الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الإيجاز)
والإيجاز ضربان:
إيجاز القصر، وهو: ما ليس بحذف؛ نحو: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (1)؛ فإنّ معناه كثير، ولفظه يسير، ولا حذف فيه، وفضله على ما كان عندهم أوجز كلام فى هذا المعنى، وهو: القتل أنفى للقتل خ خ:
ــ
على كلام ذكره فى الإيضاح مطول، ومثل فى الإيضاح بقوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا (2). وفيه نظر؛ لأن فيه حذف موصوف الذين.
الإيجاز:
ص: (والإيجاز ضربان إلى آخره).
(ش): الإيجاز ضربان: إيجاز القصر، وإيجاز الحذف. والفرق بينهما أن الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه، فهو إيجاز حذف، وإن كان كلاما يعطى معنى أطول منه فهو إيجاز قصر. وقد يجتمعان فى نحو قولك: ما رأيت إلا زيدا، إذا جعلت المفعول محذوفا، فالأول إيجاز القصر، وهو ما ليس بحذف. ومنهم من قال: هو تكثير المعنى، وتقليل اللفظ. ويرد عليه فلان يعطى ويمنع. فإن فيه ذلك، كما صرح به السكاكى، وليس إيجاز قصر بل إيجاز حذف. وكذلك كل إيجاز حذف فيه هذا المعنى. والتحقيق أن فلانا يعطى ويمنع، إن أردت جعل الفعل فيه قاصرا، فهو إيجاز قصر، وإن أردت جعله متعديا، وحذفت مفعوله؛ لإرادة العموم فهو إيجاز حذف. ومن أبلغ الإيجاز، قوله تعالى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ فإن لفظه يسير، ومعناه كثير؛ لأنه قام مقام قولنا: الإنسان إذا علم أنه إذا قتل يقتص منه، كان ذلك داعيا له قويا مانعا من القتل فارتفع بالقتل، الذى هو قصاص، كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، فكان ارتفاع القتل حياة لهم.
(وقوله: ولا حذف فيه) فيه نظر؛ لأن متعلقى الطرفين محذوفان على رأى الجمهور، وكذلك مضاف فإن التقدير فى مشروعية القصاص إلا أن يقال: أريد بالقصاص شرعه فيكون مجازا. قال: (وفضله على ما كان عندهم أوجز كلام فى هذا المعنى وهو) قولهم: (القتل أنفى للقتل) من وجوه، بل قال ابن الأثير: إنه لا نسبة بين كلام الخالق عز وجل، وكلام المخلوق. وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك.
(1) سورة البقرة: 179.
(2)
سورة الأنعام: 68.
بقلة حروف ما يناظره منه، والنصّ على المطلوب (1)، وما يفيده تنكير (حياة) من التعظيم؛ لمنعه عمّا كانوا عليه من قتل جماعة بواحد، أو النوعيّة الحاصلة للمقتول والقاتل بالارتداع،
ــ
الأول: أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أقل حروفا من كلامهم، فإن حروفه عشرة. وقول الخطيبى: إن التنوين حرف، فيكون أحد عشر، ليس بجيد؛ لأن التنوين إنما يأتى إذا وصلت بما بعدها، والكلام فيها وحدها موقوفا عليها. ولو قرئت موصولة، فالمقصود من نقصان حروفها حاصل، فإن: القتل أنفى للقتل حروفه أربعة عشر، ووقع فى كلام الإمام فخر الدين فى نهاية الإيجاز، وكلام العسكرى فى الصناعتين أن الذى يؤدى معنى كلامهم فى الآية الكريمة، قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وفيه نظر؛ لأن القصاص حياة مخالف معنى لما تضمنه الآية الكريمة، من جعل القصاص ظرفا للحياة.
فالصواب أن يقال: فى القصاص حياة. (ثم أقول): فى ذلك من أصله نظر؛ لأن الإيجاز بتقليل الحروف بالنسبة إلى كلام آخر، ليس مما نحن فيه، بل هو نوع أفرده المصنف فى الذكر آخر الباب. ونحن إنما نتكلم فى هذا الباب على كلامين متساويى المعنى، أحدهما أقل حروفا من الآخر. وإنما الآية وهذا الكلام بينهما تفاوت فى المعنى، كما ستراه وقولهم: إنه يمكن فى قولهم ما هو أوجز منه، وهو أن يقال: القتل أنفى له ليس بصحيح؛ لأنه يصير معناه القتل قصاصا أنفى للقتل قصاصا، وهو فاسد.
الثانى: النص على المطلوب الذى هو الحياة، فيكون أزجر عن القتل العدوان.
الثالث: أن تنكير حياة، يفيد تعظيما لمنعهم عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد. أو النوعية أى الحاصلة للمقتول، أى: بالكف عنه والقاتل بانكفافه. وقولنا: يفيد تعظيما أو نوعية، ليس معناه تقدير موصول محذوف، كما قاله الطيبى وقد تقدم الكلام عليه فى التنكير.
الرابع: اطراده، فإنه ليس كل قتل ينفى القتل بخلاف القصاص، فإنه فيه حياة أبدا.
(قلت): هذا إن كانت الأداة فى القصاص جنسية، فإن كانت للشمول، فليس صحيحا؛ لأن عدم اطراده يكذبه.
(1) وهو الحياة.
واطّراده، وخلوّه عن التكرار، واستغنائه عن تقدير محذوف والمطابقة.
ــ
الخامس: خلوه من تكرار لفظ القتل، فإن التكرار من عيوب الكلام.
(قلت): وليس التكرار من عيوب الكلام مطلقا، بل ربما استحسن، كقوله تعالى:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (1) وغير ذلك؛ لأسباب يطول ذكرها.
وقد تقدم الكلام عليه أول الكتاب. والتأكيد اللفظى فيه تكرار، وهو بليغ؛ ولذلك قال الرمانى: فيه تكرير غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك، فهو مقصر عن أقصى طبقة البلاغة
السادس: استغناؤه عن تقدير محذوف بخلاف قولهم: فإن فيه حذف من التى بعد أفعل التفضيل وما بعدها، وحذف قصاصا مع القتل الأول، وظلما مع القتل الثانى. وقد يمنع أنهما محذوفان؛ بل مرادان بالقتل من غير حذف. وقد تقدم منع عدم الحذف فى الآية الكريمة. والصواب أن يقال: لاستغنائه عما ذكره أكثر من حذفه، وهو من بعد أفعل التفضيل الواقع خبرا، بخلاف المحذوفين فى الآية الكريمة، فإن حذفهما أكثر أو مطرد حتى قيل: إنه لا حذف. وكذلك حذف المضاف فى غاية الكثرة.
السابع: أن فى الآية الكريمة طباقا، فإن القصاص ضد الحياة. (قلت): القصاص سبب للموت الذى هو ضد الحياة فهو ملحق بالطباق كما سيأتى. وزاد المصنف فى الإيضاح وجها آخر وهو هذا.
الثامن: جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بإدخال (فى) عليه.
وزاد غيره، فقال:
التاسع: أن فى كلامهم توالى أسباب كثيرة خفيفة، وقد تقدم أن ذلك مستكره.
العاشر: أنه كالتناقض من حيث الظاهر؛ لأن الشئ لا ينفى نفسه.
الحادى عشر: أنه لا يستقيم لو أجرى على ظاهره؛ لأن ظاهره أن كل واحد من أفراد القتل، أو جنس القتل، ينفى القتل. وليس كذلك، بل المراد أن القتل قصاصا، ينفى القتل ظلما. (قلت): وهذان متقاربان، وهما يرجعان إلى الرابع، فالأحسن أن يعبر عنهما بأن يقال: الاسم قد تقرر أنه إذا تكرر مرتين، وهو فيهما معرفة فالثانى هو الأول. وهنا يلزم خلاف القاعدة فإن الثانى غير الأول.
(1) سورة الشرح: 5، 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثانى عشر: أن القتل ليس نافيا للقتل، بل النافى له كراهة القتل. وهو ضعيف؛ فإن الحياة ليست فى القصاص، بل فى ترك القتل المرتب على مشروعية القصاص.
الثالث عشر: تقدم الخبر المفيد للاختصاص فى قوله سبحانه وتعالى: وَلَكُمْ.
الرابع عشر: سلامة الآية الكريمة من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة، وبعدها عن غنة النون.
الخامس عشر: اشتمالها على تكرير الصاد المستجلب باستعلائها وإطباقها مع الصفير للفصاحة.
السادس عشر: أنها رادعة عن القتل والجرح، قاله الإمام فخر الدين وغيره، والضرب قاله الطيبى.
(قلت): يعنى الجروح التى يمكن القصاص فيها المرادة بقوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ (1) وفيه نظر، لأن لفظ حياة تصرف القصاص المذكور فى الآية الكريمة إلى القصاص فى النفس. فإن مشروعية القصاص فى الطرف، ليس سببا للحياة بل لبقاء ذلك الطرف، إلا أن يقال: بقاء العضو حياته أو يقال: قطع الطرف ربما سرى إلى النفس، فأزال الحياة؛ فشرع القصاص فى الطرف فيه حياة للنفس. وأما الضرب فلا قصاص فيه أصلا على مذهبنا.
السابع عشر: سلامة الآية الكريمة من لفظ القتل المشعر بالوحشة، وعكسه الحياة.
الثامن عشر: إبانة العدل بلفظ القصاص.
التاسع عشر: الاستدعاء بالرغبة والرهبة بحكم الله به.
العشرون: ملاءمة الحروف فيها؛ لأن الخروج من القاف إلى الصاد، أعذب من الخروج من اللام إلى الهمزة؛ لبعد اللام من الهمزة، والخروج من الصاد إلى الحاء، أعذب من الخروج من اللام إلى الألف. ذكر الأوجه الثلاثة الرمانى.
(تنبيه): أذكر فيه - إن شاء الله - أنواعا من إيجاز القصر، ربما يخفى أكثرها فمنها باب القصر بإلا سواء أكان الاستثناء مفرغا نحو: ما قام إلا زيد، أم تاما نحو: ما قام أحد إلا زيدا؛ لأن الأول موجز فقط، والثانى موجز من وجه، مطنب من وجه. أو
(1) سورة المائدة: 45.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القصر بإنما نحو: إنما زيد قائم؛ أو بالتقديم نحو: أنا قمت؛ لأن فى كل منها نابت الجملة مناب جملتين؛ حكم فى إحداهما على المستثنى، وفى الأخرى على المستثنى منه. وكذلك جميع أنواع القصر، وليس شئ من ذلك بإيجاز حذف؛ لأن الكلام مستوفى الأجزاء، لم ينقص منه شئ.
ومنها: نحو: قام زيد وعمرو، فإنه فى معنى: وقام عمرو، وحصل بالواو الإيجاز والإغناء عن تقدير الفعل على مذهب البصريين.
ومنها: الاقتصار على المبتدأ، وطرح الخبر لفظا، ومنه نحو: أقائم الزيدان، لأن قائم مبتدأ لا خبر له، وكذلك زيد
وعمرو قائم على القول بأن: قائم خبر عن أحدهما، واستغنى عن خبر الآخر. ومثل: ضربى زيدا قائما، على القول بأن: قائما ليس خبرا، وليس ثم خبر محذوف. لا يقال: لا إيجاز فى نحو: أقائم الزيدان، ونحو: ضربى زيدا قائما؛ لأن الخبر المستغنى عنه فيهما، أقيم شئ مقامه، فزاد بدل ما نقص؛ لأنا نقول:
الإيجاز تقصير الكلام عما يستحقه، سواء أقيم شئ عوض ما لم يذكر، أم لا. وبرهان ذلك أن المصنف وغيره قسموا إيجاز الحذف إلى: ما يقام شئ فيه مقام المحذوف، وما لا يقام. فنحن ننقل ذلك التقسيم بعينه إلى إيجاز القصر.
ومنها: باب علمت أنك قائم. فإذا جعلنا الجملة سادة مسد المفعولين، فإن الجملة تنحل لاسم واحد، سد مسد اسمين مفعولين من غير حذف.
ومنها: باب النائب عن الفاعل فى ضرب زيد. فزيد يدل على الفاعل بإعطائه حكمه، وعلى المفعول بوضعه.
ومنها: باب التنازع عند الفراء؛ لأنه ذهب إلى أن الاسم فى: قام وقعد زيد، معمول للفعلين معا.
ومنها: طرح المفعول، بمعنى استعمال المتعدى لازما. وهذا القسم هو الذى يسميه النحوى: الحذف اقتصارا، ويعبر عنه بالحذف لا لدليل. والعبارتان مختلفتان، والتحرير:
أنه لا حذف فيه بالكلية. ومنها: جميع باب أسماء الاستفهام، وأسماء الشروط. فإن: كم مالك، يغنى عن عشرين، أو ثلاثين. ومن يقم أكرمه، يغنى عن زيد وعمرو، قاله ابن الأثير فى الجامع.
ومنها: الألفاظ الملازمة للعموم، مثل أحد وديار. قاله ابن الأثير أيضا.
ومنها: لفظ الجمع، فإن: الزيدين، يغنى عن زيد وزيد وزيد.