المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصاحة في الكلام - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌الفصاحة في الكلام

وفيه نظر (1):

وفى الكلام: خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحتها:

ــ

العاشر: من الأوسط إلى الأدنى إلى الأعلى نحو د م ع.

الحادى عشر: من الأوسط إلى الأعلى إلى الأوسط نحو ن ع ل.

الثانى عشر: من الأوسط إلى الأدنى إلى الأوسط نحو ن م ل.

إذا تقرر هذا فاعلم أن أحسن هذه التراكيب وأكثرها استعمالا ما انحدر فيه من الأعلى إلى الأوسط إلى الأسفل، ثم ما انتقل فيه من الأوسط إلى الأدنى فهما سيان فى الاستعمال، وإن كان القياس يقتضى أن يكون أرجحهما ما انتقل فيه من الأوسط إلى الأعلى إلى الأدنى، وأقل الجميع استعمالا ما انتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط، هذا إذا لم ترجع إلى ما انتقلت عنه، فإن رجعت فإن كان الانتقال من الحرف الأول إلى الثانى فى انحدار من غير طفرة، والطفرة الانتقال من الأعلى إلى الأدنى أو عكسه - كان التركيب أخف وأكثر، وإن فقدا بأن يكون النقل من الأول فى ارتفاع مع طفرة - كان أثقل، وأقل استعمالا، وأحسن التراكيب ما تقدمت فيه نقلة الانحدار من غير طفرة بأن ينتقل من الأعلى إلى الأوسط إلى الأعلى، أو من الأوسط إلى الأدنى إلى الأوسط، ودون هذين ما تقدمت فيه نقلة الارتفاع من غير طفرة.

وأما الرباعى والخماسى فعلى نحو ما سبق فى الثلاثى، ويختص ما فوق الثلاثة بكثرة اشتماله على حروف الذلاقة لتجبر خفتها ما فيه من الثقل، وأكثر ما تقع الحروف الثقيلة فيما فوق الثلاثى مفصولا بينهما بحرف خفيف، وأكثر ما تقع أولا وآخرا وربما قصد بها تشنيع الكلمة لذم أو غيره.

‌الفصاحة في الكلام

.

ص: (وفى الكلام خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد مع فصاحتها).

(ش): أى الفصاحة فى الكلام: خلوصه من ذلك مع فصاحة الكلمات وعليه من السؤال ما تقدم فى فصاحة الكلمة

من اقتضاء كلامه الخلوص من المجموع فقط، وغير

(1) لأن الكراهة فى السمع هنا من قبيل الغرابة.

ص: 74

فالضعف (1) نحو: ضرب غلامه زيدا

ــ

ذلك ثم قوله: تنافر الكلمات فيه نظر؛ لأن الكلام قد يكون كلمتين فقط، ويعنى بقوله تنافر الكلمات منافرة كل واحدة للأخرى، لا تنافر أجزاء كلمة واحدة، فإن ذلك من فصاحة الكلمة. قوله:(فالضعف نحو ضرب غلامه زيدا) فإن فيه رجوع الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة، وقد اختلف فى جواز ذلك، فالجمهور على منعه، وجوزه أبو الحسن، والطوال، وابن جنى، وابن مالك مستدلين بقوله:

جزى ربّه عنّى عدىّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (2)

وأجيب عنه بأن الضمير لمصدر جزى، وكذلك قوله:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمّار (3)

وأجيب عنه بجواز أن يكون الضمير لمتقدم فى بيت سابق.

واعلم أن المصنف والشراح قالوا: إنما كان ضعيفا؛ لأن ذلك ممتنع عند الجمهور، ولا يجتمع القول بضعفه، وكونه غير فصيح مع القول بامتناعه. فإن أرادوا أنه جائز، ولكنه ضعيف؛ لأن الأكثر على امتناعه فلا يلزم من القول بجواز ما منعه الجمهور الاعتراف بضعفه، فربما ذهب ذاهب إلى جواز شئ وفصاحته مع ذهاب غيره إلى امتناعه، فليتنبه لذلك. وقد وقع فى عبارة الخفاجى أن التصرف الفاسد يخل بالفصاحة، فإن أراد ما ليس بكلام ففيه نظر؛ لأن الفصاحة من صفات الكلمة والكلام فما ليس بكلام لا يسمى غير فصيح، إذ لا تسلب الصفة عن غير القابل، ولو خلينا وعبارة التلخيص، لأخذنا منها جواز ذلك، كما اختاره ابن مالك. وعليه اعتراض ثان، وهو أن هذا على تقدير جوازه وضعفه ليس مثالا صحيحا، لأن هذا

(1) هو أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوى المشهور بين الجمهور، كالإضمار قبل أن يذكر اللفظ.

(2)

البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه 1/ 166، والخصائص 1/ 294. وبلا نسبة فى الإيضاح ص 5 بتحقيقنا ط. مؤسسة المختار.

(3)

البيت من البسيط، وهو لسليط بن سعد فى الأغانى 2/ 119، وخزانة الأدب 1/ 293، 294. وبلا نسبة فى تخليص الشواهد ص 489،

وتذكرة النحاة ص 364، وخزانة الأدب 1/ 280، وشرح عقود الجمان (1/ 13).

ص: 75

والتنافر (1): كقوله [من الرجز]:

وليس قرب قبر حرب قبر

ــ

ليس ضعفا فى الكلام فإن الكلام هنا هو الفعل وفاعله الضعف، إنما جاء هنا من إضافة الغلام، أو من تأخر المفعول بعد تقدم ضميره، وذلك أمر دائر بين الفاعل وما أضيف إليه، أو بين المفعول وغيره لا من الكلام، أو نقول: الضعف فى استعمال هذا الضمير مخل بفصاحة الكلمة لا الكلام، وهذا بعض ما قدمت الوعد به، وبه تبين أن مراده بالكلام ما زاد على كلمة من الجملة، وما يتعلق أو يتصل بها، ثم ذلك الضعف ربما كان فى النثر دون الشعر؛ لأن ضرورة الشعر كما تجيز ما ليس بجائز، فقد تقوى ما هو ضعيف فعلى البيانى أن يعتبر ذلك، فربما كان الشئ فصيحا فى الشعر غير فصيح فى النثر، ولذلك جوز جماعة: ضرب غلامه زيدا فى الشعر فقط، وابن مالك المجوز لهذا فى النثر، لا ندرى هل يوافق على ضعفه فى الشعر أو لا؟ فإن قلت: الضعف فى ضرب غلامه زيدا إنما حصل من الحركة الإعرابية، لا من مادة الكلمة، وقد قدمتم أن ضعف حركة الإعراب لضرورة أو غيرها، لا يقدح فى الفصاحة. قلت: ذلك بالنسبة إلى فصاحة الكلمة المفردة فضعف حركة إعرابها لا يخل بفصاحتها، لكنه قد يخل بفصاحة مجموع الكلام الذى فيه تلك الكلمة إذا أوجب تعقيدا، كما نحن فيه، وقد لا يخل بفصاحة الكلام، إذا لم تتعلق تلك الضرورة بالمعنى، كصرف المنصرف، وعكسه. فإن الإفادة التى هى مقصودة من الكلام، لا تختل بذلك فليتأمل. وقد تلخص من ذلك أن ضرورة حركة الإعراب، لا تخل بفصاحة الكلمة أبدا، وتخل بفصاحة الكلام تارة دون أخرى.

(قوله: والتنافر كقوله: وليس).

يشير إلى قول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر

وليس (قرب قبر حرب قبر)(2)

(1) هو أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وإن كان كل منها فصيحا.

(2)

الرجز أنشده الجاحظ كما فى دلائل الإعجاز ص 57، والإيضاح ص 26 ونهاية الإيجاز لفخر الدين الرازى ص 123. من الرجز مجهول القائل: ويدعى بعض الناسبين أنه لجنى رثى به حرب بن أمية جد معاوية بعد أن هتف به فمات.

والقفر: الخالى من الماء والكلأ.

ص: 76

وقوله (1)[من الطويل]:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

معى وإذا ما لمته لمته وحدى

ــ

وبخط عبد اللطيف البغدادى:

وما بقرب قبر حرب قبر

قال الكرمانى: ذكروا أنه من شعر الجن، وأنه لا يتهيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرار فلا يتتعتع اه. وفيه إقواء، لأن البيت مصرع أو هما بيتان من مشطور الرجز، وحركة الأول الخفض والثانى الرفع، ولا يمكن أن يكون مصرعا، ويكون بيتا واحدا. فإن قوله (بمكان قفر) لا يصلح أن يكون عروضا إنما هو ضرب لما تقرر فى علم العروض، فلا بد من جعله بيتا مشطورا، أو نصفا مصرعا فإن التصريع يلحق العروض بالضرب، وجعل بعض الشراح ذلك من تنافر الحروف، وليس كذلك؛ لأن كل كلمة على انفرادها لا تنافر فيها، وكل ما حصل فيه تكرار الحروف، فإن فيه هذا التنافر، ولا يرد قوله تعالى: وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ (2) لأن فى مخرجى الميم والنون - وهما طرف اللسان والشفة وذلاقتهما، وتوسطهما بين الضعف والقوة - ما أزال ثقل التكرار، وجعل الخفاجى ثقل هذا البيت؛ لتقارب الحروف المتماثلة وتكررها أيضا، ومن التكرار القبيح على ما ذكره ابن الأثير فى الجامع:

وازورّ من كان له زائر

وعفّ عافى العرف عرفانه (3)

(وكقوله: كريم متى أمدحه) قد جعل فى الإيضاح التنافر منقسما إلى أعلى وهو ما سبق، ودونه وهو قول أبى تمام:

كريم متى أمدحه، أمدحه والورى

معى وإذا ما لمته، لمته وحدى (4)

(1) البيت لأبى تمام أورده فخر الدين الرازى فى نهاية الإيجاز ص 123 وجاء البيت برواية:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

جميعا ومهما لمته لمته وحدى

(2)

سورة هود: 48.

(3)

البيت من السريع، وهو فى مقامات الحريرى من المقامة التفليسية كما فى المثل السائر (1/ 309).

وازور: مال وأعرض، وعاف: استقذر، والعافى: طالب العطاء (هامش المثل السائر).

(4)

البيت من الطويل، أورده فخر الدين الرازى فى نهاية الإيجاز ص (123) وعزاه لأبى تمام، وهو كذلك فى الإيضاح بتحقيقنا ص (6)، وتلخيص مفتاح العلوم ص (7)، والتبيان للطيبى بتحقيقنا 2/ 496 وشرح عقود الجمان (1/ 14).

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى الإيضاح: لأن فى قوله: (أمدحه) ثقلا؛ لما بين الحاء والهاء من التنافر، فإنهما حرفان متنافران لتقاربهما، فإن التقارب قد يكون سببا للتنافر؛ ولذلك حكم على الكلمات التى تكررت فيها الحروف المتماثلة بالثقل كما تقدم، ثم فيما قاله من ثقل (أمدحه) نظر؛ فإن اجتماع الحاء والهاء فصيح؛ لوروده فى القرآن قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ (1) وإنما جاء الثقل هنا من تكرار أمدحه، وسيأتى فى التكرار والتصريح من كلام حازم فى المنهاج بأن ما لعله يعزى لهذا البيت من الثقل إنما هو من التكرار فى (أمدحه)، وفى (لمته) وبه جزم الخفاجى فى سر الفصاحة، وقيل: إنما حصل الثقل من اجتماع الحاء والهاء بعد الفتحة، وليس ذلك فى الآية الكريمة، وقيل: الثقل من الهاء والحاء والهمزة.

واعترض أيضا بأن الكلام إنما هو فى تنافر الكلمات، وهذا من تنافر الحروف. قلت: ليس كذلك بل التنافر على هذا التقدير بين الكلمات لأن الهاء كلمة وحدها نعم يرد على المصنف فى هذا وفى الذى قبله أن التنافر فيهما ليس فى الكلام بل فيه مع متعلقاته إلا أن يراد بالكلام جزءا الإسناد، وما يتعلق بهما كما سبق وكما سيأتى فى الإيجاز، وذكر الخطيبى أنواعا من ذلك لا حاجة لذكرها؛ إذ هى داخلة فى كلام المصنف.

(فائدة): بيت أبى تمام المذكور معناه واضح، غير أن فيه نقدا، وهو الإتيان فى المدح (بمتى) وفى اللوم (إذا)، والمعنى على العكس، فإن (إذا) دالة على ما تحقق أو رجح وجوده و (متى) لا تدل على ذلك، غير أن الذى دعاه إلى (متى) احتياجه لجزم الفعل بعدها، وأما (إذا) فكان مستغنيا بأن يقول:(ومتى ما لمته) وكان أولى لموافقة الأول لفظا ومعنى، وعدم اقتضائه ما لا يليق من نسبة توقع اللوم إلى نفسه، وقد اعترض بأن المدح لا يقابله اللوم بل الذم، قلت: الإتيان باللوم أحسن؛ لأنه ينفى الذم من باب أولى على أنه روى (ذمته ذمته وحدى) يقال: ذامه يذيمه، أى عابه على أن الحبيب سلفا فى مقابلة المدح باللوم، قال:

ومن يلق خيرا يحمد النّاس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغىّ لائما (2)

(1) سورة ق: 40.

(2)

البيت من الطويل، وهو للمرقش فى ديوانه ص 565، ولسان العرب (غوى)، وتاج العروس (غوى)، وشرح اختيارات المفصل ص (1104).

ص: 78

والتعقيد: ألّا يكون الكلام ظاهر الدّلالة على المراد؛ لخلل: إمّا فى النظم: كقول الفرزدق فى خال هشام:

وما مثله فى النّاس إلّا مملّكا

أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه

أى: ليس مثله فى الناس حىّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمّه (1) أبوه.

ــ

قوله: (التعقيد أن لا يكون ظاهر الدلالة على المراد لخلل إما فى النظم).

يعنى فى اللفظ، وهو أن يختل على السمع نظم الكلام فلا يدرى كيف يصل إلى معناه، كقول الفرزدق يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى، خال هشام بن عبد الملك بن مروان. هذا هو الصواب. وفى المهذب للشيخ أبى إسحاق يمدح هشام بن إبراهيم بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة، فوضع هشاما موضع إبراهيم، ووضع إبراهيم موضع هشام؛ فإن الممدوح إبراهيم بن هشام لا هشام بن إبراهيم. واعلم أن الشيخ محيى الدين النووى توهم أن الشيخ وهم بأن جعل الممدوح هشاما، وإنما هو ولده إبراهيم وليس كذلك؛ بل الشيخ علم الممدوح وأباه ولكن وهم فى تسمية كل منهما باسم الآخر، فقد اشتبه عليه الاسم لا المسمى، ثم أوجب هذا الوهم للشيخ محيى الدين أنه أبقى إبراهيم قبل هشام، كما هو فى عبارة الشيخ أبى إسحاق؛ لتوهمه أن إبراهيم الذى ذكر الشيخ أنه ولد هشام غير إبراهيم الذى هو ابنه، فقال: إن الممدوح إبراهيم بن هشام بن إبراهيم، وإنما هو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، ثم إن الشيخ محيى الدين لما جعل إبراهيم والد هشام، أسقط ذكر أبيه إسماعيل، ثم إنه جعل جد هشام هو المغيرة، وإنما المغيرة هو جد جده، فإنه هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة، وقد حررت نسبته كذلك من أنساب القرشيين للشيخ شرف الدين الدمياطى بخطه، ومن مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر اختصار الذهبى بخطه، ثم اجتمع الشيخ أبو إسحاق والنووى على إسقاط هشام والد إسماعيل، فحاصله أن الشيخ أبا إسحاق وهم فى أمرين، والشيخ محيى الدين وهم فى أربعة أمور، اشتركا منها فى وهم واحد، فاجتمع فى كلاميهما خمسة أوهام. إذا تحرر ذلك فبيت الفرزدق المذكور:

وما مثله فى النّاس إلا مملّكا

أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه (2)

(1) مملكا: أى رجل أعطى الملك وهو هشام المذكور، وأبو أمه: أى أبو أم هشام أى أبو الممدوح وهو خال هشام، وحاصله الإخبار بأن الممدوح لا مثل له فى الناس إلا ابن أخته الذى هو المملك.

(2)

البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى دلائل الإعجاز ص 83، وشرح عقود الجمان (1/ 14)، ولسان العرب (ملك)، ومعاهد التنصيص (1/ 43) والإيضاح ص (6). وهو فى مدح خال هشام بن عبد الملك بن مروان: أحد ملوك بنى أمية وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى.

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يريد وما مثل إبراهيم الممدوح فى الناس حى يقاربه إلا مملكا، وهو هشام أبو أمه، والضمير فى (أمه) للمملك،

وهو هشام وفى (أبوه) للممدوح ففصل بين (أبو أمه) وهو مبتدأ و (أبوه) وهو خبر بحى الأجنبى، وفصل بين المبتدأ والخبر، وهما مثله وحى بقوله (فى الناس إلا مملكا أبو أمه) وفصل بين (حى) وهو موصوف ب (يقاربه)(بأبوه) وهو أجنبى، وقدم المستثنى على المستثنى منه فلذلك كان ضعيفا ذا تعقيد، فالخالى من التعقيد ما لا يكون فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك، إلا بقرينة ظاهرة لفظا أو معنى مع نكتة. وهذا البيت أنشده سيبويه فى الكتاب، ونسبه إلى الفرزدق. قال الصغانى: ولم أره فى شعره، وأنا أيضا نظرت كثيرا من شعره فلم أجده، واعترض الخطيبى بأن التعقيد كما فى (ضرب غلامه زيدا) لأنه يوهم عوده على غير زيد، وقد لا يؤدى لذلك، والتعقيد قد يكون لا عن ضعف تأليف فبينهما عموم وخصوص من وجه، وفى البيت أعاريب منها: أن مملكا بدل من حى قدم فانتصب، وقيل: مثله اسم ما، ولا يصح؛ لأنه يلزم نصب الخبر ثم الفرزدق تميمى لا يعمل ما ولو أعملها هنا لأعمل مع انتقاض النفى، إلا أن يكون تبع لغة غيره كما أعملها فى قوله:

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر (1)

وأحسن من ذلك كله، أن يجعل (مثله فى الناس) مبتدأ وخبرا، وإلا مملكا فى موضعه، وحى خبر ثان، وهذا البيت فيه اعتراض؛ لأن المماثلة والمقاربة لا يجتمعان، ولا يعترض على ذلك بأنك إذا قلت:(زيد مثل عمرو) فالمشبه دون المشبه به فقد اجتمعت المماثلة والمقاربة لما سيأتى؛ ولأن المقاربة حينئذ أمر اقتضاه التشبيه ليس مقصودا للمتكلم، أما قصد الإخبار بالمثلية وبالمقاربة فلا يجتمعان، والمعنى على أن (حى) مبتدأ، و (مثله) هو الخبر، ويسهل ذلك وصف حى وعدم تمحض إضافة مثله، وأعرب المغربى (يقاربه) صفة ثانية لمملكا فسلم من الفصل بين الصفة والموصوف، إلا أن يقال: إن (حى) لما فصل بين أجزاء الصفة الاسمية فقد فصل بين الصفة والموصوف،

(1) البيت من البسيط، وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 185، والأشباه والنظائر 2/ 209، والكتاب 1/ 60 والمقتضب 4/ 191، وخزانة الأدب 4/ 133، 138.

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيه نقض معنوى لتصريحه بمقاربة هشام بن عبد الملك له المقتضى لعدم المماثلة، وذلك ذم لهشام وهو غير مقصوده، وهذا السؤال وإن تقدم إيراده على كل تقدير فهو هنا أصرح وأقوى، وأنشد ابن الطراوة أبياتا فى التعقيد فى باب ما يحتمل الشعر من الكلام على أبيات سيبويه منها قوله:

لها مقلتا عيناء كلّ خميلة

من الوحش ما تنفكّ ترعى عرارها (1)

أى لها مقلتا عيناء من الوحش ما تنفك ترعى خميلة طل عرارها، ومثله قول القلاخ:

فما من فتى كنّا من النّاس واحدا

نبتغى منهم عديلا نبادله

وقوله الآخر:

وما كنت أخشى الدّهر إحلاس مسلم

من النّاس ذنبا جاءه وهو مسلما (2)

أى: ما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم مسلما من الناس ذنبا جاءه وهو أى جاءاه معا، وأنشد السكاكى لأبى تمام:

كاثنين فى كبد السّماء ولم يكن

كاثنين ثان، إذ هما فى الغار (3)

قال ابن النفيس فى كتاب الطريق إلى الفصاحة: ومنه قول الفرزدق:

إلى ملك ما أمّه من محارب

أبوه، ولا كانت كليب تصاهره (4)

معناه: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، أى ما أمه منهم.

(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى كتاب العين 1/ 86. وصدره فيه:

لها مقلتا أدماء طلّ خميلها

(2)

البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (حلس).

(3)

البيت من الكامل، وهو لأبى تمام فى ديوانه ص (145)، ودلائل الإعجاز ص (84)، ومفتاح العلوم (المطبعة الأدبية بسوق الخضار) ص 221، والمصباح لابن الناظم ص 160، والموازنة ص 29، وأسرار البلاغة ص 13 ط رشيد رضا ولم أجد فى أى هذه المصادر رواية صدره: كاثنين ورواية الديوان: ثانية فى كبد السماء ولم يكن

لاثنين ثان إذ هما فى الغار.

(4)

البيت من الطويل وهو للفرزدق فى ديوانه 1/ 250، والخصائص 2/ 394، والدرر 2/ 70.

ص: 81

2 -

وإمّا فى الانتقال (1): كقول الآخر (2)[من الطويل]:

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا

فإن الانتقال (3) من جمود العين إلى بخلها بالدموع، لا إلى ما قصده من السرور

ــ

(قوله: وإما فى الانتقال) يعنى أن يكون التعقيد راجعا إلى خلل معنوى، وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الذى هو ظاهر إلى المراد ظاهرا. فإن قلت: هذا والذى قبله، يرجعان إلى المعنى فلم جعل الأول لفظيا والثانى

معنويا؟ قلت: لأن الأول أوقع فى الجهل البسيط وهو عدم الفهم، والثانى أوقع فى الجهل المركب، وهو فهم الشئ على غير ما هو عليه، ومثله بقول العباس بن الأحنف:

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا (4)

المعنى: أن من عادة الدهر معاكسة المقاصد. قال فى الإيضاح: كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن، وأصاب؛ لأن البكاء يكنى به، كقول الحماسى:

أبكانى الدّهر، ويا ربّما

أضحكنى الدّهر بما يرضى (5)

قلت: لا حاجة إلى الكناية بالبكاء، وجاز أن يكون أراد حقيقته، والمراد أنه انتقل عن المعنى الظاهر وهو جمود العين إلى السرور بالاجتماع. قال: وأراد أن يكنى عما يوجبه التلاقى من السرور بجمود العين لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شئ آخر وأخطأ؛ إذ الجمود خلو العين من البكاء حال إرادة البكاء منها،

(1) أى لخلل واقع فى انتقال الذهن من معنى اللفظ الأصلى إلى معنى آخر ملابس للأصلى قد استعمل اللفظ ليفهم منه ذلك الملابس على وجه الكناية أو المجاز.

(2)

هو العباس بن الأحنف الشاعر الغزل المشهور. والشاهد فى قوله: لتجمدا.

(3)

أى انتقال الذهن المعهود من جمود العين إلى بخلها بالدموع إنما يكون فى حالة الحزن والبكاء لا فى حالة الفرح والسرور.

(4)

البيت من الطويل: وهو للعباس بن الأحنف فى الإيضاح ص 7، وشرح عقود الجمان 1/ 15، والبيت فى ديوانه أيضا ص 106 ط دار الكتب، ودلائل الإعجاز ص 268، والإشارات والتنبيهات ص 12، وبلا نسبة فى التلخيص للقزوينى ص 8.

(5)

البيت من السريع، وقوله: كقول الحماسى نسبة إلى الحماسة وهى مختارات لأبى تمام من شعر السابقين وصاحب هذا البيت هو حطان بن المعلى الشاعر الإسلامى، والبيت فى شرح ديوان الحماسة للتبريزى 1/ 152، ودلائل الإعجاز 269، وشرح عقود الجمان 1/ 15، والإيضاح ص 7.

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلا يكون كناية عن المسرة، بل كناية عن البخل، كقول الشاعر - وهو أبو عطاء - يرثى ابن هبيرة:

ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط

عليك بجارى جمعها لجمود (1)

ويمتنع أن يراد بالجمود هنا عدم البكاء مع عظم الحزن؛ لأنه يتحد معناه مع قوله:

(لم تجد) فكأنه قال: إن عينا لم تجد لم تجد، وأيضا المعنى على أنه يريد أن كل أحد حزين وبعض العيون بخلت، فهو أمدح من قوله: إن من الناس من لم يحزن، ولو كان الجمود عدم البكاء مطلقا لجاز أن يدعى به، فيقال: لا زالت عينك جامدة، كما يقال:

لا أبكى الله عينك، وهو باطل.

قلت: وفيه لطيفة؛ لأن الجمود بالحقيقة إنما يكون للمائع، ووصف العين بالجمود، إما على إرادة دمعها، أو إرادتها على سبيل الاستعارة عن الدمع، فلا بد أن يتخيل أن الدمع موجود فى العين، ولكن حصل له جمود منعه من الانسكاب، وذلك لا يتأتى فى حال السرور؛ لأن المعدوم لا يوصف بالجمود.

واعلم أن هذا الاعتراض فيه نظر؛ لأن استعمال الجمود فى هذا البخل إن لم يكن جائزا فليس هذا كلاما غير فصيح، بل هو غير عربى، وإن كان يستعمل فمن أين جاء التعقيد؟ ثم عليه من الاعتراض من كون الإخلال بالفصاحة هنا ليس فى الكلام ما سبق.

واعلم أن المبرد فى الكامل فسر هذا البيت بغير هذا، فقال: هذا رجل فقير يبعد عن أهله ويسافر؛ ليحصل ما يوجب لهم القرب، وتسكب عيناه الدموع فى بعده عنهم لتجمد عند وصوله لهم، وأنشد:

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا

ولم تدر أنّى للمقام أطوّف (2)

(تنبيه): يجوز فى قوله: (وتسكب) النصب عطفا على بعد من باب:

(1) البيت من البسيط وهو لأبى عطاء السندى فى رثاء ابن هبيرة، وهو فى الإيضاح ص 8، وشرح الحماسة للتبريزى 2/ 151، ودلائل الإعجاز ص 269، والإشارات والتنبيهات ص 12.

(2)

البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد فى الكامل 1/ 155 ط. المكتبة العصرية، وشرح عقود الجمان بلا نسبة 1/ 16.

ص: 83