الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الثامنة
"
تقييد الحكم بالصفة لا ينفي الحكم عما عداه وهو قول أبي حنيفة وابنِ سريج (1) والقاضي أبي بكر وإمام الحرمين (2) وجمهور المعتزلة خلافًا للشافعي والأشعري ومعظم فقهاء أصحابنا.
لنا وجوه:
أ- أنَّه لا يدل عليه بلفظه لما (3) عرف ولا بمعناه لأن إثبات الحكم في أحدِ القسمين لا يستلزم نفيه عن الآخر. لجواز أن يختصَّ الأول بوجوب البيان كمن يملك السائمةَ فقط أو بيَّن حكم الآخرِ بنصٍ، أو تكون الفائدة البيان بلفظ أقوى في الدلالة. وهو الخاص، أو بغير نصٍ وذلك إذا لم يدل حكم الأول على حكم الثاني من طريق الأولى كما في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (4) وهذا الجواز ينفي اللزوم وإن كان ظاهرًا احترازًا عن مخالفة الظاهر.
ب- إنه ورد مع نفي الحكم عما عداه وعدمه. والأصل الحقيقة الواحدة.
جـ- إن الصورتين المختلفتين يجوز اشتراكهما في الحكم والإخبار عنه واختلافهما فيهما عقلًا. فلا يدل الإِخبار عن الحكم في إحداهما على
(1) هو أبو العباس أَحْمد بن عمر بن سريج الشَّافعيّ تتلمذ في الفقه على المزني، وفي الحديث على أبي داود، والزعفراني وغيرهم. ناظر أَبا داود الظاهري وتخرج عليه الطَّبْرَانِيّ صاحب المعاجم الثلاث الكبير والأوسط والصغيره بلغت مؤلفاته 400 مؤلف منها الرد على أبي داود في إبطال القياس، تُوفِّي عام 306 هـ. ترجم له البغدادي في هداية العارفين 4/ 287، ابن خلكان 1/ 21، طبقات ابن السبكي 2/ 87، الأعلام 1/ 56.
(2)
هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الأصولي الفقيه الشَّافعيّ الأديب، تفقه على القاضي حسين ودرَس الحديث على والده. له الرهبان في الأصول والورقات، وله الإِرشاد وتلخيص التقريب، تُوفِّي عام 478 هـ. ومن أشهر تلاميذه حجة الإِسلام الغزالي، والكيا الهراسي وغيرهم. له ترجمةٌ في وفيات الأعيان 1/ 360، تاريخ ابن كثير 12/ 182، تبيين كذب المفتري 278، طبقات ابن السبكي 3/ 249.
(3)
أي: أن اللفظ لم يذكر نفي الحكم عن الغيره إذ لو وضع للإِثبات هنا ونفي الحكم عن الغير
لم يكن فيه نزاع.
(4)
[الإسراء: 31].
ثبوته في الأخرى ولا على نفيه عنها.
د- القياس على تقييد الحكم بالاسم بجامع صلاحية نفي الحكم عما عدا المذكور فائدة لتخصيص المذكور بالذكر.
احتجوا بأمور:
أ- أنَّه يفيد (1) عرفًا. إذ يستقبحِ قول القائل: الِإنسان الطَّويل لا يطير.
ويعلل بأن القصير أَيضًا لا يطير والنقل خلاف الأصل.
ب- التخصيص له فائدة ونفي الحكم عما عداه يصلح فائدةً فحمل عليه تكثيرًا للفوائد. ولأن المناسبة مع الاقتران دليل العليَّة.
جـ- إن ترتب الحكم على الوصف يشعرُ بالعليَّة. والأصل تعليل الأحكام المتساويَة بالعلل المتساوية.
والجواب عن:
أ- النقض باستقباح قوله: زيد الطَّويل لا يطير. مع أن التقييد بالاسم لا ينفي الحكم عما عداه. وهذا مندفع لأنه تقييد بالصفة، ولو قال زيد لا يطير فإنما يستقبح لأنه بيان للواضحات لا لأنه عبث.
ب- إن تخصيص القادر لا يتوقف على مرجح. إذ التخصيص بالأحكامِ المعينةِ من هذا القبيل. إذ لا حُسنَ ولا قبحَ عقلًا.
وتخصيص إحداث العالم بوقتٍ معين منه. سلمناه لكن ما ذكرنا من الفوائد مرجحات.
ولقائل أن يقول (2): إن تلك الفوائد محتملة (3).
(1) خلاصة هذا الدليل أن الحكم المقيد بصفةٍ يفيد عرفًا نفيه عما عداه. فإذا قيل الِإنسان الطَّويل
لا يطير يضحك من هذا القول. لأنه لا فائدة من الصفة لأن القصير أَيضًا لا يطير وإذا ثبت في العرف ينبغي أن يثبت في أصل اللغة وإلا لزم النقل وهو خلاف الأصل.
(2)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على جواب الِإمام الرَّازيّ أن الفوائدَ متعارضة وفائدة الخصم ظاهرة وهي (نفي الحكم عند التقييد بالصفة عما عداه) وأما الفوائد المرجوحة التي ذكرها من قال برأي الإمام كبيان حمل السؤال كما ورد في الغنم السائمة. أو تقوية أحد القسمين لأنه عبَّر عنه بلفط أقوى وهو الخصوص وغير ذلك من الفوائد المحتملة.
(3)
هذا الاعتراض لم يرد إلا في نسخة "هـ".
جـ- لا نسلم أن الأصل ذلك لما سيأتي (1).
" فرعان"
الأول (2): التقييد بالصفة إنما ينفي الحكم عما عداه ما لم يكن ثمة عادة يحتمل أنها السبب في التخصيص بالذكر كما في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (3) وقوله عليه السلام: "أيما امرأةٍ
نكحت نفسها (4) بغير إذن وليها" (5).
الثاني (6): التقييد بالصفةِ في جنس إنما ينفي ذلك (7) الحكم عما عداه في ذلك الجنس وقيل: ينفيه في غيره أَيضًا.
لنا: إن دليل الخطاب مقتضى النطق وأنه لم يتناول غير ذلك الجنس.
احتجوا: بأن السوْم كالعلة لوجوب الزكاة فينتفي حيث ينتفي.
وجوابه: إن المذكور هو السوم في الغنم.
(1) أي لا نسلم أن الأصل إسناد الأحكام الرعية المتساوية إلى العلل المتساوية وسيأتي في القياس.
(2)
خلاصة هذا الفرع أن القائلين بأن التخصيص بالصفة يدل على نفي الحكم عما عداه أقروا بأنه لا دلالة له في المثاليْن المذكوريْن وذلك لأن العادة أن الخُلع لا يجري إلَّا عند الشقاق.
والمرأة لا تنكح نفسها إلَّا عند رفض الولي.
(3)
[النساء: 35].
(4)
سقط من"أ، جـ" نفسها.
(5)
رواه أَحْمد وأبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وحسنه التِّرْمِذِيّ وأعله جماعة بالإرسال وتمامه (فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)(إنصب الراية 3/ 184، تلخيص الحبير 296).
(6)
أبدلت "أ، ب" بالأول والثاني للتوضيح.
(7)
ذلك موجود في "هـ" فقط.