الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف المسند إليه بالإضمار:
وأمّا تعريفه: فبالإضمار:
1 -
لأنّ المقام للتكلّم.
2 -
أو الخطاب.
3 -
أو الغيبة.
ــ
الإضافة بخلاف النكرة المثبتة. قال فى الإيضاح: التعريف لتكون الفائدة
أتم لأن الحكم كلما كان بعيدا من الذهن، كان الإعلام به أكبر فائدة، وكلما كان أكبر كانت الفائدة أضعف وبعده بحسب تخصيص المسند إليه، والمسند كلما ازداد تخصيصا، ازداد الحكم بعدا، وكلما ازداد عموما، ازداد الحكم قربا. وإن شئت فاعتبر حال الحكم فى
قولنا:
شئ ما موجود يعنى أن الفائدة فيه ضعيفة، بخلافها فى قولك: فلان ابن فلان يحفظ الكتاب، والتخصيص كماله بالتعريف. اه.
وأورد عليه الخطيبى أن ما ذكره يقتضى التخصيص، وهو أعم من التعريف. قلت:
قد أجاب المصنف عن ذلك، بقوله: وكمال التخصيص بالتعريف.
تعريف المسند إليه بالإضمار:
ص: (فبالإضمار؛ لأن المقام للتكلم أو الخطاب أو الغيبة).
(ش): الذى يظهر أن قوله: لأن المقام هو خبر تعريفه، والفاء داخلة عليه، وفصل بينهما قوله: بالإضمار، وهو حال لأنه لا يريد أن يخبر بأن التعريف يكون بالإضمار وغيره؛ فإن ذلك حظ النحوى، بل يريد ذكر أسباب التعريفات، غير أن فيه الفصل بين الفاء والمعطوف بالحال. فإذا كان التعريف بالإضمار فذلك يكون لأحد أسباب:
الأول - أن يكون المقام يحتاج لضمير يبين المقصود، فتارة يكون باعتبار التكلم، كقوله:
أنا المرعّث لا أخفى على أحد
…
ذرت بى الشّمس للقاصى وللدّانى (1)
(1) البيت لبشار فى مقدمة ديوانه 1/ 75، وفى الإشارات والتنبيهات ص 37.
والمرعث: الذى يلبس الرعثة، أى القرط فى أذنه، والقاصى والدانى: البعيد والقريب. قال المرزوقى فى شرح الحماسة عند قول الأحوص الأنصارى:
إنّى إذا خفى الرّجال رأيتنى
…
كالشّمس لا أخفى بأىّ مكان
إن بشارا أخذه من هذا البيت.
وأصل الخطاب أن يكون لمعيّن، وقد يترك إلى غيره؛ ليعمّ كلّ مخاطب؛ نحو: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (1) أى: تناهت حالهم فى الظهور؛ فلا يختصّ بها مخاطب.
ــ
والبيت لبشار، والمرعث: المقرط، وكان بشار يلقب بالمرعث لرعثة كانت له فى صغره، والرعثة: القرط، وإما أن يكون مكان خطاب، كقوله:
وأنت الّذى كلّفتنى دلج السّرى
وقوله:
وأنت الذى أخلفتنى ما وعدتنى
…
وأشمتّ بى من كان فيك يلوم (2)
وإما أن يكون مقام غيبة؛ لتقدم ما يرجع إليه المسند إليه لفظا، كقوله:
من البيض الوجوه بنى سنان
…
لو انّك تستضئ بهم أضاءوا
هم حلّوا من الشّرف المعلّى
…
ومن حسب عشيرة حيث شاءوا (3)
أو فى حكم الملفوظ به؛ كقوله تعالى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (4).
ص: (وأصل الخطاب أن يكون لمعين، وقد يترك إلى غيره؛ ليعم كل مخاطب).
(ش): أصل الخطاب أن يكون لمعين، إما مفرد، أو جمع، أو مثنى، وقد لا يقصد به معين، كما تقول: فلان لئيم إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه، أساء إليك. فلا تريد مخاطبا بعينه، بل تريد أكرم، أو أحسن إليه فتخرجه فى صورة الخطاب، ليفيد العموم، وأن سوء معاملته، لا يختص بواحد دون آخر.
ومنه قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (1) أخرج فى صورة الخطاب لما أريد العموم، يريد أن حالهم تناهت فى
(1) السجدة: 12.
(2)
البيت من الطويل، وهو لمعشوقة ابن الدمينة فى ديوانه ص 42، ولأميمة امرأته فى الأغانى 17/ 53، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1381، وبلا نسبة فى البيان والتبيين 3/ 370، والحيوان 3/ 55، ومغنى اللبيب 2/ 504، والإشارات ص 37.
(3)
البيتان لأبى البرج القاسم بن حنبل المرى فى شرح الحماسة 4/ 96، وهما بلا نسبة فى الإشارات ص 37، والبيت الثانى مع آخر بلا نسبة فى دلائل الإعجاز ص 148.
(4)
سورة المائدة: 8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الظهور، بحيث لا يختص بها راء دون راء، بل كل من أمكن منه الرؤية داخل فى ذلك الخطاب.
(تنبيه): مثل هذا الخطاب هل نقول: إنه عام عموم الصلاحية، أو عموم الاستغراق، ويحتمل أن يقال بالأول، ويكون الخطاب مع شخص لا بعينه، لكن فيه إشكال، من جهة أن ذلك يزيل تخصيص الضمير، ويجعله شائعا، وذلك بمعنى التنكير، وضمائر المخاطب لا تكون إلا معرفة، وإن كان ضمير النكرة قد يقال: إنه نكرة - كما هو أحد
قولين - لكن ذاك فى ضمير الغيبة، فلو جعلنا ذلك الشخص لا بعينه لضاهى تنكير الأعلام، والمضمرات لا تنكر كما ينكر العلم، ويحتمل أن يقال: إن المراد أنه خطاب مع كل من يقبل أن يخاطب، وعلى هذا فيكون عاما للشمول، ويحتمل أن يقال: إنه استعمل ضمير المفرد مرادا به، الجمع فيكون مجازا إن جوزنا التجوز فى المضمرات، وفيه بحث. ويحتمل أن يقال: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز، على معنى أنه خوطب الجميع ليكون لواحد منهما حقيقة، ولغيره مجازا، فأيهما فرضته فيه حقيقة كان فى غيره مجازا، لكنه لا يتعين فى الخارج، فلم يقع حينئذ إلا على معين يفيد التعيين المطلق الذى لا يتميز فى الخارج، ويحتمل أن يقال: إنه حقيقة، يدل على كل فرد بالمطابقة، كدلالة العام على أفراده، والمشترك على معانيه، ولا يلزم عليه أن يصير مدلوله جمعا، بل ينصب على كل فرد فرد انصبابا واحدا، وهذا هو الظاهر، ولم أر من تكلم على ذلك فليتأمل.
(تنبيه): إنما يتأتى ذلك حيث كان المخاطب به صالحا لأن يخاطب به كل أحد، فإن لم يكن فلا، كقوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ (1).
واعلم أن خطاب القرآن ثلاثة أقسام: قسم لا يصلح إلا للنبى صلى الله عليه وسلم وقسم لا يصلح إلا لغيره، وقسم يصلح لهما، وقد تكلمنا على ذلك فى شرح مختصر ابن الحاجب.
(1) سورة الشورى: 3.