المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل والوصل الوصل عطف بعض الجمل على بعض، والفصل تركه. ــ   الجزء - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌ ‌الفصل والوصل الوصل عطف بعض الجمل على بعض، والفصل تركه. ــ   الجزء

‌الفصل والوصل

الوصل عطف بعض الجمل على بعض، والفصل تركه.

ــ

الجزء الثالث

الفصل والوصل

ص: (الفصل والوصل).

(ش): هذا الباب من أعظم أبواب هذا العلم؛ لعظم خطره وصعوبة مسلكه ودقة مأخذه، ولقد قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل، كذا نقله الخفاجى فى سر الفصاحة والبيانيون. قلت: والذى قال ذلك هو أبو على الفارسى، نقله عن العسكرى فى الصناعتين وقصد بذلك المبالغة وأن من كمل فيه لا بد أن يكون كمل فى غيره، كذا قالوا، وقد يقال: إن علم الفصل والوصل يتوقف على معرفة ما يجب لكل واحد من الجملتين، وذلك يتوقف على جميع الأبواب الماضية من أحوال المسند والمسند إليه وغير ذلك، فإذا توقف إحدى الجملتين على غير هذا الباب توقف العلم بحال الجملتين معا عليه ضرورة أن ما توقف عليه الجزء توقف عليه الكل، حينئذ يصح قصر البلاغة على الفصل والوصل من غير مبالغة لا يقال: حسن الفصل والوصل قد يكون مع كون الجملتين على وجه بليغ ودونه، لأنا نقول: الأمر كذلك، ولكن ما للبليغ والتعب فى اعتبار ما بين جملتين ركيكتين.

ص: (الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه).

(ش): أراد أن يعرف حقيقتى الفصل والوصل بالاصطلاح وكان ينبغى أن يقدم تعريف الفصل؛ لأنه الموافق لقوله فى الترجمة الفصل والوصل، لكنه أعاد الأول للثانى على أضعف أسلوبى اللف والنشر. فالفصل والوصل أمران دائران بين الجمل على اصطلاحهم.

فالوصل عطف بعض الجمل على بعض، والمراد بالجمل جنس الجمل فربما لم يكن فى الكلام غير جملتين والفصل تركه ومدلول هذه العبارة: أن الفصل تركه عطف بعض الجمل على بعض، ولا يخفى أن ذلك يشمل الجملة الاستئنافية إذا عطف عليها بل قد يقال: إنه يشملها وإن لم يعطف عليها؛ لأن من نطق بجملة واحدة يصدق عليه، أنه ترك عطف بعض الجمل على بعض؛ لأنه لم يقل: الجمل المذكورة ولو قال

ص: 479

فإذا أتت جملة بعد جملة، فالأولى: إما يكون لها محل من الإعراب، أو لا:

ــ

ذلك لورد عليه الجملتان، لكنه لا يريد ذلك وإنما يريد ترك العطف حال إمكانه لفظا مع بقاء الكلام على حاله، ولا يتأتى ذلك إلا فى جملة مذكورة بعد أخرى، وكأنه اكتفى بلفظ الفصل فإنه لا يعقل إلا بين أمرين فخرجت المفردة؛ ولأنه قطع شئ من شئ ولا يتأتى ذلك فى الجملة المستأنفة وإن كان بعدها أخرى.

ص: (فإذا أتت جملة بعد أخرى إلخ).

(ش): هذا باب عريض لا بد له من التشمير عن ساق الجد ولنقدم مقدمة لا بد منها.

اعلم أنى نظرت فى كلام المصنف وغيره فى هذا الباب فوجدت أقساما متداخلة بين كثير منها وكثير عموم وخصوص من وجه، وبعضها يدفع بعضا ووجدتهم قرروا فيه قواعد لا تخلو عن إشكال، وذكروا أمورا على غير الصواب من جعل ما ليس له محل من الإعراب ذا محل وعكسه إلى غير ذلك مما ستراه إن شاء الله، فاقتضى لى ذلك أنى اخترعت لهذا الباب قاعدة وتقسيما يسهل به تعاطيه، ولا عليك إذا وقفت عليه أن لا تعجل بالرد واستنكار مخالفة ظاهر عبارات القوم التى أقطع أن أكثرها لم يقصدوه، بل اللائق أن تتمهل فى إنكار ذلك حتى تأتى على آخره، على أن غالب ما أذكره من هذه القواعد ليس فيه مخالفة لكلام صاحب المفتاح، إذا تأملته حق التأمل، وإنما وقع الخلل فى كلام من بعده؛ لأنهم لم يتأملوا كلامه فأقول وبالله التوفيق، وهو حسبى ونعم الوكيل: الوصل يكون بين جملتين مشتركتين مع جامع اصطلاحى بلا مانع، وذلك يحصل بأن يتقدم معطوف عليه على معطوف وهما مشتركان فى الجهة الجامعة - على ما سيأتى - ولا يكون لإحداهما حكم تختص به على الأخرى - على ما سيأتى - سواء كان للأولى إعراب يمكن إعطاؤه للثانية وهو معنى قولهم: لها محل أو لم يكن، والجملة التى لا محل لها وغيرها سيان فى اقتضاء العطف وعدمه، والواو وغيرها سواء فى اقتضاء الوصل وعدمه، فليس المعتبر غير الجهة الجامعة سواء أكانت الجملة الأولى لها محل أم لا، وسواء أكان العطف بالواو أم بغيرها، غير أن الجملة السابقة إن كان لها محل من الإعراب كانت الجهة الجامعة أو بعضها ظاهرا، ربما تدرك بالبديهة وإن لم يكن؛ كانت الجهة تحتاج إلى فكر ولا سيما فى الجامع الخيالى، وسبب ذلك أن الجملتين إذا كان لهما محل فلهما طالب لفظى يستدعيهما استدعاء واحدا

ص: 480

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وينصبّ إليهما انصبابا واحدا، وإذا لم يكن لهما محل فليس بينهما جامع لفظى، والعطف لا بد له من جامع فاحتجنا إلى النظر فى الجامع المعنوى، لا يقال: ليس العامل فى الجملتين هو الجامع؛ بل بعضه - كما سيأتى - من أنه لا بد له من الاتحاد فى المسند والمسند إليه معا - على رأى المصنف - لأنا نقول: إن سلمنا فللجملتين طالب يطلبهما إما لكونه جامعا أو بعض جامع غير أن العطف إذا كان بحرف غير الواو كان الجامع قريب التناول، ولا يكاد يستعمل ذلك إلا مع حصول الجامع الكامل؛ لأن للمعنى الذى يدل عليه غير الواو من تراخ أو غيره معنى يدور بين الجملتين ويشتركان فيه، كاشتراكهما فى المعنى الإعرابى، إذا كان لها محل فى نحو: زيد يكتب ويشعر، فكما أن زيدا يطلب: يكتب ويشعر، ويشتركان فيه، كذلك الترتيب الذى يقتضى تقديم أحد الأمرين عن الآخر فى نحو: أقوم ثم أقعد، علقة تجعل بين الجملتين جامعا إلا أنه أضعف من الأول؛ لأن الجامع فى الأول وهو العامل فى الجملتين لفظى وفى الثانى الترتيب فهو معنوى لا يقال: مطلق الاشتراك الذى تقتضيه الواو أيضا جامع معنوى؛

لأنه علقة بين الشيئين فيلزم أن يكون مقتضيا لقرب الجامع ووضوحه، لأنا نقول:

التراخى مثلا لا بد له من دليل فاحتجنا فيه لحرف يدل عليه وكفى بذلك سببا للعطف بخلاف الاشتراك فى نحو: قمت وقعدت فإن الاشتراك مستفاد من ذكر الجملتين دون عاطف لا يقال: فيلزم العطف بغير الواو حينئذ ليستفاد هذا المعنى؛ لأنا نقول: العطف من شرطه الجامع - على ما سيأتى - فحيث لم يوجد شرطه تعذر فلا يمكن سلوكه فليعدل إلى استفادة التراخى ونحوه من التصريح بالظرف وغيره من الطرق الإطنابية، فإن اجتمع العطف بغير الواو وكون الجملة الأولى ذات محل من الإعراب تضاعف قرب الاطلاع على الجامع كقولك: زيد يغضب ثم يرضى.

إذا سلمت ذلك فاعلم أنى ذاكر تقسيما لهذا الباب وبعض أمثلة ينشرح لها الصدر لبعض ما سبق مع ما يأتى به - إن شاء الله تعالى - فأقول:

الجملتان المذكورتان سواء كان لهما محل من الإعراب أم لا وسواء قصدت عطف الثانية على الأولى بالواو أم غيرها، وسواء كان بينهما جامع أم لا، وسواء كان بينهما اتصال أم انقطاع إما أن يحصل إيهام غير المراد بفصل إحداهما عن الأخرى دون وصلها، أو يحصل إيهام غير المراد بوصلها دون فصلها أو يحصل بكل منهما أو

ص: 481

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يحصل بواحد منهما، فإن حصل إيهام غير المراد بالفصل وجب الوصل مثل:

لا ويرحمك الله، وإن حصل إيهام غير المراد بالوصل فصلت، سواء كان الإيهام؛ لأن لإحدى الجملتين حكما لا تريد أن تعطيه للأخرى على ما سنبينه إن شاء الله تعالى، أو كان لأن عطفها على الأخرى يوهم العطف على غيرها، وإن حصل الإيهام؛ بكل منهما مثل: أن يقول السيد لعبده: أتعصينى إن أمرتك، فيقول: لا وأكرمك الله، فإن العطف يقتضى أن الدعاء معلق بالشرط وهو خلاف المراد، وتركه يوهم أنه دعاء عليه، والذى يظهر فى مثله أنه يختلف باختلاف الأمثلة والمقامات والقرائن والسياق، وعلى البليغ أن ينظر فى ذلك ويدفع أقوى الضررين بأخفهما، وإن لم يحصل إيهام بواحد من الأمرين فإما أن يكون بينهما جامع أو لا، وأعنى بالجامع التناسب المعنوى على ما سأبينه - إن شاء الله تعالى - فإن لم يكن فلا وصل، سواء كان للجملة الأولى محل من الإعراب أم لا، وسواء أردت العطف بالواو أم غيرها وسأذكر أمثلة هذه الأقسام - إن شاء الله عز وجل وإذا كان بينهما جامع فإن كان بينهما كمال الاتصال أو كمال الانقطاع وجب الفصل وامتنع الوصل سواء كان بالواو أم غيرها بمحل وغيره، وإن لم يكن فإن كان الوسط فإما أن تكون الثانية منزلة منزلة جواب سائل أو لا، فإن كانت وجب الفصل، وهذه حالة شبه كمال الاتصال وإلا وجب الوصل فتلخص أن الوصل يجب بين كل جملتين لا يوهم عطف

إحداهما على الأخرى غير المراد، وبينهما جامع وتوسط بين الكمالين وليست كالجواب وإن أردت الأمثلة فها أنا أذكر شيئا مما يدل على ما فيه غير مراع للتقسيم السابق، بل بتقسيم أقرب لاصطلاحهم مع المحافظة على ما قررناه من القواعد، فأقول: إما أن يكون بين الجملتين تناسب أو لا، فإن لم يكن فإما أن يحصل الاتحاد فى المسندين أو فى أحدهما أو فى طرف أحدهما وأقسام ذلك مائتان وأربعون قسما، ستأتى مفصلة حيث ذكرها المصنف إن شاء الله تعالى، أو لا يحصل الاتحاد فى شئ من ذلك فصارت الأقسام مائتين وواحدا وأربعين على كل منهما فإما أن يكون العطف بالواو أو بغيرها وإما أن يكون للأولى محل أو لا، هذه أربعة أقسام مضروبة فيما سبق تبلغ تسعمائة وأربعة وستين على كل منها، إما أن يكون بينهما كمال الانقطاع، أو كمال الاتصال أو شبه كمال الانقطاع، أو شبه كمال الاتصال أو توسط هذه خمسة تضرب فيما سبق،

ص: 482

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تبلغ أربعة آلاف وثمانمائة وعشرين وعلى كل منها إما أن يحصل بالقطع إيهام غير المراد أو لا، قسمان مضروبان فيما سبق تبلغ تسعة آلاف وستمائة وأربعين كلها يمتنع فيها الوصل إلا ما كان فى تركه إيهام غير المراد، كل ذلك إذا لم يكن بينهما جامع، وإذا كان بينهما جامع جاء مثل هذه الأقسام ثم نقول: على كل من أقسام الجامع إما أن يكون الجامع عقليا وهو الاتحاد أو التماثل أو التضايف، أو وهميا وهو شبه التماثل أو التضاد أو شبهه، أو خياليا فهذه سبعة، نص المصنف عليها، تضرب فى أقسام الجامع السابقة وهى: تسعة آلاف وستمائة وأربعون، تبلغ سبعة وستين ألفا وأربعمائة وثمانين، وتضاف إليها أقسام عدم الجامع السابقة وهى: تسعة آلاف وستمائة وأربعون، تبلغ سبعة وسبعين ألفا ومائة وعشرين - وعلى كل - إما أن يكون ما وقع الاتحاد فيه فى الطرفين ضميرين أو ظاهرين أو الأول ضمير والثانى ظاهر أو عكسه، أربعة أقسام تضرب فيما سبق، تبلغ ثلثمائة ألف وثمانية آلاف وأربعمائة وثمانين - على كل منها - إما أن تكون الجملتان متناسبتين بالاسمية أو الفعلية أو غير متناسبتين - على ما سنذكره - فهذان قسمان يضربان فيما سبق، تبلغ ستمائة ألف وستة عشر ألفا وتسعمائة وستين قسما، ويمكن تضعيفها بحسب الأصناف إلى ما لا يعلمه إلا الله، كأصناف التضايف والخيالى وغيره، غير أنى اقتصرت على ما صرح المصنف بذكره أو كان يترتب على ذكره اختلاف معنوى وتفاوت فى موارده، وإنما أمثل الطرف الأبعد والطرف الأقرب، فالأبعد أن لا يكون بينهما جامع ولا اتحاد فى مسند ولا مسند إليه ولا إيهام وهو أربعة أقسام:

الأول: أن لا يكون لهما محل من الإعراب.

والثانية: معطوفة بالواو نحو: زيد منطلق وكم الخليفة طويل، الثانى كذلك، والعطف بغيرها كقولك: طال كم

الخليفة ثم طلعت الشمس.

الثالث: كالأول وللأول محل كقولك: بلغنى أن كم الخليفة طويل وأن الشمس طلعت.

الرابع: كذلك وهو: بثم والأقرب أن يكون بينهما اتحاد فى المسند والمسند إليه، ولكن لا تناسب بينهما فى المعنى ولا إيهام غير المراد فإما أن يكون للجملتين محل أو لا ويكون بالواو أو غيرها، هذه أربعة وعلى كل منها إما أن يكون بينهما تمام

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انقطاع أو غيره من الأقسام الخمسة، تبلغ عشرين، الأول: أن يكون بينهما كمال الانقطاع، وليس للأول محل والعطف بالواو مثل: قمت أنا وقعدت أنت الثانى كذلك، والعطف بثم، الثالث: كمال الانقطاع، وللأول محل والعطف بالواو زيد يشعر وهل يكتب؟ الرابع: كذلك، والعطف بثم، الخامس: بينهما كمال الاتصال، ولا محل لهما والعطف بالواو مثل: أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ (1) فلا يجوز الوصل، السادس: كذلك بثم، لو قلت: أمدك زيد بما تعلم ثم أمدك بكذا وأردت بالثانى الأول، السابع: كمال الاتصال ولها محل وعطفت بالواو، كما تقول: إن الله أمدك بما تعلم أمدك بأنعام، الثامن: كذلك وهى بثم، التاسع: بينهما شبه كمال الانقطاع، ولا محل والعطف بالواو، كقولك:

وتظنّ سلمى أنّنى أبغى بها

بدلا أراها فى الضّلال تهيم (2)

قالوا: ولا يجوز العاشر: كذلك، وهو بثم لو قلت: ثم أراها، الحادى عشر: شبه كمال الانقطاع ولها محل والعطف بالواو، كقولك: إن سلمى تظن أننى أبغى بها بدلا وأراها تهيم، الثانى عشر: كذلك، والعطف بثم، ثم أراها، الثالث عشر: شبه الاتصال والعطف بالواو ولا محل لو قلت: زيد عليل وسهره دائم، على إرادة الاستئناف، الرابع عشر: كذلك، والعطف بالواو وبثم، الخامس عشر: شبه الاتصال، وللجملة محل والعطف بالواو، زيد يحمده الناس وكرمه دائم، السادس عشر: زيد يحمده الناس ثم كرمه دائم، وفى هذه الأمثلة - وما تجد عليها من الركاكة حتى إن قائلها ليصير ضحكة، ويعد فى حيز الحيوان مع القطع بجوازها من جهة اللغة مع الاتحاد فى المسند والمسند إليه مع العطف فى كثير منها بغير الواو - ما يوضح لك على ما ستراه - إن شاء الله تعالى - أن الاتحاد فى المسند والمسند إليه غير كاف ولا شرط، وأن كلا من العطف بالواو وغيره يدخله الانقطاع والاتصال، وأن كلا من كون الجملتين لهما محل وكونهما لا محل لهما يدخله الفصل والوصل، وإنما ذكر المتقدمون من أهل هذا العلم

(1) سورة الشعراء: 132، 133.

(2)

البيت لأبى تمام، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 129، غير منسوب، والمفتاح ص 261، ومعاهد التنصيص 1/ 279،

والمصباح ص 58، وعقود الجمان ص 181.

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تقسيمها إلى ما له محل وما ليس له محل؛ لأنهم قصدوا به بيان ما كان قريب الجامع وبعيده كما صرح به فى المفتاح، وأن ما ذكره المصنف من خلاف ذلك، ومشى الشارحون عليه ليس بصحيح قال فى المفتاح: وذلك قسمان: قسم يسهل تعاطيه، وقسم يبعد ذلك فيه وسنمرّ - إن شاء الله تعالى - على ما تضمنه هذا التقسيم من القواعد ونتكلم عليه فى كلام المصنف شيئا فشيئا بعد أن أذكر قواعد هى شرح لما سبق وأساس لما سيأتى، الأولى: أصل الجملة، أن لا يكون لها محل من الإعراب، وإنما يكون لها محل إذا صح أن يسد المفرد مسدها هذا هو الضابط وأما التفصيل فالجمل التى لها محل من الإعراب، سبع: الخبرية نحو: زيد أبوه قائم فمحلها رفع، وكان زيد أبوه قائم فمحلها نصب، والحالية مثل: جاء زيد وهو يضحك ولا يكون محلها إلا نصبا، والواقعة مفعولا إما محكيا بالقول نحو: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (1) أو فى محل المفعول الثانى من باب ظن، نحو: ظننت زيدا يقوم، أو معلقا عنها نحو: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى (2) والمضاف إليها نحو: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (3) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (4) ومحلها الجر، والواقعة جواب شرط بالفاء، نحو: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ (5) أو بعد إذا الفجائية نحو: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (6) ومحلها الجزم، فأما نحو: إن قام زيد قام عمرو فالفعل مجزوم المحل لا الجملة كلها، والتابعة لمفرد كالجملة الموصوف بها وهى على حسب موصوفها والتابعة لجملة لها محل نحو: زيد قام وقعد، وأما الجمل التى لا محل لها من الإعراب فهى الابتدائية المستأنفة، والواقعة صلة لاسم أو حرف، والمعترضة، والتفسيرية: وهى الكاشفة لحقيقة ما تليه وقيل: هى بحسب ما تفسره، والواقعة جواب قسم نحو: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) والواقعة بعد أدوات التحضيض وهى داخلة فى المستأنفة، والواقعة بعد أدوات التعليق، والواقعة جوابا لها غير ما سبق، والتابعة ما لا موضع له من الإعراب.

(1) سورة مريم: 30.

(2)

سورة الكهف: 12.

(3)

سورة المائدة: 119.

(4)

سورة غافر: 16.

(5)

سورة الأعراف: 186.

(6)

سورة الروم: 36.

(7)

سورة يس: 3.

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): إذا قال: زيد قام وقعد بكر، فهاتان الجملتان لا محل لهما للاستئناف، فإذا حكيتهما فقلت: قال زيد قام زيد وقعد بكر، فهذه الجملة يصدق عليها أن لها محلا فى الحكاية وإن لم يكن لها محل فى الكلام المحكى، والجملتان هنا هما معا فى محل نصب وليست الأولى فى محل نصب والثانية تابعة فإذا وقع الكلام فى عطف الثانية على الأولى كان ذلك من قبيل العطف على ما لا محل له، لأن العاطف عطفها قبل حكايتها، إما تحقيقا كهذا المثال أو تقديرا مثل: سيقول زيد قام عمرو وقعد بكر فلو كان المحكى عنه قال قام عمرو وقعد بكر إما فى وقت أو وقتين فحكيته فقلت: قال زيد قام زيد وقعد بكر، كنت عطفت اعتبارا بالحكاية لا بالمحكى وكان العطف على ما له محل، إذ المعنى: قال هذا وقال هذا.

ولهذا البحث تتمات ذكرناها فى شرح المختصر.

(الثانية): تقدم فى كلامنا أنه تارة يكون لإحدى الجملتين حكم لا يريد إعطاءه للأخرى، يعنى بذلك: أن تكون مشتملة على قيد لفظى كالشرط ونحوه وخرج بقولنا:

قيد أن يكون لها حكم غير قيد كدلالتها على الثبوت بكونها اسمية دون الأخرى، فإن ذلك ليس مما نحن فيه بدليل أنهم سيفردونه بالذكر فى آخر الباب، وكذلك تأكيد إحدى الجملتين بإن واللام، أما القيد اللفظى فإذا قلت: إن جاء زيد أكرمته وهو جدير بذلك احتمل أن تكون الجملة الاسمية معطوفة على الجزاء فيكون معناه: إن جاء زيد فهو جدير بالإكرام، واحتمل أن يكون معطوفا على الجملة الشرطية فتكون غير مقيدة، وإن لم يحصل مرجح لأحد الاحتمالين فينبغى أن يمتنع - كما سيجئ - فإذا قلت:

إن أسلم الناس دخلوا الجنة وهم عبيد الله، تعين أن يكون معطوفا على الجملة الشرطية؛ لأنه لو كان معطوفا على الجواب وله حكم وهو اختصاصه بالشرط؛ لكان الشرط فى المعطوف عليه كذلك، فيلزم أن يكون المعنى إن أسلموا فهم عبيد الله، وليس هو المراد لأنهم عبيد الله أسلموا أم كفروا.

واعلم أن عبارة أهل هذا الفن إذا كان للأولى حكم لا يقصد إعطاؤه للثانية، وإنما عدلت عن عبارتهم إلى قولى، إذا كان لإحدى الجملتين، ومقصودى بهذا أنه لو كان القيد فى الجملة الثانية كان الأمر كذلك، فإنك إذا قلت: أكرم المسلمين وأهن الكافرين إن رأيتهم، كان الشرط عائدا إلى الجملتين معا، عند من قال: إن الاستثناء

ص: 486

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عائد إلى الكل، وعند أكثر من ذهب إلى أن الاستثناء عائد إلى الأخير حتى نقل بعضهم الإجماع على ذلك، وإذا

كانت اللغة تقضى بعود الشرط إلى الجمل السابقة فلو أردت أن الشرط عائد إلى الأخيرة امتنع العطف، كقولك: الإسلام حق والكفار فى النار إن لم يتوبوا، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يقول: إن ما قبل الشرط جواب على رأى الكوفيين، أو دليل جواب على رأى البصريين هذا فى الشرط بإن أما الشرط بإذا، وهو الذى نصّ عليه أهل هذا العلم ففيه بحث شريف، سأذكره حيث ذكره المصنف - إن شاء الله تعالى - وأما غير ذلك من القيود فلم يتعرضوا له، والذى يظهر أن يقال: أما الاستثناء فإن كان بعد الجملتين ففيه الخلاف المشهور فى عوده إليهما أو إلى الأخيرة إن قلنا: يعود إلى الأخيرة فلا يمنع أن تعطف الجملة التى فيها الاستثناء على جملة استثناء فيها، وإن قلنا: يعود إلى الجميع فيمتنع أن تعطف الجملة المذكورة على جملة لا تريد أن تستثنى منها شيئا إلا بقرينة؛ لأن ذلك حكم للثانية لا تريد أن تعطيه للأولى، ومثاله: أكرم الناس واقتل المشركين إلا أباك، تريد الاستثناء من الأخير فقط وإن كان الاستثناء بين الجملتين، فهل هو كما لو كان بعدهما وإذا أردت أن لا تستثنى من الثانية امتنع الوصل أو لا؟ لم أر فيه نقلا فيحتمل أن يقال: إن الأمر كذلك؛ لأن علة تعدى الاستثناء الأخير إلى الجميع أن العطف يصيّر المتعدد كالمفرد، وهذا المعنى حاصل تقدم الاستثناء أم توسط وقد يقال: إن (إلا) من شأنها أن تخرج مما قبلها لا مما بعدها، لأن الأصل فى المستثنى منه أن يكون مقدما على المستثنى، ويحتمل أن يقال: إن قلنا العامل فى المستثنى هو إلا كما هو الصحيح عند سيبويه والمبرد فلا يتعدى الاستثناء إلى الجملة بعده؛ لأنه يلزم منه تأخير المستثنى منه عن المستثنى والمنسوب إليه معا، وهو ممتنع عند الجمهور، وقد حملوا على الشذوذ قول الشاعر:

خلا الله لا أرجو سواك فإنّما

أعدّ عيالى شعبة من عيالك (1)

(1) البيت من الطويل، وهو للأعشى فى خزانة الأدب 3/ 314، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص 382، وحاشية يس 1/ 355، والدرر 3/ 164، وشرح الأشمونى 1/ 237 وشرح التصريح 1/ 363، وشرح ابن عقيل ص 317، ولسان العرب 14/ 242، (خلا)، والمقاصد النحوية 3/ 137، وهمع الهوامع 1/ 266، 232، وفيه:" وإنما" مكان" فإنما".

ص: 487

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن قلنا: العامل فى المستثنى، هو ما قبلها أو الاستثناء منه، فليعد إلى الجميع؛ لأنا حينئذ لم نؤخر المستثنى منه عن المستثنى بل نقدر استثناء آخر عقب الثانية، كما يقدر استثناء عقب ما قبل الأخيرة إذا تأخر الاستثناء عنها، ويكون حذف من أحدهما؛ لدلالة الآخر عليه، ولا وجه لعود المستثنى المتأخر للكل مع القول: بأن العامل ما قبلها إلا ذلك وقد انحل لنا بهذا الإشكال كثير على الشافعية، وهو أن إعادتهم الاستثناء إلى الكل مع القول: بأن العامل فى المستثنى هو العامل فى المستثنى منه يلزم منه توارد عوامل على معمول واحد فاندفع الإشكال بحمد الله تعالى

وأما غير ذلك من القيود كالظرف نحو:

ضربت زيدا وأكرمت عمرا اليوم، وعكسه والصفة مثل: أكرم المسلمين وأهن الكافرين الذين عندك، فالذى يظهر أنه كالشرط وأنه يتقيد سواء أتوسط القيد أم تأخر، فيمتنع الوصل إلا عند إرادة التشريك فى الحكم، وقد قال شيخنا أبو حيان فى أول شرح التسهيل: إنه لا خلاف لعلمه فى أن عطف الفعل على الفعل يقتضى اشتراكهما فى الزمان، وأن يقوم زيد الآن، ويخرج ويقوم زيد، ويخرج الآن، يتخلص الفعل فيهما معا للحال، وابن الحاجب اختار فى مسئلة" لا يقتل مسلم بكافر" (1) أن القيد فى أحد المتعاطفين يستلزم القيد فى الآخر وردد القول فى نحو: ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا، هل يقتضى أنهما يوم الجمعة أم لا؟ ولكن تلك المسئلة فرضها فى عطف المفردات ولا يلزم من تعدى قيد أحد المتعاطفين إلى الآخر فى عطف المفردات تعديه فى عطف الجمل، وقد تكلمنا معه فى ذلك فى شرح المختصر بما لا يستغنى عن مراجعته، وأما الصفة فإذا جاءت بعد الجمل، قال أصحابنا فى الوقف: إنها تعود على الجميع، ومما نحن فيه قولك: إنما زيد قائم وعمرو جالس، تريد عطف الجملة الثانية على ما بعد إنما، ومن ذلك الحال وقد تكلموا عليها فى قوله تعالى:

وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً (2).

(الثالثة): حيث قلنا فى هذا الباب: يجب الوصل أو قلنا: يجب الفصل نريد به الوجوب بحسب البلاغة وتطبيق الكلام على مقتضى الحال ولا نعنى الوجوب بحسب اللغة إلا فى مواضع يسيرة، ننبه عليها فى موضعها، إن شاء الله تعالى.

(1) هذا لفظ حديث أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وانظر صحيح الجامع (ح 7752)، وراجع الإرواء (ح 2209).

(2)

سورة الأنبياء: 72.

ص: 488

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(الرابعة): لا يخفى أن الفصل والوصل يكونان بين المفردات كما يكونان بين الجمل، وسنعقد لذلك فصلا فى آخر الكلام، إن شاء الله تعالى.

(الخامسة): لا يخفى أن ذكر الفاء ههنا إنما هو إذا كانت لمجرد العطف، أما إذا كانت للسببية فقد تقع حيث يمتنع العطف بغيرها، كقولك: أكرمنى زيد فأكرمه، فإن بينهما كمال الانقطاع، والوصل حسن.

(السادسة): قدمنا أن كون الجملة لها محل مما يقرب الجامع بخلاف ما إذا لم يكن لها محل، وليس ذلك على إطلاق فربما كانت الجملة لا محل لها والجامع أقرب منه، حيث لها محل كالجملة الموصول بها إذا عطف عليها، فإنها لا محل لها، كقولك: رأيت الذى يعطى ويمنع، فإن استدعاء الموصول لتمام صلته أتم من استدعاء الإعراب للجملة المعطوفة، وكذلك الموصول الحرفى كقوله:

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

أى: فى الجمع بين الأمرين، ومن ذلك الجملتان اللتان يطلبهما شرط، مثل: إن جاء زيد وجاء عمرو فأكرمه فإن الفعل مجزوم لا الجملة كلها.

وقد آن لنا أن نرجع إلى كلام المصنف فقوله: إذا أتت جملة بعد جملة - يعنى: إذا أردت أن تأتى بها؛ لأنه لا يقال: إذا أتت - فتارة توصل وتارة تفصل؛ لأنها بعد إتيانها لا تتغير عما وقعت عليه من فصل ووصل، وقوله: فالأولى ينبغى أن يقول:

السابقة؛ فإن الأول حقيقة فيما لم يسبقه غيره، والكلام فى كل جملة بعدها أخرى، كالثانية مع الثالثة والثالثة مع الرابعة، وعذره فى ذلك أن كل واحدة أولى بالنسبة لما بعدها، ومنه قولهم: ادخلوا الأول فالأول، وقوله صلى الله عليه وسلم: - " أول أشراط السّاعة طلوع الشّمس من مغربها"(1) مع قوله صلى الله عليه وسلم: - " أول أشراط السّاعة نار تحشر النّاس"(2) فقد جمع بينهما بذلك (قوله: فالأولى إما أن يكون لها محل من الإعراب) قد تقدم تفصيله، وأن هذا التفصيل ليس صحيحا إنما المحل موضع يظهر به الجامع والسكاكى لم يقصد هذا التفصيل،

(1) أخرجه مسلم فى" الفتن وأشراط الساعة" باب: خروج الدجال

(ح 2941) ورواه مختصرا:

الطبرانى عن أبى أمامة، انظر صحيح الجامع (ح 2560).

(2)

أخرجه البخارى فى" أحاديث الأنبياء"، باب: خلق آدم وذريته، (6/ 417، 418)، (ح 3329)، وفى مواضع أخر من صحيحه، ومسلم فى" الجنة".

ص: 489

وعلى الأول: إن قصد تشريك الثانية لها فى حكمه، عطفت عليها كالمفرد؛ فشرط كونه مقبولا بالواو ونحوه: أن يكون بينهما جهة جامعة؛

ــ

وقوله: (وعلى الأول إما أن يقصد التشريك أو لا) بناء على توهم أن ذلك فرع كون الأولى لها محل، وهذا لا يختص به ذلك بل لو لم يكن للأولى محل من الإعراب فإما أن يقصد ربط الثانية بالأولى أو لا يقصد، غير أنه إذا

كان للأولى محل يعبر بقصد التشريك فى حكم الإعراب، وإذا لم يكن يعبر بقصد الربط لجهة جامعة إذ لا إعراب إذا لم يكن محل، وسيأتى ذكر هذا فى كلام المصنف فى القسم الثانى، فلو جعله مورد التقسيم فى الأول لكان أحسن وعلى كل تقدير ذكره لا فائدة فيه؛ لأن من المعلوم أن من قصد التشريك عطف وهذا لا يتعلق بعلم المعانى بل هو من بداية قواعد النحو وينبغى أن يقيدها بما لا يوهم فإن كان الوصل يؤدى إلى إيهام غير المراد امتنع كما سيأتى فى العطف على ما له محل، وقوله: إن قصد تشريك الثانية لها فى حكمه، أى: حكم الإعراب؛ وإنما لم يقل الإعراب، لأنها ليس لها إعراب بل حكم إعراب معناه فى الإعراب الحكمى، ويحتمل أن يريد فيما للإعراب من حكم خبرية أو فاعلية أو غيرهما، وحاصله: أنه إذا كان للجملة محل وقصد ثبوت حكم إعرابها للاحقة عطفت عليها، ويجب فيها الوصل ووجوب هذا الوصل لغوى؛ لأن قصد التشريك فى الإعراب لا يتصور إلا بالوصل؛ ولهذا قال المصنف: عطفت ولم يقل: وصلت؛ لأن الوصل إذا أريد به اللغوى يعبر عنه بالعطف.

(قوله: كالمفرد) أى: كما يعطف المفرد إشارة إلى أن كون الجملة لها محل؛ إنما هو لأنها فى تقدير المفرد ويحتمل أن يريد: كما أنه إذا قصد تشريك مفرد لمفرد فى الإعراب يعطف (قوله: فشرط كونه) أى: كون العطف مقبولا أى فى فن البلاغة، ولو لم يكن كذلك كان العطف قبيحا وإن كان سائغا لغة. (أن يكون بينهما) أى:

بين المتعاطفين (جهة جامعة) أى: تناسب فى المعنى وهذا بشرط أن يكون بينهما التوسط، فإن كان بينهما كمال اتصال أو انفصال أو شبه أحدهما فلا، فإذا وجد التناسب وجب الوصل، وإلا امتنع ووجب الفصل، فوجوب الوصل لغوى فى الصورتين؛ لوجوب التشريك وبحسب ما تقتضيه البلاغة واجب فى الصورة الأولى لا الثانية، وقوله: فى الواو ونحوه - يعنى: من حروف العطف - ولا أدرى ما الذى أحوجه إلى ذكر الواو وحروف العطف كلها كذلك إلا أن يكون ذكرها؟ لأنها أم الباب وإن

ص: 490

نحو: زيد يكتب ويشعر، أو: يعطى ويمنع؛ ولهذا عيب على أبى تمام قوله [من الكامل]:

لا والّذى هو عالم أنّ النّوى

صبر وأنّ أبا الحسين كريم

ــ

كان يريد أن غير الواو يوصل بها من غير جهة جامعة فسيأتى الكلام معه ثم لا معنى حينئذ لقوله: نحوه؛ لأن الواو عنده منفردة بهذا الحكم مثال ذلك: زيد يكتب ويشعر، لأن بين الشعر والكتابة تناسبا والمسند إليه متحد، أو زيد يعطى ويمنع؛ لأن بين الإعطاء والمنع تناسبا وإن كانا متضادين والمسند إليه واحد فإن معناه الإخبار بأنه جامع للوصفين، واستحضار أحدهما يسبب استحضار الآخر، ولهذا كانت المضادة من علاقات المجاز، ومنه قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيبسط (1) وسيأتى الكلام - إن شاء الله تعالى - على الجامع الخيالى وما نحن فيه منه، وكذلك

فى عطف المفرد، يشترط أن يكون بين المفردين تناسب كقوله سبحانه وتعالى: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها (2) والتناسب فيه على ما سبق ولعدم التناسب عيب على أبى تمام قوله:

لا والّذى هو عالم أنّ النّوى

صبر وأنّ أبا الحسين كريم (3)

إذ لا تناسب بين مرارة النوى وكرم أبى الحسين، وقد تمحل الناس إلى أجوبة منها: أن مرارة النوى سبب يقتضى انتجاع أبى الحسين لمكارمه التى تزيل شظف النوى، أو نعنى: كرم الأخلاق الذى يزيل عنه النوى، وقد بالغ الطيبى فى استحسانه إشارة إلى أنه جمع بين متضادين هما: مرارة النوى، وحلاوة كرم أبى الحسين، فأبرزهما فى معرض التوخى، كالجمع بين الضب والنون (قوله: وإلا) أى: وإن لم يقصد إعطاء الجملة اللاحقة حكم إعراب السابقة (فصلت): عنها فلم تعطف عليها، وجوب الفصل فى هذه لغوى؛ لأن من قصد عدم إعطاء حكم الإعراب السابق لا يستطيع أن يعطف وينبغى أن يقول: استؤنف، كما قال فى القسم قبله عطفت وينبغى أن يقسم هذا قسمين:

(1) سورة البقرة: 245.

(2)

سورة الحديد: 40.

(3)

ديوان أبى تمام 3/ 290، ودلائل الإعجاز ص 173، ومعاهد التنصيص 1/ 91، وأبو الحسين المذكور فى البيت هو محمد بن الهيثم بن شبابة، وانظر نهاية الإيجاز ص 323، وعقود الجمان ص 173.

ص: 491

وإلا: فصلت عنها؛ نحو: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ؛ لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على إِنَّا مَعَكُمْ؛ لأنه ليس من مقولهم. وعلى الثانى: إن قصد ربطها بها على معنى عاطف سوى الواو -

ــ

أحدهما: غير مقبول، وهو أن يكون بينهما جهة جامعة فكان من حق المتكلم أن يقصد العطف فالعدول عنه غير بليغ فتعين تقسيم هذا إلى الأحوال الخمسة من كمال الانقطاع أو الاتصال أو شبه أحدهما أو التوسط كما سبق.

والثانى: مقبول، وهو إذا لم يكن بينهما جهة جامعة كقوله سبحانه وتعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (1) لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على إِنَّا مَعَكُمْ التى هى فى محل نصب بالقول؛ لأنه لم يقصد إعطاؤها حكم إعراب إِنَّا مَعَكُمْ وإنما لم يقصد ذلك؛ لأن الله يستهزئ بهم ليس من مقولهم فلا يمكن أن يعطى حكم مقولهم من العطف عليه المستلزم أن يكون مقولا، كذا قال المصنف وغيره ولك أن تقول: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ جملة مستأنفة ولا يصح عطفها على إِنَّا مَعَكُمْ وإنما يكون الفصل فى شئ يمكن أن يعطف على غيره،

فيفصل عنه وتكون الجملتان من كلام متكلم واحد، وهاتان ليستا كذلك، ويمكنك أن تجعل الكلام هنا بين جملة إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ وبين جملة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ والحال كذلك، ثم لك أن تقول: إِنَّا مَعَكُمْ مستأنفة لا محل لها من الإعراب، فليست من هذا القسم فى شئ كما سبق، وكأنه لاحظ أنها فى محل نصب بالقول اعتبارا بالحكاية لا بالمحكى وهو أحد الاعتبارين السابقين.

القسم الثانى: أن لا يكون لها محل (قوله: وعلى الثانى) أى: وعلى تقدير أن لا يكون للجملة السابقة محل (فإن قصد ربطها) أى: الجملة اللاحقة (بها) أى:

بالسابقة (على معنى) حرف (عاطف سوى الواو) وهذا القسم هو نظير القسم الأول، إلا أن هناك عبر بتشريك حكم الإعراب؛ لأن للجملة الأولى إعرابا، وهنا لما لم يكن للأولى إعراب، عبر بقصد الربط أى ربطها ربطا يفيد فائدة تحصل من حرف العطف غير

(1) سورة البقرة: 14، 15.

ص: 492

عطفت به، نحو: دخل زيد فخرج عمرو خ خ، أو: ثمّ خرج عمرو خ خ؛ إذا قصد التعقيب، أو المهلة.

ــ

الواو، كالتعقيب المستفاد من الفاء والتراخى المستفاد من ثم، (عطفت) أى: وجب وصلها (به) أى بذلك الحرف العاطف (نحو: دخل زيد فخرج، أو ثم خرج عمرو إذا قصد بالأول والتعقيب) وبالثانى (التراخى) وهذا الربط حينئذ واجب لغة وبلاغة، هكذا قال المصنف، وقد قدمنا أنه إذا كان العطف بغير الواو كان كالواو، فيأتى فيه التفصيل: إن كان فيه توسط الانقطاع أو الاتصال بشروطه وجب، وإلا لم يجب، وليت شعرى كيف يصح أن نقول: جالينوس طبيب؟ ثم سورة الإخلاص من القرآن، ثم إن القرد يشبه الآدمى واتسع كمّ الخليفة، وإنما لم أمثل بالفاء؛ لأن الفاء يكثر مجيئها للسببية وذلك لا يحصل إلا مع اعتبار مناسب، ثم ليت شعرى هلا فصل بين الواو وغيرها فيما إذا كان للأولى محل، وأى فرق بين زيد يفعل كذا ويفعل كذا وبين قولك:

زيد يفعل كذا ثم عمرو يفعل، وحيث كان مساويا لقولك: ثم يفعل كذا فتفصل فى قولك: زيد يفعل كذا، ثم يفعل كذا التفاصيل السابقة، وقولك: زيد يفعل كذا، ثم عمرو يفعل كذا، لا نفصل فيه بل يجب الوصل ولا يشك عاقل أن قولك: زيد يفعل كذا ثم يفعل كذا، أجدر بالاتصال من قولك: زيد يفعل كذا، ثم عمرو يفعل كذا، وكلام المصنف يقتضى العكس، والصواب أن غير الواو يقرب الجامع من الذهن سواء أكان للأولى محل أم لا، وأعظم برهان على أن غير الواو فى التى لها محل كغير الواو فى التى لا محل لها: أن السكاكى لما ذكر غير الواو وأنها تقرب الجامع

ذكر من الحروف العاطفة لا، وإطلاق المصنف شملها، وقد علم أن لا العاطفة لا يعطف بها جملة كما نص عليه النحاة، فان قلت: زيد قائم لا عمرو جالس، لم تكن لا هذه عاطفة، وهذا نصّ من السكاكى على أن الحرف العاطف إذا كان غير الواو والجمل لا محل لها يخالف الواو عنده كما يخالفها فيما إذا كان للجملة محل، ومما وقع للمصنف هنا على خلاف الصواب أنه مثل للعطف بغير الواو، حيث لا محل للجملتين بقوله تعالى: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (1) وهو غريب، فإن محلهما النصب، وقد أكثر فى هذا الفصل من أمثال هذا؛ لأنه قسّم قسمين وصار يأخذ من المفتاح أمثلة لا يختص بها أحدهما دون الآخر، فوقع فى أوهام سلم السكاكى منها،

(1) سورة النمل: 27.

ص: 493

وإلّا: فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية - فالفصل؛ نحو: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ الآية، لم يعطف: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على: قالُوا؛ لئلا يشاركه فى الاختصاص بالظرف؛ لما مرّ.

ــ

(قوله: وإلا) أى: وإن لم يكن للجملة السابقة محل، ولم يقصد ربطها بالثانية على معنى عطف خاص، فإما أن يكون للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية، أو لا، وقد تقدم بيان الحكم ما هو، وليت شعرى هلا فصّل هذا التفصيل فيما إذا كان للأولى محل، ولا شك أنه يجرى فيه قطعا لو قلت: زيد إن قام فأكرمه وهو ابنك، عاطفا على الجواب لم يجز فإن كان (فالفصل) أى: فالفصل واجب (نحو): قوله تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ (1) لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (2) على قالُوا إذ لو عطف عليه لثبت له حكمه وحكم قالُوا أنه يختص به الظرف أى: لا يقولون إلا وقت خلوهم فيلزم أن يكون استهزاء الله سبحانه وتعالى بهم كذلك، والواقع أن الله يستهزئ بهم وقت خلوهم وغيره (قوله: لما مر) أى: من كون تقديم الظرف يفيد الاختصاص.

وهنا أسئلة أحدها: أن قوله: لئلا يشاركه فى الاختصاص بالظرف مقلوب صوابه أن يقول: فى اختصاص الظرف به، الثانى: أن قوله: إن جملة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ لو عطفت على قالُوا لاقتضى اختصاص الاستهزاء بالظرف، قد يقال: لا نسلم؛ لأن تقييد المعطوف عليه بالظرف قد لا يلزم أن يتقيد به المعطوف، وقد أشار ابن الحاجب فى المختصر إلى احتمالين فى قولك: ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا، هل يلزم أن يكون ضرب عمرو أيضا يوم الجمعة أو لا؟ وقد تقدم الكلام على شئ من ذلك، فإذا احتمل ذلك فى المفردات فالجمل أولى بأن لا تتقيد الثانية منها بظرف الأولى؛ لكن قد يجاب عن هذا: بأن التقييد بالظرف هنا ما جاء من كونه ظرفا للمعطوف عليه، بل لكونه شرطا، والمعطوف على الجواب لا بد أن يكون معلقا على الشرط قطعا، والثالث: أنا لا نسلم أنه تقديم معمول يقتضى الاختصاص

بالنسبة إلى قالُوا فإنه جار أن يكون العامل فى إذا هو الفعل الذى يليها كما هو قول مشهور اختاره شيخنا أبو حيان، فلا يكون قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ تقدم له معمول يؤذن باختصاص.

(1) سورة البقرة: 14.

(2)

سورة البقرة: 15.

ص: 494

وإلّا: فإن كان بينهما كمال الانقطاع بلا إيهام، أو الاتصال، أو شبه أحدهما - فكذلك.

وإلّا فالوصل متعيّن:

أمّا كمال الانقطاع: فلاختلافهما خبرا وإنشاء، لفظا ومعنى؛ نحو [من البسيط]:

ــ

(الرابع): سلمنا أن إِذا خَلَوْا معمول قالُوا كما هو قول الجمهور، ولا نسلم أن ذلك تقديم يؤذن بالاختصاص؛ لأن المعمول إذا اقتضى تقديمه للاختصاص لتحويله عن محله، وإذا إن كانت متقدمة؛ لكونها معمولة ووضع المعمول المتأخر عن عامله فهى شرط وحق الشرط أن يتقدم على مشروطه فلا تقديم فيها، بل هى بخصوص كونها شرطا فى محلها غير متقدمة ويستحيل تأخرها عن مشروطها على المذهب البصرى، وبعموم كونها معمولا متقدمة ومراعاة خصوصها أولى من مراعاة عمومها، ولا نسلم أن المعمول السابق إذا كان وضعه يسبق عامله يؤذن بالاختصاص، وقد تقدم عند الكلام على الاختصاص تنبيه على شئ من ذلك، وإنما يتأتى ما ذكروه فى إذا المتجردة عن الشرط (قوله: وإلا) أى:

وإن لم يكن للأولى حكم لا يقصد إعطاؤه للثانية سواء قصد عدم إعطائه أم لم يقصد، وليس للأولى محل من الإعراب، وهذا القيد يضرّ ولا ينفع؛ لأن الأحوال الخمسة جارية، وإن كان لها محل فذلك خمسة أقسام، يجب الفصل فى أربعة منها، وهو أن يكون بينهما كمال الاتصال أو يكون بينهما كمال الانفصال أو شبههما والخامس: أن يكون ما بينهما متوسطا بين كمال الاتصال وكمال الانفصال، فيجب الوصل، وإنما وجب الفصل فى الأولى؛ لأن الواو للتشريك، والتشريك إنما يكون بين المتناسبين والفرض أن كمال الانقطاع موجود بينهما فلا تناسب، وأما فى الثانية: فإنهما إذا كان بينهما كمال الاتصال وصارا كالشئ الواحد فيكون كعطف الشئ على نفسه وهو ممتنع، وأما إن كان بينهما ما يشبه كمال الانقطاع أو ما يشبه كمال الاتصال، فلما تقدم؛ لأن شبيه الشئ له حكمه، وأما وجوب الوصل فى الخامسة فلارتباط بعض الكلام ببعض ولا موجب للعدول.

ص: (أما كمال الانقطاع إلخ).

(ش): القسم الأول من الخمسة: أن يكون للجملة الأولى حكم يقصد إعطاؤه للثانية وبينهما كمال الانقطاع بلا إيهام خلاف المقصود، وذلك أن الأمر يرجع إلى الإسناد أو إلى طرفيه.

ص: 495

ومعنى؛ نحو [من البسيط]:

فكلّ حتف امرئ يجرى بمقدار

وقال رائدهم أرسوا نزاولها

ــ

الأول: أن يرجع إلى الإسناد كأن يختلفا خبرا وإنشاء ولفظا ومعنى، والمراد: أن تكون إحداهما خبرية لفظا ومعنى، والأخرى إنشائية لفظا ومعنى، كذا ذكروه وفيه نظر، فإن مدلول هذه العبارة: أن كل واحدة منهما تخالف الأخرى فى اللفظ وفى المعنى معا وذلك بأن تكون الأولى: خبرية اللفظ إنشائية المعنى، والثانية: إنشائية اللفظ خبرية المعنى أو عكسه، وبأن تكون الأولى إنشائية لفظا ومعنى، والأخرى خبرية لفظا ومعنى وعكسه فقد دخل فى كلامه أربع صور فلا معنى لتخصيصه باثنين منها.

واعلم: أن الخبر والإنشاء المتمحضين لا يعطف أحدهما على الآخر فيجب الفصل بلاغة وأما لغة فاختلفوا فيه فالجمهور على أنه لا يجوز واختاره ابن عصفور فى شرح الإيضاح وابن مالك فى باب المفعول معه فى شرح التسهيل، وجوزه الصفار وطائفة ونقل الشيخ أبو حيان عن سيبويه جواز عطف المختلفتين بالاستفهام والخبر مثل: هذا زيد ومن عمرو؟ وقد تكلموا على ذلك فى قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (1) وحاصله أن أهل هذا الفن متفقون على منعه، وظاهر كلام النحاة جوازه، ولا خلاف بين الفريقين؛ لأنه عند من جوزه يجوزه لغة ولا يجوزه بلاغة واختلفوا فى: باسم الله وصلّى الله على محمد فى إثبات الواو وإسقاطها، ثم أنشد المصنف على ذلك قول الشاعر وهو الأخطل كذا ذكر سيبويه وإن كان لا يوجد فى ديوانه:

(وقال رائدهم أرسوا نزاولها)

فكلّ حتف امرئ يجرى بمقدار (2)

لأن أرسوا فعل أمر، فهو إنشاء لفظا ومعنى، ونزاولها خبر لفظا ومعنى؛ لأن الغرض تعليل الأمر بالإرساء بالمزاولة إما للحرب على قول ابن الحاجب وهو

(1) سورة الأنعام: 121.

(2)

البيت من البسيط، وهو للأخطل فى خزانة الأدب 9/ 87، والكتاب 3/ 96، ومعاهد التنصيص 1/ 271 وفى المفتاح ص 269، وشرح عقود الجمان 1/ 202، والبيت فى المصباح ص 64، بلفظ: فقال قائلهم أرسوا

وفى عقود الجمان ص 175، وبلا نسبة فى شرح المفصل 7/ 51.

ص: 496