الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَاتُهُ
لقد عاش القاضي سراج الدين الأرموي حياة حافلة بالرحلات، مملوءة بالعمل الشاق الدؤوب في التدريس والسفارة للسلاطين والملوك، ثم استقر به المقام قاضياً ومدرساً في بلاد الروم، ثم ارتقى منصب قاضي القضاة بما أودع الله فيه من المؤهلات العلمية والنفسية فوصل إلى ما وصل إليه من
الجاه، وعاش حميدَ السيرة موفور العرض، سليماً من أذى الحساد، مُحباً للجميع حتى من كان ينكر أحوالهم كالمولوي جلال الدين الرومي، فيعوده في مرضه ويسقيه الدواء ويجلس على وسادته بل ويتقدم أتباعه وتلاميذه ليصلي عليه. فقد ألف القلوب من حوله، فبكته العيون يوم لبى نداء ربه،
وفقدته كراسي القضاء يوم احتاج له المتخاصمون، ورثه طلاب العلم، وخسرته المدارس، ولكن لكل أجلٍ كتاب ولكل أمر نهاية وأمر الله نافذ وقضاؤه ماض ولا حول ولا قوة لمخلوق في صرفه، فذاق كأس الموت التي لثمت فاهه شفاه الأنبياء من قبله، ولكن بعد أن عمر آخرته بما زرعه في دنياه فسيجني ثمار غرسه، ويحصد نتاج أرضه التي أتت أكلها ضعفين تغمده الله برحمته، وأسكن روحه الدرجات العليا في الجنة وجزاه الله عن طلبة العلم والمسلمين خير الجزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون- وذلك عام 682 هـ في مدينة قونية.
شيوُخه
بعد تقصي ترجمة القاضي سراج الدين أبي الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي- رحمه الله تعالى- في جميع كتب التراجم، لم أجد أنها ذكرت له إلَّا شيخاً واحداً، وما من شك أنه تتلمذ على عدد من أفاضل العلماء، ولكن التاريخ يخفي كثيراً من الأخبار، فتصبح نسياً منسياً مع أن كتب التراجم نقلت لنا: أن القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي- رحمه الله قد بدأ دراسته في بلده التي ولد فيها أرمية، ولكن لم تذكر لنا على يد من أخذ علومه في مقتبل العمر. ولم تذكر لنا إلَّا اسم شيخه في الموصل بعد هجر بلاده لعله أمام الزحف التتاري. وكم نحن في شوق لمعرفة المزيد عمن أخذ عنهم، لأن
معرفة ذلك يؤنس القلب ويطمئن النفس، فيعرف المنبع الذي نهل منه والمصدر الذي تغذى عليه، فتزداد الثقة بعلمه.
ولكن لو لم يكن له شيخ إلا كمال الدين موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة- أبا الفتح الموصلي- لكفى ذلك دافعاً للثقة بعلم الأرموي والاعتراف بمنزلته، لأن العبرة ليست بالعدد والكثرة، ولكن العبرة بإتقان العلوم والإِلمام بها. فكم من عالم احتوى قلبه علم مئات العلماء، وأتقن من الفنون ما يعجز عنه العشرات وقديماً قال الشاعر:
فكم رجل يعد بألف رجلٍ
…
وكم رجلٍ يمر بلا عداد
وكمال الدين بن يونس (كما سيظهر لك من ترجمته التي أنقلها من مرجع واحد فقط، لأنني لو ذهبت أتقصى ترجمته في شتى الكتب لاتسع الأمر، ولأصبح تطويلًا قد يمجه الناظر مع ما فيه من الأخبار الشيقة) موسوعة علمية وبحر زاخر لشتى الفنون والعلوم العقلية والنقلية، وكان حظه من كل علم أعظم من حظ أربابه، حتى سعى له عظماء العلماء يلتمسون بصيصاً من نوره وجذوة من قبسه، وسوف لا أتكلف في نسبة تلمذة الأرموي لغير كمال الدين بن يونس، وأتشبث بخيوط العنكبوت حتى أصله بأناس لم يقم الدليل القاطع على وصله بهم، وأعني بذلك أني وجدت عباراتٍ في بعض
الكتب تدل على أنه تتلمذ على فخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ، وعدلت عن ذلك، لضعف هذه النسبة ولاحتمال الوهم أو التجوز في النسبة.
كمال الدين أبو الفتح موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة الموصلي والد شارح التنبيه "شرف الدين أحمد بن موسى"(1) ولد في صفر سنة 551 هـ بالموصل، وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس (2). ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي (3). وقرأ العربية بالموصل على الِإمام يحيى بن سعدون (4)، وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري (5).
(1) أحمد بن موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الأربلي الأصل، ثم الموصلي الشافعي شرف الدين أبو الفضل فقيه. ولد بالموصل سنة 575 هـ، وتوفي بها في 24 ربيع الآخر سنة 622 هـ. له شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي ومختصران لإحياء علوم الدين.
ترجم له: وفيات الأعيان 1/ 39، ابن كثير البداية والنهاية 13/ 111، مرآة الجنان لليافعي 4/ 50 - 52، مختصر دول الإسلام للذهبي 2/ 96، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 99، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5/ 17، كشف الظنون 24، 489، معجم المؤلفين 2/ 190.
(2)
هو يونس بن محمد بن منعة رضي الدين الموصلي الشافعي، تفقه على الحسين بن نصر خميس، وعلى أبي منصور الرزاز ببغداد، كان مولده بأربل سنة 511 هـ، وتوفي بالموصل في المحرم سنة 579 هـ. ترجم له شذرات الذهب لابن العماد: 4/ 267.
(3)
السديد السلماسي: هو الشيخ سديد الدين محمد بن هبة الله. كان إماماً نظاراً جدلياً تخرج به
جماعة من الفضلاء، وكان معيداً بالمدرسة النظامية، توفي في شعبان سنة 574 هـ. ترجم له طبقات الشافعية لابن السبكي 7/ 23، اللباب 1/ 552.
(4)
يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي أبو بكر، عالم بالقرآن والحديث واللغة له شعر. ولد بقرطبة سنة 486 هـ. وتعلم بمصر وبغداد، وأقام بدمشق ثم استوطن الموصل، وتوفي بها سنة 567 هـ. له القرطبية في القراءات.
ترجم له: وفيات الأعيان 2/ 226، بغية الوعاة 412، إرشاد الأريب 7/ 278، غاية النهاية 2/ 372، مرآة الجنان 3/ 380، الأعلام 9/ 180.
(5)
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله كمال الدين أبو البركات ابن الأنباري النحوي. سكن بغداد قرأ على أبي السعادات الشجري في النحو، وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي، والحديث عن ابن خيرون، والفقه على أبي منصور الرزاز. كان ورعاً له تصانيف كثيرة تبلغ الخمسين منها: هداية الذهب في معرفة المذاهب، وبداية الهداية، والنور اللائح في اعتقاد السلف الصالح، والتنقيح في مسلك الترجيح، والجمل في علم الجدل. توفي ليلة الجمعة التاسع من شعبان سنة 577 هـ ترجم له طبقات ابن السبكي 5/ 157، أنباه الرواة 2/ 169 ، بغية الوعاة 2/ 86، العبر 4/ 231.
ثم عاد إلى الموصل مقيماً بها. وكان رجلاً متبحراً في كثير من فنون العلم موصوفاً بالذكاء المفرط، إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتوى. وأصحابه يعظمونه كثيراً. وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وقال: أنه درَّس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين (1) صاحب أربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية، لأنه نسب إلى كمال الدين المذكور لطول إقامته فيه. ولما اشتهر فضله انثال عليه الفقهاء، وتبحر في جميع فنون العلم. وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضة، ولقد رأيْته بالموصل في شهر رمضان سنة 626 هـ.
وترددت إليه دُفَيْعاتٍ عديدةٍ لما كان بينه وبين الوالد- رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة، ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الِإقامة وسرعة الحركة إلى الشام.
وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعةً وعشرين فناً درايةً متقنة، ومن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان. وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم، ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل، مع ما يجيء عليه من الِإشكال المشهور، وكان يتقن فن الخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه وأصول الدين. ولما حملت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء، لم يفهم أحد منهم إصطلاحه فيها سواه، وكذلك الِإرشاد للعميدي (2) فلما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا.
(1) هو زين الدين علي المعروف بكجك صاحب إربيل، كان قصير القامة أصله من التركمان عمَّر
طويلًا حتى جاوز المائة، توفي بأربل ليلة الأحد 11 ذي القعدة سنة 563 هـ وحج مع أسد الدين شيركوه سنة 655 هـ، وفقد بصره في آخر عمره.
ترجم له: وفيات الأعيان 4/ 113، سيرة صلاح الدين لابن شداد ص 39.
(2)
هو محمد بن محمد ركن الدين العميدي أبو حامد السمرقندي، صاحب كتاب الإِرشاد في الخلاف وكتاب النفائس. وله الطريقة العميدية في الخلاف. أشتغل بكتابه الإِرشاد جماعة منهم شمس الدين أحمد بن الخليل الخويي قاضي دمشق وبدر الدين المراغي ونجم الدين المرندي. واختصر شمس الدين الخويي كتابه النفائس وسماه عرائس النفائس. توفي ليلة الأربعاء التاسع من جمادى الآخرة سنة 615 هـ ببخارى (الفوائد البهية ص 200).
وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعي والإلهي. وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضة من إقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي (وهي لفظة يونانية معناها بالعربية: الترتيب) وأنواع الحساب المفتوح منه، والجبر والمقابلة والأرتماطيقي وطريق الخطابين، والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره، إلَّا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها. وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر:
وكان من العلوم بحيث يقضى
…
له في كل علمٍ بالجميع
واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد، وكان يبحث في العربية والتصريف بحثاً تاماً مستوفى، حتى أنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري (1). وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة، وكان يحفظ من
التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئاً كثيراً.
وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهم هذين الكتابين شرحاً يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وكان في كل فنٍ من هذه الفنون، كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه. وبالجملة: فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه.
ولقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل (2) بن عمر بن المفضل الأبهري،
(1) هو محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي أبو القاسم جار الله، مفسر محدث متكلم معتزلي نحوي لغوي بياني أديب ناظم ناثر، ولد بزمخشر سنة 467 هـ، قدم بغداد ورحل لمكة، وتوفي بجرجانية ليلة عرفة سنة 538 هـ، له الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث وديوان شعر.
ترجم له: الأعلام 12/ 186، النجوم الزاهرة 5/ 274، وفيات الأعيان 2/ 107، معجم الأدباء 19/ 126، مرآة الجنان 3/ 269، المنتظم لابن الجوزي 10/ 112، نزهة الألبا للأنباري 469، طبقات المفسرين للسيوطي 41.
(2)
هو المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري أثير الدين، حكيم منطقي فلكي من تصانيفه هداية الحكمة. وشرح إيساغوجي، ودرايات الأفلاك والزيج وغيرها.=
صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة 626 هـ، ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف، فبينما أنا يوماً عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد. وكان فاضلاً فتجاريا في الحديث زماناً. وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث، فقال له الأثير: لما حجَّ الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنتَ هناك؟ فقال: نعم. فقال: كيف كان إقبال الديوان العزيز عليه؟ فقال: ذلك الفقيه. ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير: ما هذا إلَّا عجبٌ والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت: يا سيدنا كيف تقول كذا؟ فقال: يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي ووالله ما بينه وبين الشيخ نسبة.
وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم، يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه فيقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير، ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي. وقد حكى لي بعض الفقهاء: أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم. فقال: ما أعلم. فقال: وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك؟ فقال: لأنني مهما قلت تلقاه بالقبول. وقال: نعم يا مولانا. فما جادلني في مبحثٍ قط حتى أعلم حقيقة فضله. وكان الأثير معيداً عنده في المدرسة البدريَّة وكان يقول: ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ.
وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتقدم ذكره يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوماً وشرع في وصفه على عادته. فقال له بعض الحاضرين: يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه؟ فقال: هذا الرجل خلقه الله إماماً عالماً في فنونه، لا يقال: على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا.
= ترجم له: معجم المؤلفين 12/ 315، كشف الظنون 97، 206، 494، 953، 1493، 1616، 1750، 2028.
وحكى (1) لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئاً من المنطق سراً، فأجابه إلى ذلك، وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء، فقال له يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن.
فقال له: ولمَ ذلك يا مولانا؟ فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقائدهم فيك، ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته.
ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ، ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ، عرف أني ما أعرته وصفاً ونعوذ بالله من الغلو والتساهل في النقل.
وقد ذكره أبو البركات بن المستوفي (2) المتقدم ذكره في تاريخ أربل.
فقال: هو عالم مقدم، ضرب في كل علم. وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه، حل إقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي (3) يعني صاحب
(1) أي حكى لابن خلكان صاحب وفيات الأعيان، وهذه القصة غير موجودة في وفيات الأعيان
المطبوع وقد راجعت منه طبعتين فلم أجد هذه القصة وكنت قد ظننت أن هذه القصة إدراج من ابن السبكي، ولكن وجدت أن صاحب الطالع السعيد قد نقلها أيضاً، مما يدل على أن كتاب وفيات الأعيان المطبوع فيه نقص.
(2)
هو أبو البركات بن أبي الفتح بن المبارك بن موهوب اللخمي شرف الدين بن المستوفي الأربيلي، كان عالماً بالنحو واللغة والعروض والقوافي وأشعار العرب وأخبارهم، له تاريخ أرل في أربع مجلدات. شرح شعر المتنبي وأبي تمام في عشرة مجلدات. وكتاب إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل في مجلدين تكلم فيه على شواهد الزمخشري في المفصل. وسر الصنعة وكتاب (أبو قماش في الأدب والنوادر) سمع منه ابن خلكان كثيراً، تولى الديوان ثم الوزارة سنة 629 هـ، كان مولده منتصف شوال سنة 564 هـ بأربل، وتوفي بالموصل يوم الأحد الخامس من محرم سنة 637 هـ، ترجم له مرآة الزمان 644، الحوادث الجامعة 135، بغية الوعاة 384، العبر 5/ 155، شذرات الذهب 5/ 186، ابن خلكان 4/ 146.
(3)
شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي. رياضي له تصانيف في الجبر والمقابلة والهندسة، توفي بعد 606 هـ (انظر ترجمته في معجم المؤلفين 12/ 301 تراث العرب العلمي لقدري طوقان ص 356).
Brockman g،1:472. s،1: 858.859.
الأسطرلاب (1) الخطي المعروف بالعصا. وقال ابن المستوفي: وردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها، وهو في الفقه والعلوم الإِسلامية نسيج وحيد، ودرَّس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فنٍ. ثم قال: أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده:
لئن شرفت أرض بمالكٍ رقها
…
فمملكة الدنيا بكم تتشرف
ومكنت من حظ البسيطة مثل ما
…
تمكن في أمصار فرعون يوسف
بقيت بقاء الدهر أمرك نافذٌ
…
وسعيك مشهور وحكمك منصف
قلت أنا: ولقد أنشدني هذه الأبيات عند أحد أصحابه بمدينة حلب، وكنت بدمشق سنة 633 هـ، وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة وأقليدس، فكتب جميعها في درج وسيَّرها إلى الموصل، ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها، وذكر ما يعجز الِإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب: فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة، والفطنة خامدة قد استولى عليها كثرة النسيان وشغلها حوادث الزمان، وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه. وقال لي صاحب
المسائل المذكورة: ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم، ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان.
وحكى لي الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بنِ عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ، المعروف بتعاسيف (2)، وكان إماماً
(1) الأسطرلاب: يعرف به كيفية استخراج الأعمال الفلكية بطرق خاصة مبينة في كتبها. (انظر
مفتاح السعادة 1/ 389).
(2)
هو قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني الأسنوي علم الدين الملقب بتعاسيف، عالم رياضي=
في علوم الرياضة قال: لقد أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق، تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين، لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم، فسافرت إلى الموصل قصداً للاجتماع، فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين، وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه، وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي: في أي العلوم تريد تشرع؟ فقلت: في الموسيقى، فقال: مصلحة هو، فلي زمان ما قرأه علىَّ أحد، أوثر مذاكرته وتجديد العهد فشرعت فيه، ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتاباً في مقدار ستة أشهر، وكنت عارفاً بهذا الفن، لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه، وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي، وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك، وقد أطلت الشرح في نشر علومه، ولعمري لقد اختصرت.
ولما توفي أخوه الشيخ عماد الدين (1) محمد المتقدم ذكره، تولى الشيخ المدرسة العلائية موضع أخيه، ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدريَّة في ذي الحجة سنة 620 هـ، وكان مواظباً على إلقاء الدروس والإِفادة وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس وكان العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي (2)
= مهندس، ولد بأسفون من صعيد مصر سنة 574 هـ. أقام بحماة وبنى بها أبراجاً فلكيةً وطاحوناً على نهر العاصي، وتولى نظر الدواوين بالقاهرة، ومات بدمشق سنة 649 هـ.
ترجم له: الطالع السعيد ص 259، الأعلام 6/ 62.
(1)
هو عماد الدين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك لأربلي أبو حامد، ولد سنة 535 هـ بالموصل تفقه على والده. ثم رحل إلى بغداد، وتفقه على السديد السلماسي وغيره، وعاد للموصل ودرس بعدة مدارس فيها. له المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط وشرح الوجيز وكتاب التحصيل في الجدل، ولي القضاء وتوفي سنة 608 هـ بالموصل.
ترجم له: البداية والنهاية 13/ 62، شذرات الذهب 5/ 34، العبر 5/ 28، مرآة الجنان 4/ 16، هداية العارفين 2/ 108، وفيات الأعيان 3/ 385، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/ 109.
(2)
هو عمر بن عبد النور بن ماخوخ بن يوسف أبو علي الصنهاجي اللزبي النحوي، قدم مصر ورحل إلى الموصل ولازم كمال الدين بن يونس.
ترجم له: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي 2/ 220.
النحوي البجائي حاضراً، فأنشد على البديهة:
كمالَ كمالُ الدين للعلم والعلى
…
فهيهات ساعٍ في مساعيك يطمعُ
إذا اجتمع النظار في كل موطنٍ
…
فغاية كلٍ أن تقول ويسمعوا
فلا تحسبوهم من غناءٍ تطيلسوا
…
ولكن حياء واعترافاً تقنعوا
وللعماد المذكور فيه أيضاً:
تجر الموصل الأذيال فخراً
…
على كل المنازلِ والرسومِ
بدجلة والكمالِ هما شفاءٌ
…
لهيمٍ أو لذي فهمٍ سقيم
فذا بحر تدفق وهو عذب
…
وذا بحر ولكن من علوم
وكان الشيخ- سامحه الله- يُتهم في دينه، لكون العلوم العقلية غالبةً عليه، وكانت تعتريه غفلة في بعض الأحيان، لاستيلاء الفكرة عليه بسبب هذه العلوم، فقال فيه العماد المذكور:
أجدك أن قد جاد بعد التعبس
…
غزال بوصلٍ لي وأصبح مؤنس
وأعطيته صهباء من فيه مزجها
…
كرقة شعري أو كدين ابن يونس
انتهى كلام ابن خلكان.
ورأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من أقليدس إصلاح ثابت بن قرة (1) ما نصه: قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء، وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك، فأحضره واستنسخه وكتَبَه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خط وتاريخ الكتاب المشار إليه. التاسع عشر من ربيع الأول سنة 576 هـ. انتهى من طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 771 هـ. ولم أضف لما نقلته شيئاً من غيره (2).
وروى القاضي الأرموي- رحمه الله تعالى- كما نقل ذلك مؤلف كتاب مناقب أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني، المتوفى سنة 635 هـ حيث يقول: انتقلت من مصر إلى بلاد الروم بقصد التشرف والتقرب من الشيخ أوحد الدين الكرماني، وكان ذلك في عهد السلطان علاء الدين
(1) هو ثابت بن قرة بن زهرون الحراني الصابئ أبو الحسن، طبيب حاسب فيلسوف ولد بحران سنة 221 هـ، ونشأ بها، حدث منه أشياء أنكرتها الصابئة عليه، فخرج لبغداد واشتغل بالفلسفة والطب. كان له منزلة عند الخليفة العباسي المعتضد ألَّف نحو 150 كتاباً. منها الذخيرة في علم الطب. وأكثر كتبه في الهندسة والموسيقى كان يحسن معظم اللغات الشائعة في عصره، توفي ببغداد سنة 288 هـ.
ترجم له: طبقات الأطباء 0/ 215، حكماء الإسلام ص 20، وفيات الأعيان 1/ 100، الأعلام 2/ 81.
(2)
ترجم له: طبقات ابن السبكي الطبعة الأولى 5/ 158، وطبعة عيسى البابي الحلبي 8/ 378
(ويوجد زيادات في طبعة الحلبي) البداية والنهاية لابن كثير 13/ 158، شذرات الذهب 5/ 206، العبر 5/ 162، 163، عيون الأنباء 1/ 306، الفلاكة والمفلوكين 84، المختصر في تاريخ أبي البشر لأبي الفداء 3/ 177، 178، مرآة الجنان 4/ 101، مفتاح السعادة 2/ 356، 357، النجوم الزاهرة 6/ 342 - 344، وفيات الأعيان 4/ 396 - 401، وروض المناظر بهامش ابن الأثير 12/ 135، والحوادث الجامعة 149، الأعلام 8/ 288، معجم المؤلفين 13/ 51، مختصر دول الإسلام 2/ 110، إيضاح المكنون للبغدادي 1/ 75، 135، 2/ 367، تراث العرب العلمي لقدري طوقان 344، البغدادي هداية العارفين 2/ 479.