الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا:
إتباع المسند إليه، وعدمه
وصف المسند إليه:
وأمّا وصفه، فلكونه:
1 -
مبيّنا له، كاشفا عن معناه؛ كقولك: الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله، ونحوه فى الكشف: قوله [من المنسرح]:
الألمعىّ الّذى يظنّ بك الظ
…
ظنّ كأن قد رأى وقد سمعا
ــ
أَنْفُسَكُمْ (1) المراد تنسون وأنتم تأمرون؛ إذ الأمر لا يصلح أن ينكر، وبقى مما يتعلق بما سبق قوله تعالى: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (2)، وقوله تعالى:
حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها (3)، وسيأتى الكلام عليه فى وضع الظاهر موضع المضمر.
[- إتباع المسند إليه وعدمه]
وصف المسند إليه:
ص: (وأما وصفه إلخ).
(ش): يأتى المسند إليه موصوفا، وذلك لأحد أمور:
الأول: أن يكون يحتاج إلى كشف معناه، أو زيادة كشفه كشفا تاما، كقولنا: الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله، وقوله: يحتاج خبر الجسم، وهذا الوصف يسمى بيانيا، ويسمى كشفيا ونحوه فى الكشف قول أوس بن حجر بفتح الحاء والجيم يرثى فضالة بن كلدة:
الألمعىّ الذى يظنّ بك الظ
…
ظنّ كأن قد رأى وقد سمعا (4)
(1) سورة البقرة: 44.
(2)
سورة العنكبوت: 31.
(3)
سورة الكهف: 77.
(4)
البيت من المنسرح، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص 53، ولسان العرب 1/ 324 (حظرب)، 8/ 327 (لمع)، وتهذيب اللغة 2/ 424، وديوان الأدب 1/ 273، وكتاب الجيم 3/ 214، والكامل ص 1400، وذيل أمالى القالى ص 34، ومعاهد التنصيص 1/ 128، ولأوس أو لبشر بن أبى خازم فى تاج العروس 22/ 168 (لمع)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة 5/ 212، والمصباح ص 22.
والألمعى: الذكى المتوقد، والبيت من قصيدة له فى رثاء فضالة بن كلدة الأسدى، وبعده:
أودى فلا تنفع الإشاحة من
…
أمر لمن قد يحاول البدعا
2 -
أو مخصّصا؛ نحو: زيد التاجر عندنا.
ــ
قال السكاكى: قال الجوهرى: الألمعى منصوب بفعل متقدم، وجوز أن يكون بدلا لأن قبله:
أيّتها النّفس أجملى جزعا
…
إنّ الذى تحذرين قد وقعا
إنّ الّذى جمّع الشّجاعة والن
…
نجدة والبرّ والتّقى جمعا
الألمعىّ الّذى يظنّ بك الظ
…
ظنّ كأن قد رأى وقد سمعا
المخلف المتلف المرزّأ لم
…
يمنعه ضعف ولم يمت طبعا (1)
والمراد بالمخلف المسلف ماله بالعدة، والمرزأ فى ماله بالكرم، والطبع أقوى الطمع وخبر إن قال الأخفش: هو محذوف تقديره مات، والبيت مذكور فى الكامل للمبرد، ورأيت هذه الأبيات فى ديوان أوس بخط على بن أبى الفتح بن جنى وكتبه، فإن ما تحذرين وكتب إن الذى جمع السماحة، وضبط بخطه الألمعى بالرفع، وقال: بظن لك الظن، وضبط المرزئ بكسر الزاى، وكتب لم تمنع بضعف بالتاء المثناة من فوق مفتوحة، وقول المصنف نحوه يحتمل أن يكون، لأنه من غير باب المسند إليه إن كان منصوبا بفعل وقد يكون، لأن هذا الوصف ليس كاشفا عن حقيقة الألمعى، بل يتضمن لازمها، فإن الألمعى هو الذكى المتوقد كما قال فى الصحاح، وذلك يستلزم هذا الوصف وعبارة الإيضاح ونحوه فى الكشف قال فى الإيضاح وكذا قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (2). قال الزمخشرى: الهلع شدة الجزع عند مس المكروه، وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم: ناقة هلوع سريعة السير، وعن أحمد بن يحيى قال لى محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله تعالى. اه. وهذا أيضا من غير باب المسند إليه.
الثانى: أن يقصد تخصيصه بصفة تميزه.
كقولك: زيد التاجر عندنا، فإنك ميزته عن غيره بهذا الوصف، وفى هذا المثال نظر لأن العلم متميز بنفسه لا يحتمل غير معناه، وقد يجاب بأنه قد يعرض له
(1) انظر تخريج البيت السابق.
(2)
سورة المعارج: 19، 21.
3 -
أو مدحا أو ذمّا؛ نحو جاءنى زيد العالم أو الجاهل؛ حيث يتعيّن الموصوف قبل ذكره.
4 -
أو تأكيدا؛ نحو: أمس الدابر كان يوما عظيما.
ــ
الاشتباه لكونه علما على غيره أيضا، أو يفاد أنه إذا قصد بوصفه التخصيص يصير منكرا وينوى تنكيره كتنكير
الأعلام؛ لكن لو صح هذا لكانت صفته نكرة، وليفرض ذلك فيما إذ لم يكن ثم زيد آخر هو تاجر، فإن كان حينئذ يحتاج إلى وصف آخر، ومن هذا النوع الفصول المذكورة فى الحدود، والسبب الأول أعم من الثانى، والذى يغلب أن صفة النكرة للتخصيص، وصفة المعرفة للبيان.
الثالث: أن يوصف للمدح أو للذم، كقولك: زيد العالم أو الجاهل؛ حيث يكون زيد قد فهم المراد منه قبل ذكر الصفة، والمصنف قال: لكون الوصف مبينا أو مخصصا أو مدحا أو ذما، وكان ينبغى أن يقول: أو مادحا أو ذاما أو يقول: تبيينا أو تخصيصا ونحوه فى غير المسند إليه قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)، وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ (2) ونحوه فى الذم: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (3).
الرابع: أن يفيد التأكيد، كقولك: أمس الدابر كان يوما عظيما، ويمكن أن يكون منه من غير باب المسند إليه: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (4) قال السكاكى: ذكر لأن القصد إلى الجنس، قال الزمخشرى: معناه زيادة التعميم والإحاطة، وهو قريب من كلام السكاكى وكأنه يريد بزيادة التعميم قوة العموم، لا تكثير أفراد العام، أما قوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ (5)، فقال الزمخشرى: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منهما، والذى سيق له الحديث هو العدد، شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت: إنما هو إله ولم تؤكد بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية، لا الوحدانية، قلت: قوله:
التوكيد لا يعنى الاصطلاحى الذى هو أحد التوابع، بل يعنى المعنوى اللغوى،
(1) سورة الفاتحة: 1.
(2)
سورة الحشر: 24.
(3)
سورة النحل: 98.
(4)
سورة الأنعام: 38.
(5)
سورة النحل: 51.