الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الثانية
"
يجوز تخصيص الكتاب والسنّة المتواترة بالقياس عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك والأشعري وأبي- الحسين البصري وأبي هاشم أخيراً. ومنع منه قوم- مطلقاً. وهو قول الجبائي وأبي هاشم أولاً. وفصل عيسى والكرخي كما تقدم. وقال ابن سريج (1) وكثير من فقهائنا يجوِّز بالقياس الجلي لا الخفي.
ثم قيل الجلي قياس المعنى والخفي قياس الشبه (2). وقيل الجلي ما يفهم علته (3) كما يفهم تعليل قوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"(4). بأنه يدهش عن تمام الفكر ليتعدى إلى الجائع (5). وقيل: هو ما ينقض القضاء بخلافه.
وقال الغزالي (6): إن تعادل العام والقياس توقفنا وإلا رجحنا الأقوى (7). وتوقف القاضي أبو بكر وإمام الحرمين- رحمهما الله- فيه والخلاف جارٍ في خصيص كل عام بقياس أصله من جنسه، وإن كان العام كتاباً أو سنةً متواترةً وأصل القياس خبر واحدٍ، فالجواز أبعد وعلى العكس أقرب.
لنا: ما تقدم في المسألة السالفة، والمعارضتان الأخيرتان (8) بجوابهما فيها آتية ههنا (9).
(1) وفي "هـ" ابن شريح.
(2)
في "ب"(التشبيه) بدل (الشبة).
(3)
في "أ" عنه بدل علته.
(4)
رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه وأبو داود من حديث أبي بكرة بلفظ: "لا يقضي القاضي بين إثنين وهو غضبان" رواه النسائي عن أبي بكرة بلفظ: "لا يقضيَن أحد في قضاء بقضاءين""ولا يقضيَن أحد بين خصمين وهو غضبان".
انظر تلخيص الحبير 4/ 189، والفتح الكبير 3/ 368.
(5)
في " أ، ب، د"(الجامع) بدل (الجائع).
(6)
نسب الِإمام الرازي هذا القول في المحصول لأبي سعيد الأصطخري.
(7)
انْنظر قول الغزالي في كتابه المستصفى ص 355.
(8)
الإخيرتان موجودة في (جـ) فقط.
(9)
تقدم في المسألة السابقة في أدلة المانعين لجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، أنه معارض =
احتجوا بوجوه:
أ- القياس فرع النص فكان أضعف منه فلئن قيل: هو فرع نصٍ آخر.
قلنا: لكن النصوص متساويةُ المقدمات، واختص القياس بزيادة (1) ضعف (2).
ب- حديث معاذ (3) يدل على تأخير الاجتهاد عن النص.
= بكون الكتاب مقطوع وخبر الواحد مظنون، فيقدم المقطوع على المظنون. وأنه معارض بأنه لو جاز تخصيص المقطوع بالمظنون للزم نسخ المقطوع بالمظنون، وجواز النسخ ممنوع.
(1)
في "أ، جـ" بزيادة فضعف.
(2)
زيادة الضعف التي اختص بها القياس هي كثرة مقدماته من حكم للأصل وكونه معللاً، والعلة منصوصة أو مستنبطة، وحكم الفرع وعدم وجود المعارض، وتحقق شروط صحة القياس وغيرها.
(3)
لم يتقدم ذكر لحديث معاذ وقد ذكر جزء منه في ص 2/ 163 الآتية. وكان من الواجب ذكر نصه ليعرف ولفظه: "أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا غلبك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؛ قال: بسنّة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي وّلا آلو. فضرب صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضاه رسول الله" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن عدي والطبراني والبيهقي من حديث الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ.
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بمتصل.
قال البخاري في تاريخه: الحارث بن عمرو من أصحاب معاذ، وعنه أبو عون لا يصح.
قال الدارقطني في العلل: رواه شعبة عن أبي عون وأرسله ابن مهدي عن أبي عون.
قال ابن حزم: لا يصح، لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون، وقد ادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب، لأنه لم يروه أحد غير أبي عون عن الحارث.
قال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح.
قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصح وإن كان الفقهاء يذكرونه كلهم في كتبهم، ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً.
وقد صنف ابن طاهر في هذا الحديث تصنيفاً منفرداً. قال فيه: اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار. وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين. أحدهما: طريق شعبة. والأخرى: عن محمد بن جابر عن الأشعث عن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلا الطريقين لا يصح.
ثم قال وأقبح مًا رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب أصول الفقه. والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ بن جبل وقال: هذه زلة منه ولو كان عالماً بالنقل، لما ارتكب هذه الجهالة.
قال ابن حجر: أساء الأدب مع إمام الحرمين وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة، مع أن =