الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
النظر الثالث " في المأمور به وفيه مسائل
"
المسألة الأولى
" (1)
يجوز تكليف ما لا يطاق خلافًا للمعتزلة والغزالي.
لنا وجوه:
الأول: الكافر مأمور بالإِيمان وهو منه محال لإفضائه (2) إلى انقلاب علم الله جهلًا.
لا يقال: لو فرض الإِيمان بدلًا عن الكفر كان العلم (3) أزلًا متعلقًا به دون الكفر فلم يلزم محال. ثم لو وجب كل ما علم الله تعالى وجودَه وامتنع كل ما علم عدمه لزم أن يكون العلم (4) التابع للمعلوم مؤثرًا فيه. وأن يكون العلم قدرة. إذ لا معنى لها سوى الصفة المؤثرة. وأن لا يكون لنا اختيار وأن يكون العالم غنيًا عن المؤثر وأن لا يقدر الله تعالى على إيجاد شيء. ثم النزاع في
(1) هذه المسألة بحثها الإمام الرازي في كتبه الكلامية بالتفصيل وفي مواضع كثيرة وكذلك في تفسيره ونص رأي الغزالي رحمه الله من كتابه (والمختار استحالة التكليف بالمحال لا لقبحه ولا لمفسدة تنشأ عنه ولا لصيغته إذ يجوز أن ترد صيغته ولكن للتعجيز لا .. للطلب) ولمزيد من الإِيضاح للآراء والأدلة ينظر. المستصفى 105، نهاية السول 1/ 145، تفسير الرازي 1/ 178، الأربعين للرازي 227، المحصل للرازي 141، والمعالم بهامش المحصل 73.
(2)
وفي "ب، د" لأنه يستلزم انقلاب.
(3)
وفي "هـ" أولًا بدل أزلًا.
(4)
سقط من "ب" العلم.
الممتنع لذاته لا للعلم ثم ما ذكرتم يقتضي كون كل تكليفٍ تكليفُ ما لا يطاق ولم يقل به أحدٌ. ثم هو معارضٌ بوجوه:
أ - قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1). وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2).
ب - إن تكليف العاجز عبثٌ وهو على الله تعالى محال.
ج - المحال لا يتصور، إذ المتصور متميز، والمتميز ثابت. وما لا يتصور لم يكن إليه إشارة. والمأمور به إليه إشارة.
د - لو جاز ذلك جاز أمر الجماد.
لأنا نجيب عن:
أ (3) - بأن علمه لما تعلق بعدم الإِيمان أزلًا فلولا حصول متعلقه انقلب العلم جهلًا في الماضي.
ولقائل أن يقول (4): لا ينقلب (5) العلم جهلًا بل يكون تعلقه (6) أزلًا بالإِيمان، بدلًا عن تعلقه بعدمه. وهذا (7) لازم لتلازم عدم الإِيمان مع تعلق العلم به أزلًا.
ب، جـ - أنَّه لا يلزم من وجوب الشيء عند العلم كونه أثرًا له.
د - بمنع استحالته.
هـ، و- أن العلم تبع الوقوع التابع للقدرة فلم يمنع منها (8).
(1)[البقرة: 286].
(2)
[الحج: 78].
(3)
قول القاضي الأرموي لأنا نجيب عن أ. لا يوجد ترقيم ترجع له الأجوبة بل هذه الأجوبة راجعة إلى ما ورد بعد قوله لا يقال: لو فُرض الإِيمان بدلّا عن الكفر قبل صفحة واحدة.
(4)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على جواب الإمام الرازي: أنَّه لا يلزم أن لا ينقلب العلم جهلًا كما ذكر الإمام في جوابه بل يكون تعلق علمه سبحانه أزلًا، بالإِيمان بدلًا عن تعلقه بعدم إيمانه.
(5)
وفي "ب، د" لا يلزم انقلاب العلم.
(6)
وفي "ب" بعقله.
(7)
وفي "هـ " وهو بدل وهذا.
(8)
وفي "أ، ب، جـ" منه بدل منها.
ز - أن العلم بعدم الإيمان لمَّا نافى الإيمان، كان الأمر به زمان ذلك العلم أمرًا بالجمع بين المتنافيين.
ج - أنا نقول به.
وعن المعارضة الأولى: بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (1). ثم ظواهر النقل لا يعارض القواطع بل تؤول وإن لم نعلم عين التأويل.
ب - أنَّه إن عنى بالعبث الخالي عن المصلحة منعنا استحالته.
جـ - أن الحكم عليه بالامتناع يستدعي تصوره ولأنا نميز بين الجمع بين الضدين وبين قولنا الواحد نصف الاثنين.
د - أن الأمر إعلام (2) وهو في الجماد ممتنع.
الثاني (3): إنه تعالى أخبر (4) عن عدم إيمان قوم فاستحالة الإيمان منهم لما سبق.
الثالث: أمر أبا لهب (5) بالإيمان. ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه. ومما أخبر عنه أنَّه لا يؤمن فقد أمر بأنه لا يؤمن وهو جمع بين الضدين (6).
ولقائل أن يقول (7): لو سُلم أن تصديق الله في كل ما أخبر عنه
(1)[البقرة: 286].
(2)
وفي "أ، هـ"(الإعلام) بدل (إعلام).
(3)
أي الدليل الثاني من أدلة القائلين بجواز التكليف بما لا يطاق.
(4)
ومن الآيات الواردة بهذا الإخبار قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وقوله تعالى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .
(5)
هو عبد العزي بن عبد المطلب أحد أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم الأحد عشر مات هو وزوجه أم جميل على الكفر وكانا من أشد الناس إيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم نزل في حقه سورة من القرآن يتعبد بتلاوتها (انظر الوافي بالوفيات 1/ 83)
(6)
قول الأرموي تبعًا للإمام الرازي وهو جمع بين الضدين". فيه نظر. إذ إنِّ الجمع بين الضدين يكون فيما إذا كلف بأن يؤمن وأنه لا يؤمن وهذا ممنوع والذي كلف به هو أنَّه يؤمن بأنه لا يؤمن.
وهو من التكليف بالمحال. وليس من الجمع بين الضدين.
(7)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله إنه لا يسلم أن الإيمان هو التصديق بكل فردٍ فرد =
من الإِيمان لم يلزم منه أمره بتصديق هذا الخبر عينًا إذ ما هو من الإِيمان من التصديق يجب أن يكون جمليًا.
الرابع: دليل الجبر (1) المذكور في مسألة الحسن والقبح.
الخامس: الأمر إما حال استواء الداعي إلى الفعل والترك والفعل فيها ممتنع.
وأما حال رجحان الداعي إلى أحدهما، والراجح فيها واجب والمرجوح ممتنع لما مرَّ في الرابع.
السادس: أفعال العبد مخلوقة لله تعالى إذ لو كانت مخلوقة له لكان عالمًا بتفاصيلها وليس كذلك وهذا مقرر في الكلام (2) فلا قدرة للعبد على أفعاله.
ولقائل أن يقول (3): ذلك التقرير ضعيف يعرف في الكلام.
السابع: الأمر قبل الفعل والقدرة مع الفعل إذ لا بد لها من متعلق موِجود لامتناع أن يكون المعدوم الَّذي هو نفي محض مستمر مقدورًا.
لا قدرة للعبد حال وجود الفعل لامتناع إيجاد الموجود ولا قبله. إذ القدرة المتقدمة لو أثرت في الفعل المتأخر كان ذلك التأثير مغايرًا لوجود المقدور ويعود الكلام في تأثير القدرة في ذلك المغاير.
والوجهان يشكلان بقدرة الله تعالى.
التاسع: أمر الله تعالى بمعرفته في قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا اللهَ} (4).
فالمأمور إما العارف به، وتحصيل الحاصل محال، أو غير العارف
= مما أخبر الله تعالى عنه أو أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا لا يلزم التصديق بهذا الخبر عينًا.
(1)
وفي "ب"(الخبر) بدل (الجبر) وهو تصحيف.
(2)
يشير بذلك إلى بحث هذه المسألة في كتب الإِمام ومنها المحصل ص 141 وبهامشه المعالم ص 72. وكتابه الأربعين ص 230.
(3)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي. هو تضعيف الكلام في الدليل السادس حيث إنه يلزم على
نفي قدرة العبد على أفعاله الجبر. ثم بيَّن أن هذا الموضوع من مواضيع علم الكلام فبحثه هناك.
(4)
[محمد: 19].
به وهو ما دام غير عارفٍ به يمتنع أن يعلم أنَّه مأمور بمعرفته. وهو تكليفُ ما لا يطاق.
ولقائل أن يقول (1): ذلك أمر بمعرفة وحدانيته تعالى. سلمنا، لكن العلم بأمره تعالى يكفي فيه علمه به باعتبارٍ ما.
العاشر: إنه ورد الأمر بالنظر في قوله تعالى: {قُلْ انْظُرُواْ} (2) وأنه غير مقدور إذ لا قدرة على تحصيل التصور فإنه إن لم يكن مشعورًا به امتنع توجيه الذهن نحوه. وكذا إن كان (3) لامتناع تحصيل الحاصل. وكذا إن كان (4) مشعورًا به من وجه دون وجه. لأن الوجه الأول: معلوم مطلقًا، والثاني: مجهول مطلقًا وإذا امتنع تحصيل التصور امتنع تحصيل التصديق البديهي لوجوبه عند حصول تصور طرفيه، وامتناعه عند عدمه. وإذا امتنع تحصيل (5) البديهي فكذا تحصيل النظري لوجوبه عند حصول التصديقين البديهيين (6)، وامتناعه عند عدمه. فلم يكن الاستدلال مقدورًا.
ولقائل أن يقول (7): المعلوم باعتبار صادق عليه أمكن توجه الطلب نحوه. وإنما يمتنع ذلك في المجهول بجميع اعتباراته. ثم حضور (8) التصديقات البديهية في الذهن كيف كان لا يوجب العلم
(1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على الدليل السابع من أدلة الإمام على جواز التكليف بما لا يطاق إذ الأمر في الآية ليس أمرًا بمعرفته بل هو أمرٌ بمعرفةِ وحدانيته فقط وإن سلم أنَّ المأمور به معرفته. لكن يكون باعتبارٍ ما.
(2)
[يونس: 101 [أ.
(3)
أي إن كان مشعورًا به.
(4)
وفي "ب، د" فإنه إن كان مشعورًا به امتنع بحصوله تحصيله له وإن لم يكن مشعورًا به أصلًا امتنع تحصيله لغفلة الذهن عنه. وكذا إن كان مشعورًا به من وجه دون وجه.
(5)
وفي "جـ" تحصيل تصديق البديهي.
(6)
وفي "أ" التصديق البديهي.
(7)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي الله على الدليل العاشر من أدلة الإمام الرازي على جواز التكليف بما لا يطاق أنَّه لا يسلم أنَّه غير مقدور على النظر فبذلك تكون العلوم النظرية مقدورة.
(8)
وفي " أ، جـ "(حصول) بدل (حضور).