الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الثالثة
"
جوز الشافعي (1) والقاضي أبو بكر رضي الله عنهما استعمال المشترك المفرد في معانيه على الجمع وهو قول الجبائي والقاضي عبد الجبار (2).
ومنع آخرون وهو قول أبي هاشم وأبي الحسين (3) البصري والكرخي (4). ثم المانع يرجع إلى القصد عند بعض وإلى الوضع عند بعض وهو المختار. إذ الموضوع للمفردات ما لم يوضع للمجموع لم يجز استعماله فيه وحينئذٍ لو استعمل في جميع معانيه لزم أن يحصل الاكتفاء بكل مفرد لاستعماله فيه وأن
لا يحصل ولا بواحد لاستعماله في المجموع وهو محال.
ولقائل أن يقول (5): النزاع في استعماله في كل واحد من المفهومات
(1) هو الإمام أبو عبد الله بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي، ولد سنة 150 هـ بغزة، وتوفي بمصر عام 204 هـ، صاحب الأم ومؤسس علم الأصول، وهو أشهر من أن يعرف.
ترجم له: وفيات الأعيان 4/ 163، طبقات الأسنوي 1/ 11، طبقات ابن السبكي 1/ 100، ابن كثير 10/ 251، النجوم الزاهرة 2/ 176، تذكرة الحفاظ 1/ 329، مرآة الجنان 2/ 13، طبقات المراغي 1/ 133، وفي مناقبه كتب.
(2)
هو عبد الجبار بن أحمد ويكنى أبا الحسين أحد أئمة المعتزلة ويلقب بقاضي القضاة. شافعي في الفروع معتزلي في الأصول. له من المطبوع (تنزيه القرآن عن المطاعن). شرح الأصول الخمسة والمغني تُوفِّي عام 415 هـ. ترجم له الأعلام 4/ 47، طبقات المعتزلة 122، طبقات الأسنوي 1/ 354، طبقات ابن السبكي 3/ 219، تاريخ بغداد 11/ 113.
(3)
في جميع نسخ التحصيل القاضي حسين وفي المحصول 1/ 1/372 أبو الحسين والذي يظهر أنه ليس من النساخ بل وهم وقع للقاضي الأرموي رحمه الله والله أعلم.
(4)
هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسن بن دلال بن دلهم الكرخي الفقيه الحنفي من كرخ جدان، ولد عام 260 هـ، له المختصر في الفقه وشرح الجامع الكبير والجامع الصغير لمحمد بن الحسن. له رسالة مطبوعة في الأصول عني بها نجم الدين النسفي. وله اختيارات في الأصول تخالف مذهب أبي حنيفة توفي عام 340 هـ ترجم له تاريخ بغداد 10/ 353، ابن الأثير 8/ 178، ابن كثير 11/ 224، النجوم الزاهرة 3/ 306.
(5)
ظاهر كلام الإمام رحمه الله في المحصول أنه اختار منع استعمال المشترك المفرد في معانيه وذلك بحجة أنه يلزم المحال لأنه يلزم من ذلك الاكتفاء بكل مفرد لاستعماله فيه، وأن لا يحصل الاكتفاء ولا بواحد لاستعماله في المجموع، ولكن القاضي الأرموي رحمه الله، قال بأن النزاع في استعماله في كل واحد من المفهومات. أي في كل فرد فرد على حدته =
لا في كلها وبينهما فرق. ثم استعمال اللفظ في معنى لا يوجب الاكتفاء (1) به مع استعماله في غيره معه. كاستعمال العام في كل واحد من أنواعه وأفراد أنواعه. وأيضًا المحال المذكور يلزم من استعماله في كل واحد من المفردين فلا حاجة (2) إلى المقدمة الأولى. وأيضًا إن عني بالوضع للمجموع ما يعم
الحقيقة والمجاز لا يلزم من استعمال اللفظ في جميع معانيه استعماله في المجموع. وإن عني به المختص بالحقيقة لا يلزم من عدم الوضع له عدم جواز استعماله فيه.
للمجوزين وجوه:
أ- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (3) والصلاة من الله تعالى رحمة (4) ومن الملائكة استغفار.
ب- قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (5). الآية. أراد بالسجود من الدواب الخشوع (6) ومن الناس
= بالمطابقة، وليس المراد هو الكلي المجموعي أي: كجعل مجموع المعنيين مدلولاً مطابقيًا، كدلالة العشرة على آحادها.
(1)
سقط من "ب" به.
(2)
(وفي أ، د، جـ) فلا حاجة به.
(3)
[الأحزاب: 56].
(4)
فسر الصلاة من الله تعالى بالرحمة تبعًا للمحصول. ولكن صاحب الحاصل لم يرتض ذلك، حيث أبدلها بالمغفرة محتجًا بأن استعمال الرحمة في حق الله ليس حقيقة بل مجازًا. لأن الرحمة في الحقيقة رقة القلب، وهو منزه عنها فيكون ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز، وليس بين الحقيقتين كما هو المدعى. وقد اعترض صاحب الحاصل على الاستدلال بهذه الآية، ولم يرضه البيضاوي في منهاجه حيث قال: إن في يصلون ضميراً عائداً إلى الله تعالى، وضميرًا يعود إلى الملائكة. وتعدد الضمائر بمثابة تعدد الأفعال، فكأنه قال: إن الله يصلي وملائكته تصلي والنزاع هو في استعمال اللفظ الواحد في معنييه. وأجاب الأسنوي أن الفعل لم يتعدد في اللفظ قطعاً وإنما تعدد في المعنى وهو عين الدعوى.
(5)
كان ينبغي إكمال الآية لعدم وجود موضع الشاهد في المذكور وتمامها: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18].
(6)
وردت الخشوع تبعًا للمحصول وفسرها الإِمام في تفسيره بالخضوع 6/ 149.
وضع الجبهة على الأرض (1) لتخصيص كثير ممن حق عليه العذاب منهم.
جـ - أراد بلفظ القرء في آية العدة الطهر والحيض لوجوب الاعتداد على المرأة المجتهدة بكل واحدٍ منهما بشرط أداء اجتهادها إليه.
د- قول سيبويه (2): قول القائل ويل لك (3) دعاء، وخبر جعله مفيدًا لهما.
والجواب (4): لو صح ما ذكرتم لكان اللفظ موضوعًا للمجموع كما للآحاد لئلا يلزم استعماله في غير موضعه وحينئذٍ يكون مستعملًا في أحد مفهوماته لا في كلها لما بينا وقد عرفت ما فيما بيَّن (5).
التفريع: إن منع في المفرد فمنهم من جوز في الجمع نفياً وإثباتًا والحق المنع إذ قوله: اعتدي بالأقراء معناه بقرء وقرء. والمفرد لا يفيد إلَاّ واحدًا فكذا جمعه. وفي النفي نظر إذ لم يدلنا قاطع على أن الواضع ما استعمله لإفادة الكل. وقد يجاب عنه بأن النفي يرفع مقتضى الإِثبات وهو واحد ولو أريد به المسمى بهذا الاسم صار اللفظ كالمتواطئ.
ولقائل أن يقول (6): إذا كان الجمع معناه تعديد الأفراد جاز أن يفاد به الكلي كما بالمفردات. ولأنهم يجمعون العام لإِفادة الأشخاص المختلفة.
(1) سقط من (أ، ب، جـ، د) على الأرض.
(2)
هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ويلقب بسيبويه. وهو لقب فارسي. معناه: رائحة التفاح،
ولد سنة 148 هـ بالبيضاء إحدى قرى شيراز. نشأ بالبصرة وأخذ العلم عن شيوخها، وألّف كتابه المشهور. له ترجمة في طبقات النحويين للسيرافي 48، مراتب النحويين 65، معجم الأدباء 6/ 80. وفيات الأعيان 3/ 463، البلغة في تاريخ أئمة اللغة 173، والأعلام للزركلي 5/ 252، مفتاح السعادة 1/ 153.
(3)
سقط من "أ" ويل لك.
(4)
عن الوجوه المتقدمة كلها لا عن قول سيبويه وحده.
(5)
وفي "هـ" وقد عرفت ما فيه: وهذه العبارة من قول القاضي الأرموي إشارة إلى اعتراضه المتقدم وهو أنه لا يلزم من عدم الوضع للمجموع استعماله في غير ما وضع له فالاستعمال في كل واحد لا يستلزم الاستعمال في الجميع.
(6)
قال التستري إن هذا الاعتراض غير متوجه على الإِمام. قال الرازي (إنه إذا لم يفد المفرد فكذا جمعه إذ الجمع تفصيل الآحاد) واعترض الأرموي: (بأن الجمع لما كان تعديد الآحاد =