الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا:
تقديم المسند إليه
، وتأخيره:
تقديم المسند إليه:
وأما تقديمه: فلكون ذكره أهمّ:
1 -
إمّا لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه.
2 -
وإمّا ليتمكّن الخبر فى ذهن السامع؛ لأنّ فى المبتدأ تشويقا إليه؛ كقوله [من الخفيف]:
والّذى حارت البريّة فيه
…
حيوان مستحدث من جماد
ــ
تقديم المسند إليه:
ص: (وأما تقديمه فلكون ذكره أهم إلخ).
(ش): تقديم المسند إليه يكون لأحد أمور:
الأول: انه الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه.
(قلت): يريد التقديم المعنوى، فإن المسند إليه محكوم عليه، والمحكوم عليه متقدم فى الذهن على المحكوم به. وإن أراد التقديم اللفظى فذلك يختلف، فإن الأصل فى المسند إليه التقديم، إن كانت الجملة اسمية، والتأخير إن كانت فعلية، إلا إذا قلنا: إن الفاعل فرع، والمبتدأ أصل، فإنه حينئذ أصله التقديم.
فما ذكره المصنف لا يأتى على القول بأن الفاعل أصل.
الثانى: أن يتمكن الخبر من ذهن السامع؛ لأن فى المبتدأ تشويقا إليه، كقول المعرى:
والّذى حارت البريّة فيه
…
حيوان مستحدث من جماد (1)
قال البطليوسى فى شرح سقط الزند: معناه مقصود به الإنسان، والحيرة الواقعة فيه، من قبيل اتصال النفس بالجسم، إذ النفس جوهرية والجسم عرض؛ فلذلك يعدم الجسم الحياة، إذا فارقته النفس، والحيرة الواقعة فى نياطها به. وقيل: معناه أن الله خلق طائرا فى بلاد الهند، اسمه فقنس، يضرب به المثل فى البياض، وله منقار طويل، وهو حسن الألحان، يعيش ألف سنة، ثم يلهمه الله الموت، فيجمع
(1) البيت من الخفيف، وهو لأبى العلاء المعرى فى داليته المشهورة بسقط الزند 2/ 1004، والمفتاح ص 98، وشرح المرشدى 1/ 59، ولطائف التبيان ص 51، والإشارات ص 46، ومعاهد التنصيص 1/ 135، وشرح عقود الجمان 1/ 68، والمصباح ص 15، وتاج العروس (فقس) 160/ 342.
3 -
وإمّا لتعجيل المسرّة أو المساءة؛ للتفاؤل أو التطيّر؛ نحو: سعد فى دارك، والسّفّاح فى دار صديقك.
4 -
وإمّا لإيهام:
- أنه لا يزول عن الخاطر. - أو أنه لا يستلذّ إلّا به.
وإمّا لنحو ذلك.
ــ
الحطب حواليه، ويضرب بجناحيه الحطب؛ فتخرج نار، فيشتعل، فيحترق، فيخلق الله من رماده بعد مدة مثله. وهذا القول الثانى لغير البطليوسى.
وقيل: أراد آدم صلى الله عليه وسلم وقيل: أراد ناقة صالح، وقيل: عصا موسى صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك السكاكى بقولك: صديقك الفاعل، الصانع، صدوق، تريد بالفاعل الصانع: معناه من صفات مدح تذكر، لا تريد هذا اللفظ؛ فإنه يستعمل غالبا فى الذم، كما أشار إليه الزمخشرى، فلا يرد على السكاكى فساد هذا المثال. نعم قد يقال: إن التشويق هنا، إنما حصل للمبتدأ من ذكر الصفات قال السكاكى: إن التشويق إلى الخبر، إنما حصل من كون المبتدأ موصولا، وهو واضح؛ لأن الصلة وهى حيرة البرية فيه، شوقت إليه، فاستدعت موصولا يجرى عليه.
والمصنف جعل فى الإيضاح هذا القول خلاف الأولى، وفيه نظر ولم يرد السكاكى حصر التشوق فى كون المبتدأ موصولا؛ بل كونه موصولا، يقتضى ذكر صلة تتشوق النفس بها إلى المسند.
الثالث: أن يقصد تعجيل المسرة، إن كان فى ذكر المسند إليه تفاؤل، نحو: سعد فى دارك، أو المساءة إن كان فيه ما قد يتطير به، مثل: السفاح فى دار صديقك. وإن شئت فقل: السفاح فى دار عدوك للتفاؤل، وسعد فى دار عدوك للتطير. والسفاح لقب عبد الله بن محمد أول خلفاء بنى العباس، يقال: سفحت دمه أى: سفكته.
وقول المصنف: (تعجيل المسرة) أحسن من قول المفتاح؛ لأنه يتفاءل به، لأن التعجيل هو المناسب للتقديم لا التفاؤل، لأنه يحصل بآخرة أيضا.
الرابع: إيهام أن المسند إليه منك على ذكر، فلا يعزب عن خاطرك، كقولك الله ربى.
الخامس: إيهام أنك تستلذ بذكره فلا تقدم غيره عليه (قوله: وإما لنحو ذلك) قال المصنف فى الإيضاح: قال السكاكى: وأما لأن كونه متصفا بالخبر هو المطلوب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا نفس الخبر، كما إذا قيل لك: كيف الزاهد؟ فتقول: الزاهد يشرب ويطرب.
وأورد عليه أن قوله: (لا نفس الخبر) يشعر بتجويز أن يكون المطلوب بالجملة الخبرية نفس الخبر، وهو باطل؛
لأن نفس الخبر تصور لا تصديق، والمطلوب بها إنما يكون تصديقا. وإن أراد بذلك وقوع الخبر مطلقا، فغير صحيح؛ لأن العبارة عن مثله، لا يتعرض فيها إلى ما هو مسند إليه، كقولك: وقع القيام.
(قلت): وما ذكره ضعيف، لأن السكاكى لم يرد أن نفس الخبر منفكا عن الحكم مقصود، حتى يقول: هو تصور. وإنما قيل فى كلامه: إن المراد أن المسند إليه، يستدعى مسندا، غير معين. فإذا لم يقصد مطلق الإخبار عنه بل الإخبار عنه بأمر مستغرب خلاف ما فى الذهن، قدم المسند إليه؛ ليظن حال النطق أن المسند ليس المسند إليه، فيكون ذكره بعد ذلك، أوقع فى النفس لغرابته؛ ولذلك مثله بقولك: الزاهد يشرب؛ لأنه يستغرب الحكم على الزاهد بذلك، ولو قلت: يشرب الزاهد، لسرى الذهن إلى أن المسند إليه ليس زاهدا. وقيل: مراده أن يقصد الإنصاف الدائم، لا مجرد وقوع الفعل. فإن قوله: الزاهد يشرب يشير إلى الحالة الدائمة بخلاف قوله: يشرب الزاهد لا يعطى إلا مجرد الفعل كذا قيل وفيه نظر؛ لأن يشرب أيضا قد يعطى التكرار لكونه فعلا مضارعا كما سيأتى إلا أن يقال: إن دلالة المضارع على التكرار إنما هى إذا وقع خبرا، كما هو ظاهر كلام الزمخشرى.
وينبغى أن تمثل بقولك: يشرب الزاهد؛ لدلالة الجملة الاسمية على الثبوت، والفعلية على التجدد.
ويحتمل كلامه وجها ثالثا: وهو أن يكون المراد، أنه إذا علم صدور المسند فى الجملة؛ ولكن لم يعلم المسند إليه، قدم المسند إليه؛ ولهذا قال: لا نفس الخبر، فإن الخبر معلوم الوقوع، وإنما قصد إيقاعه على شخص خاص. قال السكاكى: أيضا يقدم؛ لأنه يفيد زيادة تخصيص، كقوله:
متى تهزز بنى قطن تجدهم
…
سيوفا فى عواتقهم سيوف
جلوس فى مجالسهم رزان
…
وإن ضيف ألمّ فهم (1) خفوف (2)
(1) فى الأصل: فهو، والصواب ما أثبتناه.
(2)
البيتان بلا نسبة فى التبيان 1/ 172، والمفتاح ص 105، والمصباح ص 27، والبيتان فى المدح بالشجاعة والحكمة والكرم، وبنو قطن هم القوم الممدوحون.