المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقييد المسند بالشرط: - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌تقييد المسند بالشرط:

وأما تقييده بالشرط:

فلاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة ما بين أدواته من التفصيل، وقد بيّن ذلك فى علم النحو، ولكن لا بدّ من النظر - ههنا - فى:"إن"، و"إذا"، و"لو":

ف إن وإذا ": للشرط فى الاستقبال؛

ــ

يكاد أحد يخبر بذلك لما يلزم عليه من كون الاسم متجردا من العوامل وغير متجرد فى حالة واحدة. وقوله: (وأما تركه فلمانع منها) أى ترك التقييد لمانع من هذه الأمور، مثل: إرادة الاختصار أو انتهاز الفرصة، أو غير ذلك.

‌تقييد المسند بالشرط:

ص: (وأما تقييده بالشرط

إلخ).

(ش): من أحوال المسند تقييده بالشرط مثل: (يقوم زيد إن قام عمرو) ومثل (إن قام زيد قام عمرو)، فإنه قيد فيه الجواب بالشرط، ولك أن تقول: المفيد هنا ليس المسند بل جملة كاملة من مسند ومسند إليه، ثم ذلك يكون لاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة معانى كلمات الشرط وما بينها من التفاوت. وقد أحال المصنف غالب ذلك على علم النحو، واقتصر على ذكر (إن) و (إذا) و (لو)، وقال: إنه لا بد من النظر فيهن لما فيهن من المعانى اللطيفة والمباحث الشريفة على خلاف فى بعض هذه الأدوات.

وأدوات الشرط إن ومن وما ومتى ومهما وأى، وأنى وأيان قليلا ظرفا زمان، وكيف وإذما، وحيثما وأين

ظرفا مكان، وكذلك لما ولولا ولوما.

و (لو) فى الغالب شرطية يعنى أنها للربط فى الماضى، وأما إطلاق المصنف أن (لو) شرط فقد تبع فيه ابن مالك، وابن مالك تبع الجزولى، قال شيخنا أبو حيان: وأصحابنا لا يعرفون ذلك انتهى. والتحقيق أنها ليست شرطا فإن الشرط يستحيل أن يكون ماضيا كما سيأتى تقريره.

ومن أدوات الشرط (إذا) فقط أو موصولة بها (ما).

ولنقدم ما تكلم عليه المصنف. أما (إن) و (إذا) فقال: إن كلا منهما للشرط فى الاستقبال، يعنى: أن فعل الشرط فيهما لا بد أن يكون مستقبل المعنى سواء كان ماضى اللفظ أو مضارعه، وهذا متفق عليه، ولا يقدح فيه قول بعضهم: إن (إذا) قد تكون للحال وإن منه قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) لأن ذلك إن ثبت فهو فى

(1) سورة النجم: 1.

ص: 322

لكن أصل (إن) عدم الجزم بوقوع الشرط، وأصل (إذا) الجزم بوقوعه، ولذلك كان النادر موقعا ل إن خ خ، وغلب لفظ الماضى مع إذا خ خ؛ نحو: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (1)

ــ

إذا المجردة للظرفية لا فى المتضمنة معنى الشرط. نعم قال بعضهم: إن (إذا) لا تدل على الشرط والارتباط، بل حصول الفعلين معها بحسب الاتفاق، إذ لو لوحظ فيها معنى الشرط جئ بالفاء نحو قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ (2)، ولا يجوز:(إن يقم زيد ما ضربته) لكن الأصل فى (إن) عدم الجزم بوقوع الشرط، فإذا قلت:(إن قام زيد) دل على أنك غير جازم بأنه سيقوم، وأصل (إذا) الجزم؛ ولذلك كان النادر أى: الذى يندر - وقوعه موقعا؛ لأن أى مكان وقوعها، فإن قلت: كيف تدخل (إن) على فعل الموت كقوله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ (3) قلت: أجاب عنه الزمخشرى بأنه لما كان مجهول الوقت ساغ ذلك فينبغى حينئذ أن يضاف إلى غير المجزوم به غير المجزوم بوقته، فإن قلت: فليجز التعليق على احمرار البسر بأن قلت:

إنما امتنع عند من منعه؛ لأن وقته معلوم بالتقريب، وإنما أتى بلفظ الأصل لأنه قد يأتى عكس هذا كما سنذكره، وكون (إذا) موضوعة للمجزوم به خلاف ما ذكره ابن مالك وغيره من أنها لما تيقن كونه أرجح، والذى يتلخص أن (إن) و (إذا) يشتركان فى عدم الدخول على المستحيل إلا لنكتة نحو: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ (4)، وتنفردان بالمشكوك فيه والموهوم، وتنفرد (إذا) بالمجزوم به، وهل تدخل على المظنون؟ خلاف، لكن قول المصنف: أصل (إن) عدم الجزم يدخل فيه الأربع فيرد عليه المستحيل والمظنون وليس الأصل دخولها عليهما.

قال المصنف: ولأجل ذلك غلب لفظ الماضى مع (إذا)؛ لأن الفعل بعدها مجزوم به، فاستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه؛ لأن المستقبل إذا قصد تحققه يؤتى به بلفظ الماضى كقوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ (5)، ثم ذكر قوله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أتى فى الحسنة (بإذا)؛ لأن وقوع مطلق الحسنة مجزوم به؛ لأن الحسنة - أعنى نعم الله تعالى المحبوبة للعباد - غالبة

(1) سورة الأعراف: 131.

(2)

سورة الجاثية: 25.

(3)

سورة آل عمران: 158.

(4)

سورة الزخرف: 81.

(5)

سورة النحل: 1.

ص: 323

لأن المراد الحسنة المطلقة؛ ولهذا عرّفت تعريف الجنس، والسيئة نادرة بالنسبة إليها؛ ولهذا نكّرت.

ــ

على السيئة - أعنى ما يسوء الإنسان - وأتى فى السيئة (بإن) لندورها، هكذا ينبغى أن يقرر. وأما المصنف فإنه قال: أتى فى جانب الحسنة (بإذا) لأن المراد الحسنة المطلقة التى حصولها مقطوع به؛ أو كالمقطوع به، ولذلك عرفت تعريف الجنس، وفى جانب السيئة بلفظ (إن) لأن السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ولذلك نكرت.

قلت: قد يقال: إن الإطلاق موجود فى الحسنة المعرفة تعريف الجنس، وفى السيئة النكرة، إلا أن يقال: الألف واللام الجنسية تصرف إلى الحقيقة فيكون مطلقا، بخلاف سيئة المنكر قد يكون نكرة فى المعنى بأن يكون تنكيره للوحدة.

والذى يظهر أن ما ذكره المصنف من الحكمة فى استعمال (إن) و (إذا) فى موضعهما واضح من غير اعتبار تعريف ولا تنكير. وجوّز السكاكى أن تكون الألف واللام جنسية وأن تكون عهدية، وقال: إن العهد أقضى لحق البلاغة. قال المصنف: وفيه نظر، ووجه النظر أنه قرر أن الحسنة مطلقة فكيف يجعلها للعهد وهو ينافى الإطلاق؟ وحمل كلامه على أنه يريد عهدا جنسيا، والعهد الجنسى لا ينافى الإطلاق بالنسبة إلى أنواعه، وحمل على أنه يريد بالمعهود النعمة المطلقة الموجودة فى ضمن الجزئيات، فتكون مطلقة وغير مطلقة باعتبارين، وما ذكره فى المفتاح هو معنى عبارة الكشاف. وإذا راجعت ما قدمناه فى الألف واللام من تحقيق مذهب السكاكى، وأنه يرى أن الألف واللام لا تزال عهدية اتضح لك أن ما ذكره هنا ماش على رأيه. قال الطيبى: مراد الزمخشرى بجنس

الحسنة العهد الجنسى الشائع، كما قال فى تفسير (الحمد لله): التعريف فيه للجنس، والمراد الإشارة لما يعرفه كل أحد أن الحمد ما هو؟ فالمراد بالحسنة الحسنة التى تحصل فى ضمن فرد من الأفراد، فتارة تكون خصبا، وتارة رفاهية، وتارة صحة، وغير ذلك، وإليه الإشارة بقوله: الحسنة من الخصب والرخاء، فإن بعضا منها واقع لا محالة، وهو يصدق على كل فرد حاصلا كان أو سيكون، ومن ثم لم يجز حمل العهد على الخارجى لتشخصه، ولا على الجنس من حيث هو هو؛ فإن الحقيقة إذا أريد بها شئ بعينه مجازا حمل على المبالغة والكمال فيها، والمقام لا يقتضى ذلك، وهو المعنى بقول صاحب المفتاح؛ لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به كثرة؛ ولذلك عرف ذهابا إلى كونها معهودة أو تعريف جنس،

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأول أقضى لحق البلاغة أى المعهود الذهنى اه. وقيل: إنما قال: إنه أقرب للبلاغة؛ لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس، وجعل المصنف من ذلك: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ (1).

قلت: وهو يشهد لما قلناه من أن الإتيان (بإذا) و (إن) لمادتى الحسنة والسيئة، لا لتعريف ولا لتنكير، وإلا ورد عليه ما ذكره بهذه الآية الكريمة، فيحتاج إلى تكلف الجواب بأنه إنما نكّر رعاية للفظ الإذاقة المشعر بالقلة.

وأورد المصنف قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (2) فقد استعمل فيه (إذا) فى الطرفين، وأجاب بأنه قصد التوبيخ والتقريع فأتى (بإذا) و (بالمس) المشعر بالقلة؛ ليكون تخويفا لهم، وإخبارا بأنهم لا بد أن يمسهم شئ من العذاب.

وأورد قوله تعالى: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (3) بعد قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ فإن الضمير فى مسه يعود على المعرض؛ إشارة إلى أنه لما أعرض وتكبر قطع بأن الشر يمسه؛ قلت: الواو ليست للترتيب، والذى يمسه الشر أعم من أن يكون مسه الخير قبل ذلك أولا.

(تنبيه): أورد على الشاعر القائل:

إذا هى حثّته على الخير مرّة

عصاها وإن همّت بشرّ أطاعها (4)

قلت: ويمكن الجواب بأن المقصود إثبات حثّ نفسه له على الخير ومع ذلك يعصيها، وهو أبلغ فى الذم، وبذلك يعلم الجواب عن قوله: وإن همت، قلت ذلك بحثا ثم رأيته فى بعض الحواشى، وقد سبق غيرى إليه.

(1) سورة الروم: 36.

(2)

سورة الروم: 33.

(3)

سورة فصلت: 51.

(4)

البيت من الطويل، وهو لسعيد بن عبد الرحمن فى الأغانى 8/ 281، والبيان والتبيين 3/ 187، وشرح عمدة الحافظ ص: 373، ولعبد الرحمن بن حسان فى أمالى القالى 2/ 222، والحماسة البصرية 2/ 266، والعقد الفريد 6/ 292، وعيون الأخبار 3/ 193.

ص: 325

وقد تستعمل (إن) فى الجزم تجاهلا، أو لعدم جزم المخاطب؛ كقولك لمن يكذّبك:

إن صدقت، فماذا تفعل؟ خ خ، أو لتنزيله منزلة الجاهل؛ لمخالفته مقتضى العلم، أو التوبيخ وتصوير أنّ المقام - لاشتماله على ما يقلع الشرط عن أصله - لا يصلح إلا لفرضه، كما يفرض المحال؛ نحو: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (1) فيمن قرأ (إن) بالكسر، أو تغليب غير المتّصف به على المتصف به،

ــ

ص: (وقد تستعمل (إن) فى الجزم

إلخ).

(ش): قد تخرج (إن) عن أصلها وتستعمل فى المجزوم به، وذلك إما على سبيل تجاهل المتكلم كقول العبد لمن يطلب سيده:(إن كان فى الدار أعلمته) ليوهمه أنه غير جازم، وإما لعدم جزم المخاطب كقولك لمن يكذبك:(إن صدقت فماذا تفعل؟) لأن المخاطب يشك فى صدقه.

قلت: وينبغى أن قوله: (إن صدقت) يحمل على التعيين، وهو مشكوك فيه، وإن كان الصدق مجزوما به - وإما لتنزيل المخاطب منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم، كقولك لمن يؤذى أباه:(إن كان أباك فلا تؤذه) ويصح أن يعبر عن ذلك بتنزيل المتكلم نفسه منزلة الجاهل لإيهام أن الأذى الصادر من الولد لأبيه لا يصدر إلا من الأجنبى؛ فلذلك شكك نفسه فى أنه أبوه، ويصلح للأمرين أيضا قولك لمن يؤذى الناس:(إن كنت مسلما فلا تؤذ المسلمين). وإما للتوبيخ بأن يراد أن فعل الشرط الواقع المجزوم به لقيام البراهين المقتضية لوقوع خلافه كأنه معدوم فيفرض معدوما ويعلق على الشرط كقوله تعالى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً" أَنْ" كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ على قراءة الكسر، ويرد عليه أمران:

أحدهما - أن المجزوم به إسرافهم فيما مضى، والإسراف للمستقبل بالنسبة إلى العباد مشكوك فيه، وإن كان المراد: إن تبين إسرافكم الماضى لأجل كان فالتبين أيضا للعباد مشكوك فيه.

الثانى - أنه إذا كانت البراهين القاطعة تجعل الإسراف كالمستحيل، فدخول (إن) عليه خلاف الأصل، فإن المستحيل لا تدخل عليه أداة الشرط حقيقة، و (الهمزة) فى الآية الكريمة للإنكار، و (الفاء) عاطفة على جملة محذوفة، و (الضرب) مجاز عن

(1) سورة الزخرف: 5.

ص: 326

وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (1) يحتملها.

ــ

الصرف، و (صفحا) مصدر من المعنى أو مفعول من أجله أو حال أى صافحين، إن جوزنا وقوع المصدر حالا فى القياس ويحترز بقراءة الكسر عن قراءة الفتح فمعناه ألأجل إسرافكم نضرب عنكم الذكر فلا تؤمرون ولا تنهون، وإما أن يؤتى (بإن) للتغليب، بأن يسند فعل الشرط إلى جماعة بعضهم مقطوع بوقوع الفعل منه، وبعضهم مشكوك فيه، فيغلب المشكوك فى وقوعه منه على غيره.

(تنبيه): حيث ورد فى القرآن الكريم (إن) وليست فى كلام محكى عمن يقع منه الشك استحال أن تكون للشك؛ لأن الله تعالى منزه عنه، وإنما هى على ما يقتضيه المقام من هذه التأويلات.

(تنبيه): قال المصنف تبعا للسكاكى فى قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ: تحتملها، أى تحتمل أن تكون للتوبيخ - كما سبق - وأن تكون لتغليب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم، فإنه كان منهم من يعرف الحق وينكره عنادا.

قلت: لكن التغليب أن تجمع بين ما تقتضيه الكلمة وغيره، وهنا جمع فى فعل الشرط بين مجزوم بأن عنده ريبا، وهم الكفار، ومجزوم بأنه لا ريب عندهم، وهم الذين كانوا يعتقدون الحق بقلوبهم، فلم تستعمل (إن) فى شئ من حقيقتها من الشك ثم غلب عليه غيره، بل استعملت فى شيئين كل منهما غير مدلولها، وليس ذلك من التغليب فى شئ، وما هو إلا كقولك:(إن عاد أمس وطلعت الشمس غدا أكرمتك) فهو تعليق على واجب ومستحيل، وكلاهما خلاف الأصل. وقد مشى شارحو المفتاح والتلخيص على ما ذكره المصنف على ما فيه، ولا يصح كلامه إلا بتأويل، وهو أن يدعى أن بعض المخاطبين كانت حالته حال من يشك الإنسان فى أن عنده ريبا، أو لا كالمنافقين، وبعضهم كان الإنسان يعلم أن عنده ريبا، وهم الكفار الذين يقولون:

لا ندرى، كالذين قالوا: وَمَا الرَّحْمنُ (2) فحينئذ يمكن أن يقال: بعض المخاطبين من شأنهم الخطاب (بإن)؛ لأن عند الإنسان شكّا فى أن عندهم ريبا أو لا، وبعضهم لا يشك الإنسان فى أن عنده ريبا فغلب المشكوك فى ريبه بالنسبة إلى السامعين على غير المشكوك فى ريبه، وهذا غير ما ذكره المصنف؛ ثم إن فيه من الركاكة ما لا يخفى، ولعل القطع حاصل بأنه غير مراد، وأغلب ظنى أن الوهم سرى

(1) سورة البقرة: 23.

(2)

سورة الفرقان: 60.

ص: 327

والتغليب يجرى فى فنون كثيرة؛ كقوله تعالى: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (1)، وقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (2)، ومنه: أبوان، ونحوه.

ــ

لهم من أن الريب هو الشك، وأن الذهن زاغ عن الريب الذى يطلبه (إن)، وهو ريب الإنسان المتكلم إلى الريب الذى هو فعل الشرط، ثم لو ثبت للمصنف ما ادعاه فى الآية الكريمة من التغليب وقع النزاع معه ومع السكاكى فى جعله التغليب من النكت التى لأجلها تستعمل (إن) فى المجزوم به؛ وذلك لأن هذا العلم إنما يتكلم فيه فى النكت المعنوية لا اللفظية، والتغليب أمر لفظى لا يؤتى به إلا لنكتة معنوية تحمل عليه، فإن أراد المصنف أن التغليب نكتة لم يصح، وإن أراد أنه لا بد من اشتماله على نكتة معنوية لأجلها تستعمل (إن) فى الجزم فليس فى ذلك بيان لما هو بصدده، من نكتة استعمال (إن) فى الجزم، وربما كانت تلك النكتة الحاملة على التغليب هى إحدى النكت السابقة.

ثم اعلم أن السكاكى قال: وأما قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (3)، وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ (4) وذكر ما سبق أراد والله أعلم بقوله:

وإن كنتم فى ريب من البعث قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ لأن التلاوة إِنْ كُنْتُمْ بلا واو، والواو من كلام السكاكى عاطفة، ولا ينكر ذلك، فهو كقوله:(فى كتاب هرقل: ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (5) الآية فكأن المصنف توهم أن هذه الواو من القرآن الكريم فقال فى الإيضاح: وكذلك قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ (6) وهو غلط سببه ما سبق.

ص: (ثم التغليب يجرى فى فنون

إلخ).

(ش): لما توهم المصنف أن ما سبق محتمل للتغليب استطرد لذكر باب التغليب، وليته لم يذكره هنا؛ لعدم ثبوت أن ما سبق من التغليب، فقال: إن التغليب يجرى فى فنون، كقوله تعالى:

وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ غلب فيه المذكر على المؤنث. وقد يكون بتغليب المخاطب على غيره، كقوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أصله يجهلون بالياء فغلب؛ لأن قوما فى معنى المخاطب.

(1) سورة التحريم: 11.

(2)

سورة النمل: 55.

(3)

سورة البقرة: 23.

(4)

سورة الحج: 5.

(5)

حديث هرقل مع أبى سفيان أخرجه البخارى فى" بدء الوحى"، باب: كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1/ 42)، (ح 6)، وفى غير موضع من صحيحه الآية 64 من سورة آل عمران.

(6)

سورة الحج: 5.

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلت: وفى تسمية هذا تغليبا نظر، إنما فيه مراعاة المعنى. ومن تغليب المخاطب على غيره قوله تعالى: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا (1) فأدخل عليه الصلاة والسلام فى لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا بحكم التغليب ولم يكن فى ملتهم أصلا، ونظيره قوله تعالى: إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ (2). ومن التغليب قوله تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (3) فإن لعلكم متعلق فى المعنى بخلقكم، والمراد بتتقون هو والذين من قبلهم.

ومن تغليب العاقل على غيره قوله تعالى: وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (4).

(تنبيه): للتغليب بالتثنية مواضع كثيرة فمنها قولهم: أبوان، للأب والأم، وفيه تغليب المذكر على المؤنث، ومنها: الخافقان، ذكره السكاكى وغيره وهما المشرق والمغرب، فإن الخافق حقيقة هو المغرب، على أن تسمية المغرب خافقا مجاز؛ لأن المغرب ليس خافقا بل مخفوق فيه، ومن التغليب العمران لأبى بكر وعمر، قال ابن الشجرى: ومن زعم أنهم أرادوا بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز فليس قوله بشئ؛ لأنهم نطقوا بالعمرين من قبل أن يعرفوا عمر بن عبد العزيز، ويروى أنهم قالوا لعثمان رضى الله عنه: نسألك سيرة العمرين، وإليه ذهب أبو عبيدة، ونقل فى إصلاح المنطق عن قتادة أنه سئل عن عتق أمهات الأولاد فقال: أعتق العمران فما بينهما من الخلفاء أمهات الأولاد، فأراد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، فلا تغليب.

ومنها ما نقله الحاتمى عن الأصمعى قوله:

ألا من بلّغ الحرّين عنّى

مغلغلة أخصّ بها أبيّا (5)

وإنما هما الحر وأبى؛ أخوان، ومنها قولهم: البصرتان، للبصرة والكوفة، وقول قيس بن زهير:

(1) سورة الأعراف: 88.

(2)

سورة الأعراف: 89.

(3)

سورة البقرة: 21.

(4)

سورة الشورى: 11.

(5)

البيت من الوافر، وهو للمنخّل اليشكرى فى الأغانى 21/ 10، ويروى شطره الثانى مختلفا فيقول:

ألا من مبلغ الحرين عنى

بأن القوم قد قتلوا أبيا.

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جزانى الزهدمان جزاء سوء

وكنت المرء يجزى بالكرامه (1)

وإنما هما: زهدم وقيس من بنى عبس. ومنه القمران، للشمس والقمر، قال ابن الشجرى: وهو المراد فى قول المتنبى:

واستقبلت قمر السّماء بوجهها

فأرتنى القمرين فى وقت معا (2)

وقال الفرزدق:

أخذنا بآفاق السّماء عليكم

لنا قمراها والنّجوم الطّوالع (3)

وسأل الرشيد من حضر مجلسه عن المراد بالقمرين، فقيل: أراد النبى وإبراهيم - عليهما الصلاة والسّلام - وبالنجوم الصحابة فأعجبه ذلك ورآه مناسبا لحال الفرزدق؛ فإن نسبه يتصل بهذا النسب الكريم، وبهذا التفسير جزم ابن الشجرى، وكان الوالد يستحسنه. ومنها: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (4) المشرق والمغرب، وكذلك المغربان. ومنها: المصعبان، لمصعب بن الزبير وابنه عيسى، وقيل: مصعب بن الزبير وعبد الله أخوه، وقالوا لعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب: الخبيان، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب. ومنها: العمران فى قول قراد بن حبش الصاردى:

إذا اجتمع العمران عمرو بن جابر

وزيد بن عمرو خلت ذبيان تبّعا (5)

ومنها: الأحوصان؛ وهما الأحوص بن جعفر بن كلاب، وعمرو بن الأحوص.

ومنها: الحنتفان، وهما الحنتف وسيف ابنا أوس بن حميرى. ومنها: البحتران؛ وهما

(1) البيت من الوافر، وهو لقيس بن زهير فى إصلاح المنطق ص: 400، والأغانى 11/ 142، ولسان العرب 12/ 279 (زهدم)، وبلا نسبة فى أمالى المرتضى 2/ 149، والمحتسب 2/ 189، والمقتضب 4/ 326 وكتاب العين 4/ 123، ويروى: أجزى بدلا من يجزى.

(2)

البيت من الكامل وهو للمتنبى فى ديوانه 2/ 4، ومغنى اللبيب 2/ 687.

(3)

البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه (1/ 419)، والأشباه والنظائر (5/ 107)، وخزانة الأدب (4/ 391)، ولسان العرب (15/ 107)(عوى).

(4)

سورة الزخرف: 38.

(5)

البيت من الطويل، وهو لقواد بن حبش الصاردى فى لسان العرب 4/ 608 (عمر)، وتهذيب اللغة 2/ 388، وتاج العروس 13/ 135 (عمر).

ص: 330

ولكونهما لتعليق أمر بغيره فى الاستقبال كان كلّ من جملتى كلّ فعلية استقبالية،

ــ

بحتر وفراس ابنا عبد الله بن سلمة. ومنها: الأقرعان، وهما الأقرع بن حابس وأخوه مزيد. ومنها: الطليحتان، طليحة بن خويلد الأسدى وأخوه حيال. ومنها: الخزيمتان، والربيبتان، من باهلة بن عمرو، وهما خزيمة وربيبة. قال ابن الحاجب فى أماليه:

شرطه تغليب الأدنى على الأعلى؛ لأن القمر دون الشمس، وأبو بكر أفضل من عمر، وقد يرد عليه: البحران، للملح والعذب، فغلب فيه البحر الملح وهو أعظم من العذب، وعكس ذلك غير ابن الحاجب فقال: شرطه تغليب الأعلى على الأدنى، كما نقله الطيبى فى شرح التبيان، وقال ابن رشيق فى العمدة: إن الكسائى قال: إن التغليب فى العمرين إنما هو لكثرة الاستعمال؛ فإن أيام عمر أطول من أيام أبى بكر - رضى الله عنهما - وكذلك ذكره ابن الشجرى.

(تنبيه): كما تستعمل (إن) فى المجزوم به تستعمل فى المستحيل، وكلاهما خلاف الأصل، كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ (1) على المشهور، وقيل:(إن) فى الآية المذكورة نافية، معناه ما كان له ولد فأنا أول العابدين له.

ص: (ولكونهما لتعليق أمر بغيره فى الاستقبال

إلخ).

(ش): أى لكون (إن) و (إذا) وكان ينبغى أن يقول: لكون كل منهما، كما قال فيما بعد: لتعليق أمر، وهو الجواب بغيره، وهو الشرط فى الاستقبال، وليس قوله فى الاستقبال تقييدا لقوله: لتعليق أمر؛ لأن كل تعليق لا يكون إلا على مستقبل، والتعليق فى (لو) و (لما) لا حقيقة له، بل هو تركيب يتضمن ارتباطا ما، بل مراده أن يذكر الداعى لما سنذكره من كونها فعلية.

(قوله: كان كل من جملتى كل فعلية استقبالية) أى: ليظهر بذلك موضوعها الاستقبالى، ولم تكن اسمية لدلالتها على الثبوت، وهو غير الاستقبال، وقوله: استقبالية، يعنى أنها بلفظ المضارع، ولا يعنى مستقبلة المعنى؛ لأن ذلك أمر لا يخالف أبدا لا لنكتة ولا لغيرها، ولو اجتنب ألفاظ الاستقبالية لكان أحسن؛ لأنه إنما يستعمل فى الفعل الدال على المستقبل سواء كان مضارعا أم لا.

(1) سورة الزخرف: 81.

ص: 331

ولا يخالف ذلك لفظا إلا لنكتة؛

ــ

ص: (ولا يخالف ذلك لفظا إلا لنكتة).

(ش): مخالفة ذلك تكون بأحد أمرين: الأول - أن يقعا ماضيين لفظا، يشير إلى أنه إذا أتى بفعل الشرط ماضيا لفظا كان معناه الاستقبال. وما ذكره من كون فعل الشرط والجواب مستقبلين هو مذهب الجمهور، وذهب المبرد إلى أن فعل الشرط إذا كان لفظ (كان) بقى على حاله من المضى؛ لأن (كان) جردت عنده للدلالة على الزمان الماضى، فلم تغيرها أدوات الشرط، وجعل منه قوله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (1)، إِنْ كانَ قَمِيصُهُ (2) والجمهور على المنع، وتأولوا ذلك كله إما على التبين أو غير ذلك، وكذلك الجواب لا يكون إلا مستقبلا. ومن العجائب أن ابن مالك لا يجوز أن يكون فعل الشرط ماضى المعنى (بكان) ولا غيرها، ثم يجوز أن يكون فعل الجواب ماضى اللفظ والمعنى مقرونا بالفاء مع (قد) ظاهرة أو مقدرة كقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (3) وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ (4). وكيف يتصور أن يكون الشرط مستقبلا والجواب ماضيا؟

فيلزم حينئذ تقدم المشروط على الشرط وهو محال عقلا! والصواب تأويل ذلك كله على حذف الجواب أو غيره، إلا أن التأويل على حذف الجواب مشكل فى نحو: إِنْ يَسْرِقْ فإن البصريين لا يجوزون حذف الجواب إذا كان فعل الشرط مضارعا مجزوما.

واعلم أنه قد وقع فى عبارة الزمخشرى فى قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (5) على قراءة الرفع الشاذة يجوز أن يحمل أينما تكونوا على أينما كنتم فيكون كقول زهير:

وإن أتاه خليل يوم مسغبة

يقول لا غائب مالى ولا حرم (6)

(1) سورة المائدة: 116.

(2)

سورة يوسف: 26.

(3)

سورة يوسف: 77.

(4)

سورة يوسف: 27.

(5)

سورة النساء: 78.

(6)

البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص: 153، والإنصاف 2/ 625، وجمهرة اللغة ص: 108، وخزانة الأدب 9/ 70، 48، والدرر 5/ 82، ورصف المبانى ص: 104، وشرح أبيات سيبويه 2/ 85، وشرح التصريح 249، وشرح شواهد المغنى 2/ 838، والكتاب 3/ 66، ولسان العرب 11/ 215 (خلل)، 12/ 128 (حرم)، والمحتسب 2/ 65، ومغنى اللبيب 2/ 422.

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفهم الشيخ أبو حيان منه أنه أراد أن الجواب محذوف، فرد عليه بما ذكرناه، وفى رده نظر؛ لأن الزمخشرى قد اعتذر عن ذلك بأن قال: إنه حمل تكونوا على كنتم، فهو لا يسلم أن فعل الشرط المضارع المحمول على الماضى لا يحذف جوابه، وليس فى كلام غيره تصريح بذلك. ثم إنه لم يذكر أن الجواب محذوف، فجاز أن يكون فرعه على جواز (إن يصرع أخوك تصرع) جوابا مع كونه مرفوعا كما هو أحد المذهبين فيه، والسر فى كون جملتى الشرط والجواب فعليتين مستقبلتين أن الماضى محقق وجوده أو عدمه، فإن قلت:

قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ (1) إلى إِنْ وَهَبَتْ (2) وقع فيه أحللنا المنطوق به، أو المقدر على القولين جواب الشرط مع كون الإحلال قديما فهو ماض. قلت:

المراد إن وهبت فقد حلت فجواب الشرط بالحقيقة الحل المفهوم من الإحلال، لا الإحلال نفسه، وهذا كما أن الظرف من قولك: قم غدا، ليس هو لفعل الأمر بل للقيام المفهوم منه.

والأمر الثانى الذى يأتى على خلاف ذلك أن تأتى جملة الجواب اسمية كقوله تعالى:

أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (3) وإنما كان على خلاف الأصل؛ لأن الاسم دال على الثبوت والتحقق، والتعليق ينافى ذلك.

واعلم أن كلا من فعلى الشرط والجواب قد يكون ماضيا لفظا أو مضارعا مثبتا أو منفيا فيحصل من مجموع الفعلين تسعة أقسام كلها جائز، إلا أن فى كون فعل الشرط مضارعا مع كون فعل الجواب ماضيا خلافا، منعه جماعة، وجوزه ابن مالك استدلالا بقول عائشة - رضى الله عنها -:" متى يقم مقامك رق"(4) وأحسنها المشاكلة

(1) سورة الأحزاب: 50.

(2)

سورة الأحزاب: 50.

(3)

سورة الأنبياء: 34.

(4)

قالت أم المؤمنين هذا الكلام عند ما قال صلى الله عليه وسلم وهو على فراش المرض:" مروا أبا بكر أن يصلى بالناس

"، أخرجه البخارى فى" الأذان"، باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، (2/ 239)، (ح 713)، وفى غير موضع، ومسلم فى" الصلاة"، (ح 418) وأحمد فى" المسند"، (6/ 159)، واللفظ له.

ص: 333

كإبراز غير الحاصل فى معرض الحاصل لقوّة الأسباب، أو كون ما هو للوقوع كالواقع، أو التفاؤل، أو إظهار

الرغبة فى وقوعه؛ نحو: إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام خ خ؛ فإنّ الطالب إذا عظمت رغبته فى حصول أمر، يكثر تصوّره إياه، فربّما يخيّل إليه حاصلا؛

ــ

بينهما، وأحسنها أن يكونا مضارعين لظهور تأثير عمل (إن) فيهما، ثم ماضيين للمشاكلة فى عدم التأثير، ثم أن يكون الأول ماضيا والثانى مضارعا؛ لأن فيه الانتقال من عدم التأثير إلى التأثير. والأقسام التسعة فى الحسن على هذا الترتيب:

الأول: إن يقم زيد يقم عمرو.

الثانى: إن لم يقم زيد لم يقم عمرو وحسنه على ما بعده للمشاكلة، ولكونه فعلا مضارعا فى اللفظ فهو موافق لمعنى الاستقبال.

الثالث: إن قام زيد قام عمرو.

الرابع: إن لم يقم زيد يقم عمرو.

الخامس: إن لم يقم زيد قام عمرو.

السادس: إن قام زيد يقم عمرو.

السابع: إن قام زيد لم يقم عمرو.

الثامن: إن يقم زيد قام عمرو.

التاسع: إن يقم زيد لم يقم عمرو.

وأخذ المصنف فى تعداد أسباب مجئ فعل الشرط ماضى اللفظ، فذكر منها أن يجعل غير الحاصل كالحاصل، وهذا الجعل مقتضى ظاهر اللفظ لا فى نفس الأمر، فإن الفرض أن الفعل مستقبل المعنى، ولو قال: لإيهام جعل غير الحاصل كالحاصل لكان أحسن، ومثل ذلك بقوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً (1).

ومنها: أن يقصد تفاؤل المتكلم بوقوعه فيعبر عنه بلفظ الماضى أو لإظهار المتكلم رغبته فى وقوعه نحو: إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام.

قوله: فإن الطالب إذا عظمت رغبته فى حصول أمر يكثر تصوره إياه فربما يخيل إليه حاصلا، وفيه نظر لأنه يقتضى أن يكون الفعل حينئذ ماضى المعنى، وليس كذلك ولا هو مراد.

(1) سورة الانسان: 20.

ص: 334

وعليه: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (1).

السكاكى: أو للتعريض؛ نحو: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (2)،

ــ

قوله: وعليه إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً مثال لإظهار الرغبة، فالمصنف لف قسمى التفاؤل وإظهار الرغبة، ثم نشر مثالهما، وقد يقوى التخيل حتى إن الإنسان يغلط حسه كقول المعرى:

ما سرت إلا وطيف منك يصحبنى

سرى أمامى وتأويبا على أثرى (3)

الطيف: الخيال، والتأويب: السير نهارا، مشتق من الأوب وهو العود؛ لأن الغالب أنهم يسيرون ليلا ويأتون إلى منازلهم نهارا. قال السكاكى: وقد يؤتى بالماضى لإرادة التعريض؛ وهو أن يخاطب واحد ويراد غيره، نحو: لَئِنْ أَشْرَكْتَ فإن قلت:

أى مناسبة فى ذلك للفظ المضى؟ قلت: لأن المخاطب إذا علم من نفسه أنه ليس بذلك الوصف، ووجد الفعل ماضيا علم أنه تعريض لغيره ممن وقع منه فى الماضى، لا يقال:

المقصود التعريض بمن يقع منه الشرك ماضيا أم مستقبلا؛ لأنا نقول: تحذير من وقع فى الشرك هو أشد عناية لإزالة المفسدة الحاضرة. فإن قلت: ما الذى صرف هذا الخطاب عن أن يراد به النبى؟ قلت: لأن الأصل فى (إن) دخولها على الممكن، والشرك فى حقه مستحيل شرعا، فجعلناه خارجا عن الأصل تنزيلا للاستحالة الشرعية منزلة الاستحالة العقلية، ولا سيما والفعل بصيغة المضى التى لا تستعمل غالبا إلا فى المتوقع.

فإن قلت: قولكم: (المراد غيره) هل تعنون به أن ضمير المخاطب المفرد استعمل فى الغائب مجازا؛ فلا يكون النبى مخاطبا إلا فى الصورة لا فى المعنى؟ قلت: لا بل النبى خوطب لفظا ومعنى ولكن أريد بخطابه إفادة لازمه، وهو أن غيره إذا أشرك حبط عمله، فهو من نوع الكناية، كقولنا: زيد طويل النجاد، فالنبى مراد فى الآية الكريمة استعمالا، وغير مراد إفادة، كما سترى تحقيقه فى الكناية، لا يقال: فيلزم من كونه مرادا بالضمير أن يكون الشرك بالنسبة إليه هو المراد؛ لأنا نقول هو من نوع الكناية التمثيلية، لأنك تقول: زيد كثير الرماد كناية عن كرمه، وإن لم يكن له رماد ولا طبخ، فتسمى هذه كناية تمثيلية. ونظير ما تقدم فى

(1) سورة النور: 33.

(2)

سورة الزمر: 65.

(3)

البيت لأبى العلاء المعرى فى كتاب عقود الجمان 1/ 112، والإيضاح ص 100 بتحقيقى، والمفتاح ص 385.

ص: 335

ونظيره فى التعريض: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي (1) أى: وما لكم لا تعبدون الذى فطركم؛ بدليل: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، ووجه حسنه: إسماع المخاطبين الحقّ على وجه لا يزيد غضبهم، وهو ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل، ويعين على قبوله؛ لكونه أدخل فى إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه.

ــ

التعريض وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ المراد: وما لكم لا تعبدون الذى فطركم بدليل: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فإن قلت: قد تقدم: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ التفات، والمعنى وإليه أرجع، فإذا كان تعريضا لا يكون فيه التفات، بل يكون عبر فى الأول بياء المتكلم عن المخاطبين، فهذا مناقض لما سبق؟ قلت: ليس كذلك، ولا منافاة بين الكلامين؛ فإن التعريض ليس من شرطه أن يراد به غير ظاهر اللفظ؛ بل يراد ظاهره لا لقصده، بل يكون المقصود بالكلام غيره، كما يخوف الملك ولده ليحذر غيره من خدمه تأسيا من باب أولى، فقوله تعالى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ المراد به المتكلم، ولكنه إذا قال لنفسه ذلك كان فيه من التعريض بأن كل أحد ينبغى أن يكون كذلك ما لا يخفى كما سبق. وقوله: والمراد وما لكم، أى: الذى سبق الكلام لأجله، لا أن المتكلم غير مراد، وهذا الباب يسمى الكلام المنصف ومثله:

أتهجوه ولست له بكفء

فشرّكما لخيركما الفداء (2)

لأن من سمعه من معاد وموال يقول: أنصف قائله. ومنه: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ (3) وقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (4) فإنه لو جرى على الظاهر لجاء لا تسألون عما نعمل ولا نسأل عما أجرمتم. ووجه حسنه إسماع المخاطبين الحق على وجه لا يغضبهم، فإنه ليس فيه التصريح بنسبتهم إلى الباطل، وصرفه إلى المتكلم إشارة إلى أنه لا يريد لهم إلا ما أراده لنفسه. قلت: ومن هنا يعلم أن ضمير المتكلم فى: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي على وضعه. ووجه الحسن فى قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ (5) إشارة إلى النصفة التامة، وأن أعز خلق الله عليه حكمه حكم غيره فى تحريم الإشراك عليه.

(1) سورة يس: 22.

(2)

البيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت فى ديوانه ص: 76، وخزانة الأدب 9/ 232، 236، 237، وشرح الأشمونى 3/ 388، ولسان العرب 3/ 420 (ندد)، 6/ 316 (عرش)، ويروى (بند) بدلا من (بكفء).

(3)

سورة البقرة: 209.

(4)

سورة سبأ: 24، 25.

(5)

سورة الزمر: 62.

ص: 336