الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثانية والستون: أجوبة على مسائل متعددة
…
الرسالة الثانية والستون1
قال جامع الرسائل:
وله –رحمه الله وعفا عنه - رسالة إلى إبراهيم بن عبد الله بن عمار، جوابا لسبع مسائل:
الأولى: عن رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول.
الثانية: عن صوم يوم الثلاثين من شعبان، إذا حال دون منظره غيم أو قتر.
الثالثة: هل القبض والاستدامة شرط لزومه وصحته أو لا؟
الرابعة: عن الحكم في قطع يد السارق.
الخامسة: عن الطلاق في الحيض والطهر الذي جامعها فيه.
السادسة: عن الرفق على الضعيف.
السابعة: عن عاق والديه، هل عليه حد مقدر؟
فأجابه –رحمه الله عن مسائله، بأصح عبارة وأوجزها، وقرر في مسألة صيام /يوم/2 الشك، ما عليه المحققون، وما تضمنته الأحاديث الصحيحة، بخلاف ما اعتمده المقلدون، وأن من صامه من السلف، لم يوجبه، ولم يأمر به الناس، ولم يوقع بمن تركه العقوبات، كما فعله أهل الجهل والإفلاس، فإنهم في هذه الأزمان يوجبونه، ويأمرون الناس بالتزامه، ومنهم من ضرب وأجلى من نهى عن صيامه.
فيا ليت شعري أين وجدوا ذلك؟ وأي الكتب اعتمده أولئك؟ نعم، قد وجدوا في بعض الروايات الوجوب/ أو الاستحباب/3، فأين وجدوا الضرب والجلاء
1 جاءت هذه الرسالة في المطبوع في ص 216-218. وهي الرسالة رقم "38". وجاءت في "ب" في 54-56.
2 ساقط في "أ".
3 في "أ" و "ب" و "ج" والمطبوع: عن الأصحاب.
والسباب؟ وإذا قيل لأحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال المذهب كذا وكذا، /وبه/1 قال الإمام المعظم 2.
فيا ليت شعري، كيف ساغ لهم تقليده في هذه وغيرها من المسائل؟ ولم يسغ لهم تقليده –رحمه الله في قوله: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان 3، والله –تعالى - يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك 5.
= قال النووي: "
…
ويوم الشك داخل في النهي، وفيه مذاهب للسلف فيمن صامه تطوعا. وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة بشرط أن يكون هناك غيم".
شرح النووي على صحيح مسلم، 7/202.
فهذه رواية عنه بالوجوب، وقد رُوي عنه بالاستحباب في مسائل الإمام أحمد، عن عبد الله قال: قلت لأبي: إذا صام شعبان كله قال: "لا بأس أن يصوم اليوم الذي يشك فيه، إذا لم ينو أنه من رمضان". مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله بن أحمد، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط/1، 1401هـ - 1981م، بيروت، لبنان. ص 180.
وورد عنه –رحمه الله تعالى- رواية عدم صحة صوم ذلك اليوم، قال ابن قدامة –رحمه الله:"وإن شك في أنه من رمضان، ولم يكن له أصل يبني عليه مثل أن يكون ليلة ثلاثين من شعبان، ولم يحل دون مطلع الهلال غيم ولا قتر، فعزم أن يصوم غدا من رمضان، لم تصح النية، ولا تجزئه صيام ذلك اليوم". المغني مع الشرح الكبير، 3/26.
ويوم الشك ذكره ابن مفلح فيما يكره صومه من الأيام. المبدع لابن مقلح. 3/55.
وبالجملة: فصوم يوم الشك مكروه عند الجمهور، حرام عند الشافعية. انظر: فتح القدير لابن الهمام، 1/367. الشرك الكبير للدردير، 1/513؛ مغني المحتاج، 1/433؛ وروضة الطالبين، 2/367. وقد تقدم مراجع الحنابلة في هذا التعليق نفسه.
1 زيادة في المطبوع.
2 يريد الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله، وذلك نظرا لما سيسوقه من كلامه الآتي.
3 تقدمت ترجمته في ص 503.
4 سورة النور: الآية "63".
5 كلام للإمام أحمد –رحمه الله رواه عنه الفضيل بن زياد. انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ط/1، نشر المكتب =
وإذا عرفت هذا، فقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، كما رواه البخاري في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما"1.
والمقصود من هذا الكلام، إيقاع بعضهم بمن نهى عن صيامه أنواع العقوبات، وردهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبعض هذه الروايات، وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ المكرم إبراهيم بن عبد الله بن عمار، سلمه الله تعالى، وصرف عنا وعنه عذاب النار. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فوصل خط المسائل.
المسألة الأولى
/و/2 الجواب عن مسألة رفع اليدين إذا قام في التشهد الأول، فهو في هذا الموضع ثابت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر 3، وثابت أيضا من حديث علي
= الإسلامي دمشق، ص 483-484؛ فتح المجيد، ص 401، 403.
1 صحيح البخاري مع الفتح، 4/143، الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم الهلال فصوموا"؛ صحيح مسلم بشرح النووي، 7/195، الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال؛ سنن الترمذي، 3/69، الصوم، باب ما جاء:"لا تقدموا الشهر بصوم"؛ سنن النسائي، 4/133، الصيام، باب إكمال شعبان ثلاثين؛ سنن ابن ماجه، 1/303، الصيام، باب ما جاء في "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
2 ساقط في "د".
3 حديث عبد الله بن عمر في رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول: قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين، كبر ورفع يديه". سنن أبي داود، 1/475، الصلاة، باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين؛ ومسند أحمد، 2/145.
ابن أبي طالب –رضي الله عنه 1. عند الإمام أحمد، خرجه في المسند، وكذلك هو في سنن أبي داود والنسائي 2 وابن ماجه 3، وهو أصح الروايتين عند أصحاب الإمام أحمد.
"المسألة الثانية"
وأما مسألة السنة لمن يصوم الثلاثين من شعبان، إذا حال ليلة الثلاثين دون الهلال غيم أو قتر، فالقائلون يصومه وجوبا أو استحبابا، يجزيه عندهم إذا نواه من 4. والصحيح الذي عليه المحققون، أنه لا يجب صومه، ولا يؤمر به 5، ومن صامه من السلف لم يوجبه؛ والحجة لمن منع صومه مطلقا، /لما/6 في صحيح البخاري، أنه قال صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة
1 حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، كبر، ورفع يديه حذوا منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر".
قال أبو داود: "في حديث أبي عبيد الساعدي، حين وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة".
سنن أبي داود 1/476، الصلاة، باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين؛ سنن النسائي، 2/231، الافتتاح، باب رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى؛ سنن ابن ماجه، 1/154، إقامة الصلاة باب رفع اليدين إذا ركع.
2 تقدمت ترجمته في ص 310.
3 هو محمد بن يزيد، أبو عبد الله بن ماجه، القزويني، الحافظ المفسر، صاحب السنن والتفسير، "ت273هـ". سير الأعلام، 13/277؛ تهذيب التهذيب، 9/530؛ شذرات الذهب، 2/164.
4 وهي رواية عن الإمام أحمد وجماعة، بشرط وجود غيم. وقد تقدم في 6789.
5 وقد قدمنا القول في أن صيام ذلك اليوم مكروه عند الجمهور، حرام عند الشافعية.
انظر ص 806.
6 كذا في "د"، وفي بقية النسيخ "ما".
شعبان ثلاثين يوما" 1، انتهى.
وليس لأحد بلغَته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عنده الحديث، أن يعدل إلى غيره، لرأي أحد من الناس كائنا من كان.
أقول 2: وله في هذه المسألة كلام مبسوط، رد على عثمان بن منصور 3، أوضح فيه كلام الأئمة، وجلي غياهب 4 الشبه/ فيه/5 عن الأمة، فأبصروا بنور الله حقائق التحقيق، ومدارك الأحكام، وانجلى عن بصائرهم ذلك القتر والقتام، وذكر فيه عن الإمام أحمد سبع روايات، أوردها بعض الأصحاب، والصحيح منها الاستحباب من غير شك ولا ارتياب. فراجعه إن كنت مشتاقا إلى ذلك التحقيق، واسم يهمَّتك إلى معالم ذلك المهيع والطريق.
"المسألة الثالثة" هل القبض والاستدامة شرط للزوم وصحته أولا؟
/ثمّ/6 قال –رحمه الله:
وأما مسألة الرهن، فاعلم أن القبض والاستدامة، شرط للزومه، لا لصحته، فيصح ولو لم يحصل قبض ولا استدامة 7. لكن لو تصرف الراهن أو ببيع أو هبة، صح ذلك، بخلاف المقبوض المستدام، فلا يتصرف فيه إلا بإذن المرتهن، ولمصلحة وفائه 8.
1 تقدم تخريجه في ص 807.
2 هذا كلام جامع الرسائل، الشيخ سليمان بن سحمان –رحمه الله.
3 تقدمت ترجمته في ص 59.
4 غياهب: جمع غيهب، وهو الظلمة، وشدة السواد، يقال: ليلة غيهب: أي مظلم. لسان العرب، 1/653، مادة "غهب".
5 ساقط في "د".
6 ساقط في "د".
7 وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله. وقد تقدم بيانه في ص 805.
8 إن تصرف الراهن في الرهن بإذن المرتهن، يصح عند من لا يقول باستدامة القبض، وهم الشافعية، إذ إن هذا التصرف قد يخرج بالرهن من يد المرتهن.
"المسألة الرابعة: عن الحكم في قطع يد السارق"
وأما السارق فلا تقطع يده إلا بإذن الإمام أو نائبه في الحكم.
"المسالة الخامسة: عن الطلاق في الحيض والطهر الذي جامعها فيه".
وأما مسألة الطلاق في الحيض، وفي الطهر الذي جامعها فيه، فمسألة معروفة مشهورة، وجمهور أهل العلم يوقعون الطلاق فيها 1، ويرون أنه طلاق بدعة، محرم فاعله مستهزئ بآيات الله.
"المسألة السادسة: الوقف على الضعيف"
وأما الوقف على الضعيف، فكثير من الناس يستعمل الضعيف بمعنى الفقير، والفقير عندهم من لا يجد كفاية سنة، ولا قدرة له على اكتساب ما يكفيه، والغني من يجد كفايته، ولو بالقدرة على الكسب 2. والفقراء متفاوتون، بعضهم أحوج من بعض، فيلزم الناظر أن يعطي كلا بحسبه.
"المسألة السابعة: عاق والديه هل عليه حد مقدر"
وأما عاق والديه فليس عليه حد مقدر لكن يعزر بقدر ما يردعه، ويردع أمثاله.
[وبلغ سلامنا الجماعة، والسلام/ عليكم ورحمة الله وبركاته]3. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم/4.
1 فتح القدير لابن الهمام، 3/468. بداية المجتهد، 2/74، 75؛ الأم الشافعي، 5/267؛ روضة الطالبين، 8/3؛ المغني مع الشرح الكبير، 8/237.
2 انظر أقوال الناس في معنى الفقير: لسان العرب، 5/6061، مادة "فقر"؛ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 8/107، 108.
3 ما بين المعقوفتين ساقط في المطبوع.
4 ساقط في "أ".