الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" فرع"
نهى عليه السلام عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة ثم استقبل بيت المقدس فيه في البنيان (1) فالشافعي خصص عموم النهي بفعله في البنيان، ليجوز استقبال القبلة في البنيان للكل. إذ فعله مع دليل وجوب التأسي أخص من عموم النهي. والكرخي جعل فعله من خواصه. والقاضي عبد الجبار توقف فيه.
وإن عارضه فعل آخر بأن يقر عليه السلام شخصًا على فعل ضده فيعلم خروجه عنه. أو يفعل عليه السلام ضده في وقت يعلم لزوم مثله له فيه ما لم يرد ناسخ فيعلم نسخه عنه ثم النسخ والتخصيص بالحقيقة، إنَّما يلحق دليل وجوب التأسي به ودليل لزوم فعله عليه السلام له في المستقبل.
"
المسألة الرابعة
"
قيل: إنه (2) عليه السلام لم يكن قبل نبوته متعبدًا بشرع (3) من قبله. إذ لم يشتهر رجوعه إلى علماء شريعة ولا افتخار أهل شريعة به. ولا يعارض بأنه لم يشتهر عدم كونه على شريعةٍ، فإنَّ قومه لما لم يكن على شريعة لم يكن عدم كونه على شريعة بدعًا (4) بخلاف العكس.
وقيل: كان على شريعة لعموم الشرائع المتقدمة، ولأنه أَكلَ اللحم وركَب البهيمة وطاف بالبيت.
والجواب (5) عن:
أ - منع عموم تلك الشرائع. ثم علمه أو ظنه بها وهو المراد من زمان الفترة.
ب - أن ركوب البهيمة حسن عقلًا، لأن طريق حفظًا ونفعها بالعلف وأكل
(1) رواه الجماعة من حديث سلمان الفارسي ورواه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري انظر فتح الباري 1/ 468، نصب الراية 2/ 102.
(2)
ذكر القاضي الأرموي رحمه الله القولين بصيغة التضعيف "قيل" ولكن يظهر من إجابته عن أدلة من قال: إنه كان على شريعة قبل النبوة، أنه يقول بالقول الآخر وهو أنه لم يكن على شريعة قبل البعثة.
(3)
في "ب" بشرع أحد من قبله.
(4)
سقط من"ب" بدعًا.
(5)
لم يتقدم في المسألة "أ، ب". ويقصد ما ورد بعد قيل الواردة مرتين في المسألة.
اللحم حسنٌ عقلًا إذ لا يضر حيوانًا. والطواف لا يحرم من غيرِ شرع، وتوقف فيه قوم.
وأما بعد نبوته فقال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء بنفيه. وقال قوم من الفقهاء كان متعبدًا بشرع من قبله إلا ما نسخه الدليل. ثم قيل كان ذلك شرع إبراهيم وقيل شرع موسى وقيل شرع عيسى عليهم السلام. واعلم بأنه إن أريد بتعبده بشرع من قبله أن الله تعالى يوحي إليه بمثل (1) أحكام ذلك الشرع كُلًا فهو باطل لمخالفة شرعنا شرع من قبلنا (2) في أحكام كثيرة. أو
بعضًا وأنه لا يقتضي إطلاق القول بأنه متعبد بشرع من قبلنا (2)، لإيهامه التبعية مع أصالة شرعه. وإن أريد أنه تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم فهو أيضا باطلٌ لوجوه:
أ- لو كان كذلك لرجع إلى كتبهم ولو في واقعة ولما توقف إلى نزول الوحي، فإنه لم يعلم خلو تلك الشريعة عن حكم الواقعة، لتوقفه على البحث والطلب الشديد وعدم اشتهارها منه. ولم يرجع، لأنه لم يشتهر، ولأنه غضب حين طالع عمر رضي الله عنه ورقة من التوراة وقال عليه السلام:"لو كان موسى حيًا لما وسعه إلَّا اتباعي"(3). ورجوعه إلى التوراة في الرجم لم يكن لإثبات الشرع، لأنه لم يرجع في غيره إليها ولأنها محرفة عنده، ولأن قول من أخبره بوجود الرجم فيها لم يفد العلم بل كان لتقريره (4) عليهم لما حكموه فيه.
(1) سقط من "هـ" بمثل.
(2)
سقط من"ب" سطر كامل من قوله (من قبلنا إلى من قبلنا).
(3)
عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة فقال: يا رسول الله: هذه نسخة من التوراة فسكت. فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير. فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظر عمر إلى وجه رسول الله فقال: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله. رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان موسى حيًا وأدرك نبوتي لاتبعني" رواه الدارمي 1/ 95.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان بلفظ: (لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم).
(4)
في "ب" للتقرب.
لا يقال: الملازمة ممنوعة فإن (1) نقل تلك الأحكام تواترًا يغني عن الرجوع إلى كتبهم، ونقلها آحادًا يمنع قبولها لكفر النقلة.
لأنا نقول: جاز أن (2) ينقل بالتواتر متن الدلائل، لكن الاستدلال (3) به يتوقف على نظر دقيق، فكان يجب أن يشتهر عنه ذلك للنظر والبحث.
ب - لو تعبد بشرع قوم لوجب على علماء الأعصار الرجوع إلى كتبهم لوجوب التآسي به، وعدمه منهم ينفي وجوبه، ولكان حفظها علينا فرض كفاية كالقرآن والأخبار.
جـ - أنه عليه السلام صوب معاذًا في الحكم بالاجتهاد عند عدم الكتاب والسنة، وتعبده بشرع من قبله يوجب الرجوع إلى كتبهم قبل الاجتهاد، إذ لفظ الكتاب المذكور في الحديث ينصرف إلى القرآن لسبق الفهم إليه.
فإن قلت في القرآن آيات دالة على الرجوع إليها، فلم نحتج إلى ذكره كالِإجماع. قلت: عدم تعلم معاذ التوراة والِإنجيل وتمييز المحرف منهما عن غيره ينفي ذلك احتجوا: بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} (4). وقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (5). وقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (6). وقوله تعالى: {أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} (7) وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} (8).
(1) في "هـ" تلك الأحكام إن نقلت تواترًا.
(2)
في "هـ"(يتعلق) بدل (ينقل).
(3)
في " أ"(الاستقلال) بدل (الاستدلال).
(4)
المائدة: 44].
(5)
[الأنعام: 90].
(6)
[النساء: 163].
(7)
[النحل: 123].
(8)
[الشورى: 13].
والجواب عن:
أ (1) - أن كل النبيين لم يحكموا بكل التوراة، فالمراد أن كلهم حكموا ببعض ما فيها أو بعضهم حكموا بكل ما فيها. وأنه لا يضرنا.
ب - أن المراد هدى كلهم، وهو ما اتفقوا عليه، وهو الأصول.
جـ - أنه يقتضي تشبيهه الوحي بالوحي لا (2) تشبيه الموحى به بالموحى به.
د - أن الملة هي الأصول. يقال (3) الشافعي وأبو حنيفة على ملةٍ واحدة ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واندراس شريعة إبراهيم عليه السلام.
هـ - أنه يقتضي أنه تعالى أمر محمدًا ونوحًا بإقامة الدين وأمرهما بإقامة الدين لا يقتضي اتحاد دينهما، كما أن أمر الاثنين بأداء الحقوق، لا يقتضي اتحاد حقوقهما - كيف؟ والآية تدل على أنه عليه السلام تعبد بما وصى به نوحًا بأمر مبتدئ.
(1) لا يوجد ترقيم للمجاب عنه. وهذا الجواب عن الآية الأولى من أدلة من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد البعثة متعبدًا بشرع من قبله.
(2)
سقط من "ب" لا.
(3)
في "أ، جـ"(قال) بدل (يقال).