الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: التقديم؛ كقولك فى قصره: تميمى أنا خ خ، وفى قصرها: أنا كفيت مهمّك
ــ
لأن كلا منها لم يقصد فيه حصر الفاعل، بل حصر الأخير، ولو قصد حصر الفاعل لانفصل كما قاله ابن مالك، وأجمع عليه من سلم هاتين القاعدتين، وهم أكثر الناس، وقول سيبويه: إن الفصل ضرورة لا يرد عليه؛ لأنه بناه على أن إنما ليست للحصر كما هو المنقول عنه، وقول الزجاج: يجوز الأمران لا يرد عليه لأنه بناه على أن إنما وإن كانت للحصر فليس من شرط المحصور أن يكون هو الأخير، بل يجوز أن يفصل ليكون قرينة فى حصر الفاعل، وأن يصل ويريد حصر الفاعل بقرينة معينة، كما صرح الشيخ أبو حيان بنقله عنه فثبت أن من خالف ابن مالك فى المسألة لم يخالفه فى هذا الحكم، إنما خالفه فيما بنى عليه من القاعدتين إما فى الأولى، وإما فى الثانية، فظهر أن الحق مع ابن مالك وانظر إلى قول ابن مالك يتعين انفصال الضمير إن حصر بإنما فإنك إن تأملته لم تستطع أن تقول: خلافا لسيبويه؛ فإنه لم يقل: يتعين انفصاله بعد إنما، بل قال: إن حصر بإنما، وسيبويه لا يقول: إن حصر بإنما لا ينفصل، بل يقول: الحصر بإنما لا وجود له، فهما كلامان لم يتواردا على محل واحد، ولو قيل لسيبويه: ما تقول لو وقع الحصر بإنما فى انفصال الضمير لما علمنا ما يقول، والظاهر أنه يقول بالفصل.
(تنبيه): قوله تعالى حكاية عن يعقوب إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (1) ينبغى أن يعتقد أن (وأعلم) جملة مستأنفة أو معطوفة على إنما أشكو، وليست معطوفة على أشكو؛ إذ لو كان للزم أن المراد: لا أعلم من الله ما لا تعلمون، وليس كذلك.
ثالثا - التقديم:
ومنها: التقديم، أى: تقديم ما هو متأخر رتبة، مثل: تميمى أنا وأنا كفيت مهمك، والمثال الثانى يعلم حكمه مما سبق فى: أنا قمت.
(تنبيه): بقى للقصر طرق بعضها باتفاق، وبعضها باختلاف، منها: الفصل، وقد تقدم الكلام عليه، ومنها: ذكر المسند إليه كما تقدم نقله عن السكاكى: وتقدم البحث فيه، ومنها: تعريف المبتدأ فى نحو: المنطلق زيد على قول، ومنها: تعريف الخبر فى نحو: زيد المنطلق. قال الإمام فخر الدين فى" نهاية الإيجاز": إذا قلت: زيد المنطلق
(1) سورة يوسف: 86.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاللام تفيد انحصار المخبر به فى المخبر عنه، مع قطع النظر عن كونه مساويا أو أخص منه ثم إنها إما أن تكون
لتعريف المعهود السابق، كما إذا عرف وجود انطلاق ما، وبقولك:
زيد المنطلق عنيت أن صاحب ذلك الانطلاق المعهود هو زيد، فقد أفاد حصر الانطلاق فى زيد، وإما لتعريف الحقيقة فيكون بوضعه مفيدا للحصر فإذا قلت: زيد المنطلق، وأردت حقيقة المنطلق مع قطع النظر عن تشخصها وعمومها أفاد الحصر، ثم إن أمكن الانحصار فذلك على حقيقته، وإلا فهو على سبيل المبالغة وقد يفيد هذا القسم مع انحصار الخبر فى المبتدأ بلوغ المبتدأ فى استحقاقه لما أخبر به عنه حدا يصير معرفا بحقيقته وأما كون اللام فى الخبر هل تفيد العموم؟ فالأشبه أنه غير جائز إلا على تأويل، وهو أن يكون معنى أنت الشجاع أنت كل الشجعان، وهو تأويل غير حسن، فحاصله أنك إذا قلت: زيد المنطلق أفاد حصر انطلاق معين، أو حصر حقيقة الانطلاق إما تحقيقا وإما مبالغة. انتهى كلامه.
ولا يخفى ما فيه. ومما ذكر من أدوات الحصر قولك: جاء زيد نفسه، على ما نقله بعض شراح هذا الكتاب هنا عن بعضهم. ومنها: إن زيدا لقائم على ما نقله المشار إليه أيضا.
ومنها: قلب بعض حروف الكلمة فإنه يفيد الحصر على ما نقله الزمخشرى فى" الكشاف" عند الكلام على قوله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها (1) فإن القلب للاختصاص بالنسبة إلى لفظ الطاغوت؛ لأن وزنه على قول: فعلوت من الطغيان، كملكوت ورحموت، قلب بتقديم اللام على العين، فوزنه فلعوت، ففيه مبالغات كتسميته بالمصدر، والتاء تاء مبالغة، والقلب وهو للاختصاص؛ إذ لا يطلق على غير الشيطان، ومنه نحو قولك: قائم، فى جواب: زيد إما قائم أو قاعد، على ما ذكره الطيبى فى" شرح البيان" قبل الكلام على كون المسند مفردا فعليا.
وعد بعضهم من تراكيب القصر أيضا: زيد قام ولم يقم غيره، أو لم يقم أحد غير زيد، وفيه نظر، لأن هذين تركيبان حصل القصر من مجموعهما. ومنها: تقديم المعمول فى نحو: زيدا ضربت كما سبق. ومنها: أنما بالفتح، قال الزمخشرى فى قوله تعالى:
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (2): أنما لقصر الحكم على شئ أو لقصر الشئ على حكم، كقولك: إنما زيد قائم، وإنما يقوم زيد وقد اجتمع المثالان فى هذه
(1) سورة الزمر: 17.
(2)
سورة الأنبياء: 108.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآية لأن إنما يوحى إلى مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد، وإنما إلهكم بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما
الدلالة على أن الوحى إلى الرسول مقصور على استئثار الله بالوحدانية. قلت: هذا صريح فى أن أنما بالفتح للحصر، وبه صرح التنوخى فى كتاب" الأقصى القريب" ونقله الطيبى أيضا، وأنه يقال: إن كل ما أوجب أن إنما بالكسر للحصر، أوجب أن أنما بالفتح للحصر، وفيه نظر، والشيخ أبو حيان رد على الزمخشرى ما زعمه من أن أن المفتوحة للحصر، وقال: يلزم انحصار الوحى فى الوحدانية، وأجيب عنه بأنه حصر مجازى باعتبار المقام، قلت: وجواب آخر، وهو أن هذا لازم سواء كانت أنما المفتوحة للحصر أم لا؛ لأن هذا الإلزام جاء من إنما، ولو قلت: إنما يوحى وحدانية الله تعالى لزم ذلك، وإنما الذى أوقع الشيخ فى هذا السؤال قول الزمخشرى: وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحى مقصور على الوحدانية، فأفهم أن هذا القصر نشأ عن كونهما معا للحصر، وليس كما قال فليتأمل.
ومنها: حذف المسند لادعاء التعيين أو للتعيين نحو: يعطى بدرة ويفعل ما يشاء كما سبق، ومن هنا قال الزمخشرى فى قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (1): معناه لا يقول إلا الحق ولا يهدى إلا سبيل الحق. قال الطيبى: أما دلالة وهو يهدى السبيل فظاهر؛ لأنه على منوال أنا عرفت، وأما والله يقول الحق فلأنه مثل: اللَّهُ يَبْسُطُ (2) وهو عنده يفيد الحصر اه. قلت: هذا عجيب فإن أنا عرفت والله يبسط حصر فيه الفاعل، ومعنى حصر الفاعل فيه لا يقول الحق إلا الله، والزمخشرى لم يتعرض لذلك بالكلية، فإنه وجه المعنى هنا ليس على الحصر، وإنما أراد حصر المفعول ألا تراه صرح بذلك، وقال: لا يقول إلا الحق، ولا يهدى إلا السبيل، فلم يقع الطيبى على مراده مع وضوحه. فإن قلت: من أين أخذ الزمخشرى الحصر من هذه الآية الكريمة؟ قلت: إما أن يكون من مفهوم الصفة عند القائل به، وإما من ترتيب الحكم على الوصف المشعر بالعلية؛ ولذلك قال فى سورة غافر: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ (3): معناه من هذه صفاته لا يقضى إلا بالحق، وحيث وجدت العلة وجد المعلول، وحيث انتفى المعلول ثبت ضده، فعلى هذا يستفاد الحصر.
(1) سورة الأحزاب: 4.
(2)
سورة الرعد: 26.
(3)
سورة غافر: 20.