المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجزء الثانى أحوال المسند - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح - جـ ١

[السبكي، بهاء الدين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة التحقيق

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة بهاء الدين السبكى صاحب شرح عروس الأفراح

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌الأسر البارزة:

- ‌والده

- ‌إخوته:

- ‌إجلال أخيه ووالده له:

- ‌ الوالد

- ‌أبناؤه:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌وظائفه:

- ‌وفاته:

- ‌مصنفاته:

- ‌ تناقض كلام الرافعى والشيخ محيى الدين النووى:

- ‌ تعليق على الحاوى:

- ‌ تكملة شرح المنهاج

- ‌ شرح مختصر ابن الحاجب:

- ‌ شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك:

- ‌ شرح التخليص للقزوينى فى المعانى والبيان، سماه" عروس الأفراح

- ‌ قطعة على شرح المنهاج:

- ‌ هدية المسافر فى المدائح النبوية:

- ‌مقدمة المصنف لعروس الأفراح

- ‌شرح مقدمة صاحب التلخيص

- ‌مقدمة فى أهمية علم البلاغة

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌ما يوصف بالفصاحة:

- ‌ما يوصف بالبلاغة:

- ‌ الفصاحة فى المفرد:

- ‌الفصاحة في الكلام

- ‌شروط فصاحة الكلام:

- ‌الفصاحة فى المتكلم:

- ‌البلاغة فى الكلام:

- ‌رجوع البلاغة إلى اللفظ:

- ‌طرفا بلاغة الكلام:

- ‌ملكة المتكلم:

- ‌الفنّ الأوّل علم المعانى

- ‌أبواب علم المعانى:

- ‌أحوال الإسناد الخبرىّ

- ‌نوعا الإسناد:

- ‌أ - الحقيقة العقلية:

- ‌ب - المجاز العقلى:

- ‌ملابسات المجاز العقلى:

- ‌أقسام المجاز العقلى:

- ‌أهمية القرينة للمجاز الإسنادى:

- ‌ حذف المسند إليه

- ‌[الجزء الاول] أحوال المسند إليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌ تعريف المسند إليه

- ‌تعريف المسند إليه بالإضمار:

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصوليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌(تنبيهان):

- ‌ إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌ وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند إليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌(تنبيه):

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌تفسير السكاكى للالتفات:

- ‌ ترك المسند:

- ‌الجزء الثانى أحوال المسند

- ‌ذكر المسند:

- ‌كون المسند مفردا:

- ‌كون المسند فعلا:

- ‌كون المسند اسما:

- ‌ تقييد الفعل بمفعول ونحوه:

- ‌تقييد المسند بالشرط:

- ‌[عبارات النحاة في «لو» شرطيه]

- ‌تنكير المسند:

- ‌تخصيص المسند بالإضافة أو الوصف:

- ‌تعريف المسند:

- ‌كون المسند جملة:

- ‌تأخير المسند:

- ‌تقديم المسند:

- ‌تنبيه

- ‌باب أحوال متعلقات الفعل

- ‌حذف المفعول للبيان بعد الإبهام:

- ‌حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد:

- ‌حذف المفعول لإرادة ذكره ثانيا:

- ‌حذف الفعل لإرادة التعميم مع الاختصار:

- ‌حذف الفعل لمجرد الاختصار:

- ‌حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

- ‌حذف المفعول لاستهجان ذكره:

- ‌حذف المفعول لنكتة أخرى:

- ‌تقديم المفعول على الفعل:

- ‌تقديم بعض معمولات الفعل عليه:

- ‌باب القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌أولا - العطف:

- ‌ثانيا - النفى والاستثناء:

- ‌ثالثا - التقديم:

- ‌اختلاف طرق القصر:

- ‌تأخير المقصور عليه فى (إنما):

- ‌باب الإنشاء

- ‌أنواع الإنشاء:

- ‌1 - (التمنى):

- ‌2 - الاستفهام:

- ‌[اداة الاستفهام]

- ‌(هل) لطلب التصديق:

- ‌(هل) تخصص المضارع بالاستقبال:

- ‌(هل) لاختصاص التصديق بها إلى آخره:

- ‌هل قسمان: بسيطة ومركبة:

- ‌بقية ألفاظ الاستفهام يطلب بها التصور إلى آخره:

- ‌(من) للاستفهام للعارض المشخص:

- ‌يسأل بأى (عما) يميز أحد المتشاركين فى أمر يعمهما:

- ‌(كم) للاستفهام عن العدد:

- ‌(كم) للاستفهام عن الحال:

- ‌(أين) للاستفهام عن المكان:

- ‌(أيان) للاستفهام عن المستقبل:

- ‌استعمالات أنّى:

- ‌هذه الكلمات تستعمل كثيرا فى غير الاستفهام:

- ‌الأمر من أنواع الطلب:

- ‌اختلاف صيغة الأمر عند تجردها عن القرائن:

- ‌النهى من أقسام الإنشاء:

- ‌هذه الأربعة تقدير الشرط بعدها:

- ‌العرض مولد عن الاستفهام:

- ‌القرينة تجوز فى غير الأمور الأربعة:

- ‌النداء من أنواع الإنشاء:

- ‌الخبر يقع موقع الإنشاء:

- ‌الإنشاء كالخبر فى الأبواب الخمسة السابقة:

- ‌الفصل والوصل

- ‌(تنبيه):

- ‌[مثال لقسم الاتفاق بين المسند والمسند اليه معنا]

- ‌تذنيب

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(تنبيهان):

- ‌‌‌(المساواة)

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌إيجاز الحذف

- ‌(الإطناب)

الفصل: ‌الجزء الثانى أحوال المسند

أحوال المسند‌

‌ ترك المسند:

أما تركه: فلما مرّ (1)؛ كقوله [من الطويل]:

فإنّى وقيّار بها لغريب

ــ

‌الجزء الثانى أحوال المسند

[- ترك المسند]

ص: (أما تركه فلما مر إلى آخره):

(ش): هذا الباب الثالث من الثمانية، وأحواله على ما ذكر خمسة عشر: الترك، والذكر، والإفراد، وكونه فعلا أو اسما، ومقيدا بمعمول أو شرط، أو غير مقيد بهذا أو بذاك، وكونه نكرة، وكونه مخصصا بالإضافة أو الوصف أو غير مخصص، وكونه معرفة وجملة، وتأخره أو تقدمه.

والمسند هو المحكوم به، وهو المحمول فعلا كان أو اسما. وأراد المصنف بالترك الحذف، وفى المسند إليه عبر بالحذف، ولا يظهر معنى لاختصاص كل بلفظ إلا أن يقال:

الحذف ترك الشئ ملتفتا إليه. والترك المطلق ليس بهذا القيد، ولا شك أن المسند إليه إذا ترك لفظا فهو ملتفت إليه معنى؛ لأنه لا بد من تقديره؛ لأنه لا يوجد فى الكلام خبر لا مبتدأ له لا فى اللفظ ولا فى التقدير، بخلاف المسند فإنه قد يترك غير ملتفت إليه فإنه قد يوجد المبتدأ وليس له خبر لا فى اللفظ ولا فى التقدير، كقولك:" ضربى زيدا قائما" على أحد الأقوال، وقولك:" أقائم الزيدان" وحذف المسند يكون لما مر، والذى مر هو أحد أمور.

وظاهر عبارته هنا أن كل واحد منها يأتى هنا، لكنه قال فى الإيضاح: كنحو ما سبق من تخييل العدول إلى أقوى الدليلين، واختبار تنبه السامع عند قيام القرينة أو مقدار تنبهه، والاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر فمقتضاه أنه لا يترك المسند لغير ذلك مما يترك له المسند إليه، فلينظر فى الجمع بين كلاميه. والذى هنا أصوب، وذلك إما لضيق المقام لأجل الوزن، وذلك أنواع: أحدها: أن يحذف من الثانى لدلالة الأول كقوله:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّى وقيّار بها لغريب (2)

(1) أى فى حذف المسند إليه.

(2)

البيت من الطويل، وهو لضابئ بن الحارث البرجمى فى الإيضاح ص 88، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 102، والإشارات والتنبيهات ص 62، والأصمعيات 184، وخزانة الأدب 9/ 326، -

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أى: وقيار كذلك، وظاهر كلامه أن هذا يجوز قياسا - أى: الحذف من الثانى لدلالة الأول - وفيه خلاف. ووقع فى كلام ابن عصفور (1) فى أحد قوليه: وقفه على السماع، وصحح صاحب الإفصاح ذلك، وليس هذا البيت من الحذف من الأول لدلالة الثانى لما سيأتى. وقال السكاكى (2): إنهما فى معنى واحد؛ فلذلك أفرد كقوله:

لمن زحلوقة زل

بها العينان تنهلّ (3)

قال الخطيبى (4):" وقيل: غريب فعيل صالح للتعدد، فلا حاجة لتقدير الحذف.

قلنا: لا يقال: رجلان صبور، وإن صح ففى الجمع دون التثنية". قلت: قوله:" لا يقال: رجلان صبور" ينبغى أن يقول: كثير؛ فإن صبورا فعول لا فعيل، إلا أنهما من واد

- 10/ 320، 313، 312، والدرر 6/ 182، والشعر والشعراء 358، ولسان العرب (قير)، والكتاب 1/ 75، والكامل 1/ 416 ط. الرسالة، وفى رواية:" ومن يك".

وكان عثمان بن عفان - رضى الله عنه - قد حبس ضابئا هذا فى المدينة لهجائه قوما فى شعره، والرحل: المنزل، وقيار: اسم فرسه أو غلامه.

(1)

ابن عصفور: على بن مؤمن بن محمد بن على أبو الحسن بن عصفور، النحوى الحضرمى الإشبيلى حامل لواء العربية فى زمانه بالأندلس، ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهل لغير ذلك، وصنف: الممتع فى التصريف، وكان أبو حيان لا يفارقه، ومات سنة تسع وستين وستمائة، انظر بغية الوعاة (2/ 210).

(2)

السكاكى: أبو سفيان بن العلاء أخو أبى عمرو بن العلاء، قال الزبيدى والقفطى: كان من النحويين وأصحاب القراءات، قائما بعلم النسب، واسمه كنيته، روى عنه شعبة ووثقه يحيى، مات سنة خمس وستين ومائة، انظر بغية الوعاة (1/ 592).

(3)

البيت من الهزج، وهو لامرئ القيس فى ملحق ديوانه 472، وخزانة الأدب 7/ 556، ولسان العرب (ألل)، وبلا نسبة فى شرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 103، ولسان العرب (زلل)، وخزانة الأدب 5/ 197، 7/ 552، وتاج العروس (ألل) و (زلل).

والزحلوقة: لعبة للصبيان تسمى أرجوحة الحضر المطوحة. وزلل: أى زلق. ويروى" زحلوفة" بالفاء مكان" زحلوقة".

(4)

الخطيبى: محمد بن مظفر الخطيبى الخلخالى شمس الدين، كان إماما فى العلوم العقلية والنقلية له من التصانيف: شرح المفتاح وشرح

التلخيص، مات سنة 745 هـ، انظر بغية الوعاة (2/ 247).

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واحد، وهذا لا يمنع؛ لأن امتناعه لا للمعنى؛ لأنه صالح لهما، ولا للفظ؛ لأنه لو امتنع لكان لتنافر لفظى فيمتنع حينئذ: زيد وعمرو قائم على الحذف، وأيضا يرده قوله تعالى:

وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (1) فإنه نص فيما قلناه، وقوله:" وإن صح ففى الجمع" ظاهره يوهم أنه يصح فى الجمع:" رجلان صبور" وهو فاسد، لكن مقصوده إن صح الإخبار بفعيل عن أكثر من مفرد ففى الجمع. وقوله: إن ذلك لا يصح فى التثنية، يرده قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (2) فإنه قد نقل الواحدى (3) عن المبرد (4) وابن عطية (5) عن الفراء (6) أن قعيد مبتدأ لهما، ولكن مع ذلك أقول: لا يسوغ هنا أن يكون لغريب خبرا عنهما؛ لأن (قيار) إما مبتدأ فلا يصح أن تدخل اللام فى خبره، ولهذا منعنا أن يكون حذف من الأول لدلالة الثانى، ويجوز أن يقال:(غريب) صار له جهتان: جهة خبرية المبتدأ، وجهة خبرية إن، فتدخل اللام بإحدى الجهتين، لكن الظاهر خلافه، فإن تعارض المانع والمقتضى يدفع الحكم، بل نقول: إنما يكون التعارض بين مانع وموجب، وهنا بين مانع وموجز فيرتفع جواز دخول اللام

(1) سورة التحريم: 4.

(2)

سورة ق: 17.

(3)

الواحدى: هو على بن أحمد بن محمد بن على الإمام أبو الحسن الواحدى، إمام مصنف مفسر، نحوى، لازم مجالس الثعالبى فى تحصيل التفسير، صنف: البسيط والوسيط والوجيز فى التفسير، وأسباب النزول، والإغراب فى علم الإعراب، مات سنة ثمان وستين وأربعمائة، انظر بغية الوعاة (2/ 145).

(4)

المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدى البصرى، أبو العباس المبرد. إمام العربية ببغداد فى زمانه، أخذ عن المازنى وأبى حاتم السجستانى، وروى عنه إسماعيل الصفار ونفطويه والصولى، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين، انظر بغية الوعاة (1/ 269)، وله ترجمة مطولة فى تحقيقنا لكتابه (الكامل) ط دار الكتب العلمية.

(5)

ابن عطية: عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم - وقيل عبد الرحمن - ابن غالب بن تمام بن عبد الرءوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطى، صاحب التفسير، الإمام محمد الحافظ القاضى. كان نحويا لغويا أديبا، ألف تفسير القرآن العظيم وقيل: إنه مات سنة ست وأربعين وخمسمائة، انظر بغية الوعاة (2/ 73).

(6)

الفراء: يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمى إمام العربية، قيل له: الفراء لأنه كان يفرى الكلام، كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائى، صنف الفراء: معانى القرآن، البهاء فيما تلحن فيه العامة، مات سنة سبع ومائتين، انظر بغية الوعاة (2/ 333).

ص: 301

وقوله [من المنسرح]:

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأى مختلف

ــ

ويبقى تركها سالما عن المعارض، وإما أن يكون (قيار) معطوفا على اسم إن على الموضع كما قال الجوهرى، إن جوزنا العطف على اسم إن بالرفع قبل خبرها على مذهب الكسائى (1) فقد يقال: بجواز دخول اللام، وقد يمتنع أن يكون خبرا عن المعطوف؛ لأنه وإن كان معطوفا على اسمها فرفعه يلحقه بالمبتدأ فى الحكم، ومن حكم المبتدأ المجرد أن لا تدخل اللام على خبره، فكذا هنا، ثم إن كانت (إن) عاملة فى خبرها يلزم عليه أن يعمل فى معمول واحد عاملان؛ لأن غريبا حينئذ يكون مرفوعا بقيار ومرفوعا بإن، فلا يصح على هذا أن يكون (غريب) خبرا عنهما إلا أن يقال: إن المعطوف على اسم إن بالرفع باق على اسميتها وليس بمبتدأ وهذا موجود فيما لو جاء: إنى وقيار غريب، على أن قيار مبتدأ وغريب خبر عنهما.

(فائدة): هذا البيت لضابئ بن الحارث وقيار فرسه، وأنشده سيبويه (2) فى باب التنازع، والمبرد فى الكامل قيارا بالنصب، والمقصود من الحذف حاصل الثانى، أن يحذف من الأول لدلالة الثانى، كقول قيس بن الخطيم، وقيل: عمرو بن امرئ القيس الأنصارى الخزرجى:

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأى مختلف (3)

(1) الكسائى: على بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام، سمى الكسائى لأنه أحرم فى كساء، إمام الكوفة فى النحو واللغة، قرأ على حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة، تعلم النحو على كبر، وقيل: مات سنة ثنتين - أو ثلاث وقيل: تسع - وثمانين ومائة، انظر بغية الوعاة (2/ 163).

(2)

سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين سيبويه أبو بشر، سيبويه بمعنى رائحة التفاح، كان إمام أهل البصرة فى القراءات والنحو واللغة، أخذ عن جماعة من التابعين وروى عن أنس بن مالك، مات سنة تسع وخمسين ومائة، انظر بغية الوعاة (2/ 232).

(3)

البيت من المنسرح، وهو لدرهم بن زيد الأنصارى فى الإنصاف 1/ 95 وقال فى الانتصاف: وليس هو لدرهم بن زيد الأنصارى .. ولكنه من كلام قيس بن الخطيم خ خ، وهو لعمرو بن امرئ القيس الخزرجى فى الدرر 1/ 147، وله أو لقيس بن الخطيم فى شرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 102، وبلا نسبة فى الإيضاح 88. والتلخيص للقزوينى ص:28.

البيت لقيس بن الخطيم يخاطب مالك بن العجلان حين رد قضاءه فى واقعة الأوس والخزرج، وقبله:

يا مال والسيد المعمم قد

يبطره بعض الرأى والسرف

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن خبر نحن: راضون محذوف، وقد يقال: جاز أن يكون الشاعر أراد بنحن نفسه على جهة التعظيم، ولا يمتنع حينئذ أن يخبر عنه براض اعتبار بالمعنى، بل ربما وقع الإخبار بلفظ المفرد عن لفظ الجمع، وإن أريد معناه لنكتة ما، ويمكن أن يدعى ذلك فى قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (1) فإن سبب النزول وهو قول أبى جهل:

نحن ننتصر اليوم (2) يقضى بإعراب منتصر خبرا.

الثالث: أن يكون اللفظ صالحا لهما من غير قرينة نحو: زيد وعمر قائم، ذهب ابن السراج (3) وابن عصفور إلى أن المذكور خبر الثانى وحذف خبر الأول. وذهب سيبويه والمازنى (4) والمبرد إلى أن المذكور خبر الأول، ويدخل الثانى فى معناه، ولا حاجة إلى إضماره؛ لأن العطف إذ ذاك من عطف المفردات، وقيل: خبر الأول وخبر الثانى محذوف، وقيل: أنت مخير بين حذف أيهما شئت، ومن ذلك: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (5) على المشهور، وقيل: أفرد الضمير؛ لأن رضا الله تعالى ورضا رسوله واحد، قلت: وفيه نظر، إن قلنا يمتنع الجمع بين اسم الله واسم رسوله فى ضمير تثنية؛ لأنه أنكر على القائل ومن عصاهما، وقال:" قل: ومن عصى الله ورسوله"(6)، فإذا امتنع الجمع مع التصريح بالتثنية فمع الإفراد أولى، على أنه قيل: إنما نهاه لأنه وقف على ومن يعصهما، وقيل: لغير ذلك. واستدل له بما فى سنن أبى داود من قوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى (7)، وقد استوعبنا الكلام

(1) سورة القمر: 44.

(2)

أخرج ابن أبى شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس - رضى الله عنهما - فى قوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قال: كان ذلك يوم بدر قالوا: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ فنزلت هذه الآية.

(3)

ابن السراج: طالب بن محمد بن نشيط أبو أحمد النحوى، أخذ عن ابن الأنبارى، وله مختصر فى النحو، وكتاب عيون الأخبار وفنون الأشعار، انظر بغية الوعاة (2/ 16).

(4)

المازنى: بكر بن محمد بن بقية - وقيل: ابن عدى - بن حبيب الإمام، هو بصرى روى عن أبى عبيدة والأصمعى، وكان إماما فى العربية، وقال المبرد: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبى عثمان المازنى، مات فى سنة تسع وأربعين ومائتين، انظر بغية الوعاة (1/ 463).

(5)

سورة التوبة: 62.

(6)

أخرجه مسلم فى" الجمعة"، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، (ح 870)، من حديث عدى بن حاتم.

(7)

أخرجه أبو داود فى سننه" كتاب الصلاة"، باب: الرجل يخطب على قوس، (1096)، وانظر صحيح سننه (ح 972).

ص: 303

وقولك: زيد منطلق وعمرو، وقولك: خرجت فإذا زيد.

وقوله [من المنسرح]:

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا

أى: إنّ لنا فى الدنيا، وإنّ لنا عنها.

وقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (1).

ــ

على ذلك فى شرح المختصر. وقوله: زيد منطلق وعمرو، هو مما حذف فيه خبر الثانى، أى: وعمرو كذلك، ومنه قوله تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ (2) أى كذلك هذا هو الصواب فى تقدير خبره خلافا لمن جعله أجلهن ثلاثة أشهر؛ لأنه تقدير جملة من غير حاجة وقوله: وكقولك: خرجت فإذا زيد، أى: موجود، وحذف الخبر بعد إذا الفجائية قال به ابن مالك. وقال شيخنا أبو حيان: إن لم يقم على حذفه دليل وجب ذكره نحو: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (3)، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (4)، وأما نحو:

خرجت فإذا الأسد، فالخبر هو إذا وهى ظرف مكان، ومن حذف المسند بعد (إن) نحو قول الأعشى:

إنّ محلا وإنّ مرتحلا

وإن فى السفر إذ مضوا مهلا (5)

أى: إن لنا فى الدنيا محلا وإن لنا عنها مرتحلا، وقد اختلف فى حذف خبر إن؛ فأجازه سيبويه إذا علم سواء كان الاسم معرفة أم نكرة، (وهو الصحيح) وأجازه الكوفيون إن كان الاسم نكرة. وقال الفراء: لا يجوز معرفة كان أم نكرة إلا إذا كان بالتكرير كهذا البيت، ولم يتعرض المصنف لحذف المسند وهو خبر كان لأنه ضعيف ولذلك كان إن خير فخير ضعيفا؛ لأن تقديره إن كان فى عمله خير، وهذه الأمور الأربعة حذف فيها المسند إلى المبتدأ. ثم ذكر المصنف ما حذف فيه المسند إلى الفاعل كقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، أصله: لو تملكون

(1) سورة الإسراء: 100.

(2)

سورة الطلاق: 4.

(3)

سورة طه: 20.

(4)

سورة الأعراف: 108.

(5)

البيت للأعشى الأكبر ميمون بن قيس يمدح سلامة ذا قائش فى ديوانه/ 170، والإشارات والتنبيهات/ 63، ودلائل الإعجاز/ 321، والإيضاح 89، وشرح المرشدى على عقود الجمان 1/ 103، وخزانة الأدب 10/ 459، 452، والخصائص 2/ 373، والشعر والشعراء/ 75، وأمالى ابن الحاجب 1/ 345.

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تملكون، فحذف المسند وهو الفعل فانفصل الضمير فى أنتم، وتملكون المذكورة تفسير، وإنما قلنا ذلك؛ لأن لو إنما يليها الفعل وما ذكره المصنف رأى الزمخشرى وجماعة، وليس مذهب البصريين. قال ابن عصفور: لا يلى (لو) إلا الفعل ظاهرا، فأما المقدر فلا يلى إلا نادرا، ونقل ابن الصائغ تصريح البصريين بامتناعه فصيحا، ويجوز نادرا نحو:

لو ذات سوار لطمتنى؛ لكن ابن مالك جوزه، وقيل: فى الآية تقدر كان الناقصة، أصله (كنتم)، فحذفت كان واسمها وأنتم تأكيد. قال الشيخ أبو حيان: وحذف المؤكد وبقاء التأكيد مختلف فى جوازه، قلت: ذلك فى التأكيد المعنوى. أما اللفظى فقد يجوز جزما مثل: قم أنت؛ إذ لا سبيل لإبراز هذا الفاعل، وإن كنا لا نسمى ذلك حذفا فإن الضمير مستتر، وأما ضمير يمكن بروزه فالذى يظهر أن حذفه مع فعله كما فى الآية يمتنع، ودون الفعل يظهر امتناعه كما يقتضيه كلامهم فى تعليل منع حذف المؤكد وإبقاء التأكيد، والذى يؤول الآية على تقدير (لو كنتم) حاصله أنه يفرق بين فعل كان وغيره، ففعل كان يجوز إضماره بعد (لو) وإبقاء معموله لكثرة استعماله بخلاف غيره، وإطلاق البصريين أنها لا يليها إلا الفعل ملفوظا به - عجيب لمصادمته الآية الكريمة. وقيل:

حذفت كان وانفصل اسمها. قال الزمخشرى (1) بعد ذكره الوجه الأول: هذا ما يقتضيه علم الإعراب، فأما ما يقتضيه علم البيان فهو إن أنتم تملكون، فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ، وأورد عليه أن الاختصاص يكون لمعنى الجملة الاسمية لا لصورتها خ خ، وأجيب عنه: بأن الحذف لما اتفق وحصل به تكرار ذكر الفاعل وعلم أن الاهتمام بذكر فاعل الجملة أكثر من فعلها - كان تقديما للفاعل على الفعل من حيث المعنى، والثانى بمنزلة المتكرر للتأكيد فأفاد الاختصاص. قلت: تكلف هذا القائل وظن صحة كلام الزمخشرى وهو فاسد؛ لأن الاختصاص هنا معناه: لو اختصصتم بملك خزائن الرحمة لأمسكتم، وليس فى ذلك ما يقتضى أنهم مختصون بالشح؛ لأنه لا ينفى أن غيرهم لو اختص بملك خزائن

(1) الزمخشرى: محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشرى، كان متفننا فى كل علم، وله من التصانيف: الكشاف فى التفسير، المفصل فى

النحو، ومات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، انظر بغية الوعاة (2/ 279).

ص: 305

وقوله تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (1) يحتمل الأمرين، أى: أجمل، أو فأمرى،

ــ

الرحمة لشح، وإنما يكون ذلك لو قيل: أنتم لو تملكون، فإن المعنى حينئذ أنتم المختصون بأنكم لو ملكتم الخزائن لأمسكتم، ثم أقول: لو كانت الصيغة للاختصاص لكان الاختصاص هنا متعذرا؛ لأن الاختصاص لا يكون إلا فى شئ يقبل عدم الاختصاص، وملك خزائن الرحمة إن كان لهؤلاء استحال أن يكون لغيرهم؛ لأن الشئ الواحد لا يكون مملوكا لشخصين فى وقت واحد، فالاختصاص هنا متعذر، ولو حصل لم تكن له فائدة، فإن قلت: قد يحصل الاختصاص بحسب الأزمنة، تقول: أنا أملك هذا، أى: لا يملكه غيرى بخلاف أملكه قد يكون فى وقت وغيرك فى وقت، قلت: لا نسلم، بل معنى أنا أملك اختصاصك بالملك فى وقت ما والعموم فى ما يملك هذا غيرى إنما جاء فى الأزمان إذا كان مصرحا به، أما إذا كان مفهوما فلا، ولو سلمناه فليس المراد هنا ولا المعنى عليه، ثم نقول: كان للزمخشرى مندوحة عن ذلك، بأن يعرب (أنتم) مبتدأ، و (تملكون) خبره والجملة خبر (كنتم) المحذوفة، فيحصل الاختصاص؛ لأنه كقولك: أنت تقوم، ويجتمع كلام النحاة والبيانيين، وقول الزمخشرى صناعة البيانيين هو على عادته فى إطلاق علم البيان على المعانى.

بقى هنا سؤال وهو أن من يملك خزائن رحمة الله تعالى، وهى غير متناهية كيف يمسك خشية الإنفاق مع أن غير المتناهى يستحيل نفاده؟ فكيف يخاف نفاد ما يستحيل نفاده؟ والخوف من وقوع المستحيل مع اعتقاد استحالته مستحيل!

ثم ذكر ما هو محتمل لأن يكون حذف فيه المسند أو المسند إليه كقوله تعالى:

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ * يحتمل حذف المسند، فتقديره: فصبر جميل، أى: أجمل، ويحتمل أن المحذوف هو المسند إليه، تقديره: فأمرى صبر جميل، وقد اختلف النحاة فيما إذا دار الحال بين حذف المبتدأ والخبر أيهما يحكم بأنه المحذوف؟ حكاه ابن إياز (2) قيل:

الخبر أولى بالذكر لأنه محط الفائدة، قيل: المبتدأ لأنه العامل، وأيضا الحذف من الأواخر

(1) سورة يوسف: 18.

(2)

ابن إياز: الحسين بن بدر بن إياز بن عبد الله أبو محمد، كان أوحد عصره فى النحو والتصريف، ومن تصانيفه: قواعد المطارحة، والإسعاف فى الخلاف، انظر بغية الوعاة (1/ 532).

ص: 306

ولا بدّ من قرينة: كوقوع الكلام جوابا لسؤال محقّق؛ نحو: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (1)،

ــ

أولى، وأما خصوص هذه الآية فالمعنى فيها على نسبة الصبر إليه فالأحسن تقدير: أمرى صبر جميل، وهو الموافق للمدح. قال الخطيبى: ولأن المصادر المنصوبة إذا ارتفعت تكون على معناها فى النصب، وفى النصب إذا قلت: صبرت صبرا جميلا فأنت مخير بحصول الصبر لك، فحذف المبتدأ يوافق معنى النصب، قلت: هذا إن أراد به ما قبله فقد سبق، وإن أراد غيره فهو ضعيف؛ لأن المصدر المنصوب لا يدل على نسبة للمتكلم، فإن المصدر المنصوب قد يكون عن صبرت وعن أصبر، وليس فى أصبر إخبار بحصول الصبر بل وعد به، ومن هذا قوله تعالى: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ (2) يحتمل الأمرين، ومن ذلك: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (3) على قراءة من لم ينون، قيل: إنه صفة والخبر محذوف، التقدير: عزير ابن الله إلهنا أو إلهنا عزيز ابن الله، وأورد عليه أنه يلزم أن يكون التكذيب ليس عائدا إلى البنوة، لأن صدق الخبر وكذبه راجع إلى نسبة الخبر لا إلى صفته، وقد سبق ما يعترض به على هذا، وأجاب عنه الوالد بأن (عزيز ابن الله) جزء الجملة حكى فيه لفظهم، أى: قالوا هذه العبارة القبيحة، وحينئذ فلا يقدر خبر ولا مبتدأ، وقيل:(ابن الله) خبر وحذف التنوين من (عزيز) للعجمة والعلمية، وقيل: حذف تنوينه لالتقاء الساكنين؛ لأن الصفة مع الموصوف كالشئ الواحد كقراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ (4) بل هنا أوضح لأنه فى جملة واحدة، ومن هذه المادة ما ذكره المصنف: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ (5) إما أن يقدر آلهتنا ثلاثة أو لنا ثلاثة من الآلهة، ورد المصنف الأول بأنه يلزم أن يكون المنفى كون آلهتهم ثلاثة لا كونهم آلهة، فإن النهى إنما يكون للنسبة المستفادة من الخبر. قلت:

وفيما قاله نظر؛ لأن نفى كون آلهتهم ثلاثة يصدق بأن لا يكون للآلهة الثلاثة وجود بالكلية؛ لأنه من السالبة المحصلة، فمعناه ليس آلهتكم ثلاثة، وذلك يصدق بأن لا يكون لهم آلهة.

ص: (ولا بد من قرينة

إلخ).

(ش): أى: لا بد لحذف المسند من قرينة تميزه، والقرينة إما سؤال محقق أى واقع نحو قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ تقديره:

(1) سورة لقمان: 25.

(2)

سورة محمد: 21.

(3)

سورة التوبة: 30.

(4)

سورة الإخلاص: 1، 2.

(5)

سورة النساء: 171.

ص: 307

أو مقدّر؛ نحو [من الطويل]:

ليبك يزيد ضارع لخصومة

وفضله على خلافه (1): بتكرّر الإسناد إجمالا ثم تفصيلا، وبوقوع نحو يزيد غير فضلة، وبكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقّبة؛ لأنّ أوّل الكلام غير مطمع فى ذكره.

ــ

خلقهن الله، والمعنى: يتحقق السؤال هاهنا تحققه قبل الجواب لا أنه محقق الوقوع عند نزول الآية؛ لأن فعل الشرط مستقبل المعنى، بل الاقتصار على لفظ الجلالة الكريمة يستدعى تقدم سؤال استغنى به عن ذكر خلقهن، وتارة يكون سؤالا مقدرا، أى: غير منطوق به كقول الحارث بن ضرار النهشلى، وقيل: للحارث بن نهيك، وقيل: لمرة بن عمرو النهشلى، وهو من أبيات سيبويه، و (يزيد) هو: يزيد بن نهشل:

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (2)

فإنه لما قال: ليبك يزيد؛ كأن سائلا سأله من يبكيه؟ فقال: ضارع، أى: يبكيه ضارع، وما ذكره المصنف قد ذكره النحاة أيضا، وقد يقال: تقدير الباكى ضارع أحسن لأنه حيث أمكن تقدير الاسم فلا يقدر الفعل - ذكره سيبويه - وعلى هذا فلا يكون هذا من حذف المسند، بل من حذف المسند إليه، وقد يجاب عنه بأن تقدير الفعل هنا يرجح لتقدم لفظ الفعل؛ ولهذا قدروا الفعل فى قوله تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ (3) على قراءة يسبح بالبناء للمفعول، وهو كيبك، على أنه يحتمل أنه لا يكون من الحذف بالكلية ويكون (يزيد) منادى أى: ليبك يا يزيد لفقدك، ويكون (ضارع) هو الفاعل إن كانت الرواية بفتح ياء (يبك) ونائب عنه إن كانت الرواية بضمها، ومنه قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ (4) على قراءة فتح الباء وكَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ (5) على قراءة فتح الحاء. قال: (وفضله على غيره) أى: فضل تركيب ليبك بالبناء للمفعول على الرواية الشهيرة على ما لو كان مبنيا للفاعل ثلاثة أمور: أحدها - تكرر الإسناد إجمالا

(1) أى رجحان نحو (ليبك يزيد ضارع مبنيا للمفعول على خلافه يعنى ليبك يزيد ضارع، مبنيّا للفاعل ناصبا ليزيد ورافعا لضارع).

(2)

البيت من الطويل، انظر المصباح 46، وشرح شواهد الإيضاح 94، والشاهد فى حذف فعل ضارع إذ التقدير: يبكيه ضارع وهو للحارث بن نهيك، المعجم المفصل 2/ 75، 76.

(3)

سورة النور: 37.

(4)

سورة النور: 36، 37.

(5)

سورة الشورى: 3.

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتفصيلا، يعنى: أنه أسند إلى شخص ما مجملا؛ لأنه مع البناء للمفعول لا يكون الفاعل مفصلا، ولك أن تقول: ليس مع البناء للمفعول إسناد للفاعل لا إجمالا ولا تفصيلا، غايته أن النائب عن الفاعل يستلزم وجود فاعل، فهو يدل على الفاعل بالالتزام، ولا إسناد فيه للفاعل، ودلالته الالتزامية على الفاعل لا على الإسناد وبينهما فرق؛ ثم نقول: قوله: تكرر الإسناد إجمالا وتفصيلا، قد يقال: إن هذه العبارة تستدعى تكرر الإسناد إجمالا وهو يستلزم إسنادين إجماليين وتكرره تفصيلا كذلك، فيستلزم الإسناد أربع مرات وهو فاسد غير مراد، إلا أن يؤول على أن قوله إجمالا وتفصيلا تفصيل لما أجمله لفظ التكرر من باب اللف والنشر.

الثانى - أنه لو وقع الإسناد فيه إلى الفاعل لوقع يزيد فيه مفعولا، وهو فضلة، والعمدة أولى من الفضلة، وقد يقال: إن هذا فى المعنى يرجع إلى الأول. وقال فى المفتاح: وكونه فضلة يستلزم عدم الاعتناء بشأنه، وكونه مقدما يقتضى الاعتناء، وتأخير الفاعل يقتضى عدم الاعتناء به، وكونه عمدة يوجب الاعتناء فيتناقض. قال:

وفيه نظر يذكر فى الحواشى خ خ. قيل: وجه النظر أنه إن كان التناقض لازما فليلزم عند بنائه للمفعول، وذكر ضارع بعده؛ لأن تقديره: يبكيه ضارع؛ فقد تقدم المفعول؛ وقيل:

وجه النظر أن البناء للمفعول يقتضى أنه مقصود البيان، وذكر الفاعل يقتضى أنه مقصود فيتناقض. وفيه نظر؛ لأنهما قد يقصدان، وقيل: لأن المبنى للمفعول أولى بالتناقض؛ لأن فيه عمدتين، كل منهما يطلب التقديم بخلاف الفضلة فإنها وإن تقدمت فهى فى نية التأخير، قيل: لو صح ما قاله لكان تقديم المفعول على الفاعل قبيحا وليس كذلك. وقيل أيضا: لو كان ذلك قبيحا لكان رأيت شجاعا فى الحمام أفصح من رأيت أسدا فيه، لإيهام الثانى التناقض.

الثالث - أن أول الكلام غير مطمع للسامع فى ذكر الفاعل فيحصل السرور بوروده؛ لأنه كنعمة جديدة، قلت: بل ذكر النائب عن الفاعل يحصل اليأس من الفاعل، فذكره بعد ذلك كالفرج بعد الشدة وهذا أخص من قولهم: غير مطمع، والخطيبى قال فى شرح المفتاح: إنه قد يرجح البناء للفاعل بوجوه؛ لأنه مخالف للأصل؛ لأن فيه حذفا كثيرا ويحتاج لإيراد سؤال وجواب، وفيه التباس لاحتمال أن يكون ضارع فاعلا وخبرا.

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تنبيه): قال الخطيبى: يجوز أن يسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعنى: له فيها بالغدو فحينئذ يجئ الكلام فيما يتصل بالفعل جزءا، وما ينفصل عنه فضلة، ويتفرع عليه معنى الاهتمام فيما قدم وأخر ومعنى الإسناد المجازى، فالوجوه ثلاثة والاعتبارات تسعة:

أحدها: أن يجعل الباء فى (بالغدو) مزيدة، ويسند الفعل إلى أوقات الغدو والآصال على الإسناد المجازى؛ لأن الله تعالى بالحقيقة هو المسبح، ولكن المسبحين لاهتمامهم بالتسبيح فإن أوقاتهم مستغرقة فيه لا يفترون آناء الليل وأطراف النهار كما قال:

رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ (1) كأنها مسبحة، ويؤيده قوله: على زيادة الباء وجعل الأوقات مسبحة والمراد بها، ومنه قولك: زيد نهاره صائم وليله قائم، لكثرة صيامه بالنهار وقيامه بالليل، فالتقديم إذن فى الفضلات؛ لأن الأصل تقديم المسند إليه عليها وتقديم المفعول فيه على المفعول له، لأن الغايات سابقة فى القصد لاحقة فى الوجود، فقدم لإرادة مزيد الاختصاص، كأنه قيل: تسبح أوقاته لأجله وكرامة لوجهه الكريم لا لشئ آخر، ويفيد تقديم ظرف المكان على الزمان أن الفعل أشد اتصالا بالزمان لكونه جزأه شدة العناية بإيثار تلك الأمكنة التى وقعت لذكر الله تعالى وتسبيحه. فهذه اعتبارات أربعة اعتبار الإسناد تقديم المفعول له على المفعول فيه، وعلى ما أقيم مقام الفاعل، وتقديم ظرف المكان على الزمان.

وثانيها: أن تجعل اللام فى (له) مزيدة ويسند الفعل إلى الله تعالى بالحقيقة، فالتقديم حينئذ فى الظرفين على ما سبق، ففيه اعتباران: اعتبار الإسناد الحقيقى، وتقديم ظرف المكان على الزمان.

وثالثها: أن تجعل (فى) فى (فيها) مزيدة، ويسند الفعل إلى ضمير البيوت على المجاز، وفى ذلك أن المسبحين لشدة عنايتهم بالعكوف فى بيوت الله تعالى وملازمتهم لها للذكر فيها واختصاص الصلاة بها كما قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ

(1) سورة النور: 37.

ص: 310