الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
النظر الثاني " في أحكام الوجوب وفيه مسائل
"
المسألة الأولى
" (1)
الأمر المطلق بالشيء أمرٌ بمقدماته المقدورة للمكلف.
(1) خلاصة مما قيل فيما لا يتم الواجب إلَّا به. هو إما أن يكون جزءًا للواجب كالركوع في الصلاة، وهذا محل اتفاق في وجوبه. وإما أن يكون شرطًا كالطهارة للصلاة، أو سببًا كالصيغة للعتق، والسبب والشرط إن كانا غيرُ مقدورين للمكلف كحضور العدد الَّذي تنعقد به الجمعة، اتفقوا على أن إيجاب الواجب لا يوجبه. بل إن الواجب نفسه يتوقف على وجود الشرط والسبب. ويكون الوجوب هنا مقيد بحصول السبب والشرط.
وأما إن كانا مقدورين للمكلف فهذه الحالة هي محل النزاع، لأن الواجب فيها مطلق بمعنى غير مقيد بحصول السبب. ومثال ذلك قول الشارع أقيموا الصلاة هل يجب الوضوء بقطع النظر عن وجوبه بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية أم لا؟ وهذا فيه أربعةُ مذاهب هي:
1 -
إنها تجب بوجوب الواجبً المطلق سواء أكانت سببًا شرعيًا كالصيغةِ للعتق أو شرطًا شرعياً كالطَّهارة للصلاة. أو كانت سببًا عقليًا كالنظر لحصول العلم، أو شرطًا عقليًّا كترك ضد الواجب. وهذا المذهب هو الَّذي اختاره الإمام وتابعه القاضي الأرموي عليه.
2 -
إنها لا تجب بوجوب الواجب مطلقًا؛ لأن اللفظ الدال على وجوب الواجب ساكت عنه، والجواب أنَّه يدل عليها بدلالة الالتزام.
3 -
إنها تجب إن كانت سببًا مطلقًا، ولا تجب إن كانت شرطًا، وحجتهم شدة ارتباط السبب بالمسبب، وجوابه: لا معنى للتفريق بين الشرط والسبب؛ لأن الواجب يتوقف وجوده على كل من السبب والشرط وهذا كافٍ في تحقق دلالة الالتزام.
4 -
التفريق بين الشرط الشرعي وغيره من العقلي والعادي. وهذا التفريق غير وجيه؛ لأن السبب العقلي والعادي أيضًا مقصودٌ للمكلف.
انظر المعتمد لأبي الحسين 1/ 202، والمستصفى 1/ 71، ونهاية السول 1/ 67، وحاشية التفتزاني على العضد 1/ 244.
وقالت الواقفية (1): إن كانت المقدمة سببًا للمأمور به كان أمرًا بها وإلا فلا (2).
لنا: إن الأمر اقتضى إيجاب الفعل على كلٍّ حالٍ إذ لا فرق بين قوله: أوجبت عليك الفعل في هذا الوقت وبين قوله: (ينبغي أن لا يخرج الوقت إلَّا وقد أتيْتَ به) فلو لم يقتضِ إيجاب المقدمة كان مأمورًا بالفعل حال عدمها وهو تكليفُ ما لا يطاق.
لا يقال: الأمر مقيد بحال حصول المقدمة. فإن قلتَ: إنه خلاف الظاهر قلتُ: وإيجاب المقدمة مع أن الظاهر لا يقتضيه خلاف الظاهر أيضًا.
لأن خلاف الظاهر رفع ما يقتضيه لا إثبات ما لا يقتضيه. وأيضًا لو قال السيد لعبده: اسقني والماء على مسافة لم تتقيد بحال قطع المسافة، وإلا لم يتوجه الأمر نحوه لو قعد عن قطعها.
ولقائلٍ أن يقول: لمَّا كان حال عدم (3) المقدمة من جملة الأحوال، كان تكليف مَا لا يطاق، إن لزم لازمًا على المذهبين، إلَّا أن تفسير (4) تلك الأحوال بما عدا حالتي (5): وجود ما يقتضي الأمر إيجابه، وعدمه، وحينئذٍ يمنع لزوم تكليف ما لا يطاق، إذ المحال هو الفعل مع عدم المقدمة. لا هو
في حال عدمها والمكلف به هو الثاني.
(1) الواقفية: فرقة من الأمامية. اتفقت الإمامية على سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق، المتوفى عام 148 هـ. ثم اختلفوا إلى فرق لا حصر لها منهم الواقفية وهم الذين وقفوا على جعفر الصادق ووالده محمد الباقر، ولم ينسبوها إلى غيرهما. وهؤلاء يسمون الباقرية والجعفرية الواقفة.
ويوجد فرقة أخرى تسمى بالإِسماعيلية الواقفة وهم يقولون: بأن الإمام بعد جعفر الصادق ولده إسماعيل وقالوا: إن إسماعيل لم يمت ولكنه اختفى، تقية عن بني العباس.
انظر (الملل والنحل للشهرستاني 1/ 165 - 167). والمقصود بالواقفية هنا، من توقف في هذه المسألة.
(2)
أي إذا لم تكن سببًا بل كانت شرطًا كالصلاة مع الوضوء فحينئذٍ المشروط لا يكون واجبَ الحصول عند حصول الشرط.
(3)
سقط من "أ، ب" عدم.
(4)
وفي "أ" يفسر.
(5)
وفي "هـ " جانبي.
" فروع"
الأول: ما لا يتم الواجب بدونه (1) إما أن يكون وصلةً إليه أو لا. والأول: إما أن يستلزمه كالإِيلام الَّذي لا يتم بدون الضرب المستلزم إياه.
وإما أن (2) لا يستلزمه وهو إما أن يكونَ احتياجه إليه شرعيًّا كالوضوء والصلاة. أو عقليًا وهو: إما أن يمكن تحصيله من المكلف كبعض الآلات أو لا يمكن كالقدرة. والثاني: إنما يلزم مع الواجب، لأنه لا يمكن استيقان الواجب بدونه. إما للاشتباه به كصلاة نُسيَت من صلاتيْن، أو للمقاربة بينهما كغسل جزءٍ من الرأس مع غسل (3) الوجه.
الثاني: إذا تعذَّر ترك المحرم بدون تركِ غيره لالتباسه به فقد يكون متغيرًا في نفسه، كاختلاط النجاسةِ بالماء الطاهر (4)، وقد لا يكون كاشتباه (5) إناءٍ نجسٍ بإناءٍ طاهرٍ. وللفقهاء فيه خلاف والأقوى
تحريم الكل تغليبًا للحرمة.
الثالث: إذا اشتبهت منكوحته بأجنبية وجب الكف عنهما، لكن قيل: الحرام (6) هو الأجنبية. وهو باطل لأن إثبات الحرج في الفعل ينفي حله. نعم حُرَّمتْ الأجنبية لكونها أجنبية والمنكوحة لاشتباهه بها. أما لو طلق إحدى امرأتيه أمكن القول بحلهما إذ
(1) وفي "جـ"(إلا به) بدل (بدونه).
(2)
سقط من "أ، جـ" أن.
(3)
سقط من "ب، د" غسل.
(4)
نقل مختصر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله أن النجاسة إذا وقعت في الماء نَجُسَ جميعه، إلَّا إذا كان كثيرًا جدًا كالبحر أو ما في حكمه. وذهب مالك والشافعي في القديم إلى أنَّه طاهر إن لم يتغير أحدُ أوصافه (الطعم واللون والرائحة) وأما أحمد والشافعي في الجديد قالا: ينجس مطلقًا إذا كان دون القلتيْن. ولا ينجس إلا بالتغير، إذا كان أكثر من قلتين (انظر مغني المحتاج 1/ 21، والمغني لابن قدامة 1/ 24، ومختصر الطحاوي 19).
(5)
لمعرفة آراء الفقهاء في اشتباه إناء نجس بإناء طاهر انظر مختصر الطحاوي 17، ومغني المحتاج 1/ 26.
(6)
في "أ، جـ" المحرم.