المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصاحة فى المفرد: - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌ الفصاحة فى المفرد:

ف‌

‌ الفصاحة فى المفرد:

خلوّه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس:

ــ

قلت: فيه نظر، وليس بين حقيقتى الفصاحة والبلاغة عموم وخصوص؛ بل هما كل وجزء، فالبلاغة كل ذو أجزاء مترتبة، والفصاحة جزء غير محمول كما ستراه. وعبارة الخطيبى التى قدمناها قريبة من هذا الكلام، وقال ابن الأثير: البلاغة شاملة للألفاظ والمعانى فهى أخص من الفصاحة كالإنسان مع الحيوان، فلذلك تقول: كل كلام بليغ فصيح، وليس كل كلام فصيح بليغا.

قلت: هذا الكلام أيضا ظاهر الفساد، وليست الفصاحة أعم من البلاغة ولا العكس بل الفصاحة جزء البلاغة، وإنما هو سمى المركب تركيبا غير حملى أخص، والمفرد أعم، وجعل الفصاحة عامة والبلاغة خاصة، لاشتمالها على الأمرين ثم عبر عن ذلك بالعام والخاص، وإنما هو كل وجزء، فليس ذلك اصطلاح القوم، ثم دخول الفصاحة فى الكلام سترى ما فيه، وقال حازم فى منهاج البلغاء: الفصاحة أخص من البلاغة.

(تنبيه): مما يوصف به الكلام والكلمة أيضا: البراعة، وأهملها الجمهور، وقد ذكرها القاضى أبو بكر فى الانتصار مع الفصاحة والبلاغة وحدها بما يقرب من حد البلاغة.

الفصاحة فى المفرد:

ص: (فالفصاحة فى المفرد خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس).

(ش): كان الأحسن اجتناب لفظ الخلوص؛ لغلبة استعماله فى الانفكاك عن الشئ بعد الكون فيه، وليس المراد هنا كذلك، ولهذا عيب على من حد المبتدأ بأنه المتجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة؛ فإن المبتدأ لم يكن له عامل يجرد عنه، وكذلك قولهم: ما عرى من عامل لفظى. ثم يرد عليه أن الخلوص من هذه الأمور عبارة عن عدمها فهو تعريف بالأمور العدمية وإنما يكون التعريف بالذاتيات، أو الخواص الوجودية فكان ينبغى أن يقول: الفصاحة التئام الحروف، وكثرة الاستعمال وموافقة القياس إلا أن هذا عدم مضاف فالأمر فيه سهل والمراد بالاستعمال:

استعمال العرب، وبالقياس: قياس التصريف.

(تنبيه): اعلم أن مقصود المصنف خلوص المفرد من كل واحد من الثلاثة المذكورة، لا من مجموعها، وعبارته لا تدل على ذلك فإنك إذا قلت: خلصت من

ص: 57

فالتنافر (1) نحو [من الطويل]:

غدائره مستشزرات إلى العلا

ــ

زيد وعمرو وبكر كان معناه أنك خلصت من مجموع الثلاثة، وذلك صادق بخلوصك من أحدهم بخلاف قولك: خلصت من زيد ومن عمرو ومن بكر، فإن تكرار حرف الجر مثله يؤذن بذلك، كما أن قولك: مررت بزيد وعمرو يقتضى مرورا واحدا، وبزيد وبعمرو يقتضى مرورين، وإنما جاءنا هذا فى مادة الخلوص؛ لأنها فى معنى النفى فإن المعنى:

أن لا يكون مشتملا على الأمور الثلاثة، وأنت لو قلت: الفصيح ما لم يشتمل على الثلاثة لما اقتضى زوال كل منها فليتأمل. ونظير ما يقتضيه تكرر حرف الجر فى مررت بزيد وبعمرو فيما سبق من تكرر الفعل ما يقتضيه تكرر الحرف هنا، من تعدد المفعول الذى حصل الخلوص منه.

ص: (فالتنافر نحو:

غدائره مستشزرات إلى العلى)

(ش): قسّم فى الإيضاح التنافر إلى: ما تكون الكلمة بسببه متناهية فى الثقل، وعسر النطق بها، كما روى أن أعرابيا سئل عن ناقته، فقال: تركتها ترعى الهعخع. وروى عن الخليل أنه قال: سمعنا كلمة شنعاء وهى: الهعخع ما ذكرنا تأليفها نقله الخفاجى والهاء والعين لا يكاد واحد منهما يأتلف مع الآخر من غير فصل، وشذ من ذلك قولهم هع يهع إذا قاء والظاهر أنه الخعخع، وهو نبت. قال الصغانى فى العباب ابن دريد:

الخعخع مثال هدهد ضرب من النبت، وقال ابن شميل: الخعخع شجرة، وقال أبو الدقيش: هى كلمة معاياة لا أصل لها، وقال ابن سيده: الخعخع: ضرب من النبت حكاه أبو زيد، وليس بثبت، وقال عبد اللطيف البغدادى فى قوانين البلاغة: وشذ قولهم الهعخع، وقيل: إنما هو الخعخع. اه.

وقال الصغانى فى كتابه المسمى الصحاح على ما نقل عنه: إنه العهعخ بضم العينين المهملتين حكاه عن الليث قال: قال: وسألنا الثقات فأنكروا أن يكون هذا الاسم فى كلام العرب، وقال الفذ منهم: هى شجرة يتداوى بها وبورقها، وقال ابن الأعرابى:

إنما هو الخعخع بخاءين معجمتين مضمومتين وعينين مهملتين. قال الليث:

(1) هو وصف فى الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها.

ص: 58

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا موافق لقياس العربية والتأليف، وفى نهاية الإيجاز للإمام فخر الدين أيضا: ترعى العهعخ فتخلص فى هذه الكلمة حينئذ أربعة أقوال:

أحدها: أنه الخعخع.

والثانى: الهعخع وهو فيهما بضم الهاء والخاء كما رأيته مضبوطا بخط عبد اللطيف.

والثالث: أنه لا أصل لها.

والرابع: أنه العهعخ وهذا فيه الغرابة أيضا.

ومنه ما هو دون ذلك كلفظ مستشزرات، واستغنى المصنف بذكره هنا عن الأول؛ لأنه يدل عليه بطريق أولى، ولم يفعل ذلك فى الغرابة كما سيأتى، وإنما كان الثقل فى مستشزرات، لتوسط الشين، وهى مهموسة رخوة بين التاء، وهى مهموسة شديدة، والزاى وهى مجهورة، وقد استعمل ذلك فى قول عثمان لسعد وعمار: ميعادكما يوم كذا حتى أتشزن، أى: أستعد وذكره فى الفائق. وقول سليمان بن صرد - رضى الله عنه -: بلغنى عن أمير المؤمنين قول تشزن لى به، والإشارة بقوله: غدائره إلى قول امرئ القيس:

وفرع يزين المتن أسود فاحم

أثيث كقنو النّخلة المتعثكل

غدائره مستشزرات إلى العلى

تضلّ المدارى فى مثنّى ومرسل (1)

الفرع: الشعر، والأثيث: الكثير، والقنو: العنقود، والمتعثكل: المتراكم، والغدائر:

الذوائب، والمستشزرات روى بفتح الزاى: أى مرفوعات، وبكسرها أى: مرتفعات ويقال: استشزر الشعر واستشزره صاحبه لازما ومتعديا حكاهما ابن سيده وغيره، ويروى العقاص: جمع عقصة أو عقيصة، وفيه زحاف بالقبض، وتضل العقاص: أى تخفى تحت الشعر، وفى البيتين شاهد للوصف بالجملة قبل الوصف بالمفرد، كقوله تعالى:

وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (2) ولا يحتمل القطع فى البيت كما يحتمل فى الآية؛ لأن الصفات فى البيت غير مرفوعة إنما يحتملان معا أن تكون المتقدمة حالا.

(1) البيتان من الطويل، وهما لامرئ القيس فى ديوانه ص 115، ولسان العرب (شزر)، (عقص)، (أثث)، (وعثكل)، وشرح المعلقات السبع ص 17، وشرح المعلقات العشر ص 63.

والثانى له فى التبيان للطيبى (2/ 496)، والإيضاح ص 3، وشرح عقود الجمان (1/ 10).

(2)

سورة الأنعام: 92.

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): قالوا: التنافر يكون إما لتباعد الحروف جدا، أو لتقاربها، فإنها كالطفرة، والمشى فى القيد، ونقله الخفاجى عن الخليل بن أحمد، ورأى أنه لا تنافر فى القرب وإن أفرط، ويشهد له أن لنا ألفاظا متقاربة حسنة، كلفظ الشجر والجيش والفم، ومتباعدة قبيحة مثل: ملع إذا أسرع، ويرد على من جعل القرب والبعد موجبين للتنافر، أن نحو الفم حسن مع تقارب حروفه، وقد يوجد البعد ولا تنافر مثل:(علم)، ومثل:(البعد)، فإن الباء من الشفتين والعين من الحلق، وهو حسن، وأو غير متنافرة مع أن الواو بعيدة من الهمزة، وكذلك (ألم) متباعدة، وكذلك (أمر) ولا تنافر، والحق فى الجواب عن ذلك أن المدعى إنما هو الغلبة - كما هو شأن العلامات - لا اللزوم، ويشبه استواء تقارب الحروف وتباعدها فى تحصيل التنافر استواء المثلين اللذين هما فى غاية الوفاق والضدين اللذين هما فى غاية الخلاف فى كون كل من الضدين والمثلين لا يجتمع مع الآخر فلا يجتمع المثلان؛ لشدة تقاربهما، وكما يقال العداوة فى الأقارب، ولا الضدان؛ لشدة تباعدهما، وحيث دار الحال بين الحروف المتباعدة والمتقاربة، فالمتباعدة أخف حتى جعل جماعة تباعد مخارج الحروف من صفات الحسن، ونقله ابن الأثير فى كنز البلاغة عن علماء البيان، وقال الخفاجى: إنه شرط للفصاحة ورد عليه فى المثل السائر بأنا نعلم الفصاحة قبل العلم بالمخارج وهو ضعيف؛ لأنه لم يجعل العلة العلم بتباعد المخارج، بل نفس التباعد، وذلك مدرك لكل سامع، ثم قالوا: إن كلام العرب ثلاثة أقسام: أغلبه ما تركب من الحروف المتباعدة، ويليه تضعيف الحرف نفسه، وأقله المركب من الحروف المتجاورة فهو بين مهمل وقليل جدا، وإنما كان أقل من المتماثلين، وإن كان فيهما ما فى المتقاربين وزيادة؛ لأن المتماثلين يخفان بالإدغام. قال ابن جنى فى آخر سر الصناعة: التأليف ثلاثة أضرب: أحدها: تأليف الحروف المتباعدة، وهو الأحسن، الثانى: تضعيف الحرف نفسه، وهو يلى الأول فى الحسن، وتليهما الحروف المتقاربة فإما رفض وإما قل استعماله، ولذلك لما أرادت بنو تميم إسكان عين معهم، كرهوا ذلك فأبدلوا الحرفين حاءين، فقالوا: محم؛ فرأوا ذلك أسهل من الحرفين المتقاربين. ثم قال: والتضعيف واحتمال الحروف المكروهة والاعتلال بأواخر الحروف أولى منها بأوله.

ص: 60

والغرابة (1): نحو [من الرجز]:

وفاحما ومرسنا مسرّجا (2)

ــ

(قوله: والغرابة) ينبغى أن يحمل على الغرابة بالنسبة إلى العرب العرباء، لا بالنسبة إلى استعمال الناس، ولو أراد الثانى لكان جميع ما فى كتب الغريب غير فصيح، والقطع بخلافه، والمراد قلة استعمالها لذلك المعنى لا لغيره، ومثل المصنف الغرابة بقوله:

(وفاحما ومرسنا مسرّجا)

مشيرا إلى قول العجاج:

أيّام أبدت واضحا مفلّجا (3)

أغرّ برّاقا، وطرفا أبرجا

ومقلة وحاجبا مزجّجا

وفاحما، ومرسنا مسرّجا (4)(5)

(1) هى كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال، يصعب تخريج معناها.

(2)

أورده بدر الدين بن مالك فى المصباح ص 123 وعزاه للعجاج، وأسرار البلاغة 1/ 124 الفاحم: الشعر الأسود كالفحم. والمرسن: الأنف، ومسرج هى موضع الشاهد لعدم ظهور معناها. وقبله: ومقلة وحاجبا مزججا وقد اختلفوا فى تخريج كلمة (مسرّجا) هذه، فقيل: المعنى وصف الأنف بأنه كالسيف السريجى فى الدقة والاستواء، وسريج اسم حداد تنسب إليه السيوف، أو كالسراج فى البريق واللمعان، أو هو من قولهم: سرج الله وجهه، أى بهجه وحسنه، وقيل غير ذلك.

(3)

فى المطبوع/ ملفجا، وما أثبتناه من شرح عقود الجمان 1/ 11.

(4)

الرجز لرؤبة بن العجاج فى شرح عقود الجمان 1/ 11، والثانى للعجاج فى ديوانه 2/ 34، ولسان العرب (سرج)، (رسن)، وتاج العروس (سرج)، (رسن)، وعجز الثانى للعجاج فى الإيضاح ص 4، 252، والمصباح ص 123.

(5)

مفلجا: من الفلج وله معان عدة منها فلج كل شئ نصفه فلعلها أظهرت نصف وجهها، ومن معانيه الظهور أفلج الله حجته أى أظهرها فلعلها أظهرت وجهها وأسفرت عنه.

أبرجا: البرج: سعة العين فى شدة بياض صاحبها وقيل: سعة بياض العين وعظم المقلة وحسن الحدقة.

مزججا: الزجج: رقة محط الحاجبين ودقتهما وطولهما وسبوغهما واستقواسهما، وزججت المرأة حاجبها بالمزج: دفقته وطولته.

الفاحم: الشعر الأسود، الفحم، والمرسن: الأنف، وأصله موضع الرسن من الدابة. ومسرج هى موضع الشاهد لعدم ظهور معناها.

ص: 61

أى: كالسيف السّريجى فى الدقة والاستواء، أو كالسراج فى البريق واللمعان

ــ

(قوله: أى كالسيف السريجى فى الدقة والاستواء، أو كالسراج فى البريق) يشير إلى أنه لم يعلم ما أراد بقوله: مسرجا حتى اختلف فى تخريجه فقيل من قولهم للسيوف سريجية، أى منسوبة إلى قين يقال له سريج، يريد أنه فى الاستواء والدقة كالسيف السريجى، قاله ابن دريد، غير أنه يوهم أن البيت فى مذكر، وإنما هو فى مؤنث بدليل أيام أبدت، وقيل من السراج يريد فى البريق، من قولهم: سرج الله وجهه أى حسنه قاله ابن سيده. فإن قلت: لا يصح أنه كالسراج فى البريق، لأن اسم الذات لا نشتق منه أسماء الفاعلين أو المفعولين، ثم البيت ليس فيه أداة تشبيه. قلت: أما جعله تشبيها من غير أداة التشبيه، فالمراد تشبيه فى المعنى، أو تشبيه محذوف الأداة، كما ستراه منقولا عن جماعة فى قوله:

فأمطرت لؤلؤا من نرجس، وسقت

وردا، وعضّت على العنّاب بالبرد (1)

إلا أن المصنف لا يراه فيصح له الجواب الأول، فلعله أطلق المسرج، وهو للسيف على المرسن لمشابهته له، ولا مانع من تسمية السيف السريجى مسرجا من التسريج، وهو التحسين بحيث صار يشبه السراج. فقوله: كالسراج فى البريق، تفسير معنى ألا ترى إلى قوله فى الإيضاح: وهذا يقرب من قولهم: سرج وجهه، وسرج الله وجهه وفيما قاله نظر؛ لأنه تقدير ثالث من غير مراعاة السراج، إلا أن يقال: إنه يقرب منه من حيث المعنى وعبارة المحكم أى كالسراج، وقولهم: سرج الله وجهه.

والمرسن (بفتح الميم مع فتح السين وكسرها) حكاهما ابن سيده، وقال الجوهرى: إنه بكسر الميم وهو وهم. واعلم أن السكاكى ذكر المرسن فى باب المجاز، وذكر ما لا يوافق عليه، وسيأتى فى موضعه إن شاء الله تعالى. واعلم أن المصنف فسر الغرابة فى الإيضاح بما ذكره وفيه نظر؛ لأن هذا غرابة معنى لا غرابة كلمة، وفسرها أيضا بكون الكلمة لا يعرف معناها إلا بالبحث فى كتب اللغة المبسوطة، وهذا النوع من الغرابة أخف من الذى قبله، فكان ينبغى للمصنف أن يذكره ليستدل به على أشد منه، كما فعل فى التنافر، وقد مثل فى الإيضاح هذا بما روى عن عيسى بن عمر النحوى

(1) البيت من البسيط، للوأواء الدمشقى فى دلائل الإعجاز ص 446، وعزاه الشيخ محمود شاكر إلى ديوانه، وشرح عقود الجمان، 2/ 25، والمصباح ص 120، 121.

ص: 62

والمخالفة (1) نحو [من الرجز]:

الحمد لله العلىّ الأجلل (2)

ــ

أنه سقط عن حمار، فاجتمع الناس عليه، فقال: ما لكم تكأكأتم علىّ تكأكؤكم على ذى جنة افرنقعوا عنى؛ فإن تكأكأتم بمعنى اجتمعتم، وافرنقعوا بمعنى تفرقوا لا يكاد يطلع عليه من غير بحث. قلت: وكذلك حكاها الجوهرى، وقد حكاها الزمخشرى عن أبى علقمة عند قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ (3) وكذلك حكاها عنه الخفاجى، وقال: إن هذا التركيب أخرجه عن الفصاحة أمران: ضعف التأليف فى تتكأكأون، ونقله بصيغة المضارع، والغرابة فى افرنقعوا، ويعنى بقوله (ضعف التأليف) تنافر الحروف وقال الزمخشرى: افرنقعوا مأخوذ من حروف الفرقة مع زيادة العين، وفيه نظر؛ لأن العين ليست من حروف الزيادة، وجعله الجوهرى مشتقا من فرقعة الأصابع فوزنه على هذا افعنللوا، وعلى الأول افعنلعوا، وحكى ابن الجوزى فى كتاب الحمقى هذه عن أبى عبيدة، وقال: ما لكم تكأكأون ثم قال: فقال الناس: تكلم بالعبرانية فعصروا حلقه إلى أن استغاث، وآلى أن لا ينحو على الجهل، وقد اعترض على المصنف فى تفسير الغرابة بما ذكر، إنما الغرابة قلة الاستعمال كما يقتضيه كلام المفتاح وغيره، وكون الكلمة ثقيلة نوع آخر مما يخل بالفصاحة ولو سمى هذا باسم التعقيد لكان حسنا.

وقوله: (والمخالفة نحو الحمد لله العلى الأجلل).

يشير إلى قول أبى النجم:

الحمد لله العلىّ الأجلل

أعطى، فلم يبخل، ولم يبخّل (4)

لأن قياس التصريف الأجل لاجتماع المثلين، وتحرك الثانى وذلك يوجب الإدغام وأمثال ذلك كثيرة جدا، وأنشد سيبويه:

(1) هى أن تكون الكلمة على خلاف قواعد الصرف.

(2)

البيت لأبى النجم الراجز. وبعده: أنت مليك الناس ربّا فاقبل والشاهد فيه كلمة (الأجلل) لأن الموافق.

لقواعد الصرف هو (الأجلّ) بإدغام اللامين.

(3)

سورة سبأ: 23.

(4)

الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب 2/ 390، ولسان العرب (جلل)، وتاج العروس (جزل)، (جلل)، (خول)، والإيضاح ص 3.

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقى

أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا (1)

وقد يرد على المصنف ما خالف القياس، وكثر استعماله فورد فى القرآن، فإنه فصيح مثل: استحوذ. قال الخطيبى:

أما إذا كانت مختلفة الاستعمال لدليل فلا تخرج عن كونه فصيحا، كما فى سرر يريد أن قياس سرير أن يجمع على أفعلة وفعلان، مثل أرغفة ورغفان. قلت: إن عنى بالدليل ورود السماع فذلك شرط؛ لجواز الاستعمال اللغوى لا للفصاحة، وإن عنى دليلا يصيره فصيحا وإن كان مخالفا للقياس فلا دليل فى سرر على الفصاحة إلا وروده فى القرآن فينبغى حينئذ أن يقال: إن مخالفة القياس إنما تخل بالفصاحة حيث لم تقع فى القرآن الكريم، ولقائل أن يقول حينئذ: لا يسلم أن مخالفة القياس تخل بالفصاحة، ويسند هذا المنع بكثرة ما ورد منه فى القرآن، بل مخالفة القياس مع قلة الاستعمال مجموعهما هو المخل، وإن أراد الخطيبى أن سررا خالف القياس، لعدم الإدغام فليس بصحيح، فإنه ليس قياس الإدغام وليس كل مثلين يدغم أحدهما فى الآخر. ثم اعلم أن ما ذكره المصنف ظاهره يقضى بأن كل ضرورة ارتكبها شاعر فقد أخرج الكلمة عن الفصاحة. قال حازم فى المنهاج: الضرائر السائغة منها المستقبح وغيره، وهو ما لا تستوحش منه النفس كصرف ما لا ينصرف وقد تستوحش منه النفس فى البعض، كالأسماء المعدولة، وأشد ما تستوحشه النفس تنوين أفعل من وما لا يستقبح قصر الجمع الممدود، ومد الجمع المقصور، ويستقبح منه ما أدى إلى التباس جمع بجمع مثل: رد مطاعم إلى مطاعيم، أو رد مطاعيم إلى مطاعم، فإنه يؤدى إلى التباس مطعم بمطعام، وأقبح ضرائر الزيادة المؤدية لما ليس أصلا فى كلامهم كقوله:

من حوثما نظروا أدنو فأنظور (2)

(1) البيت من البسيط، وهو لقعنب ابن أم صاحب الخصائص 1/ 160، 257، وشرح أبيات سيبويه 1/ 318، والكتاب 1/ 29، 3/ 535، ولسان العرب (ظلل)، (ضنن).

(2)

البيت ثانى اثنين فى الإنصاف (1/ 24)، بلا نسبة ولفظه:

وأنّنى حيثما يثنى الهوى بصرى

من حيثما سلكوا أدنو فأنظور

وعزاهما فى الإنصاف إلى اللسان (شرى) والخزانة (2/ 58 بولاق).

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أى أنظر، أو الزيادة المؤدية لما يقل فى الكلام، كقول امرئ القيس فى بعض الروايات:

طأطأت شيمالى (1)

أراد شمالى، وكذلك يستقبح النقص المجحف، كقول لبيد:

درس المنا بمتالع فأبان (2)

أراد المنازل، وكذلك العدول عن صيغة لأخرى، كقول الحطيئة:

فيها الزّجاج وفيها كلّ سابغة

جدلاء محكمة من نسج سلّام (3)

أراد سليمان عليه السلام.

قلت: وما ذكره تفصيل حسن ينبغى اعتباره، إلا أن الضرائر المتعلقة بحركة إعراب الكلمة لا ينبغى أن ينظر إليها المتكلم فى فصاحة الكلمة؛ لأن الحركة زائدة على وضع الكلمة تحدث عند التركيب، وقد قسم النحاة الضرائر إلى المستقبح وغيره، وإنما ذكرت كلام حازم لما فيه من الزيادة، وأطلق الخفاجى أن صرف المنصرف وعكسه فى الضرورة مخل بالفصاحة فتلخص فى ذلك قولان، وصرح الخفاجى أيضا بأن فصاحة الكلمة يعتبر فيها إعراب الكلمة، ورد على من عساه يمنع ذلك، وفيه نظر كما سبق. نعم اعتبار حركة الإعراب فى فصاحة الكلام، سأذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.

(1) رواية لبعض بيت من الطويل ونصه:

كأنّى بفتخاء الجناحين لقوة

دفوق من العقبان طأطأت شملالى

وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 129 ط دار الكتب العلمية، ولسان العرب (دفق)، (شمل)، وتاج العروس (دفق).

(2)

صدر بيت من الكامل، وعجزه:

فتقادمت بالحبس فالسّوبان

وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص 138، والدرر 6/ 208، ولسان العرب (تلع)، (أبن).

(3)

البيت من البسيط، وهو للحطيئة فى ديوانه ص 75، ولسان العرب (جدل)، (سلم)، وتاج العروس (جدل)، والأغانى (12/ 164).

وروايته: فيه الرماح وفيه

ص: 65

قيل (1): ومن الكراهة فى السمع؛ نحو [من المتقارب]:

كريم الجرشّى شريف النّسب (2)

ــ

(قوله: قيل: ومن الكراهة فى السمع نحو كريم الجرشى شريف النسب).

يشير إلى قول المتنبى:

مبارك الاسم أغرّ اللّقب

كريم الجرشّى شريف النّسب (3)

فإن السمع يمج الجرشى، والمراد بها النفس، وربما مج السامع الكلمة، وتبرأ منها كما يتبرأ من سماع الصوت المنكر، وربما استلذ بسماع بعض الألفاظ.

(قوله: وفيه نظر) يريد أن الكراهة من جهة الصوت لا تعلق لها بالفصاحة، لأن السمع قد يستلذ بغير الفصيح بحسن الصوت وبالعكس، فإن كان كراهة الجرشى لاستغرابه، فقد دخل فيما سبق. قال الخطيبى هذا على ما بناه من أن الكراهة فى السمع راجعة إلى الغنم. ويجوز أن تكون راجعة إلى اشتمال اللفظ على تركيب ينفر الطبع عنه فتكون الكراهة فى السمع حينئذ راجعة إلى نفس اللفظ. قلت: هذا القسم الذى فرضه، لا يوجد إلا فى الكلام، فإن نفرة الطبع عن تركيب الكلمة إنما تكون لتنافر حروفها، وقد تقدم الاحتراز عنه، وهو إنما يتكلم الآن فى فصاحة المفرد على أنا نمنع الكراهة فى لفظ الجرشى، وقد ذكر حازم كراهة لفظ الجرشى، وعلله بتتابع الكسرات، وتماثل الحروف، وكونها حوشية.

(تنبيه): قد ذكر العلماء أمورا، بعضها يمكن أن يقال: إن الخلوص منه شرط لفصاحة المفرد، وبعضها لا يمكن ادعاء ذلك فيه؛ لوروده فى القرآن الكريم، وما قاله الزوزنى فى شروح التلخيص من أن الكلمة غير الفصيحة، قد تقع فى القرآن الكريم زلة قدم، وكذلك ما وقع فى كلام الطيبى فى سورة الأنعام وفى كلام ابن عصفور مما يوهم ذلك، منها أن تكون متوسطة بين قلة الحروف وكثرتها، والمتوسطة ثلاثة أحرف فإن كانت الكلمة على حرف واحد، مثل: قه - فعل أمر فى الوصل - قبحت، وإن

(1) أى قيل: فصاحة المفرد خلوص مما سبق ذكره، وأيضا من الكراهة فى السمع.

(2)

البيت للمتنبى، وهو فى مدح سيف الدولة، والجرشى: النفس.

(3)

البيت من المتقارب، وهو للمتنبى فى ديوانه 2/ 198، ط. دار الكتب العلمية، وشرح عقود الجمان 1/ 11، والإيضاح ص 4.

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانت على حرفين، لم تقبح إلا بأن يليها مثلها، ذكره حازم. قال حازم: المفرط فى القصر ما كان على مقطع مقصور، والذى لم يفرط ما كان على سبب. والمتوسط ما كان على وتد أو على سبب ومقطع مقصور أو على سببين، والذى لم يفرط فى الطول ما كان على وتد وسبب. والمفرط فى الطول ما كان على وتدين، أو على وتد وسببين. اه.

وفيه مخالفة لكلام غيره، وقال حازم أيضا: إن الطول تارة يكون بأصل الوضع، وتارة تكون الكلمة متوسطة فتبطلها الصلة وغيرها، كقول المتنبى:

خلت البلاد فى الغزالة ليلها

فأعاضهاك الله كى لا تحزنا (1)

وقول أبى تمام:

ورفعت للمستنشدين لوائى (2)

اه، فإن قلت: زيادة الحروف لزيادة المعنى، كما فى اخشوشن بمعنى خشن، واقتدر فى قوله تعالى: فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (3). وقوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (4). وغير ذلك فكيف جعلتم كثرة الحروف مخلا بالفصاحة مع كثرة المعنى فيه؟

قلت: لا مانع من أن تكون إحدى الكلمتين أقل معنى من الأخرى، وهى أفصح منها. إذ الأمور الثلاثة التى يشترط الخلوص عنها لا تعلق لها بالمعنى، ثم كون زيادة الحروف دائما لزيادة المعنى المراد به أن يكونا لمعنى واحد ومادة واحدة. فخرج بالأول نحو علم واستعلم وكسر وانكسر وبالثانى المادتان المستقلتان فلا تفاضل بينهما.

ومن الغريب أن التنوخى نقل عن بعض الناس أن صيغة فاعل أبلغ من فعيل لكثرة استعمالها، وذكره ابن الأثير فى المثل السائر، وأخوه فى الجامع، وقال: لأن اسم

(1) البيت من الكامل، وهو للمتنبى فى ديوانه 1/ 198.

(2)

عجز بيت من الكامل، وصدره:

وإلى محمد ابتعثت قصائدى

وهو لأبى تمام فى ديوانه ص 16.

(3)

سورة القمر: 42.

(4)

سورة الشعراء: 94.

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفاعل لا يكون إلا بمعنى الفاعل، والفاعل قوى، وفعيل يكون بمعنى الفاعل والمفعول، فهو دائر بين قوى وضعيف، وما يختص بقوى أبلغ مما دار بين قوى وضعيف، ولأن فاعل أشمل لشموله المتعدى والقاصر. ورده التنوخى بأن المفاضلة إنما تكون بين كلمتين ومادة واحدة، لا بين الأوزان، ثم قد يرد على هذه القاعدة أمور منها:

أن ياء التصغير تنقص المعنى وتحقره غالبا، ويمكن الجواب عنه بأنه إنما يكثر المعنى بزيادة حرف لا لمعنى، أما الحرف المراد لمعنى، فإنه لا يتجاوز معناه، كما أن حرف المضارعة لا يزيد المعنى فى يضرب على ضرب بل يغير الزمان فقط. أو يقال: إن ياء التصغير زادت المعنى؛ لأن مدلول الاسم قبل التصغير مطلق الحقيقة، وبعده الحقيقة بقيد الحقارة، أو التحبيب ونحو ذلك من أسباب التصغير. وبعد أن ذكرت ذلك بحثا رأيت علاء الدين بن النفيس، قد سبقنى إليه فى كتابه طريق الفصاحة، فقال: التصغير وإن دل على الاحتقار والنقص فذلك لا محالة زيادة فى

المعنى. اه. ولكن فيه نظر لما سيأتى.

ومنها قولهم لمن مات: ميت بالإسكان، ولمن قارب الموت: مائت، وإن كان مائت يطلق أيضا على من مات. فإن قيل: إنهما لمعنيين مختلفين، فجوابه أن المعنى الذى فى المقارب للموت بعينه موجود فى الميت حقيقة وزيادة عليه.

ومنها أن جموع القلة أقلها حروفا أفعل وفعلة، وهما أكثر حروفا من أشياء من جموع الكثرة مثل فعل وفعل وفعل بل غالب جموع الكثرة لا يتجاوز خمسة أحرف، وكذلك أفعال وأفعلة وهما جمعا قلة، وجموع السلامة كلها للقلة، وأقلها خمسة أحرف.

فنحن نجد فى كثير من المواد جمع قلة حروفه أكثر من نظيره من تلك المادة، وهو جمع كثرة.

ومنها أن اسم الفاعل من الثلاثى على أربعة (ف اع ل)، فإذا أردت المبالغة، ساغ لك أن تحوله إلى مثله عددا، وهو فعيل أو أقل وهو فعل، وقد يجاب عن فعيل بأنّا لم ندع أن العلامة مطردة منعكسة، ولا قلنا: إن عدم زيادة الحروف يدل على عدم زيادة المعنى. ويجاب عن فعل بأنه حصل فيه معارض، وهو أنه على وزن أفعال السجايا، فكان أبلغ من جهة أخرى، والجواب السابق أيضا: فإن فاعل لم تزد حروفه على فعل، حتى يلزم أن يكون أبلغ بل فعل نقصت حروفه عن فاعل، فإن فاعلا هو

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصل، والمدعى أن اللفظ إذا حول إلى أكثر حروفا منه كان أبلغ. وأما إذا حول إلى أنقص فلا يلزم أن ينقص المعنى، بل قد يقترن بما يجعله أبلغ. ونقل الزمخشرى هذه القاعدة بعد أن قال: قيل: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. قال ابن المنير: حاصله أن الرحمة المستفادة من رحمن، أعم من الرحمة المستفادة من رحيم، والدلالة للعموم على قصور المبالغة أولى كما أن ضاربا أعم من ضراب، وضراب أبلغ منه بخصوصه، واستحسنه صاحب الإنصاف. قلت: فيه نظر من وجوه:

الأول: أنهما بنيا على أن مراد الزمخشرى برحمن الدنيا والآخرة، أنه يراد به ما هو أعم من كل منهما، وهو ممنوع لجواز أن يريد أن الرحمن، يراد به مجموع الرحمتين، فيكون مدلول الرحيم بعض مدلول الرحمن، ولا يكونان أعم وأخص، بل كل وجزء، فيتم ما قاله حينئذ.

الثانى: أن قوله: والدلالة بالعموم على قصور المبالغة أولى فيه نظر. لأنا نقول: سلمنا أن الأخص أكثر معنى من الأعم، لأنه يدل على الأعم وزيادة ولكن الزمخشرى: لا يعنى بزيادة المعنى هنا ذلك، بل المبالغة فى المعنى فى غير انضمام معنى إليه زائد، ولا منافاة بين كون الأخص أزيد معنى، والأعم أبلغ منه فى الدلالة على أصل المعنى،

فإن معنى الإنسان أكثر من معنى الحيوان. والظاهر أن دلالة الحيوان على معناه، أبلغ من دلالة الإنسان على الحيوان، لأن الأولى بالمطابقة، والثانية بالتضمن. وإذا صح لنا هذا فى ذلك فلننقله إلى مقصودنا، وهو أعم وأخص من مادة واحدة.

الثالث: أن ضرابا وضاربا ليس أحدهما عند التحقيق أعم من الآخر؛ لأن ضرابا لا يتميز عنه بوصف ذاتى، بل ضراب عبارة عن ذى ضروب كثيرة، أو ذى ضرب يوصف بالقوة، وذلك لا يوجب له حقيقة الأخص لما تقرر فى علم المنطق، وليس عندى فى الجواب عن ذلك كله إلا أن هذه علامات لا يشترط اطرادها. فإن قلت: قد اشتمل القرآن على كثير من الرباعى والخماسى، فليكن فصيحا. قلت: لم يدعوا أن غير الثلاثى غير فصيح بل الثلاثى أفصح، ومع هذا فمن شرط ذلك أن تكون كلمتان لمعنى واحد إحداهما ثلاثية والأخرى رباعية، ولا يكون ثم مرجح لإحداهما على الأخرى - فيكون العدول إلى الرباعية عدولا عن الأفصح، وأين يوجد هذا فى القرآن؟

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومما يجب ضبطه لينتفع به فى هذا الكتاب كله أنه ليس لكل معنى كلمتان فصيحة وغيرها فربما لا يكون للمعنى إلا كلمة فصيحة أو غير فصيحة، ويضطر إلى استعمالها.

ومنها: أن تجتنب الحركة الثقيلة على بعض الحروف كالضمة على الجيم، وأن تجتنب الأسباب الخفيفة المتوالية، كقولهم: القتل أنفى للقتل، ويرد عليه وروده فى القرآن. قال تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (1). وقال تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ (2).

وقد يقال: إن هذا كله يتعلق بفصاحة الكلام، لأن الأسباب لم تجتمع فى كلمة واحدة.

ومنها أن لا تجتمع الأفعال المتوالية، كقول المتنبى:

عش ابق اسم سد قد جد مر انه رف اسر نل

غظ ارم صب احم اغز اسب رع زع دل اثن نل (3)

وقال حازم: إن بيت المتنبى إنما قبح لقصر كلماته المتوالية التى على حرفين، وينبغى أن يذكر هذا فى شروط فصاحة الكلام.

ومنها: أن لا تكون الكلمة مبتذلة، إما لتغيير العامة لها إلى غير أصل الواضع كاللقالق ولهذا عدل فى التنزيل إلى قوله: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ (4)؛ لسخافة لفظ الطوب، وما رادفه كما قال الطيبى، ولاستثقال جمع الأرض لم تجمع فى القرآن، وجمعت السماء، وحيث أريد جمعها قال: الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (5) وقد قسم حازم فى المنهاج الابتذال والغرابة فقال ما ملخصه الكلمة على أقسام:

الأول: ما استعملته العرب دون المحدثين، وكان استعمال العرب له كثير فى الأشعار، وغيرها فهذا حسن فصيح.

(1) سورة المدثر: 6.

(2)

سورة الإسراء: 100.

(3)

البيت من الطويل، وهو لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه 2/ 92، والعمدة لابن رشيق 2/ 25، والمصباح ص 180.

وروايته فى كل مصدر مختلفة بعض الشئ عن روايته التى ذكرها المصنف.

(4)

سورة القصص: 38.

(5)

سورة الطلاق: 12.

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثانى: ما استعملته العرب قليلا، ولم يحسن تأليفه ولا صيغته فهذا لا يحسن إيراده.

الثالث: ما استعملته العرب وخاصة المحدثين دون عامتهم فهذا حسن جدا لأنه خلص من حوشية العرب وابتذال العامة.

الرابع: ما كثر فى كلام العرب وخاصة المحدثين وعامتهم ولم يكثر فى ألسنة العامة فلا بأس به.

الخامس: ما كان كذلك، ولكنه كثر فى ألسنة العامة، وكان لذلك المعنى اسم استغنت به الخاصة عن هذا، فهذا يقبح استعماله لابتذاله.

السادس: أن يكون ذلك الاسم كثيرا عند الخاصة والعامة، وليس له اسم آخر، وليست العامة أحوج لذكره من الخاصة، ولم يكن من الأشياء التى هى أنسب بأهل المهن فهذا لا يقبح، وليس يعد مبتذلا، مثل لفظ: الرأس والعين.

السابع: أن يكون كما ذكرناه إلا أن حاجة العامة له أكثر، فهو كثير الدوران بينهم، كالصنائع، فهذا مبتذل.

الثامن: أن تكون الكلمة كثيرة الاستعمال عند العرب والمحدثين لمعنى، وقد استعملها بعض العرب نادرا لمعنى آخر، ويجب أن يجتنب هذا أيضا.

التاسع: أن يكون العرب والعامة استعملوها دون الخاصة، وكان استعمال العوام لها من غير تغيير، فاستعمالها على ما نطقت به العرب ليس مبتذلا، وعلى التغيير قبيح مبتذل اه. ثم اعلم أن الابتذال فى الألفاظ وما يدل عليه ليس وصفا ذاتيا، ولا عرضا لازما؛ بل لاحقا من اللواحق المتعلقة بالاستعمال فى زمان دون زمان، وصقع دون صقع، ومن أسباب الفصاحة أيضا أن لا تكون مشتركة بين معنيين: أحدهما مكروه كقولك: لقيت فلانا فعزرته، إلا بقرينة، كقوله تعالى:

فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ (1). ولك أن تقول: القرينة لا بد منها لكل إطلاق لفظ مشترك، فإن لم تكن قرينة، لم يجز

ذلك إلا لغرض الإبهام، وإن وجدت القرينة فهو فصيح لوروده فى القرآن الكريم، وقد يقال: هذا يتعلق بفصاحة الكلام لا الكلمة،

(1) سورة الأعراف: 157.

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأن تكون الحروف لذيذة عذبة، وقد يقال: إن غالب ذلك راجع إلى التنافر فدخل فى كلام المصنف، وجعل من الإخلال بالفصاحة أيضا أن يجمع بين ثلاث حركات متوالية، وليس بصحيح لوروده فى القرآن، ولو صح فهو من التنافر، وأيضا فهو فى الكلمة الواحدة: أما الكلمات فقد تجتمع فيها الحركات المتوالية، وتصل إلى ثمانية، قال تعالى: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً (1) وجعل حازم فى المنهاج من المستقبح تتابع الكسرات، وحروف العلة نحو الكيماء.

(تنبيه): ليس من شرط الكلمة أن تكون قابلة هذه الأمور الثلاثة، فقد لا تقبلها كالكلمة التى على حرف واحد فلا تنافر فيها، بل الحروف كلها ليس فيها تنافر حروف.

(تنبيه): قال فى الإيضاح: ثم علامة كون الكلمة فصيحة، أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا، أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها. قلت: قوله: أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها فيه نظر؛ لاستلزامه أن مراتب الفصاحة لا تتفاوت، لأنه إذا كان استعمالهم لها أكثر من غيرها وجعلناه دليل الفصاحة فلا يكون غير فصيح بحال، لا يقال:

قوله كثيرا يرفع هذا الوهم؛ لأنه إنما يقصد بقوله: أن يكون استعمالهم لها كثيرا كون الكلمة ليس لها مرادف؛ فكثرة استعمالها دليل فصاحتها. أما إذا كان كلمتان مترادفتان، فقد شرط فى فصاحة إحداهما الأكثرية، ولا شك أن رتب الفصاحة متفاوتة، ولو كان مراده الكثرة من كلمة لها مرادف لما قال: أو أكثر؛ لأن الأكثر كثير.

(تنبيه): قال ابن النفيس فى كتاب الطريق إلى الفصاحة: قد تنقل الكلمة من صيغة لأخرى، أو من وزن لآخر، أو من مضى لاستقبال وبالعكس، فتحسن بعد أن كانت قبيحة، وبالعكس فمن ذلك خود بمعنى أسرع قبيحة فإذا جعلت اسما خودا، وهى المرأة الناعمة قل قبحها، وكذلك ودع يقبح بصيغة الماضى؛ لأنه لا يستعمل ودع إلا قليلا، ويحسن فعل أمر أو فعلا مضارعا، ولفظ اللب بمعنى العقل يقبح مفردا، ولا يقبح مجموعا، كقوله تعالى: لِأُولِي الْأَلْبابِ (2) قال ولم يرد لفظ اللب مفردا إلا

(1) سورة يوسف: 4.

(2)

سورة آل عمران: 190.

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مضافا كقوله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الحازم من إحداكن" (1) أو مضافا إليها، كقول جرير:

يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك

وهنّ أضعف خلق الله أركانا (2)

وكذلك الأرجاء تحسن مجموعة كقوله تعالى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها (3) ولا تحسن مفردة إلا مضافة، كقولنا: رجا البئر، وكذلك الأصواف تحسن مجموعة نحو قوله تعالى:

وَمِنْ أَصْوافِها (4) ولا تحسن مفردة، كقول أبى تمام:

فكأنّما لبس الزّمان الصّوفا (5)

ومما يحسن مفردا ويقبح مجموعا المصادر كلها، وكذلك طيف وطيوف وبقعة وبقاع، وإنما يحسن جمعها مضافا مثل بقاع الأرض.

(تنبيه): رتب الفصاحة متقاربة، وإن الكلمة تخف وتثقل بحسب الانتقال من حرف إلى حرف لا يلائمه قربا أو بعدا، فإن كانت الكلمة ثلاثية فتراكيبها اثنا عشر:

الأول: الانحدار من المخرج الأعلى إلى الأوسط إلى الأدنى، نحو ع د ب.

الثانى: الانتقال من الأعلى إلى الأدنى إلى الأوسط نحو ع م د.

الثالث: من الأعلى إلى الأدنى إلى الأعلى نحو ع م هـ.

الرابع: من الأعلى إلى الأوسط إلى الأعلى نحو ع ل هـ.

الخامس: من الأدنى إلى الأوسط إلى الأعلى نحو م ل ع.

السادس: من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط نحو ب ع د.

السابع: من الأدنى إلى الأعلى إلى الأسفل نحو ف ع م.

الثامن: من الأدنى إلى الأوسط إلى الأدنى نحو ف د م.

التاسع: من الأوسط إلى الأعلى إلى الأدنى نحو د ع م.

(1) أخرجه البخارى فى" الحيض"، باب: ترك الحائض الصوم، (1/ 483)، (ح 304)، فى مواضع أخر من صحيحه.

(2)

البيت من البسيط، وهو لجرير فى الأغانى 7/ 325.

(3)

سورة الحاقة: 17.

(4)

سورة النحل: 80.

(5)

عجز بيت من الكامل، وهو لأبى تمام فى ديوانه ص 194. وصدره:

كانوا برود زمانهم فتصدعوا

ص: 73