الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(34)}
.
[34]
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} أي: فإن جاؤوا قبلَ القدرةِ عليهم تائبينَ، استثناءٌ مخصوصٌ بما هو حقُّ الله تعالى، يدلُّ عليه قوله عز وجل:{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
اتفقَ الأئمةُ رضي الله عنهم على أن حكمَ هذه الآيةِ مرتَّبٌ (1) في المحارِبين، وهم قطاعُ الطريقِ من أهلِ الإسلامِ، وإن كانتْ نزلتْ في المرتدِّين، وقد ثبتَ في "صحيح مسلم"، و"كتاب النسائي"، وغيرِهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما سَمَلَ أعينَ أولئكَ؛ لأنهم سملوا أعينَ الرعاء (2)، فكان هذا (3) قصاصًا منه.
واختلفوا فيمن يستحقُّ اسمَ المحاربة، فقال أبو حنيفةَ رحمه الله: لا تكونُ المحاربةُ في المِصْرِ، إنما تكون خارجًا من المصر، وخالفه أبو يوسفَ فقال: لو كانَ في المصر ليلًا، أو بينهم وبين المصر أقلُّ من مسيرة سفر، فهم قطاعُ الطريق، وعليه الفتوى؛ نظرًا لمصلحةِ الناسِ، وقال مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ رحمهم الله تعالى: حكمُهم في المصرِ والصحراءِ واحدٌ.
(1) في "ت": "مترتب".
(2)
رواه مسلم (1671)، (3/ 1298)، كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين، والنسائي (4043)، كتاب: تحريم الدم، باب: ذكر اختلاف طلحة بن مصرف ومعاوية بن صالح على يحيى بن سعيد في هذا الحديث.
(3)
في "ظ": "ذلك".
واختلفوا في حكمِ المحاربِ، فقال أبو حنيفةَ رحمه الله: إذا قتلَ ولم يأخذْ مالًا، قُتِلَ، وإن لم يكنِ المقتولُ مكافِئًا له، وإن أخذَ المالَ ولم يَقتلْ، قُطعت يدُه ورجلُه من خلافٍ، وإذا أخذَ المالَ وقَتَل، فالسلطانُ مخيَّرٌ فيه، إن شاءَ قطع يدَه ورجلَه، وإن شاء لم يقطعْ، وقتلَه وصلَبَهُ، ولا يُصْلَبُ أكثرَ من ثلاثةِ أيام.
وقال مالكٌ: الإمامُ مخيرٌ في الحكم على المحاربين، يحكمُ عليهم بما شاءَ من الأحكامِ التي أوجبها الله تعالى؛ من القتلِ، أو الصلبِ، أو القطعِ، أو النفي، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالًا، على ما (1) يراهُ فيهم ردعًا لهم، ولا يُشترط أن يكونَ المقتولُ مكافئًا له يقول أبي حنيفة رحمه الله.
وقال الشافعيُّ رحمه الله تعالى: إذا أخذَ المالَ، قُطعتْ يدُه اليمنى ورجلُه اليسرى، فإن عادَ، فَيُسراه ويُمناه، وإذا قتلَ مَنْ يكافئه، قُتل حتمًا، وإذا أخذَ المالَ وقتلَ، قُتِلَ، ثم صُلِبَ ثلاثًا.
وقال أحمد رحمه الله: إذا قتلَ مَنْ يكافئه أولا؛ كولدِه وعبدٍ، وذمّيٍّ، وأخذَ المالَ، قُتِلَ حتمًا، ثم صُلِبَ المكافئُ دونَ غيرِه، وصلبُه حتى يشتهرَ، ومن قتلَ ولم يأخذِ المال، قُتل حتمًا، فلا أثرَ لعفو وليٍّ، ولم يصلبْ، ومن أخذَ المالَ ولم يقتلْ، قُطعت يدُه اليمنى ورجلُه اليسرى في مقامٍ واحدٍ، وحُسِمَتا، وخُلِّيَ، فإنْ كانتْ يمينُه مقطوعةً، أو مستحقَّةً في قصاصٍ، أو شَلَّاءَ، قطعتْ رجلُه اليسرى فقط، فإذا أخافَ السبيلَ ولم يأخذِ المالَ ولم يَقْتُلْ؛ نُفي بالاتفاق. واختلفوا في معنى النفي.
فقال أبو حنيفةَ رحمه الله: نفيُه سجنُه، فينفى من سَعَةِ الدنيا إلى
(1) في "ظ": "حكم بما".