المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة السادسة والثمانون: إلى الشيخ إبراهيم ورشيد بن عوين في شأن الفتنة - عيون الرسائل والأجوبة على المسائل - جـ ٢

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌(تابع) تحقيق النص

- ‌(تابع) الرسائل الخاصة بعقيدة التوحيد والإتباع وما ينافيها من الشرك والإبتداع

- ‌الرسالة التاسعة والعشرون: إلى عبد الله بن عمير

- ‌جامع الرسائل

- ‌فصل: أموال السلطان وجوائز الأمراء

- ‌فصل: فيما جاء في رؤيا طفيل

- ‌فصل: الإقتداء بإهل الخير والبر في العمل الصالح

- ‌الرسالة الثلاثون: إلى محمد بن عون

- ‌تقديم جامع الرسائل

- ‌من عبد اللطيف بن عبد الرحمن الى محمد بن عون

- ‌فصل: قال الجهمي: وإذا قررت لله مكانا معينا، فما معنى قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه اللَّه}

- ‌الرسالة الحادية والثلاثون: منظومة فيما جرى من مفاسد الساكر

- ‌منظومة فيما جرى من مفاسد العساكر والبوادي

- ‌الرسالة الثانية والثلاثون: إلى عبد الرحمن بن محمد بن جربوع

- ‌الرسالة الثالثة والثلاثون: إلى علما الحرمين

- ‌الرسالة الرابعة والثلاثون:: إلى الشيخ أبي بكر بن محمد آل الملا

- ‌الرسالة الخامسة والثلاثون: إلى بعض الولاة توسم فيه محبة الخير

- ‌الرسالة السادسة والثلاثون: إلى عبد الله بن جريس

- ‌الرسالة السابعة والثلاثون: إلى منيف بن نشاط وقج أشتكى غربة الإسلام

- ‌الرسالة الثامنة والثلاثون: إلى منيف بن نشاط

- ‌الرسالة التاسعة والثلاثون: في توحيد الأسماء والصفات

- ‌الرسالة الأربعون: إلى أهل الحوطة

- ‌الرسالة الحادية والأربعون: إلى حمد بن عتيق

- ‌الرسالة الثانية والأربعون: إلى عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد اللطيف

- ‌الرسالة الثالثة والأربعون: إلى عثمان بن منصور

- ‌الرسالة الرابعة والأربعون: جواب سؤال ورد عليه من عمان

- ‌الرسالة الخامسة والأربعون: في ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما قام به ودعى إليه

- ‌مدخل

- ‌فصل: نسب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونشأته

- ‌فصل: حال البلاد في عصره

- ‌فصل: إنكار العلماء لبدعة تقديس المشاهد

- ‌فصل: الغلو في تعظيم الصالحين ذريعة إلى الشرك

- ‌فصل: تقسيم ابن القيم الشرك إلى نوعين

- ‌فصل: تعريف الحنفية للكفر

- ‌الرسالة السادس والأربعون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة السابعة والأربعون: إلى زيد بن محمد

- ‌الرسالة الثامنة والأربعون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة التاسعة والأربعون: إلىإلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة الخمسون: إلى محمد بن عمير

- ‌الرسالة الحادية والخمسون: إلى خالد آل قطنان ومحمد بن عيسى

- ‌الرسالة الثانية والخمسون: في الكلام على فضل طلب العلم

- ‌الرسالة الثالثة والخمسون: إلى راشد بن عيسى

- ‌الرسالة الرابعة والخمسون: إلى حمد بن عبد العزيز

- ‌الرسالة الخامسة والخمسون: إلى حمد بن عبد العزيز

- ‌الرسالة السادسة الخمسون: إلى حمد بن عبد العزيز

- ‌ثانيا: الرسائل الخاصة بالفتاوى في الفروع

- ‌الرسالة السابعة والخمسون: سؤال من الشيخ لوالده

- ‌الرسالة الثامنة والخمسون: إلى زيد بن محمد

- ‌الرسالة التاسعة والخمسون: إلى عيسى بن إبراهيم

- ‌الرسالة الستون: جواب عن مسائل فقهية سئل عنها

- ‌الرسالة الحادية والستون: في مسألة الرهن

- ‌الرسالة الثانية والستون: أجوبة على مسائل متعددة

- ‌الرسالة الثالثة والستون: إلى عبد الله بن محمد بن عتيق في السؤال عن نهائب الأعراب

- ‌الرسالة الرابعة والستون: إلى عبد الرحمن بن عدوان

- ‌الرسالة السادسة والستون: سؤال عن تركة الميت قسم ماله بين أولاده وأوصى لصغارهم

- ‌الرسالة السابعة والستون: إلى عبد العزيز بن حسن قاضي محمل

- ‌الرسالة الثامنة والستون: إلى الشيخ عبد العزيز بن حسن

- ‌الرسالة التاسعة والستون: إلى عبد العزيز بن حسن بن مزروع

- ‌الرسالة السبعون: إلى عبد الله بن علي بن جريس

- ‌الرسالة الحادية والسبعون: إلى جماعة من أهل الزلفي

- ‌الرسالة الثانية والسبعون: جواب رسالة لمحمد بن زومان

- ‌الرسالة الثالثة والسبعون: إلى عبد المحسن بن سلمان

- ‌الرسالة الرابعة والسبعون: إلى أهل عرقة

- ‌الرسالة الخامسة والسبعون: جواب سؤال ورد عليه من أهل المجمعة

- ‌الرسالة السادسة والسبعون: إلى الشيخ عبد العزيز بن حسن

- ‌الرسالة السابعة والسبعون: جواب على سؤال

- ‌الرسالة الثامنة والسبعون: جواب على سؤال

- ‌الرسالة التاسعة والسبعون: إلى عثمان بن حسين وجماعته أهل الحوطة

- ‌الرسالة الثمانون: إلى عبد العزيز بن حسن

- ‌الرسالة الحادية والثمانون: إلى صالح الشثري

- ‌الرسالة الثانية والثمانون: الكلام على البسملة

- ‌ثالثا: الرسائل الخاصة بالفتن

- ‌الرسالة الثالثة والثمانون: إلى عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌الرسالة الرابعة والثمانون: إلى زيد بن محمد وصالح بن محمد الشثري

- ‌الرسالة الخامسة والثمانون: إلى علي بن محمد وابنه في شأن الفتنة

- ‌الرسالة السادسة والثمانون: إلى الشيخ إبراهيم ورشيد بن عوين في شأن الفتنة

- ‌الرسالة السابعة والثمانون: إلى الأخوان من بني تميم يعزيهم في وفاتهالشيخ عبد الملك

- ‌الرسالة الثامنة والثمانون: منظومة في الفتنة التي وقعت بين المسلمين

- ‌الرسالة التاسعة والثمانون: إلى سالم بن سلطان

- ‌الرسالة التسعون: إلى الشيخ حمد بن عتيق في شأن الفتنة

- ‌الرسالة الحادية والتسعون: إلى الشيخ حمد بن عتيق يحضه على الغلظة في معاداة من والى المشركين

- ‌الرسالة الثانية والتسعون: إلى الشيخ حمد بن عتيق يحضه في الدعوة إلى الله وبث العلم

- ‌الرسالة الثالثة والتسعون: غلى الشيخ حمد بن عتيق

- ‌الرسالة الرابعة والتسعون: إلى محمد علي

- ‌الرسالة الخامسة والتسعون: إلى أهل الحوطة

- ‌الرسالة السادسة والتسعون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة السابعة والتسعون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌رسالة ملحقة

- ‌رسالة الرد على الصحاف

- ‌جدول يبين أمراء آل سعود وفترة إماراتهم

- ‌ملحق (جدول يبين أمراء آل سعود وفترة إماراتهم)

الفصل: ‌الرسالة السادسة والثمانون: إلى الشيخ إبراهيم ورشيد بن عوين في شأن الفتنة

‌الرسالة السادسة والثمانون: إلى الشيخ إبراهيم ورشيد بن عوين في شأن الفتنة

الرسالة السادسة والثمانون1

قال جامع الرسائل:

وله أيضا/-قدس الله روحه ونور ضريحه - رسالة إلى الأخوان: الشيخ إبراهيم ورشيد بن عوين وعيسى بن إبراهيم، وإخوانهم 2. مضمونها التحريض على لزوم الجماعة والإمامة، لأن إضاعتها من أسباب الخزي والندامة، وبالتزامها تحصل السلامة والاستقامة.

وعرفهم في هذه الرسالة ما سبق منه في أول هذه الفتنة من المكاتبات، وما منَّ الله عليه به من المذاكرة والمناصحات، من لزوم بيعة الإمام عبد الله 3 والتصريح بأن راية أخيه سعود، راية جاهلية عمية.

ثم لما صدر من عبد الله ما صدر من جلب الدولة 4 إلى البلاد الإسلامية، والجزيرة العربية، وإعطائهم الإحساء والقطيف والخط؛ تبرأ مما تبرأ الله منه ورسوله، واشتد نكيره ليه شفاها ومراسلة. كما مر ذكر ذلك فيما سبق من الرسائل 5. وثبتت لأخيه سعود البيعة بالغلبة والقهر.

ثم بعد ذلك قدم عبد الله من الإحساء وادعى التوبة والندم وأكثر من التأسف والتوجع فيما صدر منه، وبايعه البعض. وكتب الشيخ إلى الشيخ حمد بن عتيق 6

1 جاءت هذه الرسالة في المطبوع في ص 170-174، وهي الرسالة رقم "26" وجاءت في "ب" في ص 221- 224.

2 لم أجد لهم ترجمة فيما اطلعت.

3 تقدمت ترجمته في ص 45.

4 الدولة المقصودة: الدولة العثمانية. وكان ذلك عام 1288هـ، عندما جلب جنودا من بغداد بقيادة نافذ باشا. وقد تقدم الكلام حوله في ص 856.

5 انظر رسالته التاسعة إلى الشيخ محمد بن عجلان من ص 279-286؛ وكذلك الرسالة رقم "84" إلى زيد بن محمد وأخيه صالح، ص 863-871.

6 تقدمت ترجمته في ص 91.

ص: 898

أنَّ الإسلام يجب ما قبله 1، وأن التوبة تهدم ما قبلها.

وذكر له أن الواجب السعي فيما يصلح الإسلام والمسلمين.

ثم إنه تغلب سعود على جميع البلاد النجدية، وبايعه الجمهور، وسموه باسم الإمامة. وقد علمت أن الحكم يدور مع علته 2؛ يثبت بثباتها، وينتفي انتفائها. وهذا نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم الشيخ إبراهيم، ورشيد بن عوين، وعيسى بن إبراهيم، ومحمد بن علي، وإبراهيم بن راشد، وعثمان بن رقيب وإخوانهم سلك الله بنا وبهم سبيل الاستقامة، وأعاذنا وإياهم من أسباب الخزي والندامة.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تفهمون أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة؛ وقد حصل من التفرق والاختلاف، والخوض في الأهواء المضلة، ما هدم من الدين أصله وفرعه، وطمس من الدين أعلامه الظاهرة وشرعه. وهذه الفتنة يحتاج الرجل فيها إلى بصر ناقد عند ورود الشبهات، وعقل راجح عند حلول الشهوات. والقول على الله بغير علم، والخوض في دينه من غير دراية، ولا فهم، فوق الشرك واتخاذ الأنداد معه.

وقد صار لديكم، وشاع بينكم ما يعز حصره واستقاؤه؛ فينبغي للمؤمن الوقوف عند كل همة وكلام، فإن كان لله مضى فيه، وإلا فحسبه السكوت، وقد عرفتم حالنا

1 هذا جزء من حديث عمرو بن العاص، وتمامه: قال: قلت: يا رسول الله، أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الإسلام يجب ما قبله، وإن الهجرة تجب ما قبلها". أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 3/204، 304.

2 تقدمت هذه القاعدة الأصولية في ص 887.

ص: 899

في أول هذه الفتنة، وما صدر إليكم من المكاتبات والنصائح؛ وفيها الحزم بإمامة عبد الله ولزوم بيتعه، والتصريح بأن راية أخيه، راية جاهلية عمية، وأوصيناكم بما ظهر لنا من حكم الله ورسوله، ووجوب السمع والطاعة. فلما صدر من عبد الله ما صدر من جلب الدولة إلى البلاد الإسلامية، والجزيرة العربية، وإعطائهم الإحساء والقطيف والخط، تبرأنا مما يرى الله منه ورسوله، واشتد النكير عليه شفاها ومراسلة، لمن يقبل مني، ويأخذ عني؛ وذكرت لكم أن بعض الناس جعله ترسا، تدفع به النصوص والأحاديث والآثار، وما جاء من وجوب جهادهم، والبراءة منهم، وتحريم موادّتهم، ومؤاخاتهم؛ من النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة الصريحة النبوية.

والقول بأنهم جاءوا لنصرة إمام أو دين، قول يدل على ضعف دين قائله وعدم بصيرته، وضعف عقله، وانقياده لداعي الهوى، وعدم معرفته بالدول والناس، وذلك لا يروج إلا على سواسية الأعراب، ومن نكب عن طريق الحق والصواب، وأعجب من هذا نسبه جوازه إلى أهل العلم، والجزم بإباحة ذلك، والصواب، والصورة المختلف فيها - مع ضعف القول بجوازها، وإباحتها، والدفع في صدرها؛ كما هو مبسوط في حديث:"إنا لا نستعن بمشرك" 1 - هي صورة غير هذه، ومسألة أخرى، وهذه الصورة حقيقتها تولية وتخلية وخيانة ظاهرة، كما يعرفه من له أدنى ذوق ونهمة في العلم.

لكن بعد أن قدم عبد الله من الإحساء، ادعى التوبة والندم، وأكثر من التأسف والتوجع فيما صدر منه، وبايعه البعض؛ وكتب إلى ابن عتيق أن الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما قبلها، فالواجب السعي فيما يصلح الإسلام والمسلمين، ويأبى الله إلا ما أراد {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2 والمقصود كشف حقيقة الحال، في أول الأمر وآخره.

وقد تغلب سعود على جميع البلاد النجدية، وبايعه الجمهور، ووسموه باسم

1 تقدم تخريجه في ص 279.

2 سورة يوسف الآية "21".

ص: 900

الإمامة. وقد عرفتم أن أمر المسلمين لا يصلح إلا بإمام، وأنه لا إسلام إلا بذلك، ولا تتم المقاصد الدينية، ولا تحصل الأركان الإسلامية، ولا تظهر الأحكام القرآنية إلا مع الجماعة والإمامة. والفرقة عذاب، وذهاب في الدين والدنيا، ولا تأتي شريعة بذلك قط، ومن عرف القواعد الشرعية، عرف ضرورة الناس، وحاجتهم في أمر دينهم، ودنياهم، إلى الإمامة والجماعة.

وقد تغلب من تغلب في آخر عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطوه حكم الإمامة 1 ولم ينازعوه، كما فعل ابن عمر وغيره، مع أنها أُخِذت بالقهر والغلبة.

وكذلك بعدهم في عصر الطبقة الثالثة، تغلب من تغلب، وجرت أحكام الإمامة والجماعة 2، ولم يختلف أحد في ذلك، وغالب الأئمة بعدهم على هذا القبيل، وهذا النمط، ومع ذلك فأهل العلم والدين يأتمرون بما أُمروا به بمن المعروف، وينتهون عما نهوا عنه من المنكر، ويجاهدون مع كل إمام؛ كما هو منصوص عليه في عقائد أهل السنة 3 ولم يقل أحد منهم بجواز قتال المتغلب، والخروج عليه، وترك الأمة تموج في مائها، وتستبيح الأموال والحرمات، ويحوس العدو الحربي خلال ديارهم، وينزل بحماهم؛ هذا لا يقول بجوازه وإباحته إلا مصاب في عقله، موتور 4 في دينه وفهمه، وقد قيل:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا 5

1 يشير هنا إلى تغلب معاوية رضي الله عنه على الإمام علي رضي الله عنه في الصفين، واستقلاله بالخلافة بعد ذلك.

2 وقد تقدم ذكر طرف من أولئك؛ كمروان بن الحكم، والحجاج بن يوسف. انظر ص 858-859.

3 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، 551-555.

4 الموتور: الذي قتل له قتيل، فلم يدرك بدمه. لسان العرب، 5/274؛ مادة:"وتر"؛ فكأنه يريد بالموتور في دينه وفهمه: من أفسد عليه دينه وفهمه، ولم يستطيع إصلاح ما فسد منهما.

5 البيت للأفوه الأودي. انظر: ديوان الأفوه الأودي، ضمن كتاب: الطرائف الأدبية، تصحيح =

ص: 901

بل هذا الحكم الديني يؤخذ من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 1؛ لأنه لا يحصل القيام بهذا الواجب إلا بما ذكرنا، وتركه مفسدة محضة، ومخالفة صريحة. قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 2، وفي الحديث:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه"3. لا سيما وقد نزل العدو بأطرافكم، واستخف الشيطان أكثر الناس، وزين لهم الموالاة، واللحاق بالمشركين، وإسناد أمر الرئاسة إليهم، وأنهم ولاة أمر/يعزلون/4 ويولون، وينصرون وينصبون، وأنهم جاءوا لنصرة فلان، وكما الشيطان على ألسنة المفتونين، وصاروا بعد التوسم بالدين من جملة أعوان المشركين/المبيحين/5 لترك جهاد أعداء رب العالمين فما أعظمها من مكيدة، وما أكبرها من خطية، وما أبعدها عن دين الله ورسوله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وصدر من بعض الإخوان، من الرسائل المشعرة بجواز الاستنصار بهم، وتهوين

وتخريج عبد العزيز الميمني، دار الكتاب العلمية، بيروت، لبنان، ص 10. وانظر: بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس، لأبي عمرو يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، "463هـ" تحقيق: محمد مرسي الخولي، الدار المصرية للتأليف، والترجمة، 1/352. ونهاية الأرب، 3/62؛ والعقد الفريد، 1/10، وفي البهجة: "لا يصلح القوم" بدل من "لا يصلح الناس".

1 سورة آل عمران الآية "103".

2 سورة: المائدة الآية "2".

3 صحيح مسلم، بشرح النووي، 9/110، الحج، باب فرض الحج، واللفظ له، سوى اختلاف يسير في نهايته، ففي مسلم:"فدعوه" بدل "فاجتنبوه". وأخرجه بغير هذا اللفظ في الفضائل، 15/118، باب توقيره صلى الله عليه وسلم؛ صحيح البخاري مع الفتح 13/264؛ الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سنن النسائي، 5/110-111؛ مناسك الحج، باب وجوب الحج، سنن ابن ماجه، 1/5؛ المقدمة، باب إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4 في المطبوع: يعرفون.

5 في "د": والمبيحين. بزيادة واو.

ص: 902

فتنتهم 1، والاعتذار عن بعض أكابرهم، زلة لا يُرقى سليمها، وورطة قد هلك وضل زعيمها، وما أحسن قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} 2، فأقبلوا وامتثلوا موعظة ربكم، وجاهدوا في الله حق جهاده.

وقد أجمع المسلمون على جهاد عدوهم، مع الإمام سعود -وفقه الله - وقد قرر أهل السنة في عقائدهم، أن الجهاد ماضٍ مع كل إمام، وهو فرض على المشهور 3 أو ركن من أركان الإسلام، لا يبطله جور جائر. وقد قال بعض السلف لما لامه بعض الناس على الصلاة خلف المبتدعة: إن دعونا إلى الله أجبنا، وإن دعونا إلى الشيطان أبينا 4.

وفي الحديث: "جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم"5. وفقنا الله

1 إن فتنة المشركين لم تكن أمرا هينا في وقت من الأقوات، وإن أظهروا الحب والصداقة المفتعلة {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] فمن كان حاله هكذا، فكيف يمكن اتخاذه صديقا معينا موثوقا به، واعتبار فتنته هينا. ثم إن الله قد أخبرنا عن منتهى قصدهم تجاهنا، في قوله تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] .

2 سورة سبأ، الآية "46".

3 هو فرض على الكفاية؛ إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإلا أثموا جميعا. هذا ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، وغيرها. انظر: المبسوط، للسرخسي، 10/3؛ حاشية ابن عابدين، /122؛ شرح فتح القدير، 5/426؛ بدائع الصنائع، 9/4299؛ الشرح الصغير، للدردير، 2/267؛ روضة الطالبين، 10/208؛ المغني مع الشرح الكبير، 10/364؛ المحلى، لابن حزم، 7/461.

ويتعين الجهاد في ثلاث حالات:

1 -

إذا هاجم العدو بلاد المسلمين. 2 - إذا استنفر الإمام المسلمين. 3 - إذا التقى الصفان.

انظر المراجع السابقة: المبسوط، 10/3؛ البدائع، 9/4301؛ابن عابدين، 4/123؛ والشرح الصغير، 2/267؛ والروضة، 10/214؛ والمغني، 10/365-366؛ والمحلى، 7/461.

4 لم أعرف قائله.

5 سنن أبي داود، 3/22-23؛ الجهاد، باب كراهية ترك الغزو؛ سنن النسائي، 6/7؛ الجهاد، باب وجوب الجهاد؛ سنن الدارمي، 2/280؛ الجهاد، باب في جهاد المشركين باللسان واليد؛ مسند الإمام أحمد، 3/124، 215. "كلهم بتقديم الأموال على الأنفس".

ص: 903

وإياكم، للجهاد في سبيله والإيمان بوعده وقيله. واحذروا المراء والخوض في دين الله بغير علم، فإنه من أسباب الهلاك؛ كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1.

وبلغوا/سلامنا/2 سائر الإخوان. {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} 3.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه/وسلم/4.

1 ومما صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك:

ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا المراء في القرآن، فإن الأمم قبلكم لم يلعنوا حتى اختلفوا في القرآن، وإن مراء في القرآن كفر".

مصنف ابن أبي شيبة، 10/528؛ الشريعة للأجري، ص 68؛ كنز العمال "2858".

ومنها: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده. قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارؤون في القرآن. قال الرمادي: يتمارون. فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله عز وجل يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم كلوه إلى عالمه". شرح السنة للبغوي 1/260، باب الخصومة في القرآن؛ مسند الإمام أحمد، 2/185؛ مشكاة المصابيح، "237"؛ الشريعة للأجري، ص 68. قال شعيب الأرناؤوط في تحقيق شرح السنة:"إسناده جيد".

2 كذا في "أ" وفي جميع النسخ: السلام. وفي المطبوع سقط لفظ: "بلغوا سلامنا سائر الإخوان".

3 سورة الأحزاب: الآية "4".

4 في "أ": أجمعين: والمثبت أولى، لأنه متم للصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم.

ص: 904