ينكره كثير من الناس، ولو كانت غير استثنائية، فالاستثناء من النفى ذهب ذاهبون إلى أنه ليس بإثبات ثم قال:(والمسئول عنه بها ما يليها) أى: المسئول عنه بالهمزة هو ما يليها مثال ذلك: أقائم أم قاعد زيد إذا استفهمت عن المسند، وإن استفهمت عن المسند إليه قلت: أزيد أم عمرو قائم، أو عن تعلقات الفعل قلت: أزيدا أم عمرا ضربت، وأقائما أو جالسا ضربت، وقوله:(كالفعل فى أضربت زيدا) عبارة توهم أن المراد الفعل فقط، ويكون لتصوير المسند، وإنما تريد عن وجود الفعل ويكون استفهام تصديق كما بينه فى الإيضاح، وقد تقدم الكلام على ما فى هذا المثال من النظر، وقوله:(والفاعل فى أأنت ضربت) يريد به الفاعل المعنوى لا الصناعى، فإنه لا يتقدم على فعله، وقد يقال: هذا يفضى إلى أن أزيد قام استفهام عن زيد لا عن القيام، وذلك يفضى إلى أنه لا يصح: أزيد قام أم قعد، وأنه لا يصح أزيد فعل كذا، حتى يكون الفعل قد تحقق وقوعه، وفيه بعد، ثم يخدش

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيما جزموا به من أن المستفهم عنه ما يليها نص سيبويه فيما نقله شيخنا أبو حيان عنه، قال فى تمثيله: أزيد عندك أم عمرو، وأزيدا لقيت أم بشرا فتقديم الاسم أحسن، ولو قلت:

ألقيت زيدا أم عمرا لكان جائزا حسنا، أو قلت: أعندك زيد أم عمرو كان جائزا حسنا، كما جاز: أزيد عندك أم عمرو، وتقديم الاسمين جميعا مثله وإن كان ضعيفا. انتهى كلام سيبويه. واختاره الشيخ أبو حيان، ثم نقول:" إذا كان مع الهمزة أم وجعلنا المستفهم عنه ما يليها يلزم تقديم الاسمين؛ لأن المستفهم عنه أحدهما، فلا يحصل تقديم المستفهم عنه إلا بتقديمهما، وقد قال سيبويه: إنه ضعيف، ثم إن السكاكى والمصنف جعلا من أمثلة الاستفهام عن التصديق قولك: أزيد منطلق، ولو كان المستفهم عنه، هو زيد لكان ذلك طلبا للتصور لا للتصديق ثم نقول: التصديق ليس له لفظ واحد يلى الهمزة بل معناه دائر بين المبتدأ والخبر، فلا يمكن أن يلى لفظة الهمزة إلا أن يقال: المعتبر فيه هو الفعل، ثم نقول:

يستحيل أن يلى الهمزة المستفهم عنه، بل بعضه. ألا ترى أن المستفهم عنه فى قولك:

أزيدا ضربت أم عمرا المضروب مبهما لا زيد فقط، ثم قوله تعالى: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ (1) يلزم أن يكون استفهاما عن المسند إليه، وليس كذلك بل عن النسبة بدليل: أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (2) وقول المصنف: (والمسئول عنه بها هو ما يليها) ظاهر، وقوله: بها وذكره لذلك فى هذا المحل وقطعه النظير عن النظير دون ذكره لذلك فى أول الكلام أو آخره - يقتضى أن غيرها من أدوات الاستفهام لا يطلب بها ما يليها، وليس كذلك، بل غيرها يشاركها فى ذلك، وقد ذكره الطيبى فى التبيان.

(تنبيه): قولنا: لا يستفهم عن المسند إليه حتى يتحقق حصول مطلق النسبة، قد يلزم أن تكون النسبة ماضية فلا يصح: أزيد سيقوم أم عمرو، وليس كذلك، بل يستفهم عن الفعل المستقبل وعن فاعله إذا ترجح وقوعه، وهذا مع كونه واضحا صرح به صاحب الأقصى القريب.

(تنبيه): إن قيل: التصديق مسبوق - بالتصور، فإذا حصل التصديق كيف يطلب التصور، وقد قلتم: إنه تارة يسأل عن التصور والتصديق معلوم؟ قلنا: إنما نعنى بالتصديق اعتقاد وجود النسبة فمن قال: أزيد قام أم عمرو مصدق بأن ثم قياما لكنه يجهل فاعله.

(1) سورة يونس: 59.

(2)

سورة يونس: 59.

ص: 431