الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحن فيها، وانقادت له الألفاظ والتراكيب، وانسابت على سنان قلمه انسياب الماء الرقراق في الجدول الصافي، لا تكدره رواسب العجمة، فكانت عبارته سليمة نحوياً ودلالةً ودقةً.
وأما ما تكرر في كتابه من قلب الهمزة ياءً وَحذف همزة الممدود أو الهمزة في آخر الكلمة، فهذا أمر شائعٌ في ذلك الزمان رأيته في بعض المخطوطات الأُخرى، وهذا يحمل على أن اللغة العربية تميل للتسهيل في اللفظ، وحتى اليوم يوجد في كثير من الأقطار مَن يقلب الهمزة ياء ويحذف الهمزة من آخر الكلمة في اللفظ، وأما من ناحية الكتابة فالأمر فيها محمول على التضييق، فينبغي الالتزام بقواعد الإِملاء، وجميع نسخ التحصيل متوافقة في هذا المسلك من الكتابة، مما يدل على أن هذا التصرف ليس من النسّاخ، ومما ورد على هذا النحو ما رأيته في الصفحة الأولى أن كتابة (أنبيائك وأنبائك وخلائقك والفوائد) قد وردت مكتوبة على النحو الآتي:(أنبيايك، أنبايك وخلايقك، والفوايد).
وأما حذف الهمزة في آخر الكلمة فقد ورد منه في الصفحة الأولى: (النجبا والكرما والارتقا). وقد أصلحت ما حدث في المخطوطة بدون الإِشارة إليه في كل موضع لكثرته.
"
الخاتمة
"
لقد خلَّف سلف هذه الأمة لخلفها تراثاً ضخماً. فمنذ عصور الدولة الإِسلامية الزاهرة حتى يومنا هذا والمكتبة الإسلامية تستقبل مواليد جدداً في عالم المعرفة، ولكن لا يزال القديم يتميز بغزارة المادة العلمية، وتفوح منه رائحة الإِخلاص والتجرّد في تصنيفه من الأغراض الدنيويَّة التي لا بدّ وأن تضفي على المصنَّف بركةً وقوةً في التأثير في النفوس، وتشعر النفوس بانجذابٍ إليها لصفائها، وسلامتها مما شابَ غيرها من الأغراض الدنيوية.
ولا يزال يعيش الخلف عالةً على ما سطّرته أقلام السلف من تراثٍ ضخمٍ فني منه الشيء الكثير في ما مرّ على الأُمة الإِسلامية من حروب
طاحنة، ونقل منه ما نقل لخزائن مكتبات المستشرقين إبان غفوة الأُمة الإِسلامية واستهانتها بتراثها الضخم فملأت منه خزائن مكتبات أوربا. ومع هذا فقد بقي قسم ضخم ينتظر مَن يمدّ يده إليه ليُخرجه من غياهب سجنه، فيعيش عضواً فعّالًا في هذا المجتمع الإسلامي يؤدي دوره المطلوب منه.
وإخراجٍ الكتب المخطوطة من المكتبات ينبغي أن يكون في ثوبٍ جذاب. خالياً مما يشوبه من التصحيف والتحريف الذي حدث فيها على أيدي النسّاخ. نقياً من الأخطاء النحوية التي تكدّر الصفاء، منسقاً منظماً بعناوين بارزة، وفهارس تنبئ عما يحتويه الكتاب فيوفر الوقت على الناظر
فيه، ويسهّل الوصول إلى المراد. ولا سبيل لذلك إلا بتحقيق الكتاب قبل نشره بجمع جميع نسخه ومقابلتها، وتحقيق مادته العلمية تحقيقاً دقيقاً.
وكتاب التحصيل كسائر الكتب المخطوطة كان في أمسّ الحاجة لمن يميط عنه اللثام، ويزيل عنه النقاب فيُظهره وضّاءً في ثوبٍ جذاب ظاهر العناوين، بارز الفقرات خالٍ من التصحيف والتحريف، تحيط به فهارس ترشد الناظر فيه لما يريده في يُسرٍ وسهولة، وتحفّ به أبحاث وتعليقات تخبر مَن رآه عن قيمته العلمية، وتعرفه بمصنفه وتظهر طول باعه ورسوخ قدمه في هذا الفن وسائر الفنون، لأن معرفة شخصية المؤلف تبعث في النفوس الاطمئنان والثقة فيما تجده في الكتاب.
فنسخ كتاب التحصيل العشر لم تخلُ كسائر نسخ المخطوطات - من اختلافات في ألفاظ كثيرة كما يظهر ذلك للناظر في هامش الجزء التحقيقي واضحاً جليّاً. وبعض هذه الألفاظ يخلّ بالمعنى إخلالاً بيِّناً، بل قد يؤدي إلى عكس المعنى المراد، وقد وجدتُ أن إحدى النسخ وهي النسخة التي رمزت لها في التحقيق "ب" قد حدث فيها تقديم وتأخير في ترتيب صفحاتها عند تجليدها وبعد كتابتها ولا يمكن إصلاح هذا الخلل إلا بمقابلتها بالنسخ الأُخرى. ولم يقف الأمر عند هذا بل وجدت سطوراً ساقطة بالكلية، وأحياناً كلماتٍ لا يمكن استدارك كل ذلك إلَّا بتحقيق الكتاب ومقابلة نسخه، ولو خرجت كل نسخةٍ على ما هي عليه لظهرت أخطاء علمية ولغوية يصعب تلافيها.
والتحصيل في حاجة أيضاً لتحقيق مادته العلمية، والتأكد من صحة نسبة الأقوال إلى أصحابها، وتوضيح بعض الإِبهامات والغموض الناتج عن الاختصار. وهو لم يخلُ من مواضع وقع فيها غموض وإيهام غير الظاهر، وقد تعرضت لبيان ذلك في المبحث المتقدم الذي بحث فيه مسلك الأرموي في
اختصار المحصول، ومن هذا الغموض ما كان نتيجةً لدمج مسألتين في مسألةٍ واحدةٍ.
وأما المادة العلمية فالقاضي سراج الدين الأرموي - رحمة الله - مختصر ملتزم بالمحصول في آرائه، إلا ما نبّه عليه من اعتراضات وتنبيهات على أدلة ضعيفة وإضافة أُخرى أقوى منها في نظره.
ولذا وجدت أنه تابعِ الإِمام الرازي في المحصول، وربما الإِمام الرازي رحمه الله تابع من قبله في هفواتٍ علميةٍ قد تكون تصحيفاً تابع فيه اللاحق السابق ومن ذلك:
قد ورد في التحصيل (1) أن الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تستجيب وقد سمعت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} . لما دعاه فلم يجبه لأنه كان في الصلاة هو أبو سعيد الخدري. وبعد الرجوع للمحصول وجدت الأمر كما في التحصيل، ونظرت الأحكام لسيف الدين الآمدي فوجدت الأمر كما في التحصيل أيضًا.
وأما كتب السنة التي أوردت الحديث ومن بينها صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، ذكرت أن صاحب القصة هو أبو سعيد بن المعلى وليس أبا سعيد الخدري. وما كان يعرف ذلك بدون تخريج الحديث من كتب السنة.
ونظير ذلك ورد في جميع نسخ التحصيل (2) تبعاً للمحصول لفخر
(1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 279، وفتح الباري طبع السلفية 8/ 307،
والفتح الكبير 3/ 125، والاستيعاب 4/ 90. والبخاري أول كتاب التفسير وسنن أبي داود
كتاب الصلاة، وجامع الأصول في كتاب الفضائل.
(2)
انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 255، والفتح الكبير 3/ 368، مجمع الزوائد
4/ 196.
الدين الرازي أن راوي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقض في شيءٍ واحدٍ بحكمين مختلفين". هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبعد تقصّي كتب الحديث عند تخريجه، وجدت أن أبا بكر ليس من رواة هذا الحديث، بل راويه هو أبو بكرة. وقد تأكدت من أن التصحيف قد وقع في المحصول والتحصيل، وليس في كتب الحديث، لأنه في إحدى طرقه في معجم الطبراني الكبير عن عبد الرحمن بن حوشب قال كتب أبو بكرة إلى ابنه وهو عامل على سجستان: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقضيَنَّ أحد في أمر قضاءين". ولم تكن سجستان قد دخلت تحت ظل الدولة الإِسلامية في عهد الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه، ولم نعلم أحداً من أولاده وليّ سجستان.
ومن ذلك أيضاً ما ورد في جميع نسخ التحصيل (1) تبعاً للمحصول، أن القائل ليزيد بن المهلب بن أبي صفرة:
أمرتك أمراً جازماً فعصيتني
…
فأصبحت مسلوب الإرادة نادماً
هو الحباب بن المنذر. والحباب بن المنذر هو الصحابي الجليل صاحب المشورة في غزوة بدر بردم العيون، وهو لم يعش إلى إمارة يزيد بن المهلب.
وبعد طلب هذا البيت في بطون كتب الأدب والتواريخ مدة طويلة، وجدت في تاريخ بغداد وفي تاريخ الطبري أن قائله هو الحصين بن المنذر الرقاشي البصري، حامل راية بكر بن وائل في معركة صفين وكان في جيش علي رضي الله عنه. وكيف يمكن معرفة هذا التصحيف الذي تابع فيه القاضي سراج الدين الأرموي فخر الدين الرازي في المحصول لولا البحث عن مكان ورود البيت أثناء تحقيق النص. ونظير ذلك كثير محله هوامش القسم التحقيقي.
(1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 270، وتاريخ الطبري 6/ 396، وتاريخ بغداد
6/ 290.
وقد ورد في التحصيل تبعاً للمحصول نسبة بعض الأقوال لبعض العلماء بصورة قاطعة، مع أن أولئك العلماء لم يقولوا بذلك بل وردت عباراتٍ في كتبهم توهم ذلك فنسبت لهم أقوالٌ لم يقولوها.
ومثال ذلك ما ورد في التحصيل (1) تبعاً للمحصول من أن الإِمام حجة الإِسلام الغزالي رحمه الله يقول: إنه لا بدّ من تحقّق العقاب على ترك الواجب. وبعد الرجوع للمستصفى للتحقّق من صحة نسبة هذا القول إليه، وجدت أن الإِمام الغزالي رحمه الله قد زيَّف التعريف الذي يقول: بأن
الواجب ما يعاقب على تركه. ثم قال: لأنه قد يعفى عن العقوبة، وزيف تعاويف أُخرى، ثم نقل تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله، وهو:(ما يذم تاركه ويلام شرعاً بوجه ما). ولم يعترض عليه ثم نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال: (لو أوجب الله علينا شيئاً ولم يتوعد بعقاب على تركه لوجب، فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب). ثم قال الغزالي: (وهذا فيه نظر، لأنه ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى لوصفه بالوجوب، إذ لا نعقل وجوباً إلّا بأن يترجح فعله على تركه بالإِضافة إلى أغراضنا، فإذا اقتضى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلًا). انتهى ما ورد في المستصفى.
ولا أدري كيف نسب هذا القول للغزالي رحمه الله حيث إنه لم يصرّح بتحقق العقاب على ترك الواجب، بل زيّف التعريف الذي دل على ذلك، ولعلّ هذا قد صدر عنه في كتاب غير المستصفى، ولكن المعتمد في أقواله ما جاء في المستصفى، لأنه آخر ما صنّف في فن الأُصول وظهر فيه استقلال شخصيته وأما قوله:(وفيه نظر). بعد نقله ما نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني ليس كافياً في نسبة هذا القول إليه، بل قد يكون النظر من جهة أُخرى.
(1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 311، وانظر المستصفى طبع الفنية المتحدة
ص 80.
ومن ذلك ما ورد في التحصيل (1) تبعاً للمحصول ومعظم كتب الأصول كمختصر ابن الحاجب والأحكام لسيف الدين الآمدي من أن الإِمام الشافعي رحمه الله يقول بأن العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ، وسبب ما وقع فيه الأُصوليون من الخطأ في نسبة هذا القول للإِمام الشافعي أن إمام الحرمين في البرهان قال:(إنه الذي صح عندي من مذهب الشافعي). ثم نقله عنه الإِمام الرازي في المحصول وغيره من علماء الأُصول.
والصحيح أن الإِمام الشافعي رحمه الله قد نصّ على أن السبب لا أثر له، فقال في الأُم في باب ما يقع به الطلاق ما نصه:(وما يصنع السبب شيئاً إنما يصنعه الألفاظ، لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب. فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئاً لم يصنعه لما بعده، ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم)، وهذا يدفع ما نسبه إمام الحرمين للإِمام الشافعي.
والِإمام فخر الدين الرازي رحمه الله قد كشف عن عدم صحة هذه النسبة للإِمام الشافعي في كتابه مناقب الشافعي، حيث قال: (إنه التبس على ناقل هذا القول عن الشافعي، وذلك لأن الإِمام الشافعي رحمه الله يقول: إن الأَمة تصير فراشاً بالوطء حتى إذا أتت بولد يمكن أن يكون من الوطء لحقه سواءً اعترف به أم لا لقصة عبد بن زمعة لما اختصم هو وسعد بن أبي وقاص في المولود. فقال سعد: هو ابن أخي عهد إليَّ أنه منه. وقال عبد بن زمعة هو أخي، ولد على فراش أبي من وليدته فقال النبي صلى الله عليه وسلم، الولد للفراش وللعاهر الحجر، وذهب أبو حنيفة إلى أن الأَمة لا تصير فراشاً بالوطء، ولا يلحقه الولد إلَّا إذا اعترف به، وحمل الحديث المتقدم على الزوجة وأخرج
الأمة من عمومه. فقال الشافعي: إنَّ هذا قد ورد على سبب خاص وهي الأمة لا الزوجة، قال الإِمام. فخر الدين الرازي فتوهم الواقف على هذا الكلام أن الشافعي يقول: إنَّ العبرةَ بخصوص السبب ومراده أن خصوص السبب لا يجوز إخراجه عن العموم بالإِجماع، والأمة هي السبب في ورود العموم فلا يجوز إخراجها).
(1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 402، نهاية السول طبع صبيح 2/ 132.
وما تقدم يُظهِر مدى الحاجة لمقابلة النسخ قبل نشر الكتاب، ومدى الحاجة لتحقيق النَص بالتأكد من صحة نسبة الأقوال لأصحابها، وتظهر ضرورة تخريج الأحاديث والأشعار والآثار وذلك لتصحيح ما ورد في الكتاب من تصحيف وتحريف أثناء النسخ، وكانت الحاجة أيضًا ماسّة لتخريج الآيات القرآنية بذكر اسم السورة التي وردت فيها ورقمها في السورة مع التأكد من صحتها وفعلاً وجدت أيضاً بعض الأخطاء - وإن كانت يسيرة في بعض الآيات. ولقد كانت عدد الآيات الواردة في النص ليست بالقليلة فقد بلغت ثلاثمائة واثنتين وأربعين آية، جعلت لها فهرساً خاصاً في آخر القسم التحقيقي، وأما الأحاديث النبوية والآثار فقد بلغت في النص ثمانية أحاديث ومائتين، وأفردتها أيضاً بفهرس خاص في آخر القسم التحقيقي. وأما الأشعار والأمثال فكانت قليلةً جداً حيث بلغت واحداً وعشرين نصاً.
لقد كان من الضروري أيضاً أثناء التحقيق الترجمة لبعض الأعلام الواردة في النص، وذلك لمعرفة ما لهم من مصنفات وزمن وفاتهم ليكون الناظر في الكتاب على بصيرةٍ مما يجده منسوباً لهم، وقد بلغ عدد الأعلام المترجم لهم مائة وخمسة وثمانين علماً. كانت الترجمة لبعضهم في غاية المشقّة، وذلك لورود الاسم مصحفاً أحياناً، وورود اسمه فقط أو كنيته فقط وهو غير مشهور بذلك مثل أبي خازم القاضي، ومثل الحاكم صاحب المختصر ومثل ابن علية والقاشاني ومويس بن عمران. ولكن بحمد الله بعد البحث والتدقيق في بطون الكتب الناقلة عنهم استطعت كشف التصحيف ومعرفة المجهول منهم.
وكذلك ترجمت للطوائف والفِرَق الواردة في النص، وذكرت أرقام الصفحات التي وردت فيها وجعلت لها فهرساً في آخر القسم التحقيقي.
أما القسم الدراسي فكانت فائدته لا تقلّ عن القسم التحقيقي، والنتائج فيه تربو على القسم التحقيقي. فالقاضي سراج الدين الأرموي رحمه الله قبل التنقيب عن آثاره والبحث عن شخصيته لم تكن شخصيته واضحةَ المعالم بارزة الحدود. فقد كان في أذهان العلماء مرتبطاً فقط
بالتحصيل الذي يذكر تبعاً كلما ذكر المحصول ولا يعرف ما يحتويه هذا الكتاب، ومرتبطاً أيضاً بكتابه المشهور مطالع الأنوار في المنطق والحكمة، والآن ظهرت شخصيته على حقيقتها فقد استطعنا معرفة أربعة عشر مصنفاً له لم يطبع منها إلَّا ثلاثة فقط، ومؤلفاته موزعة في علوم شتى وليست محصورة في أصول الفقه والمنطق.
وشخصيته لم تكن واضحةً لعامة الناس فحسب، بل التبس أمره على أعظم مَن اشتغل بمعرفة أحوال العلماء ومصنفاتهم، وهو صاحب هداية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين إسماعيل باشا البغدادي (1)، الذي نسب للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ثلاثة مصنفات ليست له. بل هي لأرموي آخر اشترك معه في الاسم واسم الأب والنسبة وهو محمود بن أبي بكر الأرموي الصوفي المتوفى سنة 722 هـ بدمشق.
وهذه الكتب الثلاثة هي:
1 -
تهذيب المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده في اللغة.
2 -
ذيل النهاية لابن الأثير في غريب الحديث.
3 -
مختصر شرح السنّة للبغوي.
وبعض مَن ترجم له ذكر في مصنفاته أيضاً لوامع الأسرار، وهو ليس له، بل هو شرح لكتابه مطالع الأنوار لقطب الدين الرازي التحتاني المتوفى سنة 766 هـ.
وجميع التراجم التي اطّلعت عليها للقاضي سراج الدين الأرموي رحمه الله لم تظهره كما هو حيث لم تذكر له إلَّا جزءاً من مصنفاته، ولعل كونه عاش فترة نضوجه العلمي في بلاد الروم من أهم الأسباب في ذلك، وعندما أدركت هذه النقطة طفقت أبحث عن شخصيته من خلال الكتب المدونة بالفارسية والتركية، وفعلاً حصلت على نتائج باهرة ومعلومات قيِّمة، واكتشفت له مصنفات لم تذكرها له التراجم في الكتب العربية ومن ذلك:
(1) انظر هداية العارفين 2/ 406، طبع إستانبول سنة 1955 م.
1 -
شرح الوجيز لأفضل الدين الخونجي.
2 -
شرح كتاب التهذيب للشيرازي في الجدل.
3 -
رسالة في علم الكلام عثرت عليها بطريق الصدفة في مكتبة الحرم المكّي أثناء مطالعتي فيها.
4 -
ذكرت التراجم العربية أن له أسئلة على المحصول نقلاً عن فهارس المخطوطات، وبعد مطالعة هذه المخطوطة المُشار إليها، وجدت أنها ليست الاعتراضات المعروفة التي أثبتها في التحصيل، بل هو كتاب ضخم أشبه بالشرح للمحصول وقد سمّاه (مقاصد العقول من معاقد المحصول).
وقد شرحت كل هذا مفصلًا في فصل مصنفاته من القسم الدراسي.
ولعل المستقبل يكشف عن مصنفاتٍ أُخرى للقاضي الأرموي- رحمه الله ومن خلال بحثي في الكتب الفارسية عرفت أنه كان يقرض الشعر، وقد وصفه معاصروه بأنه وصل لمرتبة الاجتهاد.
وأما بالنسبة لمنزلته وفضله، فقد كشفتُ عن المناظرات التي كان يحضرها برفقة سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام في ردهات قصور بني أيوب، وأثبتُ سفارته للإمبراطور فردريك الثاني من قِبَل سلاطين بني أيوب، وكشفتُ النقاب عن ما وصل إليه من الجاه والمنصب في دولة سلاجقة الروم
حيث كان قاضياً للقضاة.
ومن خلال دراسة شخصية القاضي سراج الدين الأموري- رحمه الله في كتب التراجم والتواريخ العربية والفارسية والتركية ظهر- رحمه الله أنه من كبار علماء عصره وأنه متقن لشتى الفنون، وخاصة علمي أُصول الفقه والمنطق والحكمة، وأنه مصنف متقن واضح الشخصية فيما كتب وليس إمعةً يقول كما يقول غيره بدون سَبْر وتمحيص. فكان يُبدي رأيه ويظهر ما يتلجلج في صدره ومع هذا كان كريم الخلق لطيف العبارة، بعيداً عن مُماراة العلماء، ولذا كان يبدأ ما يعنّ له من ملاحظات بقوله: ولقائلٍ أن يقول:
وهذه الملاحظات تدل على دقةِ فهمه وشدةِ فطنته ورسوخ قدمه في فنه، فرحم الله القاضي الأرموي تلقاء ما قدم للمكتبة الإسلامية من تراث ضخم.
ونفع الله طلبة العلم بما أنتج إنه سميع مجيب، وسبحان ربك رب العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.