الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا وضعت الألفاظ للدلالة على ما في الخارج بل في الذهن، أما المفردة فلاختلافها عند تغير الصورة (1) الذهنية واستمرار الخارجية (2)، وأما المركبة فلأن قولك "زيد قائم" لا يفيد قيام زيد وإلا لم يكن كذباً بل حكمك به. نعم قد يستدل بالحكم على الوجود الخارجي إذا عرفت (3) براءته عن
الخطأ.
ولقائل أن يقول (4): اختلاف اللفظ الموضوع للخارجي ممنوع في نفس الأمر، وجواز إطلاق اللفظ على الشيء مشروط باعتقاد أنه كذلك في الخارج.
والكذب في المركب إنما يمتنع لو كانت دلالته قاطعة.
المسألة الخامسة
معرفة العربية واجبة لتوقف معرفة شرعنا على معرفة القرآن والأخبار الواردين بها. ولا طريق إليها بالعقل بل بالنقل أو بالمركب منهما. كما يعلم (5) كون الجموع للعموم بالعقل بواسطة نقل جواز الاستثناء منها وأنه إخراج ما لولاه لدخل. والنقل إما متواتر يفيد العلم أو آحاد يفيد (6) الظن.
فإن قيل التواتر ممنوع إذ (7) اختلف في أكثر الألفاظ دوراناً على الألسن كلفظ
(1) وفي (ب، جـ، د) الصور.
(2)
وبيان ذلك: أننا وجدنا اللفظ يدور مع المعاني الذهنية دون الخارجية. فإذا شاهدنا شيئاً وظنناه
حجراً أطلقنا لفظ الحجر عليه فإذا قربنا منه وظنناه شجرة أطلقنا لفظ الشجرة عليه. ثم إذا ظنناه بشراً أطلقنا لفظ البشر عليه مع أن المعنى الخارجي لم يتغير.
(3)
وفي "هـ" عرف.
(4)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله: أنه موجه لقول الأمام أن الألفاظ وضعت للصورة الذهنية بدليل تغيرها عند تغير الذهن مع بقاء المعنى الخارجي واحداً. وهو أن هذا الدليل وهو اختلاف اللفظ الموضوع إنما كان جوازه لاعتقاد أنه في كل مرة كان في الخارج كذلك. ولهذا فاللفظ موضوع للمعنى من حيث هو، بقطع النظر عن كونه ذهنياً أو خارجياً.
(5)
وفي "هـ" نعلم.
(6)
وفي "هـ" نفيد.
(7)
وفي "أ، ب، د" إذا.
الله تعالى اختلافاً كثيراً أهو سوري (1) أو عربي مشتق (2) أو موضوع مع اختلاف كثير فيما اشتق منه. وما وضع له أهو الذات أو كونه قادراً أو معبوداً أو بحيث تتخير العقول في إدراكه أو غيره.
وكذا الإِيمان والصلاة وغيرهما. ولأن شرطه استواء الطرفين والواسطة.
ولم يعلم ولا يعتمد على أنه لو تغير لاشتهر. إذ ليس وضع لفظ معين لمعنى واقعة عظيمة ولأنه منقوض بما يتكلم به العرب الآن من ألفاظ وإعرابات فاسدة. وبالألفاظ المنقولة إذ لا يعلم مَن غيَّر ولا متى غُيِّر.
ثم اشتهر أخذ اللغات عن جمع خاص كالخليل (3) وغيره مع قلتهم وعدم عصمتهم والقطع بأن الكل لم ينقل كذباً لا يفيد القطع بصدق واحد معين. والآحاد لا تفيد الظن ما لم تسلم عن القدح والمعارضة. ورواة اللغة جرَّح (4) بعضهم بعضاً. وقال بعضهم زيد في اللغة وآخر نقص منها. وبعد
إفادتها الظن كيف نقطع بشيء من مدلولات القرآن والأخبار. والتمسك بالمركب موقوف على امتناع التناقض على الواضع ولا علم به. والإِجماع فرع هذا الطريق فإثباته به دور.
والجواب: أنّا نعلم ضرورة أن الألفاظ المشهورة كالأرض والسماء وغيرهما كانت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مستعملة في معانيها المعلومة. وأكثر القرآن منها. وما ليس منها لا يثبت به إلا الظن. ويثبت وجوب العمل به بالإِجماع.
ويثبت الإِجماع بآية ألفاظها منها ويزول الإِشكال.
(1) جميع نسخ التحصيل والمحصول "سوري" وكتب التفسير تقول سرياني وهي لغة معروفة.
(2)
وفي "أ" مشتق.
(3)
هو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي الأزدي البصري أبو عبد الرحمن نحوي لغوي مبتكر علم العروض. له: العروض والشواهد والنقط والشكل والإيقاع والجمل توفي عام 170 هـ.
له ترجمة: في وفيات الأعيان 2/ 244. معجم المؤلفين 4/ 112 مرآة الجنان 1/ 362. مفتاح السعادة 1/ 107. معجم الأدباء 4/ 181. كشف الظنون 2/ 1136 البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 79.
(4)
فيه إشارة إلى ما أورده ابن جنّي في كتابه الخصائص: باب سقطات العلماء. وكذلك إلى تعقب المبرد كتاب سيبويه. انظر الخصائص 2/ 287.