الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: المسموع (1) المظنون "وفيه مسائل "
"
المسألة الأولى
"
يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك (2). وقيل: لا يجوز.
وقال عيسى بن أبان: إن خص قبله بدليلٍ مقطوع جاز وإلا فلا. وقال الكرخي: إن خص بدليل منفصل قبله جاز وإلَاّ فلا. وتوقف القاضي فيه.
لنا: أنهما دليلان وتقديم العام على الخاص يلغيه فوجب تقديم الخاص عليه وتمسك الأصحاب بإجماع الصحابة إذ خصصوا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} بخبر الصديق: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"(3) وقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} (4). يقول محمد بن مسلمة (5) والمغيرة (6) بن شعبة
(1) في (أ، هـ) السمع بدل المسموع.
(2)
هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي إمام دار الهجرة، ويكنى بأبي عبد الله سمع من ربيعة وعبد الرحمن بن هرمز. وأخذ القراءة عن نافع بن أبي نعيبم، وسمع الزهريّ ونافعاً وسعيد بن المسيِّب وعروة وأبا سلمة وغيرهم. ضُرب سبعين سوطاً لافتائه بعدم لزوم طلاق المكره انخلعت فيها كتفه، تتلمذ عليه ما يقرب الألف كما يقول القاضي عياض. معجم المؤلفين 8/ 168.
(3)
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بلفظ "لا نورث ما تركناه صدقة" قال ابن حجر ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) قد أنكره جماعة من الأئمة، وذلك بالنسبة لخصوص لفظة (نحن) وقد أخرجه النسائي والحميدي وغيرهم بلفظ (إنا معاشر الأنبياء لا نورث) انظر فتح الباري 7/ 12، وصحيح مسلم 5/ 153.
(4)
[النساء: 11].
(5)
محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري الحارثي أبو عبد الرحمن صحابي، ولد سنة خمس وثلاثين قبل الهجرة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين بعد الهجرة، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك، استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وولاه عمر على صدقات جهينة اعتزل الفتنة أيام علي وكان معداً عند عمر لكشف أمور الولاة في البلاد، وكان المحقق في الشكاوى الواردة عليهم. له ترجمة في الإصابة 7808، الكامل لابن الأثير 3/ 2.
(6)
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا عيسى أسلم عام =
أنه عليه السلام جعل للجدة السدس (1). إذ الميتة إذا خلفت بنتين وزوجاً وجدةً كانت للبنتين أقل أقل الثلثين (2). وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (3) بخبر أبي سعيد (4) في المنع من بيع الدرهم بالدرهمين (5). وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (6) بخعبر عبد الرحمن (7) في المجوس: (سُنوا بهم سنة أهل الكتاب)(8) وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (9) بخبر أبي هريرة في المنع من نكاح المرأة على عمتها وخالتها وبنت أختها وبنت أخيها (10).
= الخندق، قدم مهاجراً، وقيل أول مشاهده الحديبية، أصيبت عينه في اليرموك. أحد دهاة العرب الثلاثة، كان مفاوضاً للفرس في القادسية، ولاه عمر الكوفة ثم عزله عنها وولاه البصرة ثم أقره عثمان. اعتزل الفتنة ثْم ولاه معاوية على الكوفة، قيل: إنه أحصن ثلاثمائة امرأة في الإسلام، وقيل: ألف امرأة، له ترجمة في الإصابة 6/ 131، الاستيعاب 1445.
(1)
أخرجه مالك وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان والحاكم، نصب الراية 4/ 428.
(2)
وذلك لأن المسألة من إثني عشر. للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية وللجدة السدس إثنان، فتعول المسألة إلى ثلاثْة عشر. فتكون الثمانية نصيب البنتين أقل من الثلثين.
(3)
[البقرة: 275].
(4)
وفي "ب" أبي شعبة.
(5)
متفق عليه ولفظ البخاري: (لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم). هداية الساري 2/ 305.
(6)
[التوبة: 5].
(7)
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهريّ يكنى أبا محمد، كان يسمى في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة، فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. أمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ولد بعد عام الفيل بعشر سنين. أسلم قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وجمع بين الهجرتين، وتآخى مع سعد بن الربيع. شهد بدراً والمشاهد كلها. فتح دومة الجندل وتزوج تماضر بنت الأصبغ الكلابية بنت شريفه بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، فولدت له أبا سلمة وعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد ستة أهل الشورى الذي توفي عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو راضٍ كان من أثرياء المسلمين وخفَف مالاً كثيراً، حتى إنهم صالحوا إحدى زوجاته على ربع الثمن بثلاث وثمانين ألفاً. أعتق في يوم واحد واحدا وثلاثين عبداً، وفي وصيته لكل واحد ممن بقي من أهل بدر أربعمائة دينار، فكانوا مائة رجل توفي بالمدينة محام 31 هـ وهو ابن خمس وسبعين سنة، انظر الأصابة 4/ 176، الإستيعاب 844.
(8)
انظر هامش ص 1/ 280 من هذا الكتاب.
(9)
[النساء: 24].
(10)
رواه الجماعة من طريق أبي هريرة ورواه أحمد والبخاري والترمذي عن جابر (نصب الراية 3/ 170).
والاعتراض أن الصحابة إن أجمعت على تخصيص تلك الصور فلعلها خصت بالِإجماع وإلا سقط الدليل ولم يجب استناد (1) إجماعهم إلى هذه الأخبار إذ مستند الِإجماع قد يخفىِ للاستغناء بالِإجماع عنه. سلمنا: لكنها ربما كانت متواترة ثم صارت آحاداً.
احتج المانع بوجوه:
أ- الِإجماع (2): إذ رد عمر خبرَ فاطمة (3) بنت قيس وقال: (لا ندع كتاب (4) ربنا وسنّة نبينا يقول امرأةٍ لا ندري لعلها نسيت (5) أو كذبت).
ب- قوله عليه السلام: "إذا روي عني حديث فأعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالف فردوه (6).
جـ- الكتاب مقطوع فقدم على الخبر المظنون.
د- لو جاز تخصيصه به لجاز نسخه به بجامع تقديم الخاص.
(1) وفي "ب" إسناد الإِجماع.
(2)
إثبات الِإجماع في رد التخصيص بخبر الواحد لا يسلم لمن قال به.
(3)
هي فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر القرشية الفهرية. أمها أميمة بنت ربيعة من بني كنانة أخت الضحاك بن قيس كانت أكبر من الضحاك بعشر سنين من المهاجرات الأول، وكانت ذات عقلٍ ودينٍ وكمال وجمالٍ. اجتمع في بيتها أهل الشورى عند مقتل عمر. وهي التي استشارت الرسول صلى الله عليه وسلم لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم بن حذيفة، فأشار عليها أن تنكح أسامة بن زيد فنكحته، روى عنها النخعي والشعبي وأبو سلمة، وهي التي أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، الإِصابة 8/ 164، الاستيعاب 1901.
(4)
جزء من حديث أخرجه مسلم وغيرهما ولفظه: حدثنا الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود كفاً من حصى فحصبه به فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأةٍ لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (صحيح مسلم 4/ 198).
(5)
سقط من "أ" نسيت.
(6)
نقل ابن عبد البر النمري عن عبد الرحمن بن مهدي أن الزنادقة والخوارج وضعوه وقال الصغاني هو موضوع وورد بألفاظ أخرى عند الدارقطني والعقيلي والطبراني ووصفوه بالنكارة.
وسئل عنه ابن حجر العسقلاني فقال طرقه لا تخلو من مقال كشف الخفا 1/ 86، جامع بيان العلم وفضله 2/ 191.
والجواب عن:
أ- أنه ردٌ للتهمة بالكذب والنسيان.
ب (1) - أنه ينفي تخصيصه بالمتواتر. ولو قيل تخصيص الكتاب لا يكون على (2) خلافه. قلنا كذلك ههنا.
جـ- أن خبر الواحد تترك به البراءة الأصلية اليقينية على أن الكتاب مقطوع المتن مظنون الدلالة والخبر بالعكس. وأيضاً لما دلً القاطع على وجوب العمل بخبر الواحد كان وجوب العمل به مقطوعاً فاستويا.
ولقائلٍ أن يقول (3): في هذه الأجوبة نظر.
د (4) - أن الِإجماع فَصلَ بينهما وضعف الِإجماع على التخصيص بخبر الواحد سبق فالجواب الفرق بأن التخصيص أهون.
تنبيه: حيث جوز عيسى والكرخي تخصيصه به إنما جوَّزا لِصيرورة العام مجازاً عندهما فيكون الكتاب مقطوعَ المتن مظنونَ الدلالة والخبر بالعكس فتعادلا.
(1) كان الأولى من المصنف رد هذا الحديث بكونه موضوعاً كما نقلنا ذلك عن أئمة الحديث.
(2)
وفي (أ)(عن) بدل (على).
(3)
اعتراض القاضي الأرموي هذا غير مفصل، فلذا يكون تأويله من باب الاجتهاد، ولهذا قال بدر الدين التستري في توجيه اعتراضه لعله كان بالنسبة للدليل الأول أن فاطمة بنت قيس لم تكن متهمة بالكذب. وقوله: لا ندري أصدقت أم كذبت، لا يوجب تهمتها، وبالنسبة للدليل الثاني أنه لا يلزم من ترك العمل بخبر الآحاد ترك العمل بالخبر المتواتر، لزيادة قوة المتواتر.
وبالنسبة للثالث فإن البراءة الأصلية ربما يقدم عليها خبر الواحد، لأنها ليست من الأدلة الشرعية.
انظر حل عقد التحصيل لوحة 63.
(4)
خلاصة هذا الجواب أن الأصوليين فَصَلوا بين جواز التخصيص بخبر الواحد والنسخ به، على أن الِإجماع من الصحابة قد قام على جواز التخصيص به، وقام على عدم جواز النسخِ به، ولم يرتض الإمام الرازي هذا الجواب بعد نقله، وقال الجواب الصحيح لا يحصل إلا بذكر الفرق بينَ التخصيص والنسخ، وهو أن التخصيص أهون من النسخ، ولا يلزم من تأثير الشيء
في الأضعف تأثيره في الأقوى.