الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيقباذ، الذي استقبلني بنفسه واستفسر مني عن مرادي، فأخبرته مرادي مصاحبة الشيخ أوحد الدين الكرماني، واستنكر ذلك، حيث إن ملطية لم تكن مركزاً يصلح مقراً لأمثال القاضي الأرموي، ثم أصدر أمره بأن أُنزلَ بمدرسةٍ أمام الجامع والتحقت بالتدريس فيها.
ثم أخذت في الذهاب للشيخ أوحد الدين الكرماني في كل يوم بعد العصر، وقد وجدت من لطفه وحسن خلقه ما لا أستطيع وصفه، وكنت مواظباً على الأذكار عنده، ويذكر قصة رجل آخر اسمه جمال الدين الواسطي، وهو عالم حكيم يجيد علوم الهيئة وأقليدس والمنطق والحكمة والنجوم والرياضيات، كان يتذاكر مع القاضي الأرموي في هذه العلوم واستفسر منه عن مكان ذهابه كل يوم، فأخبره أنه يذهب لملازمة الشيخ أوحد الدين الكرماني، فاستنكر ذلك جمال الدين الواسطي على القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي، ولكن استطاع القاضي الأرموي- رحمه الله أن يقنع زميله بالذهاب إلى الشيخ الكرماني، فأعجب به ولازمه أيضاً.
فهذه القصة قد يثبت منها أخذ القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي عن أوحد الدين الكرماني، فيعتبر أوحد الدين الكرماني أحد مشايخ الأرموي، وإن كانت تلمذته عليه تلمذة تزكية النفس والأخلاق، وأما العلوم فالأرموي قد حازها قبل ذلك.
فاستقبال علاء الدين كيقباذ له يدل على علو منزلته وعظمة علومه قبل وصوله إلى ملطية، فعينه مدرساً في مدرستها حال وصوله. ولا أظن أنه كان عظيم تأثير لأوحد الدين الكرماني على قدرة الأرموي العلمية، ولهذا لم أعتبره شيخاً له.
تَلاميذهُ
مما لا شك فيه أن عالماُ كالفاضي سراج الدين الأرموي في سعة العلوم وإتقانها والتصنيف فيها، لا بد وأن يكون له طائفةٌ ليست بالقليلة من طلبة العلم ولكن جميع من ترجم له لم ينقل اسم أحدٍ من تلاميذه رغم ورود
ترجمته في مراجع كثيرة ولهذا لا بد لي من دراسة كتب التراجم التي ترجمت لمن عاصره لمن دونه سناً. وبعد عناءٍ وتفتيش في كل كتابٍ يظن وجود ذلك فيه وصلت إلى أنه تتلمذ عليه عالمان من العلماء وهما:
1 -
محمد (1) بن عبد الرحيم (2) بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي المتكلم على مذهب الأشعري، كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن وأدراهم بأسراره متضلعاً بالأصلين. اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب التحصيل وسمع من الفخر بن البخاري، وروى عنه الذهبي شيخ السبكي صاحب الطبقات، ولد ببلاد الهند سنة 644 هـ، ورحل إلى اليمن سنة 667 هـ، ثم حجَّ وقدم إلى مصر، ثم سار إلى بلاد الروم، واجتمع بسراج الدين وقرأ عليه وخدمه حباً في العلم. ثم قدم دمشق سنة 685 هـ، واستوطنها ودرَّس بالأتابكية والظاهرية الجوانية، وشغل الناس بالعلم.
كان خطه في غاية الرداءة. وكان رجلًا ظريفاً ساذجاً فيحكى أنه قال: وجدت في سوق الكتب مرةً كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي فغاليت في ثمنه، واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط، فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم. ولما وقع من ابن تيمية في المسألة الحموية ما وقع، وعقد له المجلس بدار السعادة بين يدي الأمير تنكز وجمعت العلماء أشاروا بأن يحضر الشَّيخ الهندي فحضر، وكان الهندي طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهةً ولا اعتراضاً، إلا قد أشار إليه في
(1) ترجم له: طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 240، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 239، شذرات الذهب لابن العماد 6/ 37، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 14، البداية والنهاية لابن كثير 14/ 74، 75، الدارس للنعيمي 1/ 130، البدر الطالع للشوكاني 2/ 187، مرآة الجنان لليافعي 4/ 272، القلائد الجوهرية لابن طولون الصالحي 1/ 104، كشف الظنون 873، 953، 1217، 1991، مفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 218، هداية العارفين 2/ 143، معجم المؤلفين 1/ 160، الأعلام 7/ 72، نزهة الخاطر 2/ 138، حسن المحاضرة 1/ 544، طبقات الأسنوي 2/ 534.
(2)
ورد في حسن المحاضرة والوافي بالوفيات عبد الرحمن بدل عبد الرحيم وهو خطأ.
التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بعد على المعترض مقاومته، فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء. فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكانٍ فر إلى مكان آخر. وكان الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده، وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم فكلهم صدر عن رأيه وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة، وهي التي تضمنت قوله بالجهة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم، توفي بدمشق في 29 صفر سنة 715 هـ.
وله من المصنفات: نهاية الوصول إلى علم الأصول في ثلاث مجلدات رأيت الجزء الثالث منه في دار الكتب وهو شرح للمحصول، والفائق في أصول الفقه، والزبدة في علم الكلام، والرسالة التسعينية في الأصول الدينية.
2 -
تاج الدين الكردي (1):
قرأ رحمه الله على علماء عصره منهم العالم الفاضل سراج الدين الأرموي صاحب المطالع وبيان الحكمة. وحصل من العلوم شيئاً كثيراً وبرع في جميعها وتمهر في الفقه واشتهرت فضائله في الآفاق. ولما مات داود القيصري نصبه السلطان أورخان مقامه مدرساً بمدرسة أزنيق وأفاد تلاميذه.
زوج إحدى ابنتيه للشيخ إده بالي وزوج ابنته الأخرى للمولى خير الدين القاضي الذي أصبح وزيراً ولقب بخير الدين باشا.
(1) الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، طبع الأميرية حاشية على وفيات الأعيان 1/ 8،
ولم أجد له ترجمة في كتاب آخر.