الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الثَّانية
"
الأمر للوجوب عند أكثر الفقهاء والمتكلمين. وللندب عند أبي هاشم.
وللمشترك بينهما (1) عند قوم ويليق بمذهبهم حمله (2) على الندب باستصحاب جواز الترك. وقيل: إنه حقيقة فيهما. وقيل: لا يدري أنَّه حقيقة فيهما أو في أحدهما وهو قول الغزالي (3).
لنا وجوه:
أ- إنه تعالى ذمَّ على مخالفة الأمر بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (4) إذ ليس مستفهمًا. وبقوله: {وَإِذَا (5) قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (6).
لا يقال: الأمر قد يفيد الوجوب في لغةٍ أو لقرينة (7) وأيضًا إنَّما ذمَّهم لا لترك الركوع بل لأنهم لم يعتقدوا حقيَّة الأمر بدليل قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (8).
لأن ترتب الذم على مجرد مخالفة الأمر يفيد أنها هي المنشأ له، واستحقاق الويل بالتكذيب لا ينفي استحقاق الذم بترك الركوع، إذ الكافر عندنا يعاقب بترك العباداتِ كما يعاقب بترك الإِيمان.
(1) معناه أنَّه حقيقة في القدر المشترك. والقدر المشترك في ترجيح الفعل على الترك لكونه مطلوبًا. ولهذا قال القاضي الأرموي تبعًا للِإمام الرَّازيّ إنه يليق بمذهبهم حمله على الندب لأنه هو القدر المشترك بين الوجوب والندب. ومن قال إنه حقيقة فيهما يعني أنَّه مشترك لفظيَ بين الوجوب والندب وهذا القول نَسبه الرَّازيّ للمرتضى من الشيعة. وقول حجة الإِسلام هو التوقف بمعنى أنَّه لا يدري هل هو حقيقة فيهما كما - ذهب المرتضى- أو حقيقة في الوجوب أو حقيقة في الندب. انظر المستصفى ص 295.
(2)
وفي "هـ" الحماية.
(3)
وفي "ب، د" زيادة عن النسخ الأخرى (ومشترك بينهما عند المرتضى).
(4)
[الأعراف: 12].
(5)
عند الإِمام الرَّازيّ هذه الآية دليل منفصل.
(6)
[المرسلات: 48].
(7)
وفي "ب" بقرينة.
(8)
[المرسلات: 49].
ب- الزام الأمر يقتضي لزوم المأمور به لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1).
والقضاء: الإلزام. والمراد الخِيَرة في المأمورِ به لاستحالةِ خيرة المكلف فيَ أمر الله والزام ما لا يقتضي لزوم شيءٍ لا يقتضي لزومه كالقضاء بإباحته.
ولقائلٍ أن يقول (2): سبق الذهن إلى إيجاد معنى الأمريْن يوجب حملَ الأوَّل على الشيء وإن كان مجازًا فيه.
جـ - تارك ما أمرَ الله به مخالفٌ لأمره إذ مخالفة الأمر تقابل موافقته وهي الِإتيان بالمأمورِ به. ومخالف أمره يستحق العقاب لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3) وإنما يحسن الأمر بالحذر عن العذاب بعد قيام المقتضي له.
لا يقال: الاعتراض من وجوه:
أ- موافقة الأمر الإتيان بمقتضاه كما يقتضيه (4) أو اعتقاد حقيته (5).
ب- إنه أمرٌ بالحذر عن المخالف، لا أمرُ المخالفِ بالحذر.
هـ - إنَّ المأمور ليس مخالف الأمر. بل المخالف عن الأمر. ولا يجعل عن صلةٍ لأنها خلافُ الأصلِ.
(1)[الأحزاب: 36].
(2)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي. إن الإمام دلل على أن الأمر للوجوب بقوله تعالى: {وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ووجه الاستدلال أن لزوم الأمر يدل على لزوم المأمور به. فاعترض القاضي حيث أنَّه قال: "لم لا يجوز أن يكون المرادُ من قوله أمرًا "شيئًا" والمتبادر للذهن أن تكون أمرًا الثانية بمعنى الأولى فيكون معنى الآية على هذا. "إذا قضى الله ورسوله شيئًا لا يكون لهم الخيرة في هذا الشيء". وبهذا لا يسلم الاستدلال للإمام لأن "أمرًا" في الآية حملت على معناها المجازي وهو شيء.
(3)
[النور: 63] لم يرد موضع الشاهد في جميع النسخ فأكملت الآية.
(4)
أي إن كان واجبًا يؤتى به على وجه الوجوب.
(5)
وفي "أ" حقيقته. واعتقاد حقية الأمر معناه الاعتراف يكون ذلك الأمر حقًا واجب القبول.
د- إنه يحسن الأمر بالحذر لاحتمال المحذور (1). وأنه حاصل إذ المسألة اجتهاديَّة. سلمناه: لكن لفظ الأمر مفردٌ فلا يعم.
لأنَّا نجيب عن:
أ- بأن سبق الذهن إلى ما ذكرنا (2) يلغى ذلك القيد واعتقاد حقية الأمر موافقة دليل حقيته (3) لا له (4).
ب- إنه لو كان أمرًا بالحذر عن المخالف لكان الحذر مسندًا إلي مفعوله.
وإسناد الفعل إلى فاعله أولى ولكان لا يتعين المأمور بالحذر إذ ليس في سياق الآية سوى المتسللين لواذًا (5) وهم المخالفون. وحذر الإنسان عن نفسه محالٌ. ولكان قوله: أن تصيبهم إلى آخره ضائعًا. إذ الحذر لا يتعدى إلى مفعوليْن.
جـ- إن النحويين قالوا: كلمة "عن" للمجاوزة والبعد. يقال: جلس عن يمينه أي متراخيًا عنه في الجهةِ التي يليها، ومخالفة الأمر بعدٌ عنه، فذكر بلفظ "عن".
د- استقباح العرف الأمر بالحذر بدون المقتضي.
هـ (6) - إن جواز الاستثناء يفيد عمومه ولأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليَّةِ ولأن استحقاق العقاب في الفرد لاقتضاء مخالفة الأمر عدم المبالاةِ بالأمر المناسب للزجر.
(1) سقط من (ب، د) المحذور.
(2)
إنه إذا امتثل العبدُ أمرَ سيده حَسُنَ أنْ يقال: "وافق سيده" فثبت أنَّ موافقة الأمرِ عبارة عن
الإتيان بمقتضاه. وبهذا لا حاجة للقيد وهو (على الوجه الذي يقتضيه الأمر).
(3)
وفي "أ، جـ" حقيقة.
(4)
الضمير في له راجع إلى الأمر.
(5)
وفي "أ" وهو.
(6)
لا يوجد فيما تقدم فقرة "هـ" وما ورد هنا هو رد على جزء من فقرة "د" والأجوبة الواردة في
هذه الفقرة كلها تبرهن على أن "أمره" يفيد العموم. فالدليل الأول جواز الاستثاء والدليل الثاني ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليِّة فالحكم يدور مع العلة.
والثالث: إن العقاب استحقه الفرد للمخالفةِ الناتجة عن عدم المبالاة بالأمرِ بالعقوبة مناسِبةً لزجر كل من حدث منه ذلك.
ولقائلٍ أن يقول (1): مناقضة الأول ستأتي (2).
د- تارك المأمور به عاص لقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (3) وقوله تعالى: {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (4).
وقوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} (5). والعاصي يستحق العقابَ بالنص.
لا يقال: لو كان ترْك المأمور به معصيةً لكان قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) تكرارًا ولم يصح تقسيمُ الأمر إلى أمرِ إيجاب وأمر استحباب.
ثم آية المعصية حكايةُ حالٍ فلا تعم وآية العقاب مختصة بالكفار بقرينةِ الخلود.
لأنَّا نجيب عن:
أ- يحمل قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . على المستقبل وما قبله على الماضي.
ب- إن تسميةَ المستحب مأمور به مجاز محافظة على عموِم قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ} (7) أولى من جعل المستحب مأمورًا به محافظة (8) على صيغ الأوامر لأنه أحوط. ولأن الاستحباب لازم للوجوب ولا ينعكس.
(1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله هنا متوجه لجواب الإمام الرَّازيّ في الاستدلال بأن جواز الاستثناء يفيد العموم. فاعترض القاضي بأن هذا معارض بما سيجيء في باب العموم. وهو أن الجمع المنكر يصح الاستثناء منه مع عدم عمومه.
(2)
وفي "أ" شتات وهو تصحيف.
(3)
[طه: 93].
(4)
[الكهف: 69].
(5)
[التحريم: 6].
(6)
[التحريم: 6].
(7)
[النساء: 14].
(8)
سقط من "ب، د" سطر كامل من "محافظة" إلى "مُحافظة".
جـ- أنَّه رتَّبَ اسم (1) المعصية على (2) مخالفة الأمرِ فتكون هي (3) المقتضي لاستحقاقه.
- إن الخلود هو (4) المكث الطَّويل.
تقرير آخر: بأن العصيان هو الامتناعِ. لهذا سميت العصا عصًا. والاجتماع عصا. يقال: شققت عصا المصلين أي اجتماعهم. وهذا كلام يستعصي على الحفظ وحطب يستعصي على الكسر. وقال عليه السلام: "لولا أنا نعصي الله لما عصانا"(5). أي لم يمتنع عن إجابتنا وترك الفعل بعد الأمر المقتضي له امتناع عنه.
واسم العاصي يختص بتارك الواجبًا وفاقًا. ولأن (6) العاصي هو المخالف لما منع منه. وإلا لكنا عصاةً بتصدقنا اليوم بعد مجرد (7) الأمر بالصلاة غدًا.
ولقائلٍ أن يمنع الملازمةَ بجواز اختصاص العصيان بالامتناع عما حث عليه بلفظ إفعل.
هـ - قوله عليه السلام لأبي سعيد بن المعلى (8) لما دعاه فلم يجبه لأنه كان (3)
(1) وفي "ب، د" فعل بدل اسم.
(2)
يوجد في (ب، د) زيادة عن النسخ الأخرى كلمة "معنى".
(3)
وفي "ب" هو بدل هي.
(4)
سقط من"ب، د" هو.
(5)
لم أجد هذا الحديث رغم البحث الطويل عنه.
(6)
سقط من (أ) الواو.
(7)
وفي "ب، د، جـ" وجود بدل مجرد.
(8)
هو أبو سعيد بن المعلى صحابي جليل تفرد البُخَارِيّ بالرواية عنه واسمه رافع ويقال الحارث بن نفيع بن المعلى من جلّة الْأَنصار وساداتهم ويكنى بأبي سعيد واشتهرت نسبته إلى جده تُوفِّي سنة 74 هـ وقد وهم الإِمام في المحصول تبعًا للغزالي ومعظم من اشتغل بالمحصول فنسبه لأبي سعيد الخُدرِيّ وكذلك الآمدي. وقد نبّه على هذا الوهم الإسنوي في نهاية السول 2/ 29 وابن حجر في فتح الباري 8/ 307 وقد ورد في بعض كتب السنة نسبة القصة لأبي بن كعب، انظر الفتح الكبير 3/ 125. ولترجمة الصحابي انظر الاستيعاب 4/ 90 والحديث خرجه البُخَارِيّ في أول كتاب التفسير وأبو داود في كتاب الصلاة وجامع الأصول في كتاب الفضائل.
في الصلاة ما منعك أن تستجيبَ وقد سمعت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (1). فلولا أنَّ الأمرَ للوجوب لما صحَّ ذلك. إذ (2) حينئذٍ لا يكون سؤالًا عن العذر. إذ الصلَاة عذرٌ في تركِ كلام لا يجب. ولا ذمًا على ترك الاستجابة. إذ لا ذمَ على ترك ما لم يجب. ويجوز التمسك بخبر الواحد في مسألة علميَّة تكون وسيلةً إلى العمل.
و- قوله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي"(3) الحديث. وكلمة لولا لانتفاء الشيء لوجِود غيره. والسؤال مندوبٌ مع وجود المشقة فلا يكون المندوب (4) مأمورًا به.
ولقائلٍ أن يمنع (5) انتفاء أمر الله تعالى عند انتفاء أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتَّى يبين تلازمهما. ثم هذا يفيد أن بعض المندوب ليس بمأمورٍ به.
ولعلَّ الخصم يقول إنَّ بعضه أَيضًا مأمور به.
ز- قالت بريرة (6) للنبي عليه السلام: "أتأمرني بذلك؟ فقال: لا. إنما أنا
(1)[الأنفال: 24].
(2)
وفي "ب، د" لأنه بدل إذ.
(3)
رواه الستة من حديث أبي هريرة وتتمته عند مسلم "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ" وتتمته عند النَّسائيّ وابن خزيمة والبخاري تعليقًا "عند كل وضوء" انظر نصب الراية 1/ 9 والفتح الكبير 3/ 51.
(4)
سقط من "جـ" المندوب.
(5)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على ما استدل به الِإمام الرَّازيّ من حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". أنَّه مندوب فلذلك لم يأمر به صلى الله عليه وسلم انتفاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه انتفاء أمر الله تعالى، فقد يكون مأمورًا به من الله تعالى مع أنَّه مندوب. وعلى فرض التسليم إنه لم يرد فيه أمر. فإنما يدل على أن بعض المندوب ليس مأمورًا به وقد يكون البعض الآخر مأمورًا به. ولم يرتضِ بدرُ الدين التستري هذيْن الاعتراضيْن وقال: إنه يرد على الرَّازيّ أن المنفي أمر الوجوب لا الأمر مطلقًا والقرينة تدل على ذلك (انظر حل عقد التحصيل لوحة: 36).
(6)
بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما. كانت مولاة لقوم من الْأَنصار قيل لآل عتبة بن أبي لهب وقيل لبني هذيل. وزوجها مغيث وقيل اسمه غير ذلك. اشترتها عائشة وأعتقتها وهي التي ورد فيها قوله صلى الله عليه وسلم "الولاء لمن أعتق". الاستيعاب 1795 الإصابة 8/ 29.
شفيع" (1). أثبت الشفاعة الدالة على الندبيَّة مع نفي الأمر.
ح- تمسك الصَّحَابَة رضوان الله عليهم بالأمرِ في قوله عليه السلام: (سُنوا بهم سنةَ أهلِ الكتاب)(2).
وقوله عليه السلام: "فليغسله سبعًا"(3). وقوله عليه السلام: "فليصلها إذا ذكرها"(4). على الوجوب ولم ينكر عليهم. فكان إجماعًا لما سيأتي في القياس.
ولا يعارض بأنهم لم يرتبوه على مثل قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا}
(1) أخرجه الجماعة إلَّا مسلمًا عن ابن عباس. ولفظه "إن زوج بريرة كان عبدًا أسود يقال له مغيث" كأني انظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للعباس: يَا عباس. ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة ومن شدة بغض بريرة مغيثًا. فقال لها عليه
السلام: لو راجعتيه. قالت: يَا رسول الله. أتأمرني به. فقال عليه السلام: "إنما أنا شفيع قالت. لا حاجة لي به" نصب الراية 3/ 206.
(2)
رواه البَزَّار في مسنده والدارقطني في سننه وابن أبي شيبة في مسنده ومالك في الموطأ عن جعفر بن محمَّد عن أَبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا أدري ما أصنع بالمجوس. فقال عبد الرَّحْمَن بن عوف رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سُنوا بهم سنةَ أهل الكتاب" أعله ابن عبد البَّر بالانقطاع لأن محمَّد بن عليّ بن الحسين لم يلقَ عمرَ. وأعلَّه غيره بالإرسال ولكن ورد معناه في البُخَارِيّ من حديث مجالد قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عوف أنَّ رسول الله أخذها من مجوس هجر. ويشهد له أَيضًا ما رواه البُخَارِيّ من أخذ الجزية من البحرين التي صالح أهلها الرسول صلى الله عليه وسلم وولى عليها العلاء بن الحضرميّ وهم من المجوس.
انظر نصب الراية 3/ 448. فتح الباري 6/ 259.
(3)
ورد الحديث بطرق عدة وروايات مختلفة وممن خرجه أَحْمد ومسلم وأبو داود والنَّسائيّ وابن
ماجه والدارقطني وأول الحديث "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" وفي بعض الروايات بزيادة أولاهن بالتراب. وفي أخرى وعفروه الثامنة بالتراب انظر الفتح الكبير 1/ 162. نصب الراية 1/ 130. التلخيص الحبير 1/ 14.
(4)
رواه البُخَارِيّ ومسلم وأبو داود من حديث أنس ورواه التِّرْمِذِيّ وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردوْيه من حديث أبي هريرة ولفظ البُخَارِيّ: "من نسيَ صلاةً فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلَّا ذلك وأقم الصلاة لذكري" هداية الباري 2/ 232 وفتح القدير للشوكاني 3/ 361.
وقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ} . وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا} . وقوله تعالى: {فَاصْطَادُوا} لأن التمسك بما لا يفيد الوجوب عليه لا يجوز. ويجوز تخلف الحكم عن المقتضي لمانعٍ.
ط- أنَّه ليس (1) حقيقةً في الندب فقط لأن الواجب مأمور باتفاق الأمة وصرح كثير من الأصوليين بأن المندوب غير مأمور به فيمتنع مثله. ولا هو حقيقةٌ فيه وفي الوجوِب إذ الاشتراك خلافُ الأصل. ولا في المشترك بينهما إذ جعله مجازًا فيه حقيقةً في الوجوب أولىَ من العكس (2) لما عرف. فتعين جعله حقيقةً في الوجوب فقط.
ي- اقتصار العقلاء في تعليل حسن (3) ذم العبد إذا ترك ما أمره به سيدُه على أنَّه ترك ما أمر به، يدل على أنَّ ترك المأمور (4) به عِلةٌ لحُسْن الذم. ولا يقال إنما ذموا لكراهية السيد تركه أو لأن الشارع (5) أوجبَ طاعة السيد أو إيصال النفع إليه.
ثم إنه معارض بما أنَّه لا يذم لو كان ما أمر به معصيةً. لأن الاقتصار على القدر المذكور ينفي اعتبار الكراهة. والشرع إنما يوجب طاعة السيد وإيصال المنافع إليه فيما يوجبه (6) السيد عليه. حتَّى لو قال لك أن تفعله وأن لا تفعله لا يجب عليه ذلك. والمعصيةُ لما خرجت بدليل وجب فيما وراءها حمل كلامهم على ظاهره.
يا- الأمر يفيد الوجود فليمنع من العدم (7) كالخبر بجامع تكميل المقصود من
(1) سقط من "أ" ليس.
(2)
وفي "ب، د" وفي الوِجوب لا لأمر مشترك بينهما لأنه يلزم منه الاشتراك ولا لأنه لأمر مشترك
بينهما لأن جعله حقيقةً في الوجوب مجازًا في المشترك أولى من العكس.
(3)
سقط من "ب، هـ" حسن.
(4)
سقط من "هـ""به".
(5)
وفي "أ، جـ، هـ" الشرع بدل الشارع.
(6)
وفي "أ" يوجب.
(7)
أي إذا دل على معنى منع من نقيضه.
الوضع (1) له. لا يقال لعلَّ الأمر يفيد أولويَّة الوجود لأن الفعل إنما يشعر بالمصدر لا بأولويته.
يب- الأمر يفيد رجحان مصلحة الوجود لامتناع الأمر بما فيه مفسدة راجحة أو مساوية والإذن في تركه إذنٌ في تفويت المصلحة الخالصة وأنه قبحٌ عرفًا فكذا شرعًا لقوله عليه السلام: "ما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح"(2) تُرك العمل به في المندوبات فيبقى فيما عداها.
ولا يقال: إلزام المكلف استيفاء المصلحة الخالصة (3) لنفسه قبيح عرفًا فكذلك شرعًا لأن ذلك (4) ينفي أصل التكليف.
ولقائلٍ أن يقول: لما انتقض كل (5) منهما وجب الترجيح (6).
يج- لأمر يفيد رجحان الوجود على العدم وأنه (7) لا يخلو عن الإذن في الترك والمنع منه والمفضي إلى الراجح راجح في الظن فالمنع من الترك راجحٌ في الظن فوجب العمل به لقوله عليه السلام: "اقض
بالظاهر" (8). وقياسًا على الشهادة والفتوى وقيم المتلفات وأروشَ
(1) وفي "أ، هـ" الموضوع.
(2)
رواه الحاكم في المستدرك في فضائل أبي بكر وقال صحيح الإِسناد ولم يخرجاه ورواه البيهقي في كتاب المدخل وفي كتاب الاعتقاد. ورواه الطَّيالِسيّ في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في الكبير وأَحمد موقوفًا على ابن مسعود ولفظ أَحْمد: إن الله عز وجل نظر في قلوب عبادِه فاختار محمدًا صلى الله عليه وسلم فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابًا فجعلهم أنصارَ دينه
ووزراءَ نبيه فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن. وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح وقال العجلوني موقوف حسن. انظر الزيلعي 4/ 133. وكشف الخفا 2/ 188.
ملاحظة: رواه أَحْمد في كتاب السنة وليس في المسند.
(3)
سقطت الخالصة من (أ، ب، جـ، د).
(4)
وفي "هـ" هذا بدل ذلك.
(5)
وفي "جـ" كل واحد منهما.
(6)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي إنه لما انتقض عدم الإذن بترك المأمور به بالمندوبات وانتقض استيفاء المصلحة بالقبح عرفًا وجب الترجيح، وظاهر أنَّه يشير إلى رجحان دليل الخصم.
(7)
وفي "ب، د" ولأنه.
(8)
واللفظ الوارد في المحصول "أنا أقض بالظاهر" قال ابن الديبع الشَّيبانِيّ في كتابه (تمييز الطيب من الخبيث) حديث "أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". اشتهر بين الأصوليين =
الجنايات وتعيين القبلة ولأن العمل بالمرجوح لا يجوز عقلًا.
يد- الوجوب له لفظ مفرد لشدة الحاجةِ إلى تعريفه الداعية إلى الوضعِ المقدور عليه بلا مانع. وليس ذلك سوى الأمر وفاقًا.
لا يقال: لم لا يكفي القرينة والمركب. ولا نسلم عدم المانع. إذ توقيف اللغة مانع. ثم هو منقوض بشدةِ الحاجةِ إلى تعريف معنى الحال والاستقبال والاعتمادات والروائح. ومعارض بشدةِ الحاجةِ إلى تعريف أصل الترجيح والندب وتعريف الوجوب أو (1) الندب مبهمًا. وبأنه لو كان له لفظ مفرد لاشتهر لشدة الحاجة إلى الَتعبير به.
لأنا نجيب عن:
أ (2) - بأن التعريف باللفظ أسهل. والمفرد على اللسان أخف فيغلب ذلك على الظن كسائر الألفاظ المفردة.
ب- بأن الأصل عدم المانع والتوقيف.
= والفقهاء بل وقع في شرح مسلم للنووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب النَّاس". والحديث لا وجود له في كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة وجزم العراقي بأنه لا أصل له. وكذا أنكره المزي. انتهى ابن الديبع.
والحديث معناه صحيح حيث عقد له النَّسائيّ بابًا خاصًا في سننه فقال باب الحكم بالظاهر ثم أورد تحته حديث أم سلمة: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعلَّ بعضكم ألْحن بحجته من بعض فاقضى له على نحوِ ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه إنما أقطع له قطعةً من نارٍ". متفق عليه- ويشهد له أَيضًا ما أخرجه الَبخاري من قول عمرَ رضي الله عنه: "إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم". ويشهد له أَيضًا حديث أبي سعيد المرفوع. "إنِّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب النَّاس ولا أشق بطونهم". وقال أمير المُؤْمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني. بعد أن أورد الإِمام الشَّافعيّ رحمه الله حديث أم سلمة في كتاب القضاء من كتابه الأم قال فأخبرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه إنما يقضي بالظاهر وأن أمر السرائر إلى الله فبعضهم ظن هذا حديثًا منفصلًا فنقله كذلك والحال أنَّه تفسير من الشَّافعيّ رحمه الله ولهذا يوجد هذا الحديث كثيرًا في كتب أصحاب الشَّافعيّ دون غيرهم.
انظر المقاصد الحسنة 91، تلخيص الحبير 2/ 405، كشف الخفا 1/ 221، تمييز الطيب من الخبيث ص 31.
(1)
وفي "أ"(إذا) بدل (أو).
(2)
هذه الأجوبة واردة على ما أورده الخصم من بداية قول المصنف: لا يقال لم لا يكفي ووردت =
النقض بزيادة (1) الحاجة إلى تعريف معنى الوجوب لتكررها.
المعارضة الأولى: بأن جعله حقيقةً في الوجوب مجازًا في الترجيح أولى من العكس لما عرف.
ب- بأن الحاجة إلى تعريف ما لا يجوز الِإخلال (2) به أمس.
هـ - بأن الاشتراك خلاف الأصل (3).
د- بأن الاشتهار إنما يجب فيما (4) لا يعارضه ما لا يظهر الفرق بينهما إلَّا بوجهٍ غامض.
يه- حمله على الوجوب يفيد القطع بعدم مخالفة الأمر وعلى غيره يفيد الشك فيه لجواز أن يكون المأمورُ به واجبًا. ويتركه بناءً على جواز تركه فوجب العمل على الوجوب لقوله عليه السلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(5). ولأن ترجيح الطريق الآمن على المخوف واجب عقلًا. وأما أمر الاعتقاد (6) فهو متعارض.
= الأجوية مرقمةً وأما ما أورده الخصم لم يرد مرقمًا وكان ينبغي أن يكون ما أورده الخصم مرقمًا
وقد تكرر هذا من المصنف في مواضعَ كثيرة.
(1)
أي أن الحاجة لوضع لفظ للوجوب أعظم وأكثر من الأشياء التي ذكروها، وهي الروائح والحال
والاستقبال لأن الحاجة إلى التعبير عن الوجوب متكررة بعكس الأخرى.
(2)
فيه إشارة إلى أن الوجوب يمتنع الإخلال به. فالحاجة إلى تعريفه أولى من الندب الذي يجوز الإخلال به.
(3)
لم يرد في أدلة الخصم لفظة الاشتراك فى التحصيل ولكن أورد هذا الإِمام في المحصول ولفظ الأرموي إن الحاجة ماسة لتعريف الوجوب أو الندب مبهمًا وهذا فيه إشارة إلى الاشتراك.
(4)
العبارة غير واضحة وتوضيحها بأن الخصم قال: لو كان اللفظ للوجوب لاشتهر وجوابه إن
اللفظ يشتهر إذا سلم عن المعارض. أما إذا كان له معارض ولم يظهر الفرق بينه وبين معارضه إلَّا على وجهٍ غامض لم يلزم اشتهاره.
(5)
رواه أَحْمد وأبو داود والتِّرمذيّ وابن حبان والحاكم. وقال التِّرْمِذِيّ حسن صحيح وقال الحاكم
صحيح الإسناده ورمز له السيوطي بالصحة وتتمة الحديث عند ابن حبان فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة، انظر نصب الراية 2/ 471، الفتح الكبير 2/ 111، كشف الخفا 1/ 486، فتح القدير للشوكاني 3/ 528.
(6)
المقصود بتعارض أمر الاعتقاد أي أن حمله على الوجوب عند كونه للندب يستلزم الاعتقاد =
لا يقال: العلم بأنه لغير الوجوب لغة. وأنه لا يجوز تجريده عن القرينة عند وجوب (1) المأمور به بنفي هذا الشك لأن النظر إلى مجرد ما ذكرنا يوجب ما ذكرنا ودعوى العلم معارضة (2).
احتجوا بأمور:
أ- العلم بكونه للوجوب لا يجوز أن يكون للعقل إذ لا مجال له في اللغة.
ولا للنقل المتواتر وإلا لعرفه كل واحدٍ ولا لآحادٍ إذ المسألة علميَّة وهذه حجة من ينفي الدراية (3)، فإنَّها واردة على من يدعي الوضع لمعين ولو بالاشتراك (4).
ب- قال أهل اللغة: لا فرق بين الأمر والسؤال إلَّا في (5) الرتبة ثم السؤال لا يفيد الوجوب.
جـ - إنه ورد في الكتاب بمعنى الوجوب وبمعنى الندب والأصل عدم الاشتراك والمجاز. فكان حقيقة في القدر (6) المشترك بينهما وأنه لا إشعار (7) له بواحدٍ منهما.
والجواب عن:
أ- إنه يجوز أن يعرَّف بالمركب من العقل والنقل كما سبق (8) في بعض الوجوه، ولا نسلم كون المسألة علميَّة.
= الفاسد وهو معارض بأن حمله على الندب عند كونه للوجوب يستلزم الاعتقاد الفاسد والترجيح
بحمله على الوجوب لأن العمل به لا يستلزم الخطأ كما في حمله على الندب.
(1)
وفي "أ" وجود.
(2)
معارضة بمثله. وهو أنَّه يمتنع تجريد الأمر عن القرينة إذا كان للندب.
(3)
إشارةً إلى من قال بالتوقف وهو في الإِسلام ومن قال بقوله.
(4)
ولو بالاشتراك موجود في (ب، د) فقط.
(5)
سقط من "أ، هـ""في".
(6)
سقط من "د، هـ" القدر.
(7)
وفي "أ" لاشتغاله وهو تصحيف.
(8)
ومثال ذلك قولنا تارك المأمور به عاصٍ. والعاصي يستحق العقاب ويستلزم العقل من تركيب
هاتين المقدمتين النقليتين أنَّ الأمر للوجوب.