الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوال متعلّقات الفعل الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل، فى أنّ الغرض من ذكره معه (1) إفادة تلبّسه به، لا إفادة وقوعه مطلقا؛ فإذا لم يذكر (2) معه، فالغرض إن كان إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا (3): نزّل منزلة اللازم، ولم يقدّر له مفعول؛
ــ
باب أحوال متعلقات الفعل
ص: (أحوال متعلقات الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل
…
إلخ).
(ش): هذا الباب لأحوال متعلقات الفعل، ولم يستوعبها المصنف، بل ذكر منها الفاعل والمفعول، وذكر الفاعل فيه نظر؛ لأنه مسند إليه، فكان ذكر أحواله بباب المسند إليه أليق، ثم الأحوال التى يريدها هى الذكر والترك، والتقديم والتأخير فقط، والترك لا يأتى فى الفاعل؛ لأنه لا يحذف، ثم ينبغى أن يقول: الفعل وما فى معناه مما يعمل عمله،
ولا شك أن الفعل مع المفعول، كالفعل مع الفاعل فى أن الغرض من كل منهما إفادة التلبس به لا إفادة وجوده فقط، فعمل الرفع فى الفاعل ليفيد وقوعه منه، والنصب فى المفعول ليفيد وقوعه عليه، فالمتكلم تارة يريد الإخبار عن الفعل. أى: الحدث من غير تلبس فاعل ولا مفعول، فيقول: وقع ضرب، ونحوه ليس فى هذا التركيب شئ من تعلقات الضرب. وظاهر عبارة المصنف أنه مع إرادة غير الحديث لا يؤتى بالفعل؛ فلا تقول: حضر شئ ونحوه، وتارة يراد فاعله فيؤتى بالفعل الصناعى الذى هو مشتق من الحدث الذى يريد الإخبار به، فيذكر فاعله أبدا عند البصريين إلا فى مواضع مستثناة.
ويجوز الحذف عند الكسائى، ثم إن كان متعديا فتارة يقصد الإخبار بالحدث والمفعول دون فاعل فيبنى للمفعول، تقول: ضرب زيد، وتارة يقصد الإخبار بالفاعل ولا يذكر مفعوله، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يقصد إثبات المعنى للفاعل أو نفيه عنه على الإطلاق من غير اعتبار عموم ولا خصوص، ولا تعلق بمن وقع عليه، فالمتعدى حينئذ كاللازم فلا يذكر مفعوله، لئلا يتوهم السامع أن الغرض الإخبار بتعلقه بالمفعول، ولا يقدر حينئذ؛
(1) أى: من ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل، أو ذكر الفعل مع كل منهما.
(2)
أى: المفعول به مع الفعل المتعدى.
(3)
أى: من غير اعتبار عموم فى الفعل أو خصوص فيه، ومن غير اعتبار تعلقه من وقع عليه.
لأن المقدّر كالمذكور، وهو ضربان؛ لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقا كناية (1) عنه متعلقا بمفعول مخصوص، دلّت عليه قرينة أو لا (2):
الثاني: كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (3).
السّكاكىّ: ثم إذا كان المقام خطابيّا (4) لا استدلاليّا (5)، أفاد ذلك (6) مع التعميم (7)؛ دفعا للتحكّم (8):
ــ
لأن المقدر كالمذكور، وهذا لا يتأتى فى الفاعل، بل متى ذكر الفعل الصناعى وجب الإتيان بالفاعل أو نائبه.
قلت: وهذا حقيقة اللازم فلا ينبغى أن يقال: هو كاللازم، وكأنهم يعنون باللازم حقيقة. قال المصنف: وهذا قسمان: أحدهما: أن يجعل إطلاق الفعل كناية عن الفعل متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه القرينة، والثانى: أن لا يكون كذلك كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أى: من له صفة العلم، ومن ليست له، ثم نقل عن السكاكى أنه قال: ثم إن كان المقام خطابيا يعنى بالخطابى ما يقع فيه بظاهر اللفظ مثل: المطلق فإنه عام
عموما خطابيا كمقام المدح والذم، والتخويف والإنذار، والبشارة ونحوها. بمعنى أن المخاطب إذا لم يره مفيدا حمله على جميع أفراده على البدل بخلاف الاستدلالى؛ فإنه لا بد فيه من برهان، فإن كان المقام خطابيا أفاد ذلك، أى: تنزيله منزلة اللازم مع التعميم فى أفراد الفعل، لا يقال: كيف يكون لازما، ويفيد التعميم؟ لأنا نقول: مراده التعميم؛ فى أفراد الفعل لا فى المفاعيل، فإنك إذا قلت: قام زيد، قد تريد به أنه وقع منه جميع أفراد القيام على سبيل البدل ولا مفعول دفعا؛ لأن حمله على أحد الأفعال دون غيره عين التحكم بغير دليل فيحمل على الجميع، ثم جعل يعنى السكاكى قولهم: فلان يعطى ويمنع محتملا لذلك، ولإفادة تعميم الفعل كما سيأتى يعنى بتعميم المفعول العموم الشمولى فى المفاعيل وبتعميم الفعل
(1) أى عن ذلك الفعل.
(2)
أى أو لا يجعل ذلك.
(3)
سورة الزمر: 9.
(4)
أى يكتفى فيه بمجرد الظن.
(5)
يطلب فيه اليقين البرهانى.
(6)
أى كون الغرض ثبوته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا.
(7)
أى فى أفراد الفعل.
(8)
اللازم من حمله على فرد دون آخر.
والأول (1): كقول البحترىّ فى المعتزّ بالله [من الخفيف]:
شجو حسّاده وغيظ عداه
…
أن يرى مبصر ويسمع واعى
أى: أن يكون ذو رؤية، وذو سمع، فيدرك محاسنه وأخباره الظاهرة الدالّة على استحقاقه الإمامة دون غيره؛ فلا يجدوا إلى منازعته سبيلا.
وإلا (2) وجب التقدير بحسب القرائن.
ــ
العموم البدلى فى الأفعال، وإنما لم يقل فيه عموم المفعول؛ لأن الغرض أن الفعل جاء قاصرا فلا مفعول له، وقد نازعه الخطيبى الشارح فى النقل عن السكاكى بما يعرفه من وقف على كلامه فلا حجة للإطالة بذكره، وقول المصنف:(وإن لم يكن خطابيا فلا يفيد ذلك) قال الخطيبى: الإشارة فى قول المصنف ذلك غير ما ذكره مما لا
يخفى ضعفه، وأما القسم الأول وهو أن يكون الفعل المطلق الذى جعل لازما كناية عنه متعلقا بفعل مخصوص دلت عليه قرينة فكقول البحترى يمدح المعتز بالله:
شجو حسّاده وغيظ عداه
…
أن يرى مبصر ويسمع واعى (3)
أى: ليس فى الوجود ما يرى ويسمع إلا آثاره المحمودة، فإذا أبصر مبصر لا يرى إلا محاسنه، وإذا سمع سامع كذلك، فغيظ عداه أن يقع إبصار أو سمع فإنه كيف وقع لا يقع إلا على محاسنه، بخلاف ما لو قال أن يرى مبصر محاسنه؛ فإنه ليس فيه حينئذ ما يقتضى أنه ليس فى الوجود ما يبصر غير محاسنه، فإن قلت: المصنف قد جعل هذا قسما من جعل المتعدى لازما فكيف يقول بعد ذلك: إنه كناية عن مفعول وإن التقدير أن يرى آثاره. قلت: لا منافاة بين الكلامين بأن يجعله قاصرا، وهو كناية عن رؤية خاصة وسمع خاص، وخصوصيته باعتبار أنه نوع خاص من الإبصار باعتبار مفعوله الخاص فهو قاصر مكنى به عن متعد لا يصلح لا لمفعول واحد نعم لك أن تقول: المتعدى لمفعول واحد كيف يكنى عنه بالقاصر، والقاصر ليس لازما للمتعدى للواحد، بل ولا يجتمع معه. (قوله: وإلا) أى: وإن لم يكن قطع النظر عن المفعول، بل قصد ولم يذكر لفظا فإنه يقدر بحسب القرائن.
(1) وهو أن يجعل الفعل مطلقا كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص.
(2)
أى وإن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول المتعدى المسند إلى فاعله إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور.
(3)
البيت من الخفيف أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص: 81، والمعتز بالله بن المتوكل على الله، والمستعين بالله بن المعتصم بالله ابن بنى العباس.