الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصر القصر (1): حقيقىّ (2)، وغير حقيقىّ (3) وكل منهما نوعان: قصر الموصوف على الصفة (4)، وقصر
الصفة على الموصوف (5) - والمراد (6): المعنويّة (7)، لا النعت (8) -:
ــ
باب القصر
ص: (القصر حقيقى
…
إلخ).
(ش): هذا هو الباب الخامس، والقصر: هو الحصر، وهو تخصيص أمر بآخر بإحدى الطرق الأربع كذا قالوه، وسيأتى أنها أكثر من أربع، وهو يجرى بين الفعل والفاعل وبين المبتدأ والخبر، وبين الفعل والظرف والحال وغيرها، إلا ما سيأتى، وهو منقسم بالاستقراء إلى قصر حقيقى، وقصر غير حقيقى، أى: مجازى. واعلم أن القصر الحقيقى ينظم حكمين: إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه، وكلاهما حقيقة، والقصر المجازى ينظم حكمين: إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عن غيره، وهو مجاز كما سنبينه.
وكل واحد من هذين ينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف، والمراد بالصفة الصفة المعنوية، لا النعت الذى يتكلم عليه النحوى. قيل:
المراد لا النعت فقط، فإن الصفة المعنوية أعم من أن تكون نعتا أو غيره، وليس كذلك، بل المراد إخراج النعت فإن النعت لا يكون مقصورا على معنوية أبدا ولا عكسه، لأن أداة الاستثناء لا تقع بين الموصوف والصفة، لا يقال: بل تقع بينهما على رأى الزمخشرى، وسيأتى فى كلام المصنف عند الكلام على الحال ما يقتضى اختياره؛ لأنا
(1) هو تخصيص شئ بشئ بطريق مخصوص.
(2)
أى: بحسب الحقيقة وفى نفس الأمر بألا يتجاوزه إلى غيره أصلا.
(3)
أى: بحسب الإضافة إلى شئ آخر بألا يتجاوز إلى ذلك الشئ، وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شئ آخر فى الجملة.
(4)
وهو ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى، لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر.
(5)
وهو ألا تتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخرى.
(6)
أى: بالصفة هنا.
(7)
وهى المعنى القائم بالغير.
(8)
وهو التابع الذى يدل على معنى فى متبوعه غير الشمول.
والأّول (1) من الحقيقى: نحو: ما زيد إلا كاتب إذا أريد أنه لا يتّصف بغيرها؛ وهو لا يكاد يوجد؛ لتعذّر الإحاطة
بصفات الشئ.
والثانى: كثير؛ نحو: ما فى الدار إلا زيد خ خ، وقد يقصد به (2) المبالغة؛ لعدم الاعتداد بغير المذكور.
ــ
نقول: إن سلمنا ذلك على ضعفه ومخالفته لكلام الجمهور، فإلا الواقعة بين الموصوف والصفة لا يتحقق فيها استثناء لا بالتفريغ ولا بخلافه فليتأمل، لا يقال: يقع القصر بين الموصوف والصفة فى نحو: رأيت رجلا إنما هو قائم، فإن جملة إنما نعت؛ لأن القصر هنا إنما وقع بين مبتدأ هذه الجملة وخبرها، فالأول من الحقيقى قصر الموصوف على الصفة، كقولك: ما زيد إلا كاتب، فإنك قصرت فيه الموصوف، وهو زيد على الصفة، وهى الكتابة، وهذا لا يكاد يوجد؛ لأنه كيف يكون للذات صفة واحدة؟ أم كيف يمكن إحاطة العلم بذلك أن لو كان؟
والثانى من الحقيقى: قصر الصفة على الموصوف، وهو يجرى كثيرا بين المبتدأ والخبر، كقولك: ما كاتب إلا زيد، والفعل وفاعله نحو: ما قام إلا أنا، وما ضرب عمرا إلا زيد، والحال كقولك: ما جاء زيد إلا راكبا؛ لأنك قصرت المجئ على صفة الركوب، معناه ما جاء فى حال إلا فى حال الركوب، فهو بمعنى: ما زيد إلا راكب، كذا قالوه، وفيه نظر؛ لأن هذا يتعذر مثل ما قبله، ثم التحقيق فى: ما جاء زيد إلا راكبا أن القصر بين مجئ زيد وحال الركوب لا بين زيد والمجئ، وإنما كثر هذا القسم؛ لأنه لا يتعذر مثلا العلم بأنه ليس فى الدار إلا زيد، وقد يقصد بالقصر الحقيقى المبالغة لعدم الاعتداد بغير الصفة عند قصر الموصوف عليها أو بغير الموصوف عند قصر الصفة عليه، ويكون قصرا حقيقيا على سبيل الادعاء، كقولك: ما حاتم إلا جواد؛ فإن قلت: الخطاب الادعائى ما الذى يتميز به عن المجازى وعن الكذب؟ قلت: إنما يتميز عن المجاز الإفرادى وهو مشتمل على المجاز التركيبى، فقولك: ما زيد إلا قائم دل على سلب جميع الصفات غير القيام على سبيل المجاز الحاصل من مجموع الكلام، وإن كانت مفردات هذا التركيب حقائق. قوله:(والأول) أى إذا كان القصر غير حقيقى فهو قسمان:
(1) أى: قصر الموصوف على الصفة.
(2)
أى بالثانى.
والأول من غير الحقيقى: تخصيص أمر بصفة دون أخرى، أو مكانها.
والثانى: تخصيص صفة بأمر دون آخر، أو مكانه.
فكلّ منهما ضربان، والمخاطب بالأول من ضربى كلّ (1): من يعتقد الشركة، ويسمى:
قصر إفراد؛ لقطع الشركة.
وبالثانى (2): من يعتقد العكس، ويسمى: قصر قلب؛ لقلب حكم المخاطب، أو تساويا (3) عنده، ويسمّى: قصر تعيين.
ــ
أحدهما: تخصيص أمر بصفة دون صفة، أو مكان صفة، فالأول: كقولك لمن يعتقد أن زيدا شاعر منجم: ما زيد إلا شاعر.
والثانى: كقولك لمن يعتقد أن زيدا منجم فقط: ما زيد إلا شاعر.
الثانى: تخصيص صفة بأمر دون أمر آخر، كقولك لمن يعتقد أن زيدا وعمرا شاعران:
ما شاعر إلا زيد، وتخصيص صفة بأمر مكان آخر، كقولك لمن يعتقد أن الشاعر عمرو لا زيد: ما شاعر إلا زيد، فقد ظهر أن كل واحد من غير الحقيقى والحقيقى ضربان، فالأقسام حينئذ أربعة والمخاطب بالأول من ضربى كل، وهو تخصيص أمر بصفة دون أخرى، وتخصيص صفة بأمر دون آخر من يعتقد الشركة، أى: مشاركة الصفة لغيرها أو مشاركة الأمر لغيره، وهذا يسمى قصر إفراد لقطعه للشركة بين الصفتين فى موصوف واحد، وبين الموصوفين فى صفة واحدة، بخلاف من يعتقد مكان صفة، أو أمر إمكان أمر، فإنه يسمى قصر قلب؛ لأنه قلب لما عند المتكلم، وإن كانت الصفتان أو الأمران متساويين عنده، بمعنى أنه غير حاكم على أحدهما بعينه ولا بإحدى الصفتين بعينها، فإنه يسمى قصر تعيين، قال المصنف: فالمخاطب بقولنا: ما زيد إلا قائم، من يعتقد أن زيدا قاعد لا قائم، أو يعلم أنه إما قاعد أو قائم، ولا يعلم بأيهما اتصف بعينه. قلت: وثالث أيضا، وهو من يعتقد أنه قائم وقاعد كما سبق، قال: وبقولنا: ما قائم إلا زيد من يعتقد أن عمرا قائم لا زيدا، أو يعلم أن القائم أحدهما دون كل منهما، لكن لا يعلم من هو بعينه. قلت: وثالث أيضا، وهو من يعتقد أيضا أنهما قائمان كما سبق، فقول المصنف: أو تساويا عنده يحتمل أن يكون التقدير: من يعتقد العكس أو تساويا عنده، وهو ظاهر كلامه فى الإيضاح،
(1) أى من قصر الصفة على الموصوف وقصر الموصوف على الصفة، ويعنى بالأول التخصيص بشئ دون شئ.
(2)
أى: والمخاطب بالثانى أعنى التخصيص بشئ من ضربى كل من القصرين.
(3)
عطف على قوله: يعتقد العكس.
وشرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا: عدم تنافى الوصفين، وقلبا: تحقّق تنافيهما، وقصر التّعيين أعمّ.
ــ
ويحتمل أن يكون تساويا عنده يعود إلى قصرى الإفراد والقلب، أى: من يعتقد الشركة، أو تساويا عنده، أو يعتقد
العكس، أو تساويا عنده، وسيأتى ما يدل عليه.
ص: (وشرط قصر الموصوف
…
إلخ).
(ش): يريد أن شرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا أن تكون الصفتان غير متنافيتين، فالمنفى فى قولنا: ما زيد إلا شاعر، هو كونه كاتبا مثلا، وليس المنفى كونه مفحما عاجزا عن الشعر؛ لأن ذلك ينفيه قولنا: هو شاعر، من غير قصر، والسامع لا يمكنه أن يتخيل اجتماعهما فى ذهنه بخلاف ما لا ينافى الشعر، فإنه قد يعتقد اجتماعه معه فينفيه بالقصر، وقول المصنف: إن ذلك شرط فى قصر الموصوف إفرادا، ظاهره أنه ليس شرطا فى قصر الصفة إفرادا، وفيه نظر؛ لأن قولك: لا جواد إلا حاتم، فى قصر الإفراد إنما يصح إذا كان الجود يمكن أن يتصف به اثنان، فإن لم يمكن كقولك: لا أب لزيد إلا عمرو، فلا يتأتى فيه قصر الإفراد؛ لأن اشتراك اثنين فى أبوة زيد إذا لم يرد به الأب الأعلى لا يمكن. قوله:(وقلبا) أى: وشرط قصر الموصوف قلبا (تحقق تنافيهما) حتى يكون المنفى فى قولنا: ما زيد إلا قائم، كونه قاعدا لا كونه أسود أو أبيض ليكون إثباتها مشعرا بانتفاء غيرها. قوله:(وقصر التعيين أعم) يعنى لأن اعتقاد الاتصاف بأحد الأمرين أعم من جواز اجتماعهما وامتناعه، فكل ما يصلح أن يكون مثالا لقصر الإفراد، أو قصر القلب يصلح أن يكون مثالا لقصر التعيين، أى: من غير عكس. قلت: ومن هنا يعلم أن قوله: أو تساويا عائدا إلى كل من قصرى الإفراد والقلب. قال المصنف: وأهمل السكاكى القصر الحقيقى وأدخل قصر التعيين فى قصر الإفراد، فلم يشترط فى قصر الموصوف إفرادا عدم تنافى الصفتين، ولا فى قصره قلبا تحقق تنافيهما. قيل: لا يحتاج إلى اشتراط عدم التنافى بين الصفتين فى الإفراد؛ لأن العقل مستقل بالحكم بعدم اجتماع المتنافيين، وكذلك التنافى بين الأمرين ظاهر فى القلب فلم يحتج لذكره، وقيل: إنما لم يشترط السكاكى التنافى فى القلب؛ لأنه لا دليل على اشتراطه وما ذكره المصنف لا يدل؛ لجواز أن يكون انتفاء غيرها يحصل من إثباتها بطريق من طريق القصر، مع عدم التنافى؛ إذ لا مانع من أن يعتقد المخاطب صفة مكان صفة، وهما لا يتنافيان.