الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السادسة والثلاثون: إلى عبد الله بن جريس
…
"الرسالة السادسة والثلاثون"1
قال جامع الرسائل:
وله أيضا – قدس الله روحه، ونور ضريحه - رسالة إلى عبد الله بن علي بن جريس2، وقد راسله عبد الله يسأله عما يورده بعض الملحدين، أن شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه ونور ضريحه- ذكر أن الإمام أحمد –رحمه الله كان يصلي خلف الجهمية 3.
فأجاب –رحمه الله بما يكفي ويشفي، وأن الصلاة خلفهم –لا سيما صلاة الجمعة- لا تنافي القول بتكفيرهم، حيث لا يمكن الصلاة خلف غيرهم. وأما مع إمكان الصلاة خلف غيرهم، فلا لكن إن صلى خلفهم فعليه الإعادة. وهذا نص الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ عبد الله بن علي بن جريس، ألهمه الله الرشد في أمره والكيس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 الرسائل من هنا إلى الآخر، جاءت في "أ" و "د" والمطبوع فقط. حيث انتهت نسخة "ب" و"ج". في المطبوع جاءت هذه الرسالة في ص 306-309، وهي الرسالة رقم "58" –انظر كتاب: كشف الشبهتين، للشيخ سلمان بن سحمان.
2 تقدم ضمن تلاميذ الشيخ ص 97.
3 انظر كلام شيخ الإسلام هذا: مجموع الفتاوى 7/507، 508: ونصه: "مع أن الإمام أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صل خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله".
/والخط/1 وصل، وسرنا عافيتكم. وحال أهل عمان ما تخفاكم، قل/ العلم/2 وفشا الجهل، وتجاسر المبتدعة. والواجب التجرد للدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله حسب الطاقة، ولا سيما بالحجة والبيان. وأحق خلق الله بالجهاد، من يليكم من الجهمية الضلال، ونشر العلم وبيان السنة من أوجب الواجبات. ووصل إلينا السؤال الذي يورده بعض الملحدين. وهو أنه: /نُسب إلى/3 شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله أنه ذكر عن الإمام أحمد –رحمه الله أنه كان يصلي خلف الجهمية.
وجواب هذا لم سُلم، من /أوضح/4 الواضحات عند طلبة العلم/ وأهل الأثر، وذلك أن الإمام أحمد وأمثاله من أهل العلم/5 والحديث، لا يختلفون في تكفير الجهمية، وأنهم ضلال زنادقة6. وقد ذكر من صنف في السنة، تكفيرهم عن عامة أهل العلم والأثر 7 وعدَّ اللالكائي –رحمه الله تعالى- منهم عددا يتعذر ذكرهم في هذه الرسالة 8 وكذا ابن الإمام أحمد عبد الله في كتاب السنة9 والخلال /في كتاب السنة/10 /وابن أبي مليكة 11
1 في "د": وخطك.
2 في "د": المعلم.
3 كذا في المطبوع. وفي "أ" و"د": نسب عن.
4 في "أ": "من أصح". وهو خطأ.
5 ساقط في "د".
6 وللإمام أحمد –رحمه الله كتاب في الجهمية باسم: الرد على الزنادقة والجهمية.
7 وقد تقدم ذكر بعضهم في هامش ص 299.
8 انظر: شرح أصول الاعتقاد للالكائي 2/321 وما بعدها.
9 انظر: كتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/107.
10 ساقط في المطبوع.
11 هو عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، زهير بن عبد الله، الإمام الحافظ أبو بكر وأبو محمد القرشي المكي القاضي، ولد في خلافة علي رضي الله عنه "ت117هـ".
سير الأعلام 5/88، تهذيب التهذيب 5/306.
في كتاب السنة/1 وإمام الأئمة ابن خزيمة2 قرر كفرهم، ونقله عن أساطين الأئمة.
وقد حكى كفرهم شمس الدين ابن القيم في كافيته عن خمسمائة من أئمة المسلمين وعلمائهم3.
والصلاة خلفهم لا سيما صلاة الجمعة4 لا تنافي القول بتكفيرهم، لكن تجب الإعادة5 حيث لا تمكن الصلاة خلف غيرهم6. والرواية المشهورة عن الإمام
1 ساقط في "د". وقد ذكر بدله: "ابن أبي شيبة".
2 تقدمت ترجمته في ص 504.
3 تقدم ذكر ذلك في ص 302-3-303، وقد ذكر الإمام ابن القيم ذلك في كافيته 1/290.
4 الجمع والأعياد تصلى خلف كل بر وفاجر، ولا إعادة على من صلى خلفهم. وكان الإمام أحمد – رحمه الله يشهدها مع المعتزلة، وكذلك غيره من العلماء في عصره.
انظر: المغني مع الشرح الكبير 23/352-353، وهنا صرح شيخ الإسلام رحمه الله بعدم الإعادة قال:"والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها..".
5 مسألة إعادة الجمعة لمن صلى خلف الفاجر، مسألة مختلف فيها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية "اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم، حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين، لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع". مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/286. ونهى العض عن الصلاة خلف بعض أهل البدع وتصريح بعضهم بوجوب الإعادة، يحمل على من حكم بكفره من الجهمية والقدرية.
انظر: المدونة الكبرى 1/84، شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة 2/732، 733، طبقات الحنابلة 1/168.
ويلاحظ أنه لا يحكم ببطلان الصلاة خلف كل قدري وجهمي ورافضي، حتى يثبت كفر ذلك الإمام بعينه، وتثبت الحجة عليه. وعليه يحمل صلاة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله خلف بعض الجهمية، لأنه لم يكفر هؤلاء الأعيان انظر تفاصيل هذه المسألة، كتاب: موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط/1، 1415هـ ج1/343-372.
6 انظر: المراجع السابقة: المغني 2/21، 22، 24، المبدع 2/65، والفتاوى 23/243، 344، 345.
أحمد هي: المنع من الصلاة خلفهم1.
وقد يُفرق2 بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، وبين من لا شعور له بذلك، وهذا القول يميل إليه شيخ الإسلام في المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس3. وعلى هذا القول، فالجهمية في هذه الأزمنة قد بغلتهم الحجة، وظهر الدليل وعرفوا ما عليه أهل السنة، واشتهرت الأحاديث النبوية، وظهرت ظهورا ليس بعده إلا المكابرة والعناد؛ وهذا حقيقة الكفر والإلحاد كيف لا وقولهم يقتضي/من/4 تعطيل الذات والصفات، والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات، وشهدت به الفطر السليمات ما لا يبقى معه حقيقة للربوبية والإلهية، ولا وجود للذات المقدسة المتصفة بجميل الصفات، وهم إنما يعبدون عدما لا حقيقة لوجوده5؛ ويعتمدون من الخيالات
1 انظر: المراجع السابقة: المغني 2/21، 23؛ المبدع 2/65، والفتاوى 23/341.
وتلك رواية كما ذكره الشيخ المصنف –رحمه الله وله أيضا رواية أخرى ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، حين قال:"ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا يمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين والإمام في الصلاة بالحج وعرفة ونحو ذلك، فإن المأمون يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهذا مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في الجماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء، أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما؛ بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع".
مجموع فتاوى 23/352-353.
2 التفريق هنا: أي المنع من الصلاة خلف من قامت عليه الحجة، وأصر على بدعته، وعلى إعلانها والدعوة إليها والدفاع عنها بالحجج. فمن صلى خلفه أعاد، إذ لا عذر له.
أما المبتدع المقلد الذي لا شعور له بوجهة بدعته، غير المعلن لها، فلا إعادة على من صلى خلفه، لأنه يعذر بعدم معرفة حال الإمام. المغني مع الشرح الكبير 2/21.
3 مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/342.
4 ساقطة في المطبوع.
5 تقدم الكلام حول هذا في ص 373.
والشبه ما لا يعلم فساده بضرورة العقل، /وبالضرورة/1 من دين الإسلام عند من عرفه، وعرف ما جاءت به الرسل من الإثبات، ولبشر المريسي2 /وأمثاله/3 من الشبه والكلام في نفي الصفات، ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين؛ بل/كلامه/4 أخف إلحاداً من بعض هؤلاء الضلال، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره؛ وعلى أن الصلاة لا تصح خلف كافر جهمي أو غيره.
وقد صرح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره، أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها5. وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كانت لهم شكة ودولة، والنصوص في ذلك معروفة مشهورة، نحيل طالب العلم إلى أماكنها ومظانها6.
وبهذا ظهر الجواب عن السؤال الذي وصل منكم. ورسالتك وصلت، وسرنا
1 ساقطة في المطبوع.
2 تقدمت ترجمته في ص 374.
3 في "د": وأمثالهم.
4 في "د" كامه.
5 انظر مسائل الإمام أحمد، برواية ابنه عبد الله، تحقيق المهنا 2/370، 371 وبرواية أبي داود 42، 43؛ ومختصر الخرقي 1/413، والمغني مع الشرح الكبير 2/148؛ والإنصاف للمرداوي 2/252.
6 ومن ذلك: قول الإمام أحمد: "وأرى الصلاة خلف كل بر وفاجر، وقد صلى ابن عمر رضي الله عنهما خلف الحجاج –يعني الجمعة والعيدين" طبقات الحنابلة، لأبي الحسين محمد بن أبي ليلى "526هـ" دار المعرفة بيروت 2/304، 305 وقال ابن قدامة المقدسي:"ونرى الحج والجهاد ماضيا مع طاعة كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة –لمعة الاعتقاد إلى سبيل الرشاد، لموفق الدين عبد الله بن؛مد بن محمد بن قدامة المقدسي "620"، المكتب الإسلامي ط/4، 1395هـ، ص 39. وانظر قول ابن حزم في جواز ذلك: الفصل في الملل والأهواء والنحل للإمام ابن حزم الظاهري الأندلسي "ت456هـ" ومعه الملل والنحل للشهرستاني "ت548هـ". مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 5/16-17. وقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23/333-335.
حسن جوابكم وما فيها من النقول عن أهل العلم،/ونرجو/1 أن الله يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى. /بلغ سلامنا الإخوان والأعيان من أهل السنة، وشيخنا الوالد –حفظه الله –والإمام عبد الله بخير وينهيان السلام./2 / وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم/3.
1 في "أ"، "د": ونرجوا.
2 زيادة في "د".
3 ساقط في "د".